RAMADAN

Thursday, July 11, 2019

من دروس فقه المعاملات المالية المعاصرة للشيخ سعد بن تركي الخثلان



إذا اخرج الكسب المحرم أو الإيراد المحرم على كل سهم أين يضع هذا الكسب المحرم، يعني مثلا دخل في شركة مساهمة عرف بأنها تقرض أو تقترض بالربا، واستطاع أن يعرف مقدار الربا على وجه التقريب، وأراد الآن أن يتخلص من هذا الربا فأين يضع هذا الربا؟ نقول: إن هذا له عدة احتمالات: الاحتمال الأول: أن هذا الشخص يأخذ هذا الربا وينتفع به ويصبح ملكا له، وهذا الاحتمال احتمال مرفوض غير مقبول ؛ لأنه يقتضي تملك الربا الناشئ عن كسب محرم، هذا الاحتمال إذًا غير وارد الحقيقة، أن الإنسان يأخذ هذا الربا ويتملكه ؛ لأنه يقتضي أن يدخل ملك المسلم مال نشأ عن سبب حرام فهذا الاحتمال إذًا مرفوض.
الاحتمال الثاني: أنه يترك الفوائد الربوية والكسب الربوي ولا يأخذه، إنما يأخذ فقط الكسب الحلال أما الكسب الحرام يتركه مثلا في البنك وهذا أيضا غير مقبول، وإذا رجعنا إلى كلام الفقهاء في الكسب الناشئ عن الفعل المحرم كالزنا فإنهم نصوا على أن المال المدفوع في مقابل الزنا لا تستحقه البغي، لا تستحقه الزانية، لقول النبي = أو الحديث الذي رواه بن مسعود , أن النبي = نهى عن ثمن الكلب ومهر البغي وحلوان الكاهن - أخرجه البخاري ومسلم.
فإذًا، والزاني لا يرد عليه المال الذي بذله في الزنا، وليس ملكا للبغي، ثم إن ترك ذلك المال المحرم للبنك مثلا أو للشركة يترتب عليه أمور منها: الإعانة على الاستمرار في الربا والتجرأ عليه ؛ لأنه في الحقيقة يكون كأنه قد كافأهم على هذا العمل وترك لهم هذا المال، تصور أن مجموعة من الناس فعلوا ذلك، ثم إن المسلم مسئول أمام الله عز وجل عما تسبب فيه من إيجاد الحرام، مسئول أمام الله تعالى عما تسبب فيه من إيجاد الحرام، وتركه لهذا المال هو في الحقيقة تهرب، هو الآن ارتكب خطأ وحصل له مال محرم، وارتكب خطأ وكونه يتركه في البنك ولا يستلمه هو في الحقيقة تهرب لا يعفيه من المسئولية ؛ لأنه هو الذي تسبب في إيجاد هذا المال المحرم، ثم إن المصرف أو البنك لا يعد مالكا لهذه الفوائد لا على حسب قوانينه ولا بمقتضى الأحكام الشرعية فبأي حق تترك هذه الأموال، إذا عرفنا الاحتمال الأول أنه يأخذها ويتملكها وينتفع بها مرفوض، الاحتمال الثاني أنه يتركها للبنك أيضا مرفوض، الاحتمال الثالث: أنه يأخذها ولا ينتفع بها بل يتلفها أو يحرقها أو يرميها في البحر كما يقال، وهذا أيضا مرفوض ؛ لأن هذا فيه إضاعة للمال، والمسلم منهي عن إضاعة ماله، فكونه يأخذها ويتلفها أيضا هذا غير مقبول ومرفوض خاصة أن المبلغ ربما يكون كبيرا ربما يكون ملايين، إذًا لم يبق إلا الاحتمال الرابع: وهو أنه يأخذها ويتصدق بها في وجوه البر، وهذا هو الاحتمال الذي يتعين المصير إليه، لكن هنا لا بد من أن نقيد هذا التصدق بأن يكون بنية التخلص لا بنية التقرب ؛ لأن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيبا، فإذًا يتصدق بها بنية التخلص في وجوه البر.
