RAMADAN

Thursday, August 31, 2023

من كتاب الزخائر والعبقريات 2 تأليف عبد الرحمن بن عبد الرحمن بن سيد بن أحمد البرقوقي الأديب المصري

ومن أحسن ما قيل في الإشفاق على الأولاد: قول حِطَّانَ بنِ المُعلَّى - وهو شاعر إسلامي، وأبياته هذه في الحماسة 
 أنْزَلني الدَّهْرُ على حُكْمِهِ … مِنَ شامِخٍ عالٍ إلى خَفْضِ 
وغالَني الدَّهْرُ بِوَفْرِ الغِنى … فليْسَ لي مالٌ سِوَى عِرْضِي 
أبْكانيَ الدَّهْرُ ويا رُبَّما … أضْحَكَني الدَّهْرُ بما يُرْضِي
 لولا بُنَيَّاتٌ كزُغْبِ القَطَا … رُدِدْنَ من بَعْضٍ إلى بعضِ
 لَكانَ لي مُضْطَرَبٌ واسِعٌ … في الأرْضِ ذاتِ الطُّولِ والعَرضِ 
وإنّما أوْلادُنا بَيْنَنا … أَكْبادُنا تَمْشي على الأرْضِ
 لو هَبَّتِ الرِّيحُ على بَعْضِهمْ … لامْتنعت عَيْني من الغُمْضِ
 أنزلني الدهر على حكمه: أنزله من العزةِ إلى الذلَّة يحكم فيه بما شاء، ومن شامخ: من جبل شاهق طويل في السماء، وإلى خفض  إلى مطمئن من الأرض، وهذا تمثيل. وغالني الدهر: أخذه غيلة من حيث لم يدر، وبوفر الغنى: يريد: في كثرة ماله، وقوله: فليس لي مال سوى عرضي يريد: لم يبقِ له الدهر شيئاً إلا أتى عليه سوى عرضه فلم ينتقصه. والعرض: قال ابن الأثير: موضع المدح والذم من الإنسان سواء كان في نفسه أو سلفه أو من يلزمه أمره، وقيل: هو جانبه الذي يصونه من نفسه وحسبه ويحامي عنه أن يُنتقص ويُثلب، وقال أبو العباس ثعلب: إذا ذكر عرض فلان فمعناه أموره التي يرتفع أو يسقط من جهتها بحمد أو بذم، فيجوز أن تكون أموراً يوصف هو بها دون أسلافه ويجوز أن تذكر أسلافه لتلحقه النقيصة بعيبهم 
وقول الشاعر: وأُدْرِكُ مَيسورَ الغِنَى ومعِي عِرضي أي أفعالي الجميلة وقوله: بما يرضي: أي أضحكني أحياناً بما يرضيني. وقوله: كزغب القطا: واحدتها زغباء والذكر أزغب والمصدر الزغب، وهو أوّل ما يبدو من ريش الفرخ، وكذا من شعر الصبي، وقوله: رُدِدن من بعض إلى بعض: تصوير لهيئة تداخل الأفراخ وانضمام بعضهن إلى بعض أول نشأتهن، يصف بناتِه بأنهن ضعاف لا يستطعن القيام بشؤونهن. ومضطرب: أي اضطراب، أي تحرك. وأكبادنا: تمثيل لمعنى الشفقة عليهن، وقد بينها بقوله: لو هبت الريح. . . البيت. . . والغمض بضم الغين: النوم 
وقال شاعر جاهلي يمتدح ابنه لبره به، وهي من أبيات الحماسة  
رأيتُ رِبَاطاً حينَ تَمَّ شَبَابُهُ … وولّى شبابي ليسَ في بِرِّه عَتْبُ
 إذا كان أولادُ الرجالِ حَزَازَةً … فأنتَ الحلالُ الحُلْوُ والبارِدُ العذْبُ 
لنا جانِبٌ منه دَمِيثٌ وجانبٌ … إذا رَامَهُ الأعداءُ مُمْتَنِعٌ 
صَعْبُ وتأخُذُهُ عند المكارم هِزّةٌ … كما اهْتَزَّ تحْتَ البارِحِ الغُصُنُ الرَّطْبُ
 قوله ليسَ في بِرِّه عَتْبُ: يريد ليس في بره لَومٌ ولا سخط، وقوله: إذا كان أولاد الرجال حزازة، فالحزازة: وجع في القلب من غيظٍ ونحوه والجمع حزازات، وتروى: إذا كان أولاد الرجال مرارةً، وهي الأنسبُ بقوله فأنت الحلال الحُلو، يكنى به عن الرجل الذي لا ريبة فيه، على المَثَل بالحُلو الحلال مما يُذاق، يصف طيب أخلاقه، وقوله: دميث: أي سهل ليّن، والبارح: الريح تهب من الشمال في الصيف خاصة 
وقال الفضل بن العباس ابن عتبة بن أبي لهب  
مَهْلاً بَنْي عمِّنا مهْلاً موَالينا ... لا تنْبِشُوا بَيْنَنَا ما كان مَدْفونا 
لا تَطْمَعُوا أَنْ تُهِينُونا ونُكْرِمَكُمْ ... وَأَنْ نَكُفَّ الأذى عنكم وتُؤْذُونا
 مهْلاً بني عمِّنا مِنْ نَحْتِ أَثْلَتِنا ... سِيرُوا رُوَيْداً كما كُنْتُمْ تسيرونا 
اللهُ يعْلَمُ أَنَّا لا نُحِبُّكُمُ ... ولا نَلومُكُمُ إنْ لم تُحبّونا
 كلٌّ له نِيَّةٌ في بُغْضِ صاحبِه ... بنعمةِ اللهِ نَقْليكمْ وتَقْلونا مهلاً
  يريد: رفقاً وسكوناً لا تعجلوا، ويريد ببني عمه: بني أمية، وقد كان في صدورهم أحقاد، وقوله لا تنبشوا: يريد لا تستخرجوا ما كان بيننا من العداوة مدفوناً في الصدور، وقوله: من نحت أثلتنا، فالأثلة: واحد الأثل وهو من العضاه شجر طوال مستقيم الخشب ومنه تصنع الأقداح والجفان ونحتها: قشرها أو نشرها، يريد: مهلاً بني عمنا في إظهار المثالب والمعايب التي تلصقونها بنا، وقوله: كل له نية الخ يريد: إنا وإياكم لعلى طرفي نقيض نحن نبغضكم لاغتصابكم الملك واستيلائكم على أموال المسلمين وأنتم تبغضوننا على قرابتنا من النبي صلوات الله عليه، وقلاه يقليه قلى: أبغضه، وقد حذف نون الرفع من تقلونا ضرورة.
 وقد ورد في علاج العداء الذي يحدث بين الأقارب: وهو علاج مسكن. . . ولكنه لا علاج غيره - قول أكثم بن صيفي حكيم العرب  تباعدوا في الديار تقاربوا في المودة. . 
وكتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى أبي موسى الأشعري: مُرْ ذوي القرابات أن يتزاوروا ولا يتجاوروا 
وقال بعضهم: البنات حسناتٌ. والبنون نعمٌ، والحسناتُ مُثابٌ عليها، والنعم مسؤول عنها. 
وتعرض رجل لهشام بن عبد الملك وادّعى أنه أخوه، فسأله: من أين ذلك؟ قال: من آدم! فأمر بأن يُعطى درهماً، فقال: لا يعطي مثلك درهماً، فقال هشام: لو قسمت ما في بيت المال على القرابة التي ادّعيتها لم ينلك إلا دون ذلك.
 يقول البحتري  
وَأشَقُّ الأفْعالِ أَنْ تَهَبَ الأن ... فُسُ ما أُغْلِقتْ عليهِ الأكُفُّ 
ويقول أبو يعقوب الخُريميّ:
 ودُونَ النَّدى في كُلِّ قَلْبٍ ثنِيَّةٌ ... بهَا مَصْعَدٌ حَزْنٌ ومُنْحدَرٌ سَهْلُ 
 ويقول أبو العتاهية 
 اِطْرَحْ بطَرْفِكَ حيْثُ شِئْ ... تَ فلن تَرَى إلاَّ بخيلا ومَنْ يَظَّنُّ نَثْرَ الحَبِّ جُوداً 
... ويَنْصِبُ تحْتَ ما نَثَرَ الشِّباكا 
 يقول محمود الوراق 
 مَنْ ظَنَّ باللهِ خيراً جاد مُبْتَدِئاً ... والبُخْلُ مِنْ سُوءِ ظَنِّ المَرْءِ باللهِ

قال الحسن والحسين رضوان الله عليهما لعبد الله بن جعفر: إنك قد أسرفت في بذل المال! قال: بأبي أنتما، إن الله عوّدني أن يفضِّل 
عليَّ، وعوّدته أن أفضِّلَ على عباده، فأخاف أن أقطع العادة، فيقطع عنِّي

مرّ يزيدُ بن المُهلّب بأعرابيّةٍ، في خروجه من سجن عمرَ بنِ عبد العزيز، يريد البصرة، فقَرَتْه عنزاً فقَبِلها، وقال لابنه معاوية: ما معك من النفقة؟ فقال: ثمانمائة دينار، قال فادفعها إليها، فقال له ابنه: إنك تريد الرجالَ، ولا يكون الرجالُ إلا بالمال، وهذه يرضيها اليسير، وهي بعدُ لا تعرفك، فقال له: إن كانت ترضى باليسير فأنا لا أرضى إلا بالكثير، وإن كانت لا تعرفني، فأنا أعرف نفسي، ادْفَعْها إليها 

جُهْدُ المُقِلِّ إذا أعطاكَ نائلَهُ ... ومُكْثرٌ من غِنًى سِيَّانِ في الجُودِ
فهو كما قال الشاعر 
ولَمْ يكُ أكْثرَ الفِتيانِ مالاً ... ولكن كانَ أرْحَبَهمْ ذِراعا
وأنْفِقْ إذا أنفقتَ إنْ كنْتَ مُوسِراً ... وأَنفِقْ على ما خيَّلَت حينَ تُعْسِرُ
فلا الجودُ يُفْني المالَ والجَدُّ مقْبلٌ ... ولا البخلُ يُبقي المالَ والجَدُّ مُدْبرُ
إنَّ الكَريمَ ليُخْفِي عَنْكَ عُسْرَتَهُ ... حَتَّى تراهُ غَنيِّاً وهوَ مَجْهُودُ
إذا تكرَّمْتَ أَنْ تُعْطي القليلَ ولمْ ... تَقْدِرْ على سَعةٍ لمْ يَظْهرِ الجُودُ
ولِلْبَخيلِ على أمْوالِه عِلَلٌ ... زُرْقُ العُيونِ علَيْها أَوْجُهٌ سُودُ
أَوْرِقْ بخَيْرٍ تُرَجَّى لِلنَّوالِ فَما ... تُرْجى الثِّمارُ إذا لم يُورِقِِ العودُ
ومن أجمل ما قيل في الجود قول حاتم طيء:
أماوِيَّ ما يُغْني الثَّرَاءُ عن الفَتَى ... إذا حَشْرَجَتْ يوماً وضاقَ بها الصَّدْرُ
أماوِيَّ إنْ يُصْبِحْ صَدَايَ بِقَفْرَةٍ ... مِنَ الأرْضِ لا ماءٌ لَدَيَّ ولا خَمْرُ
تَرَيْ أَنَّ ما أَبْقَيْتُ لمْ أَكُ رَبَّهُ ... وأنَّ يَدِي ممَّا بَخِلْتُ بِهِ صِفْرُ
أماوِيَّ إنَّ المَالَ غادٍ ورَائِحٌ ... ويَبْقَى مِنَ المَالِ الأحاديثُ والذِّكرُ
غنِينَا زَماناً بالتَّصَعْلُكِ والغِنى ... وكُلاًّ سَقاناهُ بكأسَيْهمَا الدَّهْرُ
فما زادنا بَأْواً على ذي قَرابةٍ ... غِنانا ولا أزْرَى بأحسابنا الفقْرُ

ألست معي في أن على هذه الأبيات مسحةً من الجمال وأثراً بيّناً من الصدق وأن لها لوطةً من ثمّ بالقلب! أليس حاتمٌ يقول: الحق
 أقول: إنه لا ينبغي لك يا ماوية أن تلوميني على إنفاق مالي في سبيل البرِّ والإلطاف، والتخرق في النوال وقرى الأضياف، أما تعلمين أنّ مال المرء لا يغني عنه شيئاً إذا ما الموت رماه بسهامه وغادر هذه الحياة، أما تعلمين أنَّ المرء متى نُبِذ جسدُه بالعراء وأودع حفرةً موحشةً مقفرةً ليس معه شيء مما كان يحتازه في هذه الدنيا من مال، بدا لك أنّ المال الذي تركته وبخلت به على مستحقيه أصبح مُلكاً لغيري وأصبحت أنا خالي الوِفاضِ بادي الإنفاض لا أملك من هذا المال شَرْوى نقير! أليس الأخلق بي لذلك أن أنفقه وأتسخّى به على أهليه، فأنتفع بعد موتي - إذا أنا فعلت - بالذكر في الناس والحديث الحسن! وأيّةُ قيمةٍ للمال يا ماويّة، ذلك الذي يجيء ويذهب، ويغدو ويروح! أليس الأخلق بالعاقل الثاقب النظر أن يفيد منه ما هو أبقى على الزمن الباقي من الزمن - أن يفيد منه الذكرَ من طريق إنفاقه، والجود به في وجوه استحقاقه! لقد عشنا يا زوجتي حيناً من الدهر أغنياء كما عشنا حيناً فقراء، وكلاً سقاناه الدهر بكأسيهما، 
فما أزرى الدهر بأحسابنا، ولا أصغى إناءَ أعراضنا، ولا أسف بأخلاقنا، كما هو شأنه مع ضعفاء النفوس، وكذلك إذ كنا أغنياء، ما أبطرنا الغنى، وما أطغانا، على ذوي قُربانا، لأنّا نعلم علماً ليس بالظن أن المال عرض زائل، أما الجوهر، أما الذكر، أمّا الشرف، أما الخُلق، فكل أولئك هو الذي عليه المعوَّل، وإنه لذخيرة لا تنفد، وهي حسب العاقل الذي راضَ نفسَه على السكون إلى الحقائق، ولم يخلد إلى أمِّ دَفْرٍ باطلِ الأباطيل

Sunday, July 30, 2023

لعمرك ما شجاني رسم دار أحمد بن علي الخطيب البغدادي


  لعمرك ما شجاني رسم دار    

                                                     وقفت بها ولا ذكر المغاني

ولا أثر الخيام أراق دمعي   

                                                     لأجل تذكري عهد الغواني

ولا ملك الهوى يوماً فؤادي   

                                                 ولا عاصيته فثنى عناني

رأيت فعاله بذوي التصابي   

                                                   وما يلقون من ذل الهوان

    فلم أطمعه في وكم قتيل      

                                                       له في الناس لا يحصى وعان؟

طلبت أخاً صحيح الود محضاً 

                                                           سليم الغيب مأمون اللسان

فلم أعرف من الإخوان إلا     

                                                    نفاقاً في التباعد والتداني

وعالم دهرنا لا خير فيه      

                                                  ترى صوراً تروق بلا معاني

ووصف جميعهم هذا فما إن  

                                                    أقول سوى فلان أو فلان

ولما لم أجد حراً يواتي      

                                                على ما ناب من صرف الزمان

صبرت تكرماً لقراع دهري 

                                            ولم أجزع لما منه دهاني

ولم أك في الشدائد مستكيناً  

                                                     أقول لها ألا كفي كفاني

ولكني صليب العود عود    

                                               ربيط الجأش مجتمع الجنان

أبي النفس لا أختار رزقاً    

                                            يجيء بغير سيفي أو سناني

لعز في لظى باغيه يشوى   

                                                 ألذ من المذلة في الجنان

ومن طلب المعالي وابتغاها  

                                              أدار لها رحا الحرب العوان




Wednesday, March 15, 2023

من كتاب روضة العقلاء لأبو حاتم محمد بن حبان البستي


أخبرنا القطان بالرقة حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن رومي البزاز عَن أبيه قَالَ قلما دخلت على إِسْحَاق بْن أَبِي ربعي الرافقي إلا وهو يتمثل بهذا البيت

 خير من المال والأيام مقبلة ... جيب نقي من الآثام والدنس

 وأنشدني أَبُو بدر أَحْمَد بْن خالد بْن عُبَيْد اللَّه بْن عَبْد الملك بحران  

يا نفس مَا هو إلا صبر أيام ... كأن لذاتها أضغاث أحلام

يا نفس جوزي عَن الدنيا مبادرة ... وخل عنها فإن العيش قدامي 

 وأنشدني الأبرش 

تعلم فليس المرء يولد عالما ... وليس أخو علم كمن هو جاهل

وإن كبير القوم لا علم عنده ... صغير إذا التفت عَلَيْهِ المحافل

 ولقد أَنْبَأَنَا ابن قحطبة حَدَّثَنَا حسين بْن مُحَمَّد الكوفي قال سمعت محمد ابن بشير الخزاعي يقول

أما لو أعي كل مَا أسمع ... وأحفظ من ذاك مَا أجمع

ولم أستفد غير مَا قد جمعت ... لقيل هو العالم المقنع

ولكن نفس إلى كل شيء ... من العلم تسمعه تنزع

وأحضر بالجهل في مجلسي ... وعلمي في الكتب مستودع

فلا أنا أحفظ مَا قد جمعت ... ولا أنا من جمعه أشبع

ومن يك في علمه هكذا ... يكن دهره القهقري يرجع

إذا لم تكن حافظا واعيا ... فجمعك للكتب لا ينفع

 وأنشدني الكريزي

 أقلل كلامك واستعذ من شره ... إن البلاء ببعضه مقرون

واحفظ لسانك واحتفظ من غيه ... حتى يكون كأنه مسجون

وكل فؤادك باللسان وقل له ... إن الكلام عليكما موزون

فزناه وليك محكما ذا قلة ... إن البلاغة في القليل تكون

 قال أَبُو حاتم الواجب على العاقل أن يلزم الصمت إلى أن يلزمه التكلم فما أكثر من ندم إذا نطق وأقل من يندم إذا سكت وأطول الناس شقاء وأعظمهم بلاء من ابتلى بلسان مطلق وفؤاء مطبق

 ولقد أحسن الذي يقول

إن كان يعجبك السكوت فإنه ... قد كان يعجب قلبك الأخيارا

ولئن ندمت على سكوت مرة ... فلقد ندمت على الكلام مرارا

إن السكوت سلامة ولربما زرع الكلام عداوة وضرارا

وإذا تقرب خاسر من خاسر ... زادا بذاك خسارة وتبارا

 وأنشدني مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه البغدادي

إذا مَا المرء أخطأه ثلاث ... فبعه ولو بكف من رماد

سلامة صدره والصدق منه ... وكتمان السرائر في الفؤاد

 وأنشدني مُحَمَّد بْن المنذر بْن سَعِيد عَن مُحَمَّد بْن خلف التيمي قَالَ أنشدني رجل من خزاعة

إذا لم تخش عاقبة الليالي ... ولم تستحي فاصنع مَا تشاء

فلا والله مَا في العيش خير ... ولا الدنيا إذا ذهب الحياء

يعيش المرء مَا استحيا بخير ... ويبقى العود مَا بقي اللحاء

 أنبأنا الحسن بْن سُفْيَان حَدَّثَنَا نصر بْن علي حَدَّثَنَا نوح بْن قيس عَن أخيه عَن قَتَادَة قَالَ مَا نسيت شيئا قط ثم قَالَ لغلامه ناولني نعلي قَالَ نعلك في رجلك

أنبأنا عَبْد اللَّه بْن محمد بن عمر أنبأنا عل بْن خشرم قَالَ سمعت الفضل بْن موسى يقول كان مالك ينسى فقال لقهرمانه اشتر لي غلاما وسمه باسم خفيف حتى لا أنساه قَالَ فاشتري له غلاما وأدخله عَلَيْهِ فقال اشتريت لك هذا الغلام وسميته باسم خفيف قَالَ مَا سميته قَالَ فرقد قَالَ فنظر إلى الغلام وقال اجلس يا واقد

 قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه الواجب على العاقل أن يلزم المداراة مع من دفع إليه في العشرة من غير مقارفة المداهنة إذ المداراة من المداري صدقة له والمداهنة من المداهن تكون خطيئة عَلَيْهِ والفصل بين المداراة والمداهنة هو أن يجعل المرء وقته في الرياضة لإصلاح الوقت الذي هو له مقيم بلزوم المداراة من غير ثلم في الدين من جهة من الجهات فمتى مَا تخلق المرء بخلق شابه بعض مَا كره اللَّه منه في تخلقه فهذا هو المداهنة لأن عاقبتها تصير إلى قل ويلازم المداراة لأنها تدعو إلى صلاح أحواله ومن لم يدار الناس ملوه (حديث جابر مدارة الناس صدقة ضعفة الألباني وغيره) كما أنشدني علي بْن مُحَمَّد البسامي

دار من الناس ملالاتهم ... من لم يدار الناس ملوه

ومكرم الناس حبيب لهم ... من أكرم الناس أحبوه

 قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه الواجب على العاقل أن يداري الناس مداراة الرجل السابح في الماء الجاري ومن ذهب إلى عشرة الناس من حيث هو كدر على نفسه عيشه ولم تصف له مودته لأن وداد الناس لا يستجلب إلا بمساعدتهم على مَا هم عَلَيْهِ إلا أن يكون مأثما فإذا كانت حالة معصية فلا سمع ولا طاعة والبشر قد ركب فيهم أهواء مختلفة وطبائع متباينة فكما يشق عليك ترك مَا جبلت عَلَيْهِ فكذلك يشق على غيرك مجانبة مثله فليس إلى صفو ودادهم سبيل إلا بمعاشرتهم من حيث هم والإغضاء عَن مخالفتهم في الأوقات

 وَلَقَدْ أَخْبَرَنِي الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَان حَدَّثَنَا حبان بْن موسى أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ عَنْ حَبِيبِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ عَنْ عمر بن الخطاب قَالَ خُذُوا بِحَظِّكُمْ مِنَ الْعُزْلَةِ

 وأما السبب الذي يوجب الاعتزال عَن العالم كافة فهو مَا عرفتهم به من وجود دفن الخير ونشر الشر يدفنون الحسنة ويظهرون السيئة فإن كان المرء عالما يدعوه وإن كان جاهلا عيروه وإن كان فوقهم حسدوه وإن كان دونهم حقروه وإن نطق قالوا مهذار وإن سكت قالوا عيي وإن قدر قالوا مقتر وإن سمح قالوا مبذر فالنادم في العواقب المحطوط عَن المراتب من اغتر بقوم هذا نعتهم وغره ناس هذه صفتهم

ولقد أنبأنا مُحَمَّد بْن المهاجر المعدل أَخْبَرَنِي أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ بكر الأبناوي عَن داود بْن رشيد قال حدثني إِبْرَاهِيم بْن شماس قَالَ قَالَ لي الأكاف حفص بْن حميد صاحب ابن المبارك بمرو يا إِبْرَاهِيم صحبت الناس خمسين سنة فلم أجد أحدا ستر لي عورة ولا وصلني إذا قطعته ولا أمنته إذا غضب فالاشتغال بهؤلاء حمق كثير

 وأنشدني مُحَمَّد بْن المهاجر المعدل لعلي بْن حجر السعدي 

زمانك ذا زمان دخول بيت ... وحفظ للسان وخفض صوت

فقد مرجت عهود الناس إلا ... أقلهم فبادر قبل فوت

فما يبقى على الأيام شيء ... وما خلق امرؤ إلا لموت