RAMADAN

Saturday, December 8, 2018

تَصَرَّمتِ الدنيا فليسَ خلودُ .. يحيى بن المبارك اليزيدي



تَصَرَّمتِ الدنيا فليسَ خلودُ
وما قد ترى من بهجةٍ سَيبَيِدُ
لكلِّ امرئ منا من الموت منهلٌ
وليس له إلا عليه ورود
ألم تر شيباً شاملاً يُنذرُ البِلى
وإن الشبابَ الغضَّ ليس يعودُ
سيأتيك ما أفنى القرونَ التي خَلَتْ
فكن مستعداً فالفناءُ عتيدُ
أسيتُ على قاضي القضاةِ محمدٍ
فأذرَيتُ دمعي والفؤادُ عميدُ
وقلتُ إذا ما الخطبُ أشكلَ مَنْ لنا
بإيضاحه يوماً وأنت فقيدُ
وأقلقني موتُ الكسائيّ بعدهُ
وكادتْ بي الأرضُ الفضاءُ تَميدُ
فأذهلني عن كلِّ عيشٍ ولذةٍ
وأرَّقَ عيني والعيونُ هُجود
هما عالمانا أود يا وتخرّما
وما لهما في العالمين نَديِدُ
فخرنيَ إنْ تَخْطُر على القلبِ خَطرةٌ
بذكرهما حتى المماتِ جديدُ


Sunday, October 21, 2018

من مقدمة القاموس المحيط لمجد الدين أبو طاهر محمد بن يعقوب الفيروزآبادى

وهو يتحدث عن اللغة العربية:
وَهَذِهِ اللُّغَةُ الشَّرِيفَةُ، الَّتِي لَمْ تَزَلْ تَرْفَعُ الْعَقِيرَةَ غِرِّيدَةُ بَانِهَا، وَتَصُوغُ ذَاتُ طَوْقِهَا بِقَدْرِ
الْقُدْرَةِ فُنُونَ أَلْحَانِهَا، وَإِنْ دَارَتِ الدَّوَائِرُ عَلَى ذَوِيهَا، وَأَحَنَّتْ عَلَى نَضَارَةِ رِيَاضِ عَيْشِهِمْ تُذْوِيهَا، حَتَّى لَا لَهَا الْيَوْمَ دَارِسٌ سِوَى الطَّلَلِ فِي الْمَدَارِسِ، وَلَا مُجَاوِبَ إِلَّا الصَّدَى مَا بَيْنَ أَعْلَامِهَا الدَّوَارِسِ، وَلَكِنْ لَمْ يَتَصَوَّحْ [يتشقَّقْ] فِي عَصْفِ تِلْكَ الْبَوَارِحِ نَبْتُ تِلْكَ الْأَبَاطِحِ أَصْلًا وَرَاسًا [رأسا] ، وَلَمْ تُسْتَلَبِ الْأَعْوَادُ الْمُورِقَةُ عَنْ آخِرِهَا، وَإِنْ أَذْوَتِ اللَّيَالِي غِرَاسًا. وَلَا تَتَسَاقَطُ عَنْ عَذَبَاتِ أَفْنَانِ الْأَلْسِنَةِ ثِمَارُ اللِّسَانِ الْعَرَبِيِّ، مَا اتَّقَتْ مُصَادَمَةَ هُوجِ الزَّعَازِعِ بِمُنَاسَبَةِ الْكِتَابِ وَدَوْلَةِ النَّبِيِّ.
وَلَا يَشْنَأُ [يكره] هَذِهِ اللُّغَةَ الشَّرِيفَةَ إِلَّا مَنِ اهْتَافَ [رمى] بِهِ رِيحُ الشَّقَاءِ، وَلَا يَخْتَارُ عَلَيْهَا إِلَّا مَنِ اعْتَاضَ السَّافِيَةَ [الريح المتربة] مِنَ الشَّحْوَاءِ [البئر الواسعة غزيرة الماء] ، أَفَادَتْهَا مُيَامِنُ أَنْفَاسِ الْمُسْتَجِنِّ بِطَيْبَةَ [المدينة المنوَّرة] طِيبًا، فَشَدَتْ بِهِ أَيْكِيَّةُ النُّطْقِ عَلَى فَنَنِ اللِّسَانِ رَطِيبًا، يَتَدَاوَلُهَا الْقَوْمُ مَا ثَنَتِ الشِّمَالُ مَعَاطِفَ غُصْنٍ، وَمَرَتِ الْجَنُوبُ لِقْحَةَ مُزْنٍ، اسْتِظْلَالًا بِدَوْلَةِ مَنْ رَفَعَ مَنَارَهَا فَأَعْلَى، وَدَلَّ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى. وَكَيْفَ لَا، وَالْفَصَاحَةُ أَرَجٌ [ريحُ الطِّيب] بِغَيْرِ ثِيَابِهِ لَا يَعْبَقُ، وَالسَّعَادَةُ صَبٌّ [عاشق متيَّم] سِوَى تُرَابِ بَابِهِ لَا يَعْشَقُ. شِعْرٌ:
إِذَا تَنَفَّسَ مِنْ وَادِيكَ رَيْحَانُ ... تَأَرَّجَتْ مِنْ قَمِيصِ الصُّبْحِ أَرْدَانُ
وَمَا أَجْدَرَ هَذَا اللِّسَانَ - وَهُوَ حَبِيبُ النَّفْسِ، وَعَشِيقُ الطَّبْعِ، وَسَمِيرُ ضَمِيرِ الْجَمْعِ، وَقَدْ وَقَفَ عَلَى ثَنْيَةِ الْوَدَاعِ، وَهَمَّ قِبْلِيُّ مَزْنِهِ بِالْإِقْلَاعِ - بِأَنْ يُعْتَنَقَ ضَمًّا وَالْتِزَامًا، كَالْأَحِبَّةِ لَدَى التَّوْدِيعِ، وَيُكْرَمَ بِنَقْلِ الْخُطُوَاتِ عَلَى آثَارِهِ حَالَةَ التَّشْيِيعِ. وَإِلَى الْيَوْمِ نَالَ بِهِ الْقَوْمُ الْمَرَاتِبَ وَالْحُظُوظَ، وَجَعَلُوا حَمَاطَةَ [صميم] جُلْجُلَانِهِمْ [قلوبهم] لَوْحَهُ الْمَحْفُوظَ. وَفَاحَ مِنْ زَهْرِ تِلْكَ الْخَمَائِلِ، وَإِنْ أَخْطَأَهُ صَوْبُ الْغُيُوثِ الْهَوَاطِلِ [الأمطار الغزيرة] ، مَا تَتَوَلَّعُ بِهِ الْأَرْوَاحُ لَا الرِّيَاحُ، وَتُزْهَى بِهِ الْأَلْسُنُ لَا الْأَغْصُنُ، وَيُطْلِعُ طَلْعَةَ الْبَشَرِ لَا الشَّجَرِ، وَيَجْلُوهُ الْمَنْطِقُ السَّحَّارُ لَا الْأَسْحَارُ، تُصَانُ عَنِ الْخَبْطِ أَوْرَاقٌ عَلَيْهَا اشْتَمَلَتْ، وَيَتَرَفَّعُ عَنِ السُّقُوطِ نَضِيجُ ثَمَرٍ، أَشْجَارُهُ احْتَمَلَتْ، مِنْ لُطْفِ بَلَاغَةِ لِسَانِهِمْ مَا يَفْضَحُ فُرُوعَ الْآسِ رَجَّلَ جَعْدَهَا مَاشِطَةُ الصَّبَا [ريح الشَّمال اللطيفة] ، وَمِنْ حُسْنِ بَيَانِهِمْ مَا اسْتَلَبَ الْغُصْنَ رَشَاقَتَهُ فَقَلِقَ اضْطِرَابًا شَاءَ أَوْ أَبَى. وَلِلَّهِ صُبَابَةٌ [صفوةٌ باقية] مِنَ الْخُلَفَاءِ الْحُنَفَاءِ، وَالْمُلُوكِ الْعُظَمَاءِ، الَّذِينَ تَقَلَّبُوا فِي أَعْطَافِ الْفَضْلِ، وَأُعْجِبُوا بِالْمَنْطِقِ الْفَصْلِ، وَتَفَكَّهُوا بِثِمَارِ الْأَدَبِ الْغَضِّ، وَأُولِعُوا بِأَبْكَارِ الْمَعَانِي وَلَعَ الْمُفْتَرِعِ الْمُفْتَضِّ. شَمِلَ الْقَوْمَ اصْطِنَاعُهُمْ، وَطَرِبَتْ لَكَلِمِهِمُ الْغُرِّ أَسْمَاعُهُمْ، بَلْ أَنْعَشَ الْجُدُودَ الْعَوَاثِرَ [الحظوظ السيِّئة] أَلْطَافُهُمْ، وَاهْتَزَّتْ لِاكْتِسَاءِ حُلَلِ [أثواب] الْحَمْدِ أَعَطَافُهُمْ، رَامُوا تَخْلِيدَ الذِّكْرِ بِالْإِنْعَامِ عَلَى الْأَعْلَامِ، وَأَرَادُوا أَنْ يَعِيشُوا بِعُمُرٍ ثَانٍ بَعْدَ مُشَارَفَةِ الْحَمَامِ [الموت] . طَوَاهُمُ الدَّهْرُ فَلَمْ يَبْقَ
لِأَعْلَامِ الْعُلُومِ رَافِعٌ، وَلَا عَنْ حَرِيمِهَا الَّذِي هَتَكَتْهُ اللَّيَالِي مُدَافِعُ، بَلْ زَعَمَ الشَّامِتُونَ بِالْعِلْمِ وَطُلَّابِهِ، وَالْقَائِلُونَ بِدَوْلَةِ الْجَهْلِ وَأَحْزَابِهِ، أَنَّ الزَّمَانَ بِمِثْلِهِمْ لَا يَجُودُ، وَأَنَّ وَقْتًا قَدْ مَضَى بِهِمْ لَا يَعُودُ. فَرَدَّ عَلَيْهِمُ الدَّهْرُ مُرَاغِمًا أُنُوفَهُمْ، وَتَبَيَّنَ الْأَمْرُ بِالضِّدِّ جَالِيًا حُتُوفَهُمْ [هلاكهم] ، فَطَلَعَ صُبْحُ النُّجْحِ مِنْ آفَاقِ حُسْنِ الِاتِّفَاقِ، وَتَبَاشَرَتْ أَرْبَابُ تِلْكَ السِّلَعِ بِنِفَاقِ الْأَسْوَاقِ، وَنَاهَضَ مُلُوكَ الْعَهْدِ لِتَنْفِيذِ الْأَحْكَامِ، مَالِكُ رِقِّ الْعُلُومِ وَرِبْقَةِ الْكَلَامِ، بُرْهَانُ الْأَسَاطِينِ الْأَعْلَامِ، سُلْطَانُ سَلَاطِينِ الْإِسْلَامِ، غُرَّةُ وَجْهِ اللَّيَالِي، قَمَرُ بِرَاقِعِ التَّرَافُعِ وَالتَّعَالِي، عَاقِدُ أَلْوِيَةِ فُنُونِ الْعُلُومِ كُلِّهَا، شَاهِرُ سُيُوفِ الْعَدْلِ رَدَّ الْغِرَارَ [النوم] إِلَى الْأَجْفَانِ بِسَلِّهَا، مُقَلِّدُ أَعْنَاقِ الْبَارِيَا بِالتَّحْقِيقِ طَوْقَ امْتِنَانِهِ، مُقَرِّطُ آذَانِ اللَّيَالِي عَلَى مَا بَلَغَ الْمَسَامِعَ شُنُوفَ بَيَانِهِ، مُمَهِّدُ الدِّينِ وَمُؤَيِّدُهُ، مُسَدِّدُ الْمُلِكِ وَمُشَيِّدُهُ:
مَوْلَى مُلُوكِ الْأَرْضِ مَنْ فِي وَجْهِهِ ... مِقْبَاسُ نُورٍ أَيُّمَا مِقْبَاسِ.
بَدْرُ مُحَيَّا وَجْهِهِ الْأَسْنَى لَنَا ... مُغْنٍ عَنِ الْقَمَرَيْنِ وَالنِّبْرَاسِ.
مِنْ أُسْرَةٍ شَرُفَتْ وَجَلَّتْ فَاعْتَلَتْ ... عَنْ أَنْ يُقَاسَ عَلَاؤُهَا بِقِيَاسِ.
رَوَوُا الْخِلَافَةَ كَابِرًا عَنْ كَابِرٍ ... بِصَحِيحِ إِسْنَادٍ بِلَا إِلْبَاسِ.
فَرَوَى عَلِيٌّ عَنْ رَسُولٍ مِثْلَ مَا ... يَرْوِيهِ يُوسُفُ عَنْ عُمَرْ ذِي الْبَاسِ. 
وَرَوَاهُ دَاوُدُ صَحِيحًا عَنْ عُمَرْ ... وَرَوَى عَلَيٌّ عَنْهُ لِلْجُلَّاسِ.
وَرَوَاهُ عَبَّاسٌ كَذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ ... وَرَوَاهُ إِسْمَاعِيلُ عَنْ عَبَّاسٍ.
تَهُبُّ بِهِ عَلَى رِيَاضِ الْمُنَى رِيحَا جَنُوبٍ وَشِمَالٍ، وَتَقِيلُ بِمَكَانِهِ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينِ وَشِمَالٍ، وَتَشْتَمِلُ عَلَى مَنَاكِبِ الْآفَاقِ أَرْدِيَةُ عَوَاطِفِهِ، وَتَسِيلُ طِلَاعَ الْأَرْضِ لِلْأَرْفَاقِ أَوْدِيَةُ عَوَارِفِهِ، وَتَشْمَلُ رَأْفَتُهُ الْبِلَادَ، وَالْعِبَادَ، وَتَضْرِبُ دُونَ الْمِحَنِ وَالْأَضْدَادِ الْجُنَنَ وَالْأَسْدَادَ. وَلَمْ يَسَعَ الْبَلِيغَ سِوَى سُكُوتِ الْحُوتِ بِمُلْتَطِمِ تَيَّارِ بُخَارِ فَوَائِدِهِ، وَلَمْ تَرْتَمِ جَوَارِي الزُّهْرِ فِي الْبَحْرِ الْأَخْضَرِ إِلَّا لِتُضَاهِيَ فَرَائِدَ قَلَائِدِهِ، بَحْرٌ عَلَى عُذُوبَةِ مَائِهِ تَمْلَأُ السَّفَائِنَ جَوَاهِرُهُ، وَتُزْهَى بِالْجَوَارِي الْمُنْشَآتِ مِنْ بَنَاتِ الْخَاطِرِ زَوَاخِرُهُ. بَرٌّ سَالَ طِلَاعَ الْأَرْضِ أَوْدِيَةُ جُودِهِ، وَلَمْ يَرْضَ لِلْمُجْتَدِي نَهْرًا، وَطَامِي عُبَابِ
الْكَرَمِ يُجَارِي نَدَاهُ الرَّافِدَيْنِ وَبَهْرَا، خِضَمٌّ لَا يَبْلُغُ كُنْهَهُ الْمُتَعَمِّقَ عَوْضٌ، وَلَا يُعْطَى الْمَاهِرُ أَمَانَهُ مِنَ الْغَرَقِ إِنِ اتَّفَقَ لَهُ فِي لُجَّتِهِ خَوْضٌ. مُحِيطٌ تَنْصَبُّ إِلَيْهِ الْجَدَاوِلُ فَلَا يَرُدُّ ثِمَادَهَا [قليلها] ، وَتَغْتَرِفُ مِنْ جُمَّتِهِ [معظمه] السُّحْبُ فَتَمْلَأُ مَزَادَهَا.
فَأَتْحَفْتُ مَجْلِسَهُ الْعَالِيَ بِهَذَا الْكِتَابِ الَّذِي سَمَا إِلَى السَّمَاءِ لَمَّا تَسَامَى، وَأَنَا فِي حَمْلِهِ إِلَى حَضْرَتِهِ، وَإِنْ دُعِيَ بِالْقَامُوسِ، كَحَامِلِ الْقُطْرِ إِلَى الدَّأْمَاءِ، وَالْمُهْدِي إِلَى خُضَارَةٍ [بحر] أَقَلَّ مَا يَكُونُ مِنْ أَنْدَاءِ الْمَاءِ. وَهَا أَنَا أَقُولُ إِنِ احْتَمَلَهُ مِنِّي اعْتِنَاءً، فَالزَّبَدُ وَإِنْ ذَهَبَ جُفَاءً يَرْكَبُ غَارِبَ [ظهر] الْبَحْرِ اعْتِلَاءٌ. وَمَا أَخَافُ عَلَى الْفُلْكِ [السفينة] انْكِفَاءً، وَقَدْ هَبَّتْ رِيَاحُ عِنَايَتِهِ كَمَا اشْتَهَتِ السُّفُنُ رُخَاءً. وَبِمَ أَعْتَذِرُ مِنْ حَمْلِ الدُّرِّ مِنْ أَرْضِ الْجِبَالِ إِلَى عُمَانَ، وَأَرَى الْبَحْرَ يَذْهَبُ مَاءُ وَجْهِهِ لَوْ حَمَلَ بِرَسْمِ الْخِدْمَةِ إِلَيْهِ الْجُمَانَ [اللؤلؤ] ، وَفُؤَادُ الْبَحْرِ يَضْطَرِبُ كَاسْمِهِ رَجَّافًا لَوْ أَتْحَفَهُ بِالْمَرْجَانِ، أَوْ أَنْفَذَ إِلَى الْبَحْرَيْنِ، أَعْنِي يَدَيْهِ، الْجَوَاهِرَ الثِّمَانَ، لَا زَالَتْ حَضْرَتُهُ الَّتِي هِيَ جَزِيرَةُ بَحْرِ الْجُودِ مِنْ خَالِدَاتِ الْجَزَائِرِ، وَمَقَرَّ أُنَاسٍ يُقَابِلُونَ الْخَرَزَ الْمَحْمُولَ بِأَنْفَسِ الْجَوَاهِرِ
وَيَرْحَمُ اللَّهُ عَبْدًا قَالَ آمِينَا.
وَكِتَابِي هَذَا - بِحَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى - صَرِيحُ أَلْفَيْ مُصَنَّفٍ مِنَ الْكُتُبِ الْفَاخِرَةِ، وَسَنِيحُ أَلْفَيْ قَلَمَّسٍ [بحر] مِنَ الْعَيَالِمِ [البِحار] الزَّاخِرَةِ، وَاللَّهَ أَسْأَلُ أَنْ يُثِيبَنِي بِهِ جَمِيلَ الذِّكْرِ فِي الدُّنْيَا، وَجَزِيلَ الْأَجْرِ فِي الْآخِرَةِ، ضَارِعًا إِلَى مَنْ يَنْظُرُ مِنْ عَالِمٍ فِي عَمَلِي، أَنْ يَسْتُرَ عِثَارِي وَزَلَلِي، وَيَسُدَّ بِسَدَادِ فَضْلِهِ خَلَلِي، وَيُصْلِحَ مَا طَغَى بِهِ الْقَلَمُ، وَزَاغَ عَنْهُ الْبَصَرُ، وَقَصَرَ عَنْهُ الْفَهْمُ، وَغَفَلَ عَنْهُ الْخَاطِرُ، فَالْإِنْسَانُ مَحَلُّ النِّسْيَانِ، وَإِنَّ أَوَّلَ نَاسٍ أَوَّلُ النَّاسِ، وَعَلَى اللَّهِ تَعَالَى التُّكْلَانُ.