إذًا عندنا أربع احتمالات، الاحتمال الأول: أنه يأخذها ويتملكها وينتفع بها وقلنا هذا مرفوض.
الاحتمال الثاني: أنه يتركها للبنك وهذا أيضا مرفوض، وعرفنا الأسباب.
الاحتمال الثالث: أنه يأخذها ويتلفها إما بحرقها أو بإتلافها بأي صورة من صور الإتلاف وهذا أيضا مرفوض ؛ لأنه إضاعة للمال.
الاحتمال الرابع: أنه يأخذها ويصرفها في وجوه البر بنية التخلص، وهذا هو الذي يتعين المصير إليه.
وهل يجوز أن يتصدق بها على الفقراء والمساكين؟ نقول: نعم، يتصدق بها على الفقراء والمساكين، ولا يقال: إن هذا مال خبيث كيف يتصدق به على فقير أو مسكين؟ نقول: لأن تبدل الملك سبب لتبدل الذات، وهذه قاعدة، قاعدة فقهية: أن تبدل الملك سبب لتبدل الذات، ويدل لهذه القاعدة قول النبي r , هو لها صدقة ولنا هدية - لما تصدق على بريرة فأهدت للنبي = فقيل: يا رسول الله إنها صدقة، ومعلوم أن النبي = لا يأكل الصدقة فقال: , هو لها صدقة ولنا هدية - فإذا أهدى الفقير هدية بصدقة تصدق بها عليه فإنها تصبح هدية ولا تصبح صدقة؛ لأنه بمجرد تملك الفقير الصدقة أصبحت ملكا له ولم تعد صدقة، فله أن يتصرف فيها إما بإهداء أو بيع أو نحو ذلك.
فتبدل الملك سبب لتبدل الذات، وهكذا أيضا نقول: هذا الشخص عنده هذا المال حرام إذا أعطاه لفقير هنا تبدل الملك، فيعتبر للفقير حلالا بينما لهذا الشخص كان في حقه حراما، ومما يدل لهذا أن الإنسان يتعامل مع غيره وربما يكون هذا المتعامل معه ربما يكون هذا المال الذي يتعامل به معه محرما، ربما يكون هذا المال مثلا مسروقا.
لو ذهبت واشتريت سلعة من شخص، نعم بعت سلعة على شخص وأخذت منه دراهم ولم تعلم بأن هذه الدراهم التي أعطاك إياها أنها مغصوبة مثلا أو مسروقة فإنه لا شيء عليك، أو حتى لو أخذها من طريق ربوي ولم تعلم أنت بهذا، وإلا لو قلنا بأن كل شخص عليه بأن يتتبع مصدر هذا المال للحق الناس حرج عظيم، فتبدل الملك إذا سبب لتبدل الذات، إذا لا بأس بأن تعطى الفقراء والمساكين .
ومما يدل لهذا أنه لو أن شخصا عنده مال وهذا المال محرم لكسبه ثم توفي، فإنه يصبح لورثته مباحا يصبح لورثته حلالا ؛ لأن تبدل الملك سبب لتبدل الذات، فلو كان شخص يتعامل بالربا ثم توفي، فإنه تكون أمواله كلها مباحة للورثة، وهذا في قول عامة أهل العلم .
فإذا لا بأس بأن يعطي هذا المال الفقراء والمساكين، أو يتصدق بها في أي وجه من وجوه البر والإحسان وما ينفع المسلمين .
وقول بعض من العلماء : إنه لا يتصدق بها إلا في دورات المياه، المساجد، ونحو ذلك، هذا محل نظر ؛ لأنه لا دليل على هذا القول، ولأن هذا المال كما ذكرنا تغير وتبدل ملكه ، يعني تغير حقيقته وتكييفه، يعني القول بأنه لا يتصدق به إلا في مثل هذه الأمور ليس عليه دليل، والصواب أنه يتصدق به في أي وجه من وجوه البر، ولا بأس بأن يعطيه الفقراء والمساكين هذا ما يتعلق بهذه المسألة .