RAMADAN

Tuesday, December 9, 2014

رحلة المدينة مكة صفر 1436

رحلة قصيرة لكن ممتعة بفضل الله للمدينة المنورة ثم لمكة ثم العودة عن طريق المدينة فلله الحمد والمنة

Wednesday, October 8, 2014

من كتاب الفرج بعد الشدة لأبن أبي الدنيا

من كتاب الفرج بعد الشدة لأبن إبي الدنيا


حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ سُلَيْمٍ، حَدَّثَنِي عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: بَيْنَا أَنَا رَدِيفٌ، لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ قَالَ لِي: «احْفَظْ يَا غُلَامُ، احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظْهُ تَجِدْهُ تِجَاهَكَ، إِذَا سَأَلْتَ فَسَلِ اللَّهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ، جَفَّتِ الْأَقْلَامُ، وَرُفِعَتِ الصُّحُفُ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَوْ جَهِدَتِ الْأُمَّةُ لِتَنْفَعَكَ بِغَيْرِ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكَ مَا اسْتَطَاعَتْ ذَلِكَ، وَلَوْ أَرَادَتْ أَنْ تَضُرَّكَ بِغَيْرِ مَا قَدَّرَ لَكَ مَا اسْتَطَاعُوا»
حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الْمَدِينِيُّ، حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ الْحِزَامِيُّ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ أَبِي وَدَاعَةَ السَّهْمِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي زُهْرَةُ بْنُ عَمْرٍو التَّيْمِيُّ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: «يَا غُلَامُ، أَلَا أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ تَنْتَفِعُ بِهِنَّ؟» قَالَ: بَلِيٍّ يَا رَسُولَ اللَّهِ،  قَالَ: «احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ أَمَامَكَ، تَعَرَّفْ إِلَى اللَّهِ فِي الرَّخَاءِ يَعْرِفْكَ فِي الشِّدَّةِ، إِذَا سَأَلْتَ فَسَلِ اللَّهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ، جَفَّ الْقَلَمُ بِمَا هُوَ كَائِنٌ، فَلَوْ جَهَدَ الْعِبَادُ أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَكْتُبْهُ اللَّهُ لَكَ لَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهِ، وