RAMADAN

Friday, October 9, 2020

#والله_لأنت_أحب_إلىّ_من_نفسي_يا_رسول_الله

 


بسم الله الرحمن الرحيم

 

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهديه الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادى له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداَ عبده ورسوله وصفيه من خلقه وخليله صلى الله عليه وسلم ، أما بعد

ما أدعي أنني على علم تام ولا أدعي أنني عالم بل على العكس كلما رأى الأنسان ما في كتب أهل العلم واستمع إلى العلماء في شتى أبواب العلم الشرعي (علوم القرآن-علوم الحديث-علم الفقة-والعديد من العلوم السيرة والتاريخ والرجال وووو) علم مقدار ما هو فيه من قلة علم وشتان بين من أستخرج كنوز العلوم الشرعية ودونت في كتب وبين من يتنقل بين تلك الصفحات والمراجع لعله يفهم و يتعلم! وأنا لم أصل لآي من تلك المراحل وإنما عابر سبيل على ضفاف محيط العلم لا أدري من آي درر تلك المحيطات أأخذ نصيباً . والله المستعان

إذا ما قتلْتَ الشيء علما فقل به *** ولا تقل الشيء الذي أنت جاهله

فمن كان يهوى أن يُرَى مُتَصدِّرا *** ويكره:"لا أدري"أُصيبتْ مقاتله

سبب محاولتي تدوين ما يدور بخلدي منذ فترة طويلة هو ما يتناقل بين الفينة والآخرى عن من يسب الرسول صلى الله عليه وسلم أو فيلم يسئ إلى شخصه الكريمة أو طلب مقاطعة موقع أو شركة أو دولة أو أو مما يرسله بعض من نحسبهم على خير والله حسيبنا وحسيبهم! ولكن ما يستوقفني أن البعض أو الأغلب ممن يرسل هذا تحت تأثير الغضب (أتمنى أن يكون لله ورسوله صلى الله عليه وسلم) أحياناً عن دون علم يساهم في نشر ذلك الشئ فيرفق رابط الفيلم أو الرسم المسئ ولا يدري أنه بذلك زاد ممن يشاهده والله أعلم بالقصد والنيات! كذلك قيام البعض بإدراج كلمات شديدة (إذا لم ترسله لكل من عندك فأعلم أنك ...... ، وماذا ستقول لربك غداً عندما يسألك ماذا فعلت في هذا الأمر ....، وكي تبرأ نفسك أمام الله ، وكلمات أخرى تختلف في شدتها عن تلك المذكورة ، أيضاً قصر الدعاء على من يستجيب لطلب الإرسال لعدد معين من الأشخاص أو لكل من عنده  من أسماء ولا يشمل الدعاء من لم يفعل!!! حتى وإن كان بعذر . فسبحان الله هل بلغ ببعضنا أن يخص بالدعاء من لا يعرف إذا فعل ما يطلبه منه ويحرم من يعرف أو لا يعرف إذا لم يستجيب!! اللهم أرنا الحق حقاً وأرزقنا أتباعه وأرنا الباطل باطلاً وأرزقنا أجتنابه ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل .

وقسمة الحظوظ فيها يدخل *** فهم المسائل التي تنعقل

فيحرم الذكي من فهم الجلي *** إن لم يكن من حظه في الأزل

 فكل ذلك قدر ورزق يكتبه الله لمن شاء من عباده، فيمنع الذكي من فهم ما هو جلي، ويكتبه للغبي فيفهمه الغبي لأنه من رزقه المكتوب له في سابق قدر الله، فهذا معنى الوهب في العلم، هو أن يهب الله فهما للإنسان يفهم به العلم إذا أراده واهتم به.

 

نأتي إلى صلب الأمر ، كل ما يدور من رسومات وأفلام وتصورات عن حبيبنا وقرة أعيننا محمد بن عبدالله رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يصف أو يوضح حقيقة ما نعرفه عن نبيناً صلى الله عليه وسلم : فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم قمة في الكمال والجمال في خلقه، فكم من رجل دخل في الإسلام لمجرد رؤيته رسول الهدى صلى الله عليه وسلم ومشاهدة نور وجهه الشريف، فهذا عبد الله بن سلام حبر اليهود وأعلمهم بالتوراة، يقول: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة انجفل الناس إليه، وقيل: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجئت في الناس لأنظر إليه، فلما استبنت عرفت أن وجهه ليس بوجه كذاب ، قال حسان بن ثابت يمدح النبي صلى الله عليه وسلم

خُلِقتَ مُبَرَّءً مِن كُلِّ عَيبٍ       كَأَنَّكَ قَد خُلِقتَ كَما تَشاءُ

وَأَحسَنُ مِنكَ لَم تَرَ قَطُّ عَيني   وَأَجمَلُ مِنكَ لَم تَلِدِ النِساءُ

 

فرسولنا صلى الله عليه وسلم كان أحسن الناس، وأجمل الناس، لم يصفه واصف قط إلا شبهه بالقمر ليلة البدر، ولقد كان يقول قائلهم: لربما نظرنا إلى القمر ليلة البدر فنقول: هو (رسول الله صلى الله عليه وسلم ) أحسن في أعيننا من القمر، أحسن الناس وجهًا، وأنورهم لونًا يتلألأ تلألؤ الكواكب، ولقد وصفه أبو بكر الصديق رضي الله عنه فقال:

أَمِينٌ مُصْطَفًى لِلْخَيْرِ يَدْعُو♦♦♦كَضَوْءِ الْبَدْرِ زَايَلَهُ الظَّلَامُ

 

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:  وكان خَلقُه صلى الله عليه وسلم وصورته من أكمل الصور، وأتمها، وأجمعها للمحاسن الدالة على كماله، فأكرمه الله بخُلق حسن، وصورة جميلة، واجتمعت فيه المحاسن,


كما أخبر بذلك البراء بن عازب رضي الله عنهما قال:  كان النبي صلى الله عليه وسلم مربوعاً-متوسط القامة-، بعيد ما بين المنكبين، له شعر يبلغ شحمة أذنه، رأيته في حلةٍ حمراء، لم أر شيئاً قط أحسن منه ) متفق عليه)

-         وكان صلى الله عليه وسلم أبيض اللون، ليِّن الكف، طيب الرائحة، دلَّ على ذلك ما رواه أنس رضي الله عنه قال : ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أزهر اللون- أبيض مستدير- ، كأنَّ عرقه اللؤلؤ، إذا مشى تكفأ، ولا مَسَسْتُ ديباجة - نوع نفيس من الحرير- ولا حريرة ألين من كف رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا شممتُ مسكة ولا عنبرة أطيب من رائحة رسول الله صلى الله عليه وسلم ) رواه مسلم .

-         روى أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَال:  دخل علينا النبي صلى الله عليه وسلم، فقال -أي نام نومة القيلولة- عندنا، فعرق وجاءت أمي بقارورة، فجعلت تسلت -تجمع- العرق فيها، فاستيقظ النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا أم سليم ما هذا الذي تصنعين؟ قالت: هذا عرقك نجعله في طيبنا، وهو من أطيب الطيب ) رواه مسلم) .

-         وكان بصاقه طيباً طاهراً، فعن عبد الجبار بن وائل قال حدثني أهلي عن أبي قال: ( أُتي النبي صلى الله عليه وسلم بدلو من ماء، فشرب منه، ثم مجّ في الدلو، ثم صُبّ، في البئر، أو شرب من الدلو، ثم مج في البئر، ففاح منها مثل ريح المسك ) رواه أحمد وحسنه الأرنؤوط.

-         عن عبد الله بن كعب قال: سمعت كعب بن مالك يحدث حين تخلف عن غزوة تبوك قال:  فلما سلّمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يبرق وجهه من السرور، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سُرَّ استنار وجهه، حتى كأنه قطعة قمر، وكنا نعرف ذلك منه ) رواه البخاري) .

-         كان وجهه صلى الله عليه وسلم مستديراً كالقمر والشمس ، فقد سُئل البراء أكان وجه النبي صلى الله عليه وسلم مثل السيف؟ قال: لا بل مثل القمر ) رواه البخاري ، وفي مسلم ( كان مثل الشمس والقمر، وكان مستديراً )

-         حبى الله نبيه صلى الله عليه وسلم بصفاتٍ عظيمة جليلة، صفاتٍ خُلُقية ظهرت على سلوكه القويم ، وصفاتٍ خَلْقية ظهرت على بدنه الشريف وجوارحه الطاهرة

-         وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: مَا رَأَيْتُ شَيْئًا أَحْسَنَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَكَانَ كَأَنَّ الشَّمْسَ تَجْرِي فِي جَبْهَتِهِ، وَمَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَسْرَعَ فِي مِشْيَتِهِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، كَأَنَّمَا الأَرْضَ تُطْوَى لَهُ، إِنا لَنُجْهِدُ أَنْفُسَنَا، وَإِنَّهُ لَغَيْرُ مُكْتَرِثٍ

-         يقول أنس بن مالك: لما كان اليوم الذي دخل فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَةَ، أضَاءَ مِنْهَا كُلُّ شَيْ، فَلَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الَّذِي مَاتَ فِيهِ أَظْلَمَ مِنْهَا كُلُّ شَيْءٍ وَمَا نَفَضْنَا عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- الأَيْدِي حَتَّى أنْكَرْنَا قُلُوبَنَا.

-         لقد أظلمت المدينة، وأصاب الحزن والهم والكمد كل شيء فيها، لموت الحبيب صلوات الله وسلامه عليه، ولانقطاع خبر السماء عن الأرض.

ثم ماذا لقى رسول الله صلى الله عليه وسلم من المشركين والكفار وماذا سمع ورأى المسلمون من أذى ومحن وماذا فعل المشركون:

 مقال د. محمود بن أحمد الدوسري

إيذاء المشركين للنبي صلى الله عليه وسلم

 

الحمد لله... اقتضت حِكمة الله تعالى أنْ يبتلي أنبياءَه ورسلَه بأنواعٍ شتَّى من الإيذاء على يد أعدائهم؛ ليكونوا قدوة لأتباعهم في الصبر على الإيذاء في سبيل دعوتهم، عن سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ - رضي الله عنه - قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَيُّ النَّاسِ أَشَدُّ بَلاَءً؟ قَالَ: «الأَنْبِيَاءُ، ثُمَّ الأَمْثَلُ فَالأَمْثَلُ، يُبْتَلَى الْعَبْدُ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ»[1].

 

أيها الإخوة الكرام.. نتدارس اليوم صفحةً من حياة النبي صلى الله عليه وسلم في المرحلة المكية قبل الهجرة، وهي صفحة مُؤلِمة على النفس، فيها يتعرَّض النبي صلى الله عليه وسلم لأشد أنواع الإيذاء على يد سفهاء قومه من المشركين الذين ناصبوه العَدَاء، فحاربوه ووقفوا في طريق دعوته.

 

وقد تعدَّدت وسائل محاربتهم للنبي صلى الله عليه وسلم ولدعوته، فمنها الحرب النَّفْسية والدعائية والإعلامية، ومنها الحرب المادية والإيذاء الجسدي على ما سنرى.

 

أولاً: الحرب والإيذاء المعنوي: استخدم المشركون السخرية والاستهزاء بالنبي صلى الله عليه وسلم؛ كي يُثنوه عن دعوته، فاتَّهموه بالجنون تارة، وبالسحر تارة، وبالكذب أخرى، وقد عبَّر القرآنُ عن هذه الاتهامات الباطلة، فقال تعالى: ﴿ وَقَالُوا يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ ﴾ [الحِجر: 6]، وقال سبحانه: ﴿ وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ ﴾ [ص: 4].

 

وكان لهذا الاستهزاء وتلك السخرية أثر في نفس النبي صلى الله عليه وسلم، وهو الصادق المصدوق، وهو الأمين، المشهود له برجاحة العقل، فواسى اللهُ تعالى نبيَّه الكريم قائلاً: ﴿ وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنْ السَّاجِدِينَ * وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ ﴾ [الحِجر: 97-99].

 

وكان من وسائلهم في تلك الحرب المعنوية إثارة الشبهات والدعايات الكاذبة والباطلة، فقالوا عن القرآن: ﴿ أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ ﴾ [الأنبياء: 5]، وقالوا عنه: ﴿ إِنْ هَذَا إِلاَّ إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ ﴾ [الفرقان: 4]، ﴿ وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً ﴾ [الفرقان: 5]، وظلُّوا يُرَوِّجون لهذه الشُّبه وتلك الدَّعاوى الباطلة، ولكن القرآن الكريم كان أعلى سطوة وأقوى حُجَّة في وجه هذه الشُّبه والأباطيل، فظلَّ الناس يدخلون في دين الله تعالى، وظلَّ عدد المسلمين في تزايد.

 

فما كان منهم إلاَّ أنْ حاولوا - وبكل قوة - أنْ يمنعوا القرآنَ من الوصول إلى الناس، فكانوا يطردون الناسَ ويُثيرون الشَّغَب والضَّوْضاء ويلعبون إذا رأوا النبيَّ صلى الله عليه وسلم يتهيَّأُ للدعوة، قال تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لاَ تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ} [فصلت: 26][2].

 

ومن حربهم المعنوية أيضاً: استقبال الناس وتحذيرهم من النبيِّ صلى الله عليه وسلم ودعوته، ومن هؤلاء الطُّفَيل بن عمرو الدَّوْسي، وكان شاعراً لبيباً، رئيس قبيلة دوس، قدم مكة، فاستقبله أهلها قَبْل وصوله إليها، وبذلوا له أجَلَّ تحيَّة وأكرم تقدير، وقالوا له: يا طفيل! إنك قدمتَ بلادَنا، وهذا الرجل الذي بين أظهرنا قد أعضل بنا، وقد فرَّق جماعتنا، وشتَّت أمرنا، وإنما قولُه كالسِّحر، يُفرِّق بين الرجل وأبيه، وبين الرجل وأخيه، وبين الرجل وزوجه، وإنا نخشى عليك وعلى قومك ما قد دخل علينا، فلا تُكلمه ولا تسمعنَّ منه شيئًا.

 

انظروا - أيها الإخوة - إنها الدعاية الكاذبة التي تحمل في طيَّاتها عوامل ضعفها، فهم يخشون من سماعه؛ لأنهم يُدركون أنَّ الحقَّ كل الحق في هذا القرآن.

 

يقول الطُّفَيل: فواللهِ ما زالوا بي حتى أجمعتُ ألاَّ أسمعَ منه شيئًا، ولا أكلمه، حتى حَشَوتُ أُذني - حين غدوت إلى المسجد - كُرْسُفًا (قُطْناً)؛ فَرَقًا من أنْ يبلغنى شيء من قوله.

 

قال: فغدوتُ إلى المسجد فإذا هو قائم يُصلِّي عند الكعبة، فقمتُ قريبًا منه، فأبى الله تعالى إلاَّ أنْ يُسمعنى بعضَ قولِه، فسمعتُ كلامًا حَسَنًا، إلى أنْ قال: فَعَرَضَ علَيَّ الإسلامَ، وتلا عليَّ القرآنَ. فواللهِ ما سمعتُ قولاً قَطُّ أحسنَ منه، ولا أمرًا أعدلَ منه، فأسلمتُ وشهدتُ شهادةَ الحق[3].

 

وهاهو ضِمادُ الأزْدي، وكان يرقي من هذا الريح، قدم مكة فسمع سفهاءها يقولون: إنَّ محمدًا مجنون، فقال: لو إني أتيتُ هذا الرَّجلَ لعل الله يشفيه على يدي، فلقيه، فقال: يا محمد! إني أرقي من هذا الريح، فهل لك؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنَّ الحمد لله نحمده ونستعينه، مَنْ يهده الله فلا مُضِلَّ له، ومن يضلل فلا هادى له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. أما بعد».

 

فقال: أعد عليَّ كلماتك هؤلاء، فأعادهُنَّ عليه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات، فقال: لقد سمعتُ قولَ الكهنة، وقولَ السَّحرة، وقول الشعراء، فما سمعت مِثلَ كلماتك هؤلاء، هاتِ يدَك أبايعك على الإسلام، فبايعه[4].

 

وهكذا - إخوتي الكرام.. فإن المحنة تتولَّد منها المنحة، والفجر ينبثق من غسق الليل، فقد انقلبت تلك الحرب الدعائية وهذه الإشاعات الكاذبة وبالاً عليهم، إذ أنهم روَّجوا للنبي صلى الله عليه وسلم وساعدوا في نشر دعوته دون أن يشعروا، ولربما لو أمسكوا ألسنتهم لَمَا علم الطُّفَيل بن عمرو الدَّوْسي والضِّمادُ الأزْدي شيئاً عن النبي ودعوته.

 

ثانياً: الإيذاء الجسديتعرَّض النبي صلى الله عليه وسلم للإيذاء الجسدي على يد السفهاء من الكفار والمشركين وهو صابر مُحتَسِب، نعم إخوتاه، علينا جميعاً أنْ نفخر بهذا النبي الكريم الذي شرَّفَنا اللهُ تعالى بأن انتسبنا إليه، فمن أجلنا ومن أجل إيصال الدين إلينا تحمَّل أشدَّ أنواع الإيذاء، فليس أقل من أنْ نتَّبعه ونتَّبع هديه وسُنَّته، ونحب مَنْ يُحِبُّه، ونُبغِض مَنْ يُبغضه، صلى اللهُ عليك يا علم الهدى ما هبَّتْ نسائم، وناحت عليك حمائم.

 

إخوة الإيمان.. فشلت محاولاتُ قريشٍ الدعائية والكاذبة في وقف دعوة النبي صلى الله عليه وسلم، فاشتدَّ غضبها وازداد غيظها، وعَظُمَ حَنَقُها على النبي صلى الله عليه وسلم ومَنْ معه، فلجؤوا إلى الإيذاء الجسدي، ومن ذلك:

عن عبدِ اللهِ بنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ - رضي الله عنهما - أنه قال: «بَيْنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي فِي حِجْرِ الْكَعْبَةِ؛ إِذْ أَقْبَلَ عُقْبَةُ بْنُ أَبِي مُعَيْطٍ، فَوَضَعَ ثَوْبَهُ فِي عُنُقِهِ فَخَنَقَهُ خَنْقًا شَدِيدًا، فَأَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ حَتَّى أَخَذَ بِمَنْكِبِهِ وَدَفَعَهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وقَالَ: ﴿ أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ ﴾ [غافر: 28] »[5].

 

وعن عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعودٍ - رضي الله عنه - قَالَ: «بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَاجِدٌ وَحَوْلَهُ نَاسٌ مِنْ قُرَيْشٍ؛ إِذْ جَاءَ عُقْبَةُ بْنُ أَبِي مُعَيْطٍ بِسَلاَ[6] جَزُورٍ[7] فَقَذَفَهُ عَلَى ظَهْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَلَمْ يَرْفَعْ رَأْسَهُ، فَجَاءَتْ فَاطِمَةُ فَأَخَذَتْهُ عَنْ ظَهْرِهِ، وَدَعَتْ عَلَى مَنْ صَنَعَ ذَلِكَ»[8].

 

وفي هذا الرجل - أعني: عُقبةَ بن أبي مُعَيط - نزل قولُ الله تعالى: ﴿ وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً * يَا وَيْلَتِى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاَنًا خَلِيلاً * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنْ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإِنسَانِ خَذُولاً ﴾ [الفرقان: 28، 29][9].

 

ومن صور إيذائه صلى الله عليه وسلم ما كانت تقوم به امرأة أبي لهب، فقد كانت تحمل الشوك، وتضعه في طريق النبي صلى الله عليه وسلم، وعلى بابه ليلاً، وكانت امرأةً سليطةً تبسط فيه لسانَها، وتطيل عليه الافتراء والدَّس، وتؤجج نار الفتنة، وتثير حربًا شعواء على النبي صلى الله عليه وسلم؛ ولذلك وصفها القرآن بِحمَّالة الحطب[10].

 

ومن صور إيذائه البدني صلى الله عليه وسلم ما قام به أهل الطائف؛ حينما ذهب إليهم يدعوهم إلى الدخول في دين الله تعالى، فعن عائشة - رضي الله عنها - أنها قالت للنبيِّ صلى الله عليه وسلم: هَلْ أَتَى عَلَيْكَ يَوْمٌ كَانَ أَشَدَّ مِنْ يَوْمِ أُحُدٍ قَالَ: «لَقَدْ لَقِيتُ مِنْ قَوْمِكِ مَا لَقِيتُ، وَكَانَ أَشَدُّ مَا لَقِيتُ مِنْهُمْ يَوْمَ الْعَقَبَةِ، إِذْ عَرَضْتُ نَفْسِي عَلَى ابْنِ عَبْدِ يَالِيلَ بْنِ عَبْدِ كُلاَلٍ، فَلَمْ يُجِبْنِي إِلَى مَا أَرَدْتُ، فَانْطَلَقْتُ وَأَنَا مَهْمُومٌ عَلَى وَجْهِي، فَلَمْ أَسْتَفِقْ إِلاَّ وَأَنَا بِقَرْنِ الثَّعَالِبِ، فَرَفَعْتُ رَأْسِي، فَإِذَا أَنَا بِسَحَابَةٍ قَدْ أَظَلَّتْنِي، فَنَظَرْتُ فَإِذَا فِيهَا جِبْرِيلُ، فَنَادَانِى فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ وَمَا رَدُّوا عَلَيْكَ، وَقَدْ بَعَثَ إِلَيْكَ مَلَكَ الْجِبَالِ لِتَأْمُرَهُ بِمَا شِئْتَ فِيهِمْ، فَنَادَانِى مَلَكُ الْجِبَالِ، فَسَلَّمَ عَلَيَّ، ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ! فَقَالَ: ذَلِكَ فِيمَا شِئْتَ، إِنْ شِئْتَ أَنْ أُطْبِقَ عَلَيْهِمِ الأَخْشَبَيْنِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِنْ أَصْلاَبِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ لاَ يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا»[11].

 

وكان أهل الطائف قد أغْرَوا به سفهاءهم، فلمَّا أراد الخروج تبعه سفهاؤهم وعبيدهم يسبُّونه ويصيحون به حتى اجتمع عليه الناس، فوقفوا صَفَّين وجعلوا يرمونه بالحجارة، ورجموا عراقيبه حتى اختضب نعلاه بالدماء.

 

بأبي أنت وأمي يا رسول الله، يقذفونك بالحجارة، فترد عليهم بالدعاء لهم، وترفض أنْ يُعذِّبهم الله تعالى؛ بأنْ يُطبِق عليهم الأخشبين. أيُّ رحمة هذه؟ إنه الرحمة المهداة من رب العالمين إلى البشرية جمعاء، ولِمَ لا، وقد قال الله تعالى: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ﴾ [الأنبياء: 107].

 

تأمَّلوا - معي إخوتي - يسير النبي صلى الله عليه وسلم مشياً على قدميه من مكة إلى الطائف مسيرة ستين ميلاً، ليس معه إلاَّ زيد بن حارثة، يسير في صحراء قاحلة من أجل إبلاغ دعوة ربه، فيقابله أهلها بهذا الجفاء وهذه الإهانة وهذا الإيذاء، وتدمى قدماه الشريفتان، ويتسلَّط عليه السُّفهاء، ويسبُّه الأشقياء، ويؤذيه التُّعساء، فيشق على نفسه الكريمة ذلك، وهو ثابت ثبوت الجبال، واثِقٌ فيما عند الله تعالى، يسير في طريق دعوته بِلا كلل ولا ملل.

 

فيا أيها الداعون إلى الله تعالى.. ويا أيها السائرون إلى الله سبحانه.. هذا نبيكم يُؤذى فيصبر، ويعفو ويصفح، فاتخذوه أسوة لكم وتحمَّلوا في سبيل دينكم ما قد تجدوه من المشقَّة والعناء.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله... كانت هذه بعض مظاهر الإيذاء التي تعرَّض لها النبي صلى الله عليه وسلم من قومه؛ لِيُثنوه عن دعوته، وبقيت صورة أخرى من صور الإيذاء التي مارسها مشركو قريشٍ ضد النبي صلى الله عليه وسلم، وهي المقاطعة؛ حيث تحالف المشركون على النبي صلى الله عليه وسلم وبني هاشم، وتعاهدوا على ألاَّ يُبايعوهم ولا يُجالسوهم ولا يُخالطوهم ولا يَدخلوا بيوتهم ولا يُكلِّموهم حتى يُسلِموا إليهم رسولَ الله صلى الله عليه وسلم للقتل.

 

فانحاز بنو هاشم وبنو المطَّلب مؤمنهم وكافرهم إلاَّ أبا لهب، وحُبِسوا في شعب أبي طالب، واستمرَّ هذا الحِصار ثلاثة أعوام، واشتدَّ الحصارُ حتى بلغهم الجَهْد، فأكلوا الأوراق والجلود، وكان يُسمع من وراء الشِّعب أصوات نسائهم وصبيانهم من الجوع.

 

عباد الله.. ثلاثة أعوام يعيش فيها النبي صلى الله عليه وسلم ومَنْ معه في مقاطعة تامة؛ من أجل الضغط عليه لتقديم تنازلات ويترك دِينه الحق، ولكنه صبر وثبت بأبي هو وأمي.

 

معشر الفضلاء.. إنَّ قوة الحقِّ أقوى من كلِّ الصِّعاب، ومن كلِّ المِحَن، فللحق صوته وقُوَّته، فتمسَّكوا بالحق واصبروا عليه، ﴿ وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴾ [العصر: 1-3].


[1] رواه الترمذي، (2 /613)، (ح2578)؛ وابن ماجه، (1/583)، (ح4159). وصححه الألباني في (صحيح الجامع)، (1 /100)، (ح994).

[2] انظر: الرحيق المختوم، للمباركفوري (ص85-89).

[3] انظر: الرحيق المختوم، (ص105).

[4] المصدر نفسه، والصفحة نفسها.

[5] رواه البخاري، (2 /997)، (ح4863).

[6] السَّلا: الجلد الرَّقيق الذي يَخْرُج فيه الوَلدُ من بطن أُمِّه مَلْفوفاً فيه.

[7] الجَزُور: البَعِير ذَكَراً كان أو أُنثى، إلاَّ أنَّ اللَّفْظة مُؤنثة، تقول: الجَزُورُ، وَإنْ أردْتَ ذَكَراً، والجمْعُ جُزُرٌ وجَزَائر.

[8] رواه مسلم، (2 /784)، (4751).

[9] انظر: تفسير ابن كثير، (6 /108).

[10] انظر: تفسير البغوي، (8 /583)؛ الرحيق المختوم، (ص71).

[11] رواه البخاري، (2 /632)، (ح3267)



 ومن مقال (عبدالعظيم أنفلوس) بالربط أسفل هنا مُجْمَل ما ورد في حادثتي الخنق والخروج إلى الطائف، وما تعرض فيهما من أذية شديدة تنضاف إليها حوادث أخرى، ككَسْرِ رَبَاعِيَتِه، وَشَجِّ وَجْهِهِ، ومحاوَلَتَي قتلِهِ، الأولى من طرف قريش، والثانية من طرف يهود المدينة، غير أن كل ذلك لم يكن ليَثْنِيَه عن تبليغ دعوته، وإيصال رسالته؛ لتعم أرجاء المعمورة كما تبدو الآن للعيان.
(التاريخ الأسود في إيذاء الرسول صلى الله عليه وسلم في حياته)


رابط الموضوع https://www.alukah.net/sharia/0/65322/#ixzz6aNKHXmxq


راجع صحيح البخاري كتاب مناقب الأنصار /باب ما لقى النبي صلى الله عليه وسلم  واًصحابه من المشركين بمكة

راجع هذا الموضوع القيم رسول الله صلى الله عليه وسلم الرحمة المهداة


رابط الموضوع: https://www.alukah.net/sharia/0/144/#ixzz6aNPfNiZb


الحكم الشرعي فيمن سب الرسول صلى الله عليه وسلم

shorturl.at/foFGS

وما هي أقوال العلماء والفتاوى في ما يحدث

 راجع تفصيل ذلك في الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 125473 ، 65335 ، 65335، 24166 ، 9584 ، 36022 30761 ، 122008 ، 60286.



وكلمة أخيرة!!!

-        


{لَّقَدۡ كَانَ لَكُمۡ فِي رَسُولِ ٱللَّهِ أُسۡوَةٌ حَسَنَةٞ لِّمَن كَانَ يَرۡجُواْ ٱللَّهَ وَٱلۡيَوۡمَ ٱلۡأٓخِرَ وَذَكَرَ ٱللَّهَ كَثِيرٗا}

 

21. Indeed in the Messenger of Allâh (Muhammad صلى الله عليه وسلم) you have a good example to follow for him who hopes for (the Meeting with) Allâh and the Last Day, and remembers Allâh much.

[Al-Ahzāb:21]

{وَلَمَّا رَءَا ٱلۡمُؤۡمِنُونَ ٱلۡأَحۡزَابَ قَالُواْ هَٰذَا مَا وَعَدَنَا ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥ وَصَدَقَ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥۚ وَمَا زَادَهُمۡ إِلَّآ إِيمَٰنٗا وَتَسۡلِيمٗا}

 

22. And when the believers saw Al-Ahzâb (the Confederates), they said: "This is what Allâh and His Messenger (Muhammad صلى الله عليه وسلم) had promised us; and Allâh and His Messenger (Muhammad صلى الله عليه وسلم) had spoken the truth. And it only added to their Faith and to their submissiveness (to Allâh).

[Al-Ahzāb:22]

مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَٰكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ ۗ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (40)

(40) Muhammad is not the father of [any] one of your men, but [he is] the Messenger of Allah and last of the prophets. And ever is Allah, of all things, Knowing.

 

{إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَـٰٓئِكَتَهُۥ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِيِّۚ يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيۡهِ وَسَلِّمُواْ تَسۡلِيمًا}

 

56. Allâh sends His Salât (Graces, Honours, Blessings, Mercy) on the Prophet (Muhammad صلى الله عليه وسلم), and also His angels (ask Allâh to bless and forgive him). O you who believe! Send your Salât[1] on (ask Allâh to bless) him (Muhammad صلى الله عليه وسلم), and (you should) greet (salute) him with the Islâmic way of greeting (salutation i.e. As-Salâmu ‘Alaikum ).

[Al-Ahzāb:56]

 

{إِنَّ ٱلَّذِينَ يُؤۡذُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ لَعَنَهُمُ ٱللَّهُ فِي ٱلدُّنۡيَا وَٱلۡأٓخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمۡ عَذَابٗا مُّهِينٗا}

 

57. Verily, those who annoy Allâh and His Messenger (صلى الله عليه وسلم)[2] Allâh has cursed them in this world, and in the Hereafter, and has prepared for them a humiliating torment.

[Al-Ahzāb:57]

A) By abusing or telling lies against Allâh and His Messenger صلى الله عليه وسلم, by making pictures - imitating Allâh’s creation, and by disobeying Allâh and His Messengerصلى الله عليه وسلم.