متى تبطل صلاة المأمومين


Thursday, June 21, 2018

كالعادة موضوع العيد إذا صادف يوم جمعة والآراء في ذلك

https://mahmoudragaey.blogspot.com/2017/08/blog-post_29.html

اللباب في علوم الكتاب
فصل في اجتماع العيد والجمعة.
إذا اجتمع العيد والجمعة سقط فرض الجمعة عند أحمد لتقدم العيد عليها واشتغال الناس به عنها، ولما روي أن عثمان أذن في [يوم] عيد لأهل العوالي أن يتخلفوا عن الجمعة.
وقال غيره: لا يسقط فرض الجمعة لأن الأمر بالسعي متوجه يوم العيد كتوجهه في سائر الأيام، وقول الصحابي ليس بحجة إذا خولف فيه ولم يجمع معه عليه.
وفي صحيح مسلم عن النعمان بن بشير قال: «كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ يقرأ في العيدين وفي الجمعة: {سَبِّحِ اسم رَبِّكَ الأعلى} [الأعلى: 1] و {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الغاشية} [الغاشية: 1] قال وإذا اجتمع العيد والجمعة في يوم واحد يقرأ بهما أيضاً في الصَّلاتين» أخرجه أبو داود والترمذي والنَّسائي وابن ماجه.
صحيح بن خزيمة
713) بَابُ الرُّخْصَةِ لِبَعْضِ الرَّعِيَّةِ فِي التَّخَلُّفِ عَنِ الْجُمُعَةِ إِذَا اجْتَمَعَ الْعِيدُ وَالْجُمُعَةُ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ، إِنْ صَحَّ الْخَبَرُ، فَإِنِّي لَا أَعْرِفُ إِيَاسَ بْنَ أَبِي رَمْلَةَ بِعَدَالَةٍ وَلَا جَرْحٍ
1464 - أَنَا أَبُو طَاهِرٍ، نَا أَبُو بَكْرٍ، نَا أَبُو مُوسَى، نَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، نَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ إِيَاسِ بْنِ أَبِي رَمْلَةَ:
أَنَّهُ شَهِدَ مُعَاوِيَةَ وَسَأَلَ زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ: شَهِدْتَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِيدَيْنِ اجْتَمَعَا فِي يَوْمٍ؟ قَالَ: نَعَمْ. صَلَّى الْعِيدَ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ، ثُمَّ رَخَّصَ فِي الْجُمُعَةِ، فَقَالَ: "مَنْ شَاءَ أَنْ يُجَمِّعَ فَلْيُجَمِّعْ".

(714) بَابُ الرُّخْصَةِ لِلْإِمَامِ إِذَا اجْتَمَعَ الْعِيدَانِ وَالْجُمُعَةُ أَنْ يُعَيِّدَ بِهِمْ وَلَا يُجَمِّعَ بِهِمْ، إِنْ كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَرَادَ بِقَوْلِهِ: أَصَابَ ابْنُ الزُّبَيْرِ السُّنَّةَ، سُنَّةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
1465 - أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ، نَا أَبُو بَكْرٍ، نَا بُنْدَارٌ، نَا يَحْيَى، نَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ؛ ح وَثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ، نَا يَحْيَى، عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ جَعْفَرٍ؛ ح وَثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ، أَخْبَرَنَا سُلَيْمٌ -يَعْنِي ابْنَ أَخْضَرَ- ثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ الْأَنْصَارِيُّ، مِنْ بَنِي عَوْفِ بْنِ ثَعْلَبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي وَهْبُ بْنُ كَيْسَانَ، قَالَ:
شَهِدْتُ ابْنَ الزُّبَيْرِ بِمَكَّةَ وَهُوَ أَمِيرٌ فَوَافَقَ يَوْمُ فِطْرٍ -أَوْ أَضْحًى- يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَأَخَّرَ الْخُرُوجَ حَتَّى ارْتَفَعَ النَّهَارُ، فَخَرَجَ وَصَعِدَ الْمِنْبَرَ، فَخَطَبَ وَأَطَالَ، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَلَمْ يُصَلِّ الْجُمُعَةَ. فَعَابَ عَلَيْهِ نَاسٌ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ ابْنِ عَبْدِ شَمْسٍ، فَبَلَغَ ذَلِكَ ابْنَ عَبَّاسٍ، فَقَالَ: أَصَابَ ابْنُ الزُّبَيْرِ السُّنَّةَ، وَبَلَغَ ابْنَ الزُّبَيْرِ، فَقَالَ: رَأَيْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ إِذَا اجْتَمَعَ عِيدَانِ صَنَعَ مِثْلَ هَذَا.
هَذَا لَفْظُ حَدِيثِ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَةَ".
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَصَابَ ابْنُ الزُّبَيْرِ السُّنَّةَ، يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ سُنَّةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ سُنَّةَ أَبِي بَكْرٍ أَوْ عُمَرَ أَوْ عُثْمَانَ أَوْ عَلِيٍّ. وَلَا أَخَالُ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ أَصَابَ السُّنَّةَ فِي تَقْدِيمِهِ الْخُطْبَةَ قَبْلَ صَلَاةِ الْعِيدِ، لِأَنَّ هَذَا الْفِعْلَ خِلَافُ سُنَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَإِنَّمَا أَرَادَ تَرْكَهُ أَنْ يَجْمَعَ بِهِمْ بَعْدَمَا قَدْ صَلَّى بِهِمْ صَلَاةَ الْعِيدِ فَقَطْ، دُونَ تَقْدِيمِ الْخُطْبَةِ قَبْلَ صَلَاةِ الْعِيدِ.

[1464] إسناده ضعيف. ن 3: 158 من طريق عبد الرحمن؛ د حديث 1070.
[1465] إسناده حسن. ن 3: 158 من طريق بندار؛ د حديث 1071، دون قوله: "وبلغ ابن الزبير ..
1464- نا أَبُو مُوسَى، نا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، نا إِسْرَائِيلُ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ إِيَاسِ بْنِ أَبِي رَمْلَةَ: أَنَّهُ شَهِدَ مُعَاوِيَةَ وَسَأَلَ زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ: شَهِدْتَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِيدَيْنِ اجْتَمَعَا فِي يَوْمٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، صَلَّى الْعِيدَ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ، ثُمَّ رَخَّصَ فِي الْجُمُعَةِ، فَقَالَ: «مَنْ شَاءَ أَنْ يَجْمَعَ فَلْيَجْمَعْ»
[التعليق] 1464 - قال الأعظمي: إسناده ضعيف


العرف الشذي شرح سنن الترمذي
- حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ المُنْتَشِرِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ سَالِمٍ، عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، قَالَ: " كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فِي العِيدَيْنِ وَفِي الجُمُعَةِ: بِسَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى، وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الغَاشِيَةِ، وَرُبَّمَا اجْتَمَعَا فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ فَيَقْرَأُ بِهِمَا " -[414]- وَفِي البَابِ عَنْ أَبِي وَاقِدٍ، وَسَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ: «حَدِيثُ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ»، وَهَكَذَا رَوَى سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَمِسْعَرٌ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ المُنْتَشِرِ، مِثْلَ حَدِيثِ أَبِي عَوَانَةَ، «وَأَمَّا ابْنُ عُيَيْنَةَ فَيُخْتَلَفُ عَلَيْهِ فِي الرِّوَايَةِ، يُرْوَى عَنْهُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ المُنْتَشِرِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ»، «وَلَا يُعْرَفُ لِحَبِيبِ بْنِ سَالِمٍ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِيهِ»، «وَحَبِيبُ بْنُ سَالِمٍ هُوَ مَوْلَى النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، وَرَوَى عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ أَحَادِيثَ» وَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ المُنْتَشِرِ نَحْوُ رِوَايَةِ هَؤُلَاءِ، وَرُوِي عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ «كَانَ يَقْرَأُ فِي صَلَاةِ العِيدَيْنِ بِقَافٍ وَاقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ -[415]-» وَبِهِ يَقُولُ الشَّافِعِيُّ "
فالجمعة عفو، ومرفوع الباب يرد عليهم، ولا مرفوع لهم، نعم ثبت ما قالوا عن ابن الزبير وبعض التابعين، وأما ما في البخاري عن عثمان أنه صلى العيد ثم قال للناس من أراد أن يذهب فليذهب فليس مراده العفو عن أهل المِصر، بل الإجازة لأهل القرى الذين اجتمعوا.
البدر التمام شرح بلوغ المرام

وصححه أيضًا علي بن المديني في الباب عن ابن الزبير من حديث عطاء، أنه فعل ذلك، وأنه سأل ابن عباس عنه فقال: "أصاب السنة".
أخرجه أبو داود والنسائي والحاكم (1).
وعن أبي هريرة أنه قال - صلى الله عليه وسلم -: "قد اجْتَمَعَ في يَوْمكمْ هَذَا عيدَان فَمَنْ شَاءَ أجْزأه عن الجُمْعة وإنا مجمعون". أخرجه أَبو داود، وابن ماجه والحاكم (2) من حديث أبي صالح، وفي إسناده بقية (3)، وصحح الدارقطني إرساله، وكذا الإمام أحمد (4)، رواه البيهقي (5) مقيدًا بيا أهل العوالي، وإسناده ضعيف، وقد وقع عند ابن ماجه (6) عن ابن عباس وهو وَهْم نبَّه عليه هو (7)، ورواه أيضًا من حديث ابن عمر بإسناد ضعيف (8) ورواه
__________
= اجتماع العيدين 3/ 317، الدارمي، الصلاة، باب إذا اجتمع عيدان في يوم واحد 1/ 378، الحديث من طريق زيد بن أرقم فيه إياس بن أبي رملة الشامي مجهول. التقريب 40، وللحديث شواهد ذكرها المصنف.
(1) أبو داود 1/ 647 ح 1071، ابن ماجه 1/ 416 ح 1311، النسائي 3/ 158، ابن خزيمة 2/ 359 - 360، البيهقي 3/ 318.
(2) أبو داود 1/ 647 ح 1073، ابن ماجه 6/ 411 ح 1311 م، الحاكم 1/ 288، 289.
(3) بقية بن الوليد بن صائد بن كعب الكلاعي الحمصي، أبو محمد، أحد الأعلام، صدوق، كثير التدليس عن الضعفاء، وإذا حدث عن الثقات فلا بأس. مر في ح 12.
(4) قال الإمام أحمد: إنما رواه الناس عن صالح مرسلًا وتحجب من بقية كيف رفعه. العلل 1/ 473. البدر المنير 3/ 206.
(5) البيهقي 1/ 318.
(6) ابن ماجه 1/ 416 ح 1311.
(7) لأنه ذكر الحديث من حديث ابن عباس ثم أدرك من حديث أبي هريرة.

الطبراني أيضًا عن ابن عمر (1)، ورواه البخاري من قول عثمان (2)، ورواه الحاكم من قول عمر بن الخطاب.
في الحديث دلالة على أن صلاة الجمعة بعد صلاة العيد تصير رخصة يجوز فِعْلُها ويجوز تركها، وهذا مخصوص بمن صلى العيد دون مَن لم يصَلِّ لظاهر الرواية، وقد ذهب إلى هذا الهادي والناصر والمؤيد وأبو طالب إلا الإمام ونصاب الجمعة، وذهب أكثر الفقهاء وأحد قولي الشافعي إلى أنها لا تصير رخصة، قالوا: لأن دليل وجوبها عامّ لجميع الأيام وما ذكر من الأحاديث والآثار فقد عرفت ما في أسانيدها، فلا يقوى على تخصيص الدليل الصحيح إلا أن الشافعي خص من كان خارج المِصْر محتجا بما روي عن عثمان بترخيصه لأهل العوالي (3)، وقد عرفت أنه روي في الحديث أيضًا من قول النبي - صلى الله عليه وسلم -.
وذهب عطاء إلى أنها يسقط فرضها عن الجميع، وهو ظاهر قوله - صلى الله عليه وسلم -: "من شاء أن يصلي فليصل" (4)، وبفعل (أ) ابن الزبير (5) فإنه صلى بهم في
__________
(أ) في جـ: ولفعل.
__________
(1) مجمع الزوائد 2/ 195 قال ابن الملقن: من حديث سعيد بن راشد السماك، قال البخاري: منكر الحديث، وقال يحيى: ليس بشيء، وقال النسائي: متروك. البدر 3/ 207، الميزان 2/ 135، التاريخ 2/ 199، وقال الهيثمي: لم أجد من ترجمهما وجعل الترجمة، زياد بدل من سعيد 2/ 195، وقد ترجم له الذهبي في الميزان كما تقدم. قال ابن الجوزي في العلل: لا يصح هذا الحديث وأصلح ما روى هذا حديث زيد بن أرقم، العلل 1/ 474.
(2) البخاري 10/ 24 ح 5572.
(3) تقدم قريبًا.
(4) حديث الباب.
(5) تقدم تخريجه مع حديث الباب.
يومَ عيد في يوم جمعة أول النهار، قال عطاء: ثم رُحْنا إلى الجمعة فلم يخرج إلينا فصلينا وحدانًا وكان ابن عباس بالطائف، فلما قدم ذكرنا ذلك فقال: "أصاب السنة".
وعنده أيضًا يسقط فرض الظهر ولا يصلي إلا العصر، وفي روايته عن ابن الزبير أخرجها أبو داود (1) قال: قال ابن الزبير: "عيدان اجتمعا في يوم واحد فجمعهما جميعًا فصلاهما ركعتين بكرة لم يزد عليهما حتى صلى العصر.
وعلى القول بأن الجمعة أصل في يومها، والظهر بدل، فهو يقتضي صحة هذا القول، لأنه إذا سقط وجوب الأصل مع إمكان أدائه سقط البدل.
وظاهر الحديث أيضًا حيث رخص لهم في الجمعة، ولم يأمرهم بصلاة الظهر مع تقرر إسقاط الجمعة للظهر يدل على صحة هذا القول، والله أعلم.
__________
(1)   أبو داود 1/ 647 ح 1071.
شرح كتاب الحج صحيح مسلم عبدالكريم الخصير (سؤال)
إذا اجتمع العيد والجمعة؟
حضور الجمعة رخصة، من أراد أن يحضر فهو الأصل، ومن ترخص فلا شيء عليه، لكن يلزمه أن يصلي الظهر، تلزمه صلاة الظهر، وما يُذكر عن ابن الزبير فهو محتمل، يعني هل هو صلى .. ، الصلاة التي صلاها بهم هل هي عيد أو جمعة؟ لكن صفتها تدل على أنها جمعة، واكتفى بها عن صلاة العيد.
شرح سنن إبي داود للعباد

شرح سنن أبي داود [134]
صلاة الجمعة واجبة على كل مسلم في جماعة إلا أربعة: عبد مملوك أو امرأة أو صبي أو مريض، وكذلك المسافر لا جمعة عليه، ولا تجب الجمعة إذا اجتمع العيد والجمعة في يوم واحد، أو كانت ليلة باردة أو يوماً مطيراً.
التبصرة للخمي (فقة الأمام مالك)
واختلف إذا اجتمع العيد والجمعة: فروى ابن القاسم عن مالك: أنه يشهد الجمعة (1). قال مالك: ولم يبلغني أن أحدًا أذن لأهل العوالي إلا عثمان (2).
وفي الواضحة عن ابن وهب ومطرف وابن الماجشون أنهم سمعوا مالكًا يرى الأخذ بذلك ولا يستنكره (3).
(1) انظر: المدونة: 1/ 233.
(2) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 358.
(3) انظر: المدونة: 1/ 233.
بحر المذهب للروياني( فقة الأمام الشافعي)

إذا اجتمع العيد والجمعة فحضور العيد لا يسقط فرض الجمعة عن أهل البلد. وروي عن ابن الزبير وابن عباس رضي الله عنهم أنهما قالا: تسقط الجمعة عن الكل في هذا اليوم إذا صلوا العيد، ويحكى عن أحمد رحمه الله هذا.
وقال عطاء رحمه الله: اجتمع يوم جمعة ويوم فطر على عهد ابن الزبير فقال: عيدان قد اجتمعا في يوم واحد فجمعهما جميعاً وصلاهما بكرة لم يزد عليهما حتى صلى العصر. رواه أبو داود، وروى أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم -[111 أ/ 3] قال: "إذا اجتمع في يومكم هذا عيدان، فمن شاء أجزأه من الجمعة وإنا مجمعون" وهذا غلط لظاهر قوله تعالى: {إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ} [الجمعة: 9] ولم يفصل ولأن الجمعة من فرائض الأعيان فلا تسقط بصلاة العيد التي هي نفل على قول البعض، وفرض على الكفاية على قول البعض، وأما خبرهم قلنا: قال الإمام أبو سليمان الخطابي رحمه الله في إسناده مقال، ولو صح أجزأه من الجمعة، أي: عند حضور الجمعة، ولا يسقط عنه الظهر بحال وهذا عندنا في أهل العوالي. وأما فعل ابن الزبير فلا يجوز إلا أن يحمل على مذهب من نوى تقديم صلاة الجمعة قبل الزوال. وقد روي ذلك عن ابن مسعود وابن عباس رضي الله عنهما، وروي عن ابن عباس رضي الله عنه أنه بلغه فعل ابن الزبير فقال: أصاب السنة، وقال عطاء: كل عيد حين يمتد الضحى والأضحى والفطر وقال أحمد: حين سئل: الجمعة قبل الزوال أو بعده؟ إن صليت قبل الزوال فلا أعيب. وكذا قال إسحاق، فعلى هذا يشبه أن يكون ابن الزبير صلى الركعتين على أنهما جمعة وجعل [111 ب / 3] العيد في معنى التبع لها والله أعلم.

المبدع في شرح المقنع (فقة الأمام أحمد بن حنبل)
[إِذَا اجْتَمَعَ الْعِيدُ وَالْجُمُعَةُ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ]
(وَإِذَا وَقَعَ الْعِيدُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَاجْتَزَى بِالْعِيدِ، وَصَلَّى ظُهْرًا، جَازَ) «لِأَنَّهُ ـ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ـ صَلَّى الْعِيدَ، وَقَالَ: مَنْ شَاءَ أَنْ يُجَمِّعَ فَلْيُجَمِّعْ» رَوَاهُ أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ، وَحِينَئِذٍ تَسْقُطُ الْجُمُعَةُ إِسْقَاطَ حُضُورٍ لَا وُجُوبٍ، فَيَكُونُ حُكْمُهُ كَمَرِيضٍ، لَا كَمُسَافِرٍ وَنَحْوِهِ، عَمَّنْ حَضَرَ الْعِيدَ مَعَ الْإِمَامِ عِنْدَ الِاجْتِمَاعِ، وَيُصَلِّي الظُّهْرَ كَصَلَاةِ أَهْلِ الْأَعْذَارِ، وَعَنْهُ: لَا تَسْقُطُ الْجُمُعَةُ لِلْعُمُومِ، كَالْإِمَامِ (إِلَّا لِلْإِمَامِ) هَذَا الْمَذْهَبُ لِمَا رَوَى أَبُو دَاوُدَ، وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ ـ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ـ قَالَ: «قَدِ اجْتَمَعَ فِي يَوْمِكُمْ هَذَا عِيدَانِ، فَمَنْ شَاءَ أَجْزَأَهُ مِنَ الْجُمُعَةِ، وَإِنَّا مُجَمِّعُونَ» وَرُوَاتُهُ ثِقَاتٌ؛ وَهُوَ مِنْ رِوَايَةِ بَقِيَّةَ وَقَدْ قَالَ: حَدَّثَنَا، وَلِأَنَّهُ لَوْ تَرَكَهَا لَامْتَنَعَ فِعْلُهَا فِي حَقِّ مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ، وَمَنْ يُرِيدُهَا مِمَّنْ سَقَطَتْ عَنْهُ، فَعَلَى هَذَا إِنِ اجْتَمَعَ مَعَهُ الْعَدَدُ الْمُعْتَبَرُ أَقَامَهَا، وَإِلَّا صَلَّوْا ظُهْرًا.
شرح زاد المستقنع للحمد
إذا اجتمع العيد والجمعة في يوم واحد فصليت العيد فهل يجزئ عن الجمعة أم يجب على المسلمين أن يصلوا الجمعة؟
لم يتعرض لها المؤلف هنا، وذكرها صاحب المقنع - وهذا الكتاب اختصار له، فالأولى ذكرها فيه -.
- والمسألة عند الحنابلة: أن العيد إذا صليت في يوم الجمعة فإنها تجزئ عن الجمعة ويجب على الناس أن يصلوا الظهر فلا يسقط عنهم الظهر.
ويستثنى من ذلك الإمام فتجب عليه الجمعة - هذا عند الحنابلة - خلافاً لجمهور الفقهاء.
واستدل الحنابلة: بأحاديث ثبتت بمجموعها هذه السنة.
فقد روى الخمسة إلا الترمذي عن زيد بن أرقم قال: (إن النبي صلى الله عليه وسلم صلى العيد ثم رخص في الجمعة وقال: من شاء أن يصلي فليصل) ، لكن الراوي عن زيد: إياس بن أبي أرملة، قال فيه ابن خزيمة: " لا أعلم فيه جرحاً ولا تعديلاً "، لكن يشهد له ما رواه أبو داود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اجتمع في يومكم هذا عيدان فمن شاء أجزأه ذلك عن الجمعة وإنا مجمعون) ، ويشهد له ما رواه أبو داود بإسناد صحيح عن عطاء بن أبي رباح قال: (صلى بنا عبد الله بن الزبير في يوم عيد في يوم جمعة أول النهار ثم رحنا إلى الجمعة فلم يخرج إلينا، فصلينا وحدانا، وكان ابن عباس في الطائف فلما جاء سألناه فقال: أصاب السنة) ، وفي النسائي بإسناد صحيح: أن ذلك بلغ عبد الله بن الزبير فقال: (رأيت عمر بن الخطاب لما اجتمع عيدان صنع مثل ما صنعت) .
فهذه الأحاديث حجة على جمهور الفقهاء، فهي أحاديث بعض أسانيدها صحيح وبعضه حسن، وبعضه قابل للتحسين وبمجموعها ثابتة لا شك في ثبوتها عن النبي صلى الله عليه وسلم.
فإذن: إذا اجتمع في يوم واحد عيد وجمعة، فإن العيد يجزئ عن الجمعة لهذه الأحاديث، والمعنى يقتضي ذلك، فإن يوم العيد يوم سرور وفرح فلم يناسب أن يجتمع فيه موعظتان أو خطبتان، فرخص في إحداهما وأقيمت الأخرى.
قال الحنابلة: ويستثنى من ذلك الإمام فيجب عليه أن يصلي الجمعة.
وذهب بعض الحنابلة، كالمجد بن تيمية وهو رواية عن الإمام أحمد: إلى أن الإمام كذلك، فلو لم يقمها الإمام فلم تصح (1) في البلدة جمعة فلا بأس، ودليله: أثر ابن الزبير المتقدم فإنه لم يخرج إليهم وصلوا وحدانا وقال ابن عباس: (أصاب السنة) ، وقال ابن الزبير: (رأيت عمر بن الخطاب لما اجتمع عيدان صنع مثل ما صنعت) فظاهره أن عمر لم يخرج إلى الناس فيقيم فيهم الجمعة.
إذن الراجح: أن الإمام لا يجب عليه أن يقيم الجمعة، هذه الألفاظ في بعضها ما يدل على أن الواجب عليهم أن يصلوا ظهراً، وهو قول عطاء: (فصلينا وحدانا) ولم ينكر ذلك عليهم ابن عباس ولا ابن الزبير.
واختار الشوكاني سقوط الظهر أيضاً، لكن هذا ضعيف، ولا دليل على إسقاطها وهي الأصل فإذا سقطت الجمعة للمعاني المتقدمة بقيت الظهر واجباً إقامتها.
وهل يجزئ الجمعة عن العيد؟
فمثلاً: لو صلوا الجمعة في أول النهار، فهل تجزئ عن العيد.
أو صليت بعد الزوال وتركت العيد واكتفوا بالجمعة، فهل يجزئ ذلك؟
المشهور في المذهب: أن الجمعة تجزئ عن العيد، والمعنى يقتضي ذلك، وهو المعنى المتقدم بل أولى، فإذا كانت العيد قد أجزأت عن الجمعة، فأولى من ذلك أن يجزئ الجمعة عن العيد.
واختار الموفق وأبو الخطاب من الحنابلة: أنها إنما تجزئهم إذا صلوا في أول النهار، لكن هذا تفريق لا دليل عليه، لأن العيد تصح عندهم بعد زوال الشمس، فلو أخرها الناس في يوم العيد إلى أن زالت الشمس فهي وإن خالفت السنة فهي عند أهل العلم صحيحة، وإذا أجزأت العيد عن الجمعة، فأولى أن تجزئ الجمعة- لأنها فرض - عن العيد - وهي مختلف في وجوبها -، سواء كان ذلك في أول النهار أو بعد الزوال.
والحمد لله رب العالمين

تعليقات بن عثيمين على الكافي
الشيخ: إذا اجتمع العيد والجمعة في يوم واحد فتصلى العيد في وقتها والجمعة في وقتها هكذا جاءت السنة كما ثبت في صحيح مسلم من حديث النعمان بن بشير هذا بالنسبة للإمام يصلي العيد والجمعة وأما غير الإمام فمن حضر العيد سقط عنه حضور الجمعة سقوط حضور لا سقوط وجوب بمعنى أنه لو حضر لعد من أهل الجمعة ومن أهل وجوبها وانعقدت به الجمعة ومن لم يحضر وجب عليه حضور الجمعة لئلا يفوته عيد ولكن من حضر صلاة العيد وقلنا لا يجب عليك حضور الجمعة فهل يصلي الظهر أو لا؟ قال بعض العلماء لا يجب عليه صلاة الظهر والصحيح أن الظهر تجب عليه لأن الظهر صلاة أوجبها الله تعالى بالزوال وجعل الجمعة تحل محلها في وقتها فإذا لم يصلها هذا الرجل وجب عليه أن يصلي الظهر لأن سبب فرضها وهو الزوال قائم فوجب عليه أن يصلي فالصواب في هذه المسألة أن نقول الإمام يجب عليه أن يصلي صلاة العيد وصلاة الجمعة ومن حضر معه صلاة العيد فهو بالخيار إن شاء حضر الجمعة وإن شاء لم يحضر ولكن يجب عليه أن يصلي الظهر ولو قدمت الجمعة في وقت صلاة العيد فالمذهب تجزئ لأن وقتها يدخل من ارتفاع الشمس قيد رمح أعني وقت الجمعة فإذا قدمها فلا بأس لكن يلزم من ذلك أن تكون الخطبة قبل الصلاة بخلاف صلاة العيد فإن الخطبة تكون بعدها وهذا المذهب وأما على رأي الجمهور وهو أن الجمعة لا تصح إلا بعد الزوال فإنها لا تتأتى هذه الصورة أي أن يقدم الجمعة في مكان العيد لأن الجمعة لا تصح إلا بعد الزوال والأقرب أن يقال كما أشرنا أولاً تصلى العيد في وقتها والجمعة في وقتها ومن حضر العيد فهو بالخيار بالنسبة للجمعة لكن تجب عليه صلاة الظهر.
السائل: من حضر العيد ولم يحضر الجمعة فكيف تصلى الظهر؟
الشيخ: لا تقام الجماعة في المساجد يصلونه في بيوتهم لأن إقامة الجماعة في المساجد هذه يحصل فيها تضارب وخلاف، وإن شاء الله يحصل بذلك أجر الجماعة ما دام أسقطه الله عنه.
الأوسط في السنن والأجماع والأختلاف
وَقَالَ النُّعْمَانُ فِي الْعِيدَيْنِ يَجْتَمِعَانِ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ: يَشْهَدُهُمَا جَمِيعًا الْأَوَّلُ سُنَّةٌ وَالْآخَرُ فَرِيضَةٌ، وَلَا يُتْرَكُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى وُجُوبِ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ، وَدَلَّتِ الْأَخْبَارُ الثَّابِتَةُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَنَّ فَرَائِضَ الصَّلَوَاتِ خَمْسٌ، وَصَلَاةُ الْعِيدَيْنِ لَيْسَ مِنَ الْخَمْسِ، وَإِذَا دَلَّ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالِاتِّفَاقُ عَلَى وُجُوبِ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ، وَدَلَّتِ الْأَخْبَارُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَنَّ فَرَائِضَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ، وَصَلَاةَ الْعِيدَيْنِ لَيْسَ مِنَ الْخَمْسِ، وَإِذَا دَلَّ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالِاتِّفَاقُ عَلَى وُجُوبِ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ وَدَلَّتِ الْأَخْبَارُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَنَّ صَلَاةَ الْعِيدِ تَطَوُّعٌ، لَمْ يَجُزْ تَرْكُ فَرْضٍ بِتَطَوُّعٍ

المسوعة الفهية الكويتية
اجْتِمَاعُ الْعِيدِ وَالْجُمُعَةِ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ:
37 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ إِذَا وَافَقَ الْعِيدُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَلاَ يُبَاحُ لِمَنْ شَهِدَ الْعِيدَ التَّخَلُّفُ عَنِ الْجُمُعَةِ. قَال الدُّسُوقِيُّ: وَسَوَاءٌ مَنْ شَهِدَ الْعِيدَ بِمَنْزِلِهِ فِي الْبَلَدِ، أَوْ خَارِجَهَا. وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ إِذَا اجْتَمَعَ الْعِيدُ وَالْجُمُعَةُ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ فَصَلَّوْا الْعِيدَ وَالظُّهْرَ جَازَ وَسَقَطَتِ الْجُمُعَةُ عَمَّنْ حَضَرَ الْعِيدَ؛ لأَِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى الْعِيدَ، وَقَال: مَنْ شَاءَ أَنْ يُجَمِّعَ فَلْيُجَمِّعْ (1) وَصَرَّحُوا بِأَنَّ إِسْقَاطَ الْجُمُعَةِ حِينَئِذٍ إِسْقَاطُ حُضُورٍ لاَ إِسْقَاطُ وُجُوبٍ، فَيَكُونُ حُكْمُهُ كَمَرِيضٍ وَنَحْوِهِ مِمَّنْ لَهُ عُذْرٌ أَوْ شُغْلٌ يُبِيحُ تَرْكَ الْجُمُعَةِ، وَلاَ يَسْقُطُ عَنْهُ وُجُوبُهَا فَتَنْعَقِدُ بِهِ الْجُمُعَةُ وَيَصِحُّ أَنْ يَؤُمَّ فِيهَا. وَالأَْفْضَل لَهُ حُضُورُهَا خُرُوجًا مِنَ الْخِلاَفِ. وَيُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ الإِْمَامُ فَلاَ يَسْقُطُ عَنْهُ حُضُورُ الْجُمُعَةِ، لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَال: قَدِ اجْتَمَعَ فِي يَوْمِكُمْ هَذَا عِيدَانِ، فَمَنْ شَاءَ أَجْزَأَهُ مِنَ الْجُمُعَةِ وَإِنَّا مُجَمِّعُونَ (1) .
وَلأَِنَّهُ لَوْ تَرَكَهَا لاَمْتَنَعَ فِعْلُهَا فِي حَقِّ مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ، وَمَنْ يُرِيدُهَا مِمَّنْ سَقَطَتْ عَنْهُ، وَقَالُوا: إِنْ قَدَّمَ الْجُمُعَةَ فَصَلاَّهَا فِي وَقْتِ الْعِيدِ، فَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ قَال: تُجْزِئُ الأُْولَى مِنْهُمَا. فَعَلَى هَذَا: تُجْزِيهِ عَنِ الْعِيدِ وَالظُّهْرِ، وَلاَ يَلْزَمُهُ شَيْءٌ إِلَى الْعَصْرِ عِنْدَ مَنْ جَوَّزَ الْجُمُعَةَ فِي وَقْتِ الْعِيدِ.
وَأَجَازَ الشَّافِعِيَّةُ فِي الْيَوْمِ الَّذِي يُوَافِقُ فِيهِ الْعِيدُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ لأَِهْل الْقَرْيَةِ الَّذِينَ يَبْلُغُهُمُ النِّدَاءُ لِصَلاَةِ الْعِيدِ: الرُّجُوعُ وَتَرْكُ الْجُمُعَةِ، وَذَلِكَ فِيمَا لَوْ حَضَرُوا لِصَلاَةِ الْعِيدِ وَلَوْ رَجَعُوا إِلَى أَهْلِيهِمْ فَاتَتْهُمُ الْجُمُعَةُ؛ فَيُرَخَّصُ لَهُمْ فِي تَرْكِ الْجُمُعَةِ تَخْفِيفًا عَلَيْهِمْ. وَمِنْ ثَمَّ لَوْ تَرَكُوا الْمَجِيءَ لِلْعِيدِ وَجَبَ عَلَيْهِمُ الْحُضُورُ لِلْجُمُعَةِ، وَيُشْتَرَطُ - أَيْضًا - لِتَرْكِ الْجُمُعَةِ أَنْ يَنْصَرِفُوا قَبْل دُخُول وَقْتِ الْجُمُعَةِ (2) .

موسوعة الفقة الأسلامي

الحكم إذا وافق العيد يوم الجمعة:
1 - إذا اجتمع العيد والجمعة في يوم واحد: فمن صلى العيد سقط عنه حضور الجمعة، وصلى بدلها ظهراً، والأَوْلى أن يصلي العيد والجمعة معاً؛ طلباً للفضيلة.
2 - ينبغي للإمام أن يقيم الجمعة ليشهدها من شاء شهودها، ومن لم يصل العيد من المسلمين.

صحيح فقة السنة وأدلته وتوضيح مذاهب الأئمة

إذا اجتمع العيد والجمعة في يوم واحد:
إذا وافق يوم الجمعة يوم عيد، فللعلماء فيمن صلى العيد يومئذ قولان:
القول الأول: تجب عليه الجمعة كذلك، وهو قول أكثر الفقهاء (2)، لكن الشافعية أسقطوها عن أهل القرى دون الأمصار، وحجة هذا القول:
1 - عموم قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ} (3).
2 - الأدلة المتقدمة في وجوب صلاة الجمعة.
3 - ولأنهما صلاتان واجبتان (على خلاف في وجوب صلاة العيد) فلم تسقط إحداهما بالأخرى كالظهر مع العيد.
4 - أن الرخصة في ترك الجمعة ممن صلى العيد مختصة بمن تجب عليهم الجمعة من أهل البوادي، فعن أبي عبيد مولى ابن أزهر قال: شهدت العيد مع
_________
(1) انظر: «الأوسط» (4/ 116)، و «إصلاح المساجد» للقاسمي (ص: 60 - 62)، و «المغنى» (2/ 92)، و «مجموع الفتاوى» (24/ 208).
(2) «المدونة» (1/ 153)، و «المجموع» (4/ 320)، و «تبيين الحقائق» (1/ 224)، و «التمهيد» (10/ 272)، و «الأوسط» (4/ 291)، و «المحلى» (3/ 303).
عثمان بن عفان، وكان ذلك يوم الجمعة، فصلى قبل الخطبة، ثم خطب فقال: «يا أيها الناس، إن هذا يوم قد اجتمع لكم فيه عيدان، فمن أحب أن ينتظر الجمعة من أهل العوالي فلينتظر، ومن أحب أن يرجع فقد أذنت له» (1).
القول الثاني: تسقط عنه الجمعة: لكن يستحب للإمام أن يقيمها ليشهدها من شاء ومن لم يصلِّ العيد، وهو قول جمهور الحنابلة، وهو مروي عن عمر وعثمان وعليٍّ وابن عمر وابن عباس وابن الزبير رضي الله عنهم (2) واستدل لهذا المذهب بحديثين مرفوعين ضعيفين، وجملة آثار صحيحة.
1 - ما رُوى عن إياس بن أبي رملة قال: شهدت معاوية بن أبي سفيان وهو يسأل زيد بن أرقم قال: أشهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عيدين اجتمعا في يوم؟ قال: نعم، قال: فكيف صنع؟ قال: صلى العيد ثم رخَّص في الجمعة، قال: «من شاء أن يصلي فليصلِّ» (3).
2 - ما رُوى عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «قد اجتمع في يومكم هذا عيدان، فمن شاء أجزأه من الجمعة، وإنا مجمِّعون» (4).
3 - أثر عثمان المتقدم وفيه: «... ومن أحب أن يرجع فقد أذنتُ له» وأما قول الفريق الأول بأن هذا خاص بأهل البوادي ممن لا تجب عليهم الجمعة، فيقال: إذا كان كذلك فما فائدة قوله «أذنت له»؟!
4 - عن عطاء قال: «صلى بنا ابن الزبير في يوم عيد في يوم جمعة أول النهار، ثم رحنا إلى الجمعة فلم يخرج، فصلينا وحدنا، وكان ابن عباس بالطائف، فلما قدم ذكرنا له ذلك، فقال: «أصاب السنة» [فبلغ ذلك ابن الزبير
_________
(1) صحيح: أخرجه البخاري (5572)، ومالك (1/ 146)، وعنه الشافعي في «الأم» (1/ 239)، وعبد الرزاق (5732).
(2) «المغنى» (2/ 265)، و «الإنصاف» (2/ 403)، و «كشاف القناع» (2/ 41)، و «مجموع الفتاوى» (24/ 211).
(3) ضعيف جدًّا: أخرجه أبو داود (1070)، والنسائي (3/ 194)، وابن ماجه (1310)، وأحمد (4/ 372).
(4) ضعيف: أخرجه أبو داود (1073)، وابن ماجه (1/ 13)، والحاكم (2/ 288)، وأعلَّه غير واحد من أهل العلم كأحمد والدارقطني وابن عبد البر، وله شاهد عند ابن ماجه (1312) عن ابن عمر وسنده ضعيف.
فقال: رأيت عمر بن الخطاب إذا اجتمع عيدان صنع مثل هذا]» (1) وقول الصحابي:
أصاب السنة، له حكم الرفع على الراجح.
5 - وفي تمام قصة ابن الزبير من طريق هشام بن عروة عن وهب بن كيسان، قال هشام: فذكرت ذلك لنافع، فقال: «ذكر لابن عمر فلم ينكره» (2).
6 - وعن أبي عبد الرحمن السلمي قال: اجتمع عيدان في عهد عليٍّ فصلى بهم العيد ثم خطب على راحلته، فقال: «أيها الناس، من شهد منكم العيد فقد قضى جمعته إن شاء الله» وفي رواية: «من أراد أن يجمع فليجمع ومن أراد أن يجلس فليجلس [قال سفيان: يعني: يجلس في بيته]» (3).
7 - قالوا: لا يُعرف لهؤلاء الصحابة مخالف في هذا الحكم.
وقد أجاب الجمهور: عن هذه الآثار بأنها محمولة على أهل البوادي ممن لا تجب عليهم الجمعة!!
قال ابن عبد البر: «وإذا احتملت هذه الآثار من التأويل ما ذكرنا، لم يجز لمسلم أن يذهب إلى سقوط فرض الجمعة عمن وجبت عليه ...» اهـ.
قلت: والراجح أن الجمعة تسقط عمن صلى العيد للآثار المتقدمة عن الصحابة وعدم ورود ما يخالفه عن أحدهم، وهذا لا شك يعضِّد المرفوع، على أن قول ابن عباس «أصاب السنة» له حكم الرفع، وأما حمل جميع هذه الآثار على من لا تجب عليه الجمعة، فلا يخفى تكلفه، ولئن سلم في أثر عثمان فلا يسلم في غيره كما هو واضح والله أعلم.
ويستحب أن يقيم الإمام الجمعة: ليشهدها من شاء ومن لم يصلِّ العيد، ويستفاد هذا من حديث النعمان بن بشير المتقدم في قراءة النبي صلى الله عليه وسلم في العيدين والجمعة بالأعلى والغاشية، قال: «وإذا اجتمع العيد والجمعة في يوم واحد، يقرأ بهما أيضًا في الصلاتين» (4).
_________
(1) صحيح: أخرجه أبو داود (1071)، وعن عطاء، والنسائي (3/ 194)، وابن خزيمة (1465) عن وهب بن كيسان وقد جاء في بعض الطرق «أصاب» بدون لفظ السنة، وإثباتها يحتاج إلى تحرير، وعلى كلٍّ فإنا نستدل بفعل الصحابة حيث لا مخالف منهم.
(2) إسناده حسن: أخرجه ابن أبي شيبة (2/ 7).
(3) إسناده صحيح: أخرجه ابن أبي شيبة (2/ 7)، وعبد الرزاق (5731)، وابن المنذر (4/ 290).
(4) صحيح: تقدم تخريجه.
  توضيح الأحكام من بلوغ المرام
 - وَعَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقمَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: "صَلَّى النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- العِيدَ، ثُمَّ رَخَّصَ فِي الجُمُعَةِ، فَقَالَ: مَنْ شَاءَ أَنْ يُصَلِّيَ فَلْيُصَلِّ". رَوَاهُ الخَمْسَةُ إلاَّ التِّرْمِذِيَّ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ
 ما يؤخذ من الحديث:

1 - في الحديث دلالة على أنَّه إذا اجتمع العيد والجمعة في يوم واحد، فإنَّه يجوز لمن صلَّى صلاة العيد، ألا يصلي صلاة الجمعة، ويكتفي بصلاة الظهر.
2 - ذلك أنَّه اجتمع عيدان في يوم واحد، فدخل أحدهما في الآخر، فاكتفي بحضور صلاةٍ واحدةٍ منها.
3 - ومن أسباب اكتفاء إحداهما بالأخرى قوة الشبه بين الصلاتين؛ من حيث إنَّ كلاًّ منهما ركعتان يُجهر فيهما بالقراءة، وفي كل منهما خطبتان، وفيهما الجمع الكبير، والاحتفال العظيم، لكنه لا تسقط صلاة الظهر عمن لم يحضر الجمعة.
4 - أما من لم يحضر العيد أو فاتته، فلا يجوز له التخلف عن صلاة الجمعة؛ لئلا تفوته الفريضتان، ولئلا يتأخر عن المشهدين الكبيرين.
5 - قوله: "رخَّص" يدل على أنَّ المستحب هو الحضور؛ فإنَّ الرخصة إنما تفيد التخفيف والتسهيل فقط، بل إنَّ جمهور الفقهاء لا يرون سقوط صلاة الجمعة بصلاة العيد إذا اجتمعا في يوم واحد.
قال شيخ الإسلام: إذا اجتمع الجمعة والعيد في يوم واحد، فللعلماء في ذلك ثلاثة أقوال:
أصحها: أنَّ من شهد العيد، سقطت عنه الجمعة، فقد اجتمع عبادتان من جنس واحد، فدخلت إحداهما في الأخرى، ولأنَّ في إيجابهما على الناس تضييقاً لمقصود عيدهم، وما سُنَّ لهم فيه من السرور والانبساط، فحينئذ تسقط الجمعة.
8 - يدل على أنَّه ينبغي أن ينبه الناس إلى الأحكام التي تخفى عليهم، ويكون التنبيه وقتها؛ لأنَّه وقت الحاجة إلى معرفتها.

الأساس في السنة وفقهها

إذا اجتمع العيد والجمعة لا تسقط الجمعة به:
1747 - * روى مالك عن ابن شهاب عن أبي عبيد مولى ابن أزهر أنه قال: شهدت العيد مع عثمان بن عفان، فجاء، فصلى ثم انصرف، فخطب، وقال: "إنه قد اجتمع لكم في يومكم هذا عيدان، فمن أحب من أهل العالية أن ينتظر الجمعة. فلينتظرها، ومن أحب أن يرجع فقد أذنت له".
عن عمر بن عبد العزيز قال: اجتمع عيدان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "من أحب أن يجلس من أهل العالية فليجلس في غير حرج". أخرجه الإمام الشافعي، قال في الإعلاء، وإسناده مرسل حسن. وشيخ الإمام ضعيف عند الجمهور، وثقة عنده وعند حمدان بن الإصبهاني، وقال ابن عقدة: "نظرت في حديث إبراهيم كثيراً، وليس بمنكر الحديث". قال ابن عدي: "وهذا الذي قاله كما قاله" اهـ (تهذيب) وإبراهيم بن عقبة من رجال مسلم ثقة (تهذيب) وعمر بن عبد العزيز أمير المؤمنين من خير التابعين، وإرسال مثله مقبول حجة عندنا، وله شاهد مرفوع موصول مقيداً بأهل العوالي. رواه البيهقي من حديث سفيان بن عيينة عن عبد العزيز بن رفيع عن أبي صالح عن أبي هريرة، وإسناده ضعيف اهـ التلخيص الحبير (1/ 46). والمرسل إذا تأيد بموصول ولو ضعيفاً، فهو حجة عند الكل، كما مر غير مرة .. اهـ.
قال في (إعلاء السنن 8/ 74 - 75): وأنما رخص عثمان في الجمعة لأهل العالية لأنهم ليسوا من أهل المصر. وهو قول أبي حنيفة اهـ. وكان عثمان قال ذلك بمحضر من الصحابة، فلو كانت الرخصة تعم أهل القرى، وأهل البلد جميعاً، كما زعمه أحمد بن حنبل رحمه الله لأنكروا عليه تخصيصها بأهل العالية، فثبت أن الرخصة مخصوصة بمن لم تجب عليهم الجمعة، فلا تترك الجمعة بالعيد، كيف؟ وأن فريضة الجمعة ثابتة بالكتاب والإجماع، لازمة على أهل البلد، فلا يجوز إسقاطها عنهم بما هو دون إلا بنص قطعي مثله. ودونه خرط القتاد، فإن الآثار التي استدل بها أحمد رحمه الله على سقوط الجمعة بالعيد عن أهل البلد من الآحاد مع احتمال اختصاصها بأهل القرى، والعوالي.
ثم أورد الإمام التهانوي في الإعلاء أدلة الآخرين القائلين بسقوط الجمعة إذا اجتمعت مع صلاة العيد فقال: فمنها ما رواه ابن ماجة (ص- 203) عن ابن عباس رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "اجتمع عيدان في يومكم هذا، فمن شاء أجزأه من الجمعة، وإنا مجمعون إن شاء الله. قال السندي وفي الزوائد: إسناده صحيح، ورجاله ثقات ورواه أبو داود في سننه عن أبي هريرة بهذا الإسناد اهـ.
ثم قال بعد كلام حول سند الحديث: وإن سلمنا صحته مرفوعاً فنقول: كان أهل القرى يجتمعون لصلاة العيدين ما لا يجتمعون لغيرهما، كما هو العادة، وكان في انتظارهم الجمعة
بعد الفراغ من العيد حرج عليهم، فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من صلاة العيد نادى مناديه: "من شاء منكم أن يصلي الجمعة، فليصل، ومن شاء الرجوع، فليرجع". وكان ذلك خطاباً لأهل القرى المجتمعين هناك. والقرينة على ذلك بأنه قد صرح فيه بأنا مجمعون، والمراد به من جمع المتكلم أهل المدينة بلا شك وفيه دلالة واضحة على أن الخطاب بقوله: "من شاء منك أن يصلي" لأهل القرى، دون أهل المدينة، ويؤيده ما ذكرنا في المتن من مرسل عمر بن عبد العزيز قال: اجتمع عيدان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: "من أحب من أهل العالية أن يجلس فليجلس في غير حرج". وكذا هو في رواية عبد العزيز بن رفيع عن أبي صالح عن أبي هريرة مقيداً "بأهل العوالي". وقد ذكرنا أن مجموع المرسل، والموصول صالح للاحتجاج به حتماً على أن إبداء الاحتمال يجوز بالضعيف أيضاً، فلا يصح الاستدلال بظاهر ما في رواية ابن ماجة، وأبي داود من العموم في قوله: "فمن شاء أجزأه من الجمعة" على سقوط الجمعة بالعيد عن أهل البلد، لاحتمال كونه مختصاً بأهل القرى، بقرينة قوله: "وإنا لمجمعون". وبقرينة مرسل عمر بن عبد العزيز وموصول أبي هريرة مقيداً لهم وإذا جاء الاحتمال بطل الاستدلال.
واندحض بما ذكرنا ما قاله العلامة الشوكاني في النيل: "إن قول عثمان لا يخصص قوله صلى الله عليه وسلم" اهـ (1 - 164). فقد رأيت أنا لم نخصص المرفوع إلا بالمرفوع، وإذا جاز تخصيص خبر الواحد بدلالة العقل، والعرف، والقياس، كما تقرر في الأصول، فجواز تخصيصه بقول الصحابي أولى، لكونه أعرف الناس بمراد الرسول صلى الله عليه وسلم، لاسيما عند من يجعل أقوال الصحابة حجة. فافهم.
وهذا هو الجواب عما رواه الخمسة إلا الترمذي، وصححه ابن خزيمة عن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال: صلى النبي صلى الله عليه وسلم العيد ثم رخص في الجمعة، فقال: "من شاء أن يصلي فليصل" كذا في بلوغ المرام (1 - 183). فإن قوله: "من شاء أن يصلي فليصل" مختص بأهل القرى والعوالي، بدليل ما ذكرناه. وفي التلخيص الحبير: وصححه ابن المديني. وقال ابن المنذر: "هذا الحديث لا يثبت. وأياس بن أبي رملة راويه عن زيد مجهول" اهـ (1 - 146). قلت: وصححه الحاكم في المستدرك، والذهبي في تلخيصه (1 - 288).
والعجب منهم كيف صححوه؟ وفيه أياس بن أبي رملة وهو مجهول. اهـ بكما قال الذهبي في الميزان وابن حجر في التقريب].
ثم قال في الإعلاء بعد كلام حول حديث أياس وجهالته (8/ 77):
واحتجت الحنابلة أيضاً بما رواه مسدد والمروزي في العيدين، وصحح، كما في كنز العمال (4 - 337)، والحاكم في المستدرك، وصححه على شرطهما، وأقره الذهبي (1 - 296) عن وهب بن كيسان قال: "اجتمع عيدان على عهد ابن الزبير فأخر الخروج حتى تعالى النهار، ثم خرج، فخطب فأطال ثم نزل، فصلى ركعتين، ولم يصل الناس الجمعة. فعاب ذلك عليه ناس، فذكر ذلك لابن عباس، فقال: أصاب السنة. فذكروا ذلك لابن الزبير، فقال: رأيت عمر بن الخطاب إذا اجتمع على عهده عيدان صنع هكذا. اهـ. وقد رواه النسائي: وسكت عنه إلى قوله: السنة (1 - 236). وفي النيل: "رجاله رجال الصحيح، وقد رواه أبو داود (1/ 417) وسكت عنه. وقال النووي: "إسناده حسن" كما في نصب الراية. وعن عطاء بن أبي رباح عند أبي داود أيضاً قال: "صلى بنا الزبير في يوم عيد في يوم جمعة أول النهار ثم رحنا إلى الجمعة، فلم يخرج إلينا فصلينا [أي الظهر] وحدانا وكان ابن عباس بالطائف، فلما قدم ذكرنا ذلك له، فقال: أصاب السنة" اهـ قال الزيلعي: قال النووي: "إسناده على شرط مسلم" (1 - 326). وفي رواية له "فجمعهما جميعاً، فصلاهما ركعتين بكرة لم يزد عليهما حتى صلى العصر" اهـ. وفي النيل: رجاله رجال الصحيح (3 - 164).
قلت: لا حجة لهم في ذلك أصلاً، فإن الناس كلهم أنكروا على ابن الزبير، ولم يوافقه على فعله من الصحابة غير ابن عباس، وأمر لا يعرفه أكثر الناس في عهد الصحابة، بل ينكرونه لا يجوز به إسقاط فريضة قد أجمع عليها، ولا يخفى أن ابن الزبير، وابن عباس كان صغيرين في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فلعلهما سمعا منادي النبي صلى الله عليه وسلم ينادي: "من شاء منكم أن يصلي فليصل ومن شاء الرجوع فليرجع"، وكان ذلك خطاباً لأهل القرى، فلم يفهما المراد به، وظناه عاماً لأهل البلد أيضاً. فجمع ابن الزبير الجمعة والعيد، وقال فيه ابن عباس: "إنه أصاب السنة" أي أصاب ما سمعه من منادي النبي صلى الله عليه وسلم من قوله: "من شاء فليصل" بالمعنى الذي فهمه، وأما قول ابن الزبير: "رأيت عمر بن الخطاب إذا اجتمع عيدان صنع هكذا" فلعل عمر رضي الله عنه فعل ذلك بعذر عرفه الناس، ولم يعرفه ابن الزبير ولذا أنكروا عليه، ولم ينكروا على عمر وإلا فيبعد كل البعد أن يصنع ابن الزبير مثل ما صنعه، فعرفه الناس من عمر وأنكروه منه.
وأيضاً مجموع ما روي في ذلك عن ابن الزبير لا يدل على ترك الجمعة بالعيد، بل غايته أنه صلى الجمعة قبل الزوال إذا اجتمع العيدان؛ بدليل تقديمه الخطبة على الصلاة حينئذ وخطبة العيد بعد الصلاة إجماعاً، كما سيأتي، وبدليل ما في رواية لأبي داود "فجمعهما جميعاً فصلاهما ركعتين". فلا يصح الاستدلال به على الرخصة في ترك الجمعة بصلاة العيد، بل غاية ما يؤخذ منه جواز تقديم الجمعة عن الزوال في يوم العيد، فيؤل البحث إلى وقت صلاة الجمعة وقد فرغنا منه في الباب المتقدم قبل أبواب، وقد أثبتنا أن لا حجة للحنابلة فيما استدلوا به على جواز الجمعة قبل الزوال، بل الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم توقيتها بما بعد الزوال (سيأتي البحث في ذلك) ولا حجة لهم في أثر ابن الزبير أيضاً، فإنه يفيد أن تقديم الجمعة على الزوال مختص بما إذا اجتمع العيدان لا غير وهم لا يقولون بالتخصيص.
وأيضاً، فلا حجة بقول الصحابي، وفعله في معارضة قول النبي صلى الله عليه وسلم. وفعله لا سيما وقد ثبت أن الناس أنكروا على ابن الزبير ما صنعه، وعاتبوه عليه. فافهم. على أن الحنابلة يقولون: إنه إذا اتفق عيد في يوم جمعة سقط حضور الجمعة عمن صلى العيد إلا الإمام، فإنها لا تسقط عنه إلا أن لا يجتمع له من يصلي به الجمعة لقول النبي صلى الله عليه وسلم "وإنا لمجمعون"، ولأنه لو تركها لامتنع فعل الجمعة في حق من تجب عليه، ومن يريدها ممن سقطت عنه. ذكره ابن قدامة في المغني (2/ 212 و 213). فصنع ابن الزبير وقع خلاف الإجماع لكونه لم يزد على الركعتين قبل الزوال بكرة حتى صلى العصر مع أنه قد اجتمع له من يصلي به الجمعة. قال عطاء: "ثم رحنا إلى الجمعة، فلم يخرج إلينا، فصلينا وحدانا"، كما تقدم.
أقول: وفي كل الأحوال لا يدل عدم خروج ابن الزبير إلى الجمعة أنه لم يصل الظهر وإنما أشرنا إلى ذلك لأنه وجد من استند على فعل ابن الزبير فاسقط الجمعة والظهر بأن واحد على من صلى العيد.قال التهانوي: ولا يخفى أن عطاء أخبر أنه لم يخرج ابن الزبير لصلاة الجمعة، وليس ذلك بنص قاطع أنه لم يصل الظهر في منزله فالجزم بأن مذهب ابن الزبير سقوط صلاة الظهر في يوم الجمعة [الذي] يكون عيداً لهذه الرواية غير صحيح لاحتمال أنه صلى الظهر في منزله. بل في قول عطاء أنهم صلوا وحداناً أي الظهر ما يشعر بأنه لا قائل بسقوطه، ولا يقال: إن مراده صلوا الجمعة وحداناً، فإنها لا تصح إلا جماعة إجماعاً. ثم القول بأن الأصل في يوم الجمعة صلاة الجمعة، والظهر بدل عنها قول مرجوح، بل الظهر هو الفرض الأصلي المفروض ليلة الإسراء والجمعة متأخر فرضها. ثم إذا فاتت وجب الظهر إجماعاً، فهي البدل عنه، وقد حققناه في رسالة مستقلة اهـ (1 - 164).
وقال الإمام الشافعي في (الأم) بعد ما ذكر مرسل عمر بن عبد العزيز، وأثر عثمان رضي الله عنه ما نصه: قال الشافعي: وإذا كان يوم الفطر يوم الجمعة صلى الإمام العيد حين تحل الصلاة، ثم أذن لمن حضره من غير أهل المصر في أن ينصرفوا إن شاؤوا إلى أهلهم، ولا يعودون إلى الجمعة، والاختيار لهم أن يقيموا حتى يجمعوا، أو يعودوا بعد انصرافهم إن قدروا حتى يجمعوا، وإن لم يفعلوا فلا حرج إن شاء الله تعالى. قال: ولا يجوز هذا لأحد من أهل المصر أن يدعوا أن يجمعوا إلا من عذر يجوز لهم به ترك الجمعة وإن كان يوم عيد. قال: وهكذا إن كان يوم الأضحى، ولا الجمعة لأنها ليست بمصر اهـ (1 - 212).
وفي شرح الهداية للعيني: قال ابن عبد البر: سقوط الجمعة والظهر بصلاة العيد متروك مهجور، ولا يعول عليه. وتأويل ذلك [أي سقوط الجمعة] في حق أهل البادية، ومن لا تجب عليه الجمعة اهـ (3 - 1019). والله تعالى أعلم، وعلمه أتم وأحكم. انظر إعلاء السنن (8/ 74 - 80).
============================
الصلاة وصف مفصل 
اجتماع الجمعة والعيد في يوم واحد:
إذا اجتمع العيد والجمعة في يوم واحد سقطت الجمعة، عمن صلى العيد ــ لكن ينبغي للإمام أن يقيم الجمعة ليشهدها من شاء شهودها، ومن لم يشهد العيد.
وتجب على الصحيح صلاة الظهر على من تخلف عن الجمعة لحضوره العيد، والأولى بكل حال أن يصلي العيد والجمعة طلباً للفضيلة، وتحصيلاً لأجريهما. والله أعلم.
قال ابن القيم: ورخص لهم إذا وقع العيد يوم الجمعة أن يجتزئوا بصلاة العيد عن حضور الجمعة1.
=====================
اللمعة في أن صلاة العيد لا تجزيء عن الجمعة
بَيَانُ الرِّوَايَاتِ الْوَاهِيَاتٌ الَّتِي رَخَّصَتْ لِمَنْ صَلَّي الْعِيدَ فِي ترك فَرِيضَةِ الْجُمُعَةِ
قَدْ ذَكَرْنَا آنِفًا قَوْلَ إِمَامِ الْمَالِكِيَّةِ أَبِي عُمَرَ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ فِِي «التَّمْهِيدِ»: لا يَجُوزُ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَذْهَبَ إِلَى سُقُوطِ فَرْضِ الْجُمُعَةِ عَمَّنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ بِأَحَادِيثَ لَيْسَ مِنْهَا حَدِيثٌ إِلاَّ وَفِيهِ مَطْعَنٌ لأَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ اهـ.
وَمِنْ نَوَافِلِ الإِفَادَةِ: بَيَانُ أنَّ مَنْ لاَ تَلْزَمُهُ الْجُمُعَةُ مِنْ أَهْلِ الأَعْذَارِ هُمُ الْمَذْكُورُونَ فِيمَا:
أَخْرَجَهُ أبُو دَاوُدَ (1067) قَالَ: حَدَّثَنَا عَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْعَظِيمِ حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ ثَنَا هُرَيْمُ بْنُ سُفْيَانَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْتَشِرِ عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الْجُمُعَةُ حَقٌّ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ فِي جَمَاعَةٍ إِلاَّ أَرْبَعَةً: عَبْدٌ مَمْلُوكٌ، أَوْ امْرَأَةٌ، أَوْ صَبِيٌّ، أَوْ مَرِيضٌ».
وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ «السُّنَنُ» (164)، والْبَيْهَقِيُّ «الْكُبْرَى» (3/ 183) و «مَعْرِفَةُ السُّنَنِ وَالآثَارِ» (1721)، وَالضِّيَاءُ الْمَقْدِسِيُّ «الْمُخْتَارَةُ» (2/ 121) مِنْ طُرُقٍ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ مَنْصُورٍ بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ.
قَالَ أَبُو دَاوُد: طَارِقُ بْنُ شِهَابٍ قَدْ رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ شَيْئًا.
قَالَ أَبُو زَكَرِيَّا النَّوَوِيُّ فِي «الْخُلاصَةِ»: وَهَذَا غَيْرُ قَادِحٍ فِي صِحَّتِهِ، فَإِنَّهُ يَكُونُ مُرْسَلَ صَحَابِيٍّ وَهُوَ حُجَّةٌ، وَالْحَدِيثُ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ.
وَقاَلَ الشَّافِعِىُّ «الْمُسْنَدُ» (179): أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: أَبْصَرَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ رَجُلاً عَلَيْهِ هَيْئَةُ السَّفَرِ، فَسَمِعَهُ يَقُولُ: لَوْلاَ أَنَّ الْيَوْمَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ لَخَرَجْتُ، فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: اخْرُجْ، فَإِنَّ الْجُمُعَةَ لاَ تَحْبِسُ عَنْ سَفَرٍ.
قُلْتُ: فَهَؤُلاءِ أَهْلِ الأَعْذَارِ الَّذِينَ لا تَلْزَمُهُمَ الْجُمُعَةِ، وَجَائِزٌ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ حُضُورُ الْجُمُعَةِ مِنْ غَيْرِ إِيْجَابٍ.
وَهَذَا بَيَانُ الأَحَادِيثِ الْوَاهِيَاتِ الَّتِي احْتَجَّ بِهَا الْقَائِلُونَ بِسُقُوطِ فَرْضِ الْجُمُعَةِ عَمَّنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ بِأَدَاءِ صَلاةِ الْعِيدِ:

[1] حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ
قَالَ أَبُو دَاوُدَ (907): حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُصَفَّى، وَعُمَرُ بْنُ حَفْصٍ الْوَصَّابِيُّ الْمَعْنَى قَالا: حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ الْمُغِيرَةِ الضَّبِّيِّ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «قَدْ اجْتَمَعَ فِي يَوْمِكُمْ هَذَا عِيدَانِ، فَمَنْ شَاءَ أَجْزَأَهُ مِنْ الْجُمُعَةِ، وَإِنَّا مُجَمِّعُونَ».
وَأَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ (1311)، وَابْنُ الْجَارُودِ (302)، وَالْبَزَّارُ (8995)، وَالطَّحَاوِيُّ «مُشْكَلُ الآثَارِ» (1155)، وَالْحَاكِمُ (1/ 288)، وَالْبَيْهَقِيُّ «الْكُبْرَى» (3/ 318)، وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ «التَّمْهِيدُ» (10/ 272)، وَالْخَطِيبُ «تَارِيْخُ بَغْدَادَ» (3/ 129)، وَابْنُ الْجَوْزِيِّ «التَّحْقِيقُ فِي أَحَادِيثِ الْخَلافِ» (769) مِنْ طُرُقٍ عَنْ بَقِيَّةَ بْنِ الْوَلِيدِ ثَنَا شُعْبَةُ بِهَذَا الإِسْنَادِ مِثْلَهُ.
قُلْتُ: هَذَا حَدِيثٌ مُضْطَرِبٌ. وَبَقِيَّةُ بْنُ الْوَلِيدِ، وَإِنْ بَرِئَ مِنْ تُهْمَةِ التَّدْلِيسِ بِالتَّصْرِيْحِ بِسَمَاعِهِ مِنْ شُعْبَةَ، لَكِنَّهُ لَمْ يَبْرَئْ مِن الْوَهْمِ وَالْغَلَطِ، وَالْمُخَالَفَةِ عَلَى إِسْنَادِهِ، وَجَاءَ بِعِبَارَةٍ شَاذَّةٍ لَمْ يُتَابِعْهُ عَلَيْهَا أَحَدٌ، وَهِيَ قَوْلُهُ: أَجْزَأَهُ يَعْنِي الْعِيدَ مِنْ الْجُمُعَةِ.
فَأَمَّا الاضْطِرَابُ، فَقَدْ أَبَانَهُ إِمَامُ الْعِلَلِ أَبُو الْحَسَنِ الدَّارَقُطْنِيُّ، فَقَالَ «الْعِلَلُ» (1984): هَذَا الْحَدِيثُ يَرْوِيهِ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ رَفِيعٍ، وَقَدِ اخْتُلِفَ عَنْهُ، فَرَواهُ زِيَادُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْبَكَّائِيُّ، وَالْمُغِيرَةُ بْنُ مُقْسِمٍ مِنْ رِوايَةِ بَقِيَّةَ عَنْ شُعْبَةَ عَنْهُ.
وَقَالَ وَهْبُ بْنُ حَفْصٍ عَنِ الْجُدِّيِّ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رَفِيعٍ وَلَمْ يَذْكُرْ مُغِيرَةَ.
وَقَالَ أَبُو بِلاَلٍ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بنِ رَفِيعٍ، وَقَالَ يَحيَى بْنُ حَمْزَةَ: عَنْ هُذَيْلٍ الْكُوفِيِّ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رَفِيعٍ كُلُّهُم قَالُوا: عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.
وَكَذَلِكَ قال عُبَيدُ الله بنُ مُحَمدٍ الفِريابِيُّ عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رَفِيعٍ، وَخَالَفَهُ الْحُمَيدِيُّ عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ فَأَرسَلَهُ، وَلَمْ يَذْكُرْ أَبَا هُرَيْرَةَ، وَكَذَلِكَ رَواهُ الثَّوْرِيُّ، وَاخْتُلِفَ عَنهُ.
وَرَوَاهُ أَبُو عَوَانَةَ، وَزَائِدَةُ، وَشَرِيكٌ، وَجَرِيْرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ، وَأَبُو حَمْزَةَ السُّكَّرِيُّ كُلُّهُمْ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رَفِيعٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ مُرْسَلاً، وَهُوَ الصَّحِيحُ اهـ.
قُلْتُ: فَهَذِهِ وُجُوهُ الاضْطِرَابِ عَلَى إِسْنَادِهِ، وَإِنَّمَا رَجَّحَ الدَّارَقُطْنِيُّ إِرْسَالَهُ، لإِنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ الأَثْبَاتِ الْحُفَّاظِ: السُّفْيَانَانِ الثَّوْرِيِّ، وَابْنِ عُيَيْنَةَ وَغَيْرِهِمَا.
وَأَمَّا النَّكَارَةُ، فَإِنَّ سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ، وَزِيَادَ بْنَ عَبْدِ اللهِ الْبَكَّائِيَّ قَدْ كَشَفَا عَوْرَةَ حَدِيثِ بَقِيَّةَ، وَأَبَانَا نَكَارَتَهُ، إِلاَّ أَنَّ الثَّوْرَيَّ أَرْسَلَهُ، وَالْبَكَّائِيَّ رَفَعَهُ.
قَالَ الطَّحَاوِيُّ «مُشْكَلُ الآثَارِ» (1156): حَدَّثَنَا بَكَّارُ بْنُ قُتَيْبَةَ ثَنَا أَبُو دَاوُدَ، وَأَبُو عَامِرٍ قَالا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ عَنْ ذَكْوَانَ قَالَ: اجْتَمَعَ عِيدَانِ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «إِنَّكُمْ قَدْ أَصَبْتُمْ خَيْرًا وَذِكْرًا، وَإِنَّا مُجَمِّعُونَ، فَمَنْ شَاءَ أَنْ يُجَمِّعَ فَلْيُجَمِّعْ، وَمَنْ شَاءَ أَنْ يَرْجِعَ فَلْيَرْجِعْ».
وَأَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ «الْمُصَنَّفُ» (5728) عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ عَنْ أبِي صَالِحٍ ذَكْوَانَ بِمِثْلِهِ إِلاَّ أَنَّهُ قَالَ: «وَمَنْ شَاءَ أَنْ يَجْلِسَ فَلْيَجْلِسْ».
وَأَخْرَجَ ابْنُ عَدِيٍّ «الْكَامِلُ» (3/ 93)، والْبَيْهَقِيُّ «الْكُبْرَى» (3/ 318)، وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ «التَّمْهِيدُ» (10/ 272) مِنْ طُرُقٍ عَنْ زِيَادِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الْبَكَّائِيِّ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ عَنْ أَبِى صَالِحٍ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: اجْتَمَعَ عِيدَانِ عَلَى عَهْدِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «إِنَّهُ قَدِ اجْتَمَعَ عِيدُكُمْ هَذَا وَالْجُمُعَةُ، وَإِنَّا مُجَمِّعُونَ، فَمَنْ شَاءَ أَنْ يُجَمِّعَ فَلْيُجَمِّعْ»، فَلَمَّا صَلَّى الْعِيدَ جَمَّعَ.
قُلْتُ: فَلَيْسَ فِي حَدِيثَيْهِمَا ذِكْرٌ لِهَذِهِ الْعِبَارَةِ الشَّاذَّةِ الَّتِي تَفَرَّدَ بِهَا بِقَيَّةُ: أَجْزَأَهُ يَعْنِي الْعِيدَ مِنْ الْجُمُعَةِ، وَإِنَّمَا فِيهِ قَوْلُهُ: «إِنَّا مُجَمِّعُونَ»، وَهُوَ إِخْبَارٌ عَنْ نَفْسِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعَمَّنْ لَزِمَتْهُ الْجُمُعَةَ أَنَّهُمْ مُجَمِّعُونَ لا مَحَالَةَ، إِذْ لَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَتْرُكُوا الْفَرِيضَةَ، وَقَوْلُهُ: «وَمَنْ شَاءَ أَنْ يَرْجِعَ فَلْيَرْجِعْ» إِعْلامٌ لِمَنْ كَانُوا يَنْتَابُونَ الْمَدِينَةَ لِحُضُورِ الْعِيدَ أَنَّ لَهُمْ أَنْ يُقِيمُوا بِهَا اخْتِيَارًا حَتَّى يُصَلُّوا مَعَهُ الْجُمُعَةَ، أَوْ يَنْصَرِفُوا عَنْهَا إِلَى أَمَاكِنِهِمْ , وَيَتْرُكُونَ الإِقَامَةَ لِلْجُمُعَةِ، وَهَذَا الاخْتِيَارُ لَيْسَ لأَحَدٍ سِوَاهُمْ، وَلا يُرَخَّصُ فِيهِ لِغَيْرِهِمْ.
وَبِهَذَا الإِيْضَاحِ تَعْلَمُ خَطَأَ مَنْ جَعَلَ حَدِيثَ الْبَكَّائِىِّ عَاضِدًا لَحَدِيثِ بَقِيَّةَ، وَشَاهِدًا لِصِحَّتِهِ، لاخْتِلافِهِمَا مَعْنًى وَدِلالَةً، وَتَرْجِيحُ دِلالَةِ حَدِيثِ الْبَكَّائِىِّ بِمُتَابَعَةِ الثَّوْرِىِّ وَغَيْرِهِ عَلَى مَعْنَى حَدِيثِهِ وَدِلالَتِهِ.
قَالَ أَبُو عُمَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: فَقَدْ بَانَ فِي رِوَايَةِ الْبَكَّائِيِّ، وَالثَّوْرِيِّ لِهَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمَّعَ ذَلِكَ الْيَوْمَ بِالنَّاسِ، وَفِي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ فَرْضَ الْجُمُعَةِ لازِمٌ، وَأَنَّ الرُّخْصَةَ إِنَّمَا أُرِيدَ بِهَا مَنْ لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ الْجُمُعَةُ مِمَّنْ شَهِدَ الْعِيدَ مَنْ أَهْلَ الْبَوَادِي، وَهَذَا تَأْوِيلٌ تُعَضِّدُهُ الأُصُولُ، وَتَقُومُ عَلَيْهِ الدَّلائِلُ، وَمَنْ خَالَفَهُ فَلا دَلِيلَ مَعَهُ، وَلا حُجَّةَ لَهُ اهـ.
وَالْخُلاصَةُ، فَحَدِيثُ بَقِيَّةَ غَرِيبٌ مُنْكَرٌ، لا يُتَابِعُهُ أَحَدٌ عَلَى دِلالَتِهِ وَمَعْنَاهُ. وَلِهَذَا أَنْكَرَهُ الأَئِمَّةُ: أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَأَبُو حَاتِمٍ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ، وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ الْخَطِيبُ «تَارِيْخُ بَغْدَادَ» (3/ 129): حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الْبَرْقَانِيُّ قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مُحَمَّدِ بْن إِسْمَاعِيلَ الْوَرَّاقِ: حَدَّثَكُمْ يَحْيَى بْنُ صَاعِدٍ ثَنَا أَبُو بَكْرٍ الأَثْرَمُ قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: بَلَغَنِي أَنَّ بَقِيَّةَ رَوَى عَنْ شُعْبَةَ عَنِ مُغِيْرَةَ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي الْعِيدَيْنِ يَجْتَمِعَانِ فِي يَوْمٍ، مِنْ أَيْنَ جَاءَ بَقِيَّةُ بِهَذَا؟، كَأَنَّهُ يَعْجَبُ مِنْهُ، ثُمَّ قَالَ: قَدْ كَتَبْتُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ رَبِّهِ عَنْ بَقِيَّةَ عَنْ شُعْبَةَ حَدِيثَيْنِ لَيْسَ هَذَا فِيهِمَا، وَإِنَّمَا رَوَاهُ النَّاسُ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ أَبِى صَالِحٍ مُرْسَلاً.

[2] حَدِيثُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ
قَالَ ابْنُ مَاجَهْ (1302): حَدَّثَنَا جُبَارَةُ بْنُ الْمُغَلِّسِ ثَنَا مِنْدَلُ بْنُ عَلِيٍّ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: اجْتَمَعَ عِيدَانِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَصَلَّى بِالنَّاسِ، ثُمَّ قَالَ: مَنْ شَاءَ أَنْ يَأْتِيَ الْجُمُعَةَ فَلْيَأْتِهَا، وَمَنْ شَاءَ أَنْ يَتَخَلَّفَ فَلْيَتَخَلَّفْ.
وَأَخْرَجَهُ ابْنُ عَدِيٍّ «الْكَامِلُ» (6/ 456)، وَابْنُ الْجَوْزِيِّ «التَّحْقِيقُ فِي أَحَادِيثِ الْخَلافِ» (797) كلاهما من طريق جُبَارَةَ بْنِ الْمُغَلِّسِ بِهَذَا الإِسْنَادِ مِثْلَهُ.
قُلْتُ: وَهَذَا إِسْنَادٌ ضَعِيفٌ. مِنْدَلٌ، وَجُبَارَةُ ضَعِيفَانِ، وَأَضْعَفُهُمَا جُبَارَةُ، فَقَدْ اتَّهَمَهُ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ بِالْكَذِبِ.
وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ: عَرَضْتُ عَلَى أَبِي أَحَادِيثَ سَمِعْتُهَا مِنْ جُبَارَةَ، فَقَالَ فِي بَعْضِ مَا عَرَضْتُ عَلَيْهِ: هَذِهِ مَوْضُوعَةٌ أَوْ هِيَ كَذِبٌ. وَقَالَ ابْنُ الْجُنَيْدِ: قَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدِيثُهُ مُضْطَرِبٌ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: كَانَ أبُو زُرْعَةَ حَدَّثَ عَنْهُ فِي أَوَّلِ أَمْرِهِ، ثُمَّ تَرَكَ حَدِيثَهُ بَعْدُ، وَقَالَ: قَالَ لِيَ ابْنُ نُمَيْرٍ: مَا هُوَ عِنْدِي مِمَّنُ يَكْذِبُ، كَانَ يُوضَعُ لَهُ الْحَدِيثُ، فَيُحَدِّثُ بِهِ.
وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: فِي بَعْضِ حَدِيثِهِ مَا لا يُتَابِعُهُ أَحَدٌ عَلَيْهِ، غَيْرَ أَنَّهُ كَانَ لا يَتَعَمَّدُ الْكَذِبَ، إِنَّمَا كَانَتْ غَفْلَةٌ فِيهِ، وَحَدِيثُهُ مُضْطَرِبٌ كَمَا قَالَ الْبُخَارِيُّ.
قُلْتُ: وَهَذَا الْحَدِيثُ مِمَّا يَصْدُقُ فِيهِ قَوْلُ الإِمَامِ أَحْمَدَ السَّالِفِ، إِذْ لا أَصْلَ لَهُ مِنْ حَدِيثِ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، إِنَّمَا هُوَ مِنْ حَدِيثِ الْمَتْرُوكِينَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَلا يَصِحُّ عَنْهُ.
فَقَدْ أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ «الْكَبِيْرُ» (12/ 435/13591) مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ رَاشِدٍ السَّمَّاكِ ثَنَا عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: اجْتَمَعَ عِيدَانِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمُ فِطْرٍ، وَجُمْعَهٌ، فَصَلَّى بِهِمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلاَةَ الْعِيدِ , ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْهِمْ بِوَجْهِهِ، فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّكُمْ قَدْ أَصَبْتُمْ خَيْرًا وَأَجْرًا، وَإِنَّا مُجْمِعُونَ، فَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُجْمِعَ مَعَنَا فَلْيُجْمِعْ، وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى أَهْلِهِ فَلْيَرْجِعْ.
قُلْتُ: وَهَذَا بِاطِلٌ بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَالْمُتَّهَمُ بِهِ سَعِيدُ بْنُ رَاشِدٍ السَّمَّاكُ الْبَصْرِيُّ.
قَالَ ابْنُ مَعِينٍ: لَيْسَ بِشَيْءٍ. وَقَالَ الْبُخَارِيُّ، وَأَبُو حَاتِمٍ: مُنْكَرُ الْحَدِيثِ. وَقَالَ النَّسَائِيُّ: مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ.

[3] حَدِيثُ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ
قَالَ أَبُو دَاوُدَ (904): حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ أَخْبَرَنَا إِسْرَائِيلُ حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ عَنْ إِيَاسِ بْنِ أَبِي رَمْلَةَ الشَّامِيِّ قَالَ: شَهِدْتُ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ، وَهُوَ يَسْأَلُ زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ، قَالَ: أَشَهِدْتَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِيدَيْنِ اجْتَمَعَا فِي يَوْمٍ؟، قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَكَيْفَ صَنَعَ؟، قَالَ: صَلَّى الْعِيدَ، ثُمَّ رَخَّصَ فِي الْجُمُعَةِ فَقَالَ: «مَنْ شَاءَ أَنْ يُصَلِّيَ فَلْيُصَلِّ».
وَأَخْرَجَهُ الطَّيَالِسِيُّ (685)، وَابْنُ أبِي شَيْبَةَ (2/ 187/5896)، وَأَحْمَدُ (4/ 372)، وَالدَّارِمِيُّ (1612)، وَالْبُخَارِيُّ «التَّارِيْخُ الْكَبِيْرُ» (1/ 438)، وَالنَّسَائِيُّ «الْمُجْتَبَى» (3/ 194) و «الْكُبْرَى» (1793)، وَابْنُ مَاجَهْ (1310)، وَالْبَزَّارُ (4337)، وَابْنُ خُزَيْمَةَ (1464)، وَيَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ «الْمَعْرِفَةُ وَالتَّارِيْخُ» (1/ 303)، وَالطَّحَاوِيُّ «شَرْحُ مُشْكَلِ الآثَارِ» (1153، 1154)، وَالطَّبَرَانِيُّ «الْكَبِيْرُ» (5/ 210/5120)، وَالْحَاكِمُ «الْمُسْتَدْرَكُ» (1/ 288)، وَالْبَيْهَقِيُّ «السُّنَنُ الْكُبْرَى» (3/ 317) و «الصُّغْرَى» (714) و «مَعْرِفَةُ السُّنَنِ وَالآثَارِ» (7023)، وَابْنُ الْجَوْزِيِّ «التَّحْقِيقُ فِي أَحَادِيثِ الْخَلافِ» (795) مِنْ طُرُقٍ عَنْ إِسْرَائِيلَ ثَنَا عُثْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ عَنْ إِيَاسِ بْنِ أَبِي رَمْلَةَ بِمِثْلِهِ.
قَالَ أَبُو بَكْرِ ابْنُ خُزَيْمَةَ: إِنْ صَحَّ الْخَبَرُ!، فَإِنِّي لاَ أَعْرِفُ إِيَاسَ بْنَ أَبِي رَمْلَةَ بِعَدَالَةٍ، وَلاَ جَرْحٍ.
وَقَالَ الذَّهَبِيُّ «مِيزَانُ الاعْتِدَالِ» (1052): قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: لا يَثْبُتُ هَذَا، فَإِنَّ إِيَاسًا مَجْهُولٌ.
قُلْتُ: هَذَا حَدِيثٌ ضَعِيفٌ. وَإِيَاسُ بْنُ أَبِي رَمْلَةَ، وَإِنْ كَانَ مِنْ مَجَاهِيلِ التَّابِعِينَ الَّذِينَ يُتَلَقَّى حَدِيثُهُمْ بِحُسْنِ الظَّنِّ عِنْدَ الذَّهَبِيِّ، لَكِنْ مُوجِبَاتُ ضَعْفِ حَدِيثِهِ لائِحَةٌ:
[أَوَّلاً] نَكَارَةُ مَتْنِهِ.
[ثَانِيًا] مُخَالَفَتُهُ للأُصُولِ.
[ثَالِثًا] مُعَارَضَتُهُ لِمَا ثَبَتَ وَصَحَّ مِنْ حَدِيثِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: أَنَّ الْجُمُعَةَ وَالْعِيدَ كَانَا إِذَا اجْتَمَعَا فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ صَلَّى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّلاتَيْنِ كِلَيْهِمَا.
قُلْتُ: وَأَكْثَرَ مَنْ تَلَقَّى هَذَا الْحَدِيثَ بِالْقَبُولِ، وَلَمْ يُضَعِّفْهُ بِجَهَالَةِ رَاوِيهِ، فَإِنَّمَا تَأَوَّلَهُ عَلَى انْتِفَاءِ هَذِهِ الْعَوَارِضِ الثَّلاثِ، كَنَحْوِ صَنِيعِ ابْنِ خُزَيْمَةَ، وَالطَّحَاوِيِّ، وَابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ، وَعِدَّةٍ مِنَ الأَئِمَّةِ وَالْحُفَّاظِ.
فَقَدْ بَوَّبَ لَهُ أَبُو بَكْرِ ابْنُ خُزَيْمَةَ: بَابُ الرُّخْصَةِ لِبَعْضِ الرَّعِيَّةِ فِي التَّخَلُّفِ عَنِ الْجُمُعَةِ إِذَا اجْتَمَعَ الْعِيدُ وَالْجُمُعَةُ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ، إِنْ صَحَّ الْخَبَرُ، فَإِنِّي لاَ أَعْرِفُ إِيَاسَ بْنَ أَبِي رَمْلَةَ بِعَدَالَةٍ، وَلاَ جَرْحٍ.
فَقَوْلُهُ: لِبَعْضِ الرَّعِيَّةِ بَيِّنُ الدِّلالَةِ عَلَى أَنَّ الرُّخْصَةَ لِمَنْ شَهِدَ ذَلِكَ الْعِيدَ مِمَّنْ لَمْ تَجِبِ الْجُمُعَةُ عَلَيْهِ، وَهُمْ أَهْلُ الْبَوَادِي.
وَمِنَ التَّنْبِيهِ الْوَاجِبِ: أَنَّ ابْنَ خُزَيْمَةَ لَمْ يَجْزِمْ بِصِحَّةِ الْحَدِيثِ كَمَا زَعَمَ الأَمِيْرُ الصَّنْعَانِيُّ فِي «سُبُلِ السَّلامِ».
وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيُّ «شَرْحِ مُشْكَلِ الآثَارِ» (1153، 1154): أَنَّ الْمُرَادِينَ بِالرُّخْصَةِ فِي تَرْكِ الْجُمُعَةِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ هُمْ أَهْلُ الْعَوَالِي الَّذِينَ مَنَازِلُهُمْ خَارِجَةٌ عَنِ الْمَدِينَةِ، مِمَّنْ لَيْسَتِ الْجُمُعَةُ عَلَيْهِمْ وَاجِبَةً ; لأَنَّهُمْ فِي غَيْرِ مِصْرٍ مِنَ الأَمْصَارِ , وَالْجُمُعَةُ فَإِنَّمَا تَجِبُ عَلَى أَهْلِ الأَمْصَارِ.
وَقَالَ أَبُو عُمَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ «التَّمْهِيدُ» (10/ 277): وَلَيْسَ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى سُقُوطِ الْجُمُعَةِ، وَإِنَّمَا فِيهِ دَلِيلٌ أَنَّهُ رَخَّصَ فِي شُهُودِهَا، وَأَحْسَنُ مَا يُتَأَوَّلُ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ رُخِّصَ بِهِ لِمَنْ لَمْ تَجِبِ الْجُمُعَةُ عَلَيْهِ مِمَّنْ شَهِدَ ذَلِكَ الْعِيدَ.
وَقَالَ «الاسْتِذْكَارُ» (7/ 29): لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ هذه الآثَارِ، مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْهَا، وَمَا سَكَتْنَا عَنْهُ أَنَّ صَلاةَ الْجُمُعَةِ لَمْ يُقِمْهَا الأَئِمَّةُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ، وَإِنَّمَا فِيهَا أَنَّهُمْ أَقَامُوهَا بَعْدَ إِذْنِهِمُ الْمَذْكُورِ عَنْهُمْ، وَذَلِكَ الإِذْنُ عِنْدَنَا لِمَنْ قَصَدَ الْعِيدَيْنِ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْمِصْرِ.
وَاسْتَشْهَدُوا لِخُصُوصِ الرُّخْصَةِ بِأَهْلِ الْعَوَالِي بِمَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي «صَحِيحِهِ» عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ مَوْلَى ابْنِ أَزْهَرَ قال: شَهِدْتُ الْعِيدَ مَعَ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، فَكَانَ ذَلِكَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَصَلَّى قَبْلَ الْخُطْبَةِ، ثُمَّ خَطَبَ، فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ؛ إِنَّ هَذَا يَوْمٌ قَدْ اجْتَمَعَ لَكُمْ فِيهِ عِيدَانِ، فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَنْتَظِرَ الْجُمُعَةَ مِنْ أَهْلِ الْعَوَالِي فَلْيَنْتَظِرْ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَرْجِعَ فَقَدْ أَذِنْتُ لَهُ.

[4] حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ
قَالَ ابْنُ مَاجَهْ (1311): حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُصَفَّى الْحِمْصِيُّ حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنِي مُغِيرَةُ الضَّبِّيُّ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَليْهِ وسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «اجْتَمَعَ عِيدَانِ فِي يَوْمِكُمْ هَذَا، فَمَنْ شَاءَ أَجْزَأَهُ مِنَ الْجُمُعَةِ، وَإِنَّا مُجَمِّعُونَ إِنْ شَاءَ اللهُ».
قُلْتُ: كَذَا سَاقَهُ ابْنُ مَاجَهْ بِهَذَا الإِسْنَادِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَهُوَ خَطَأٌ صَوَابُهُ كَمَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاودَ بِهَذَا الإِسْنَادِ: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. وَهُوَ كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ مُفَصَّلاً: حَدِيثٌ مُضْطَرِبٌ مُنْكَرُ الْمَتْنِ.
وَالْخُلاصَةُ: فَهَذِهِ الأَحَادِيثُ كُلُّهَا ضِعَافٌ وَاهِيَةٌ، وَلا يَسْتَقِلُ وَاحِدٌ مِنْهَا بِذَاتِهِ فِي الصِّحَّةِ، وَلا يُقَوِّي بَعْضُهَا بَعْضًا لِتَنَاقُضِهَا، وَتَبَايُنِ دِلالاتِهَا، ومُعَارَضَتُهَا مُجْتَمِعَةً بِالصَّحِيحِ الثَّابِتِ مِنْ حَدِيثِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: أَنَّ الْجُمُعَةَ وَالْعِيدَ كَانَا إِذَا اجْتَمَعَا فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ صَلَّى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّلاتَيْنِ كِلَيْهِمَا.
وَللهِ دَرُّ إِمَامِ الْمَالِكِيَّةِ أَبِي عُمَرَ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ إِذْ قَالَ: لا يَجُوزُ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَذْهَبَ إِلَى سُقُوطِ فَرْضِ الْجُمُعَةِ عَمَّنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ بِأَحَادِيثَ لَيْسَ مِنْهَا حَدِيثٌ إِلاَّ وَفِيهِ مَطْعَنٌ لأَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ اهـ.
وَمِنَ التَّنْبِيهِ الْوَاجِبِ: أَنَّ أَكْثَرَ الْمُحَقِّقِينَ الْمُتَأَخِّرِينَ يُصَحِّحُونَ هَذِهِ الْوَاهِيَاتِ بِمَجْمُوعِ طُرُقِهَا، وَيَزْعُمُونَ أَنَّ ضَعْفَهَا مَيْسُورٌ مُحْتَمَلٌ، وَيَتَغَافَلُونَ عَنْ تَبَايُنِ دِلالاتِهَا وَمَعَانِيهَا، وَمُخَالَفَتِهَا للأُصُولِ.
وَالْحَقُّ الَّذِي لا مِرْيَةَ فِيهِ: أَنَّهُ بِمِثْلِ هَذَا الصَّنِيعِ خَرَجَ أَكْثَرُهُمْ عَنْ حَدِّ التَّسَاهُلِ إِلَى التَّغَافُلِ، وَعَنْ قَيْدِ التَّثَبُّتِ وَالإِحْتِيَاطِ إِلَى التَّقْصِيْرِ وَالإِفْرَاطِ، ولَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ إِسْنَادٍ يَسِيْرٍ ضَعْفُهُ، مَجْبُورٍ كَسْرُهُ، وَإِسْنَادٍ ضَعْفُهُ أَكِيدٌ، وَكَسْرُهُ شَدِيدٌ.
وَتَحْرِيرُ الْقَوْلِ فِى هَذَا الْمَهْيَعِ الصَّعْبِ مَا قَالَهُ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ الْعَسْقَلانِيُّ، فِيمَا ذَكَرَهُ عَنْهُ السَّخَاوِيُّ فِى «الْقَوْلِ الْبَدِيعِ» (ص258): «سَمِعْتُ شَيْخَنَا - يَعْنِي ابْنَ حَجَرٍ - مِرَارًا يَقُولُ، وَكَتَبَهُ لِي بِخَطِّهِ: إِنَّ شَرَائِطَ الْعَمَلِ بِالضَّعِيفِ ثَلاثَةٌ:
(1) أَنْ يَكُونَ الضَّعْفُ غَيْرَ شَدِيدٍ، فَيُخْرِجُ هَذَا الْقَيْدُ الْكَذَّابِينَ، وَالْمُتَّهَمِينَ بِالْكَذِبِ، وَمَنْ فَحُشَ غَلَطُهُ.
(2) أَنْ يَكُونَ مُنْدَرِجًا تَحْتَ أَصْلٍ عَامٍ، فَيَخْرُجُ مَا يُخْتَرَعُ، بِحَيْثُ لا يَكُونُ لَهُ أَصْلٌ أَصْلاً.
(3) أَلا يَعْتَقِدَ عِنْدَ الْعَمَلِ بِهِ بِثُبُوتِهِ، لِئَلا يَنْسُبَ إِلَى النَّبىِّ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا لَمْ يَقُلْهُ.
قَالَ: وَالأَخِيْرَانِ عَنِ الْعِزِّ بْنِ عَبْدِ السَّلامِ، وَابْنِ دَقِيقِ الْعِيدِ. وَالأَوَّلُ نَقَلَ الْعَلائِيُّ الاتِّفَاقَ عَلَيْهِ» اهـ.
وَلَسْتُ مُبَالِغًا إِذَا قُلْتُ: إِنَّ أَكْثَرَ الْمُحَقِّقِينَ الْمُتَأَخِّرِينَ لا يُرَاعُونَ هَذِهِ الشَّرَائِطِ مُجْتَمِعَةً، خَاصَّةً وَاشْتِرَاطُ كَوْنِ الْحَدِيثِ مُنْدَرِجًا تَحْتَ أَصْلٍ عَامٍ صَعْبُ الإِدْرَاكِ وَالتَّصَوُّرِ، فَإِنَّ إِثْبَاتَ تَوَثُّقِ الْحَدِيثِ بِالأَصْلِ، وَانْدِرَاجِهِ تَحْتَهُ أَمْرٌ عَسِيْرٌ، لا يُحَقِّقُهُ إِلاَّ جَهَابِذَةُ الْفُقَهَاءِ والأُصُولِيِّينَ، لَذَا لا يُسْتَغْرَبُ اشْتِرَاطُهُمْ لَهُ.

===================================
مدونة اهل الحديث
إذا اجتمع العيد والجمعة في يوم واحد, فللعلماء في الترخص للجمعة ثلاثة أقوال.

القول الأول: تجب الجمعة على من شهد العيد, كما تجب سائر الجمع. وبه قال أبو حنيفة.

القول الثاني
تسقط على أهل البر والبوادي والشواذ, ويصلون الظهر, أما أهل المصر فيصلون الجمعة, وو مذهب الشافعية.

القول الثالث
تسقط الجمعة عن أهل القرى وأهل البلد, وهو مذهب أحمد , وأختارها شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره من المحققين. وهو الراجح.

ثم اختلفو أيضاً أصحاب قول الثالث فيمن صلى العيد ممن تجب عليه صلاة الجمعة، ولم يصل الجمعة هل تجزئ العيد عن الظهر أم تبقى الظهر واجبة في ذمته مع أتفاقهم على أنه يسقط وجوب الجمعة عن من شهد صلاة العيد, على قولين.
الأول: لا تسقط الظهر أبداً, سواء قلنا أن الرخصة خاص لأهل لعوالي أو أنه عام لمن صلى العيد, وبه قال علماء الأمصار.
والثاني: يسقط الظهر مع الجمعة عمن صلى العيد, ولا يصلي إلا العصر, وهذا القول مروي عن ابن الزبير وعطاء واختارها الشوكاني وغيره من بعض علماء المتأخرين والمعاصرين. واستدل أصحاب هذا القول أثر ابن الزبير وله حكم الرفع.
وهذا القول شاذ منكر, وأثر بن الزبير لا تقوم به الحجة لإضطرابه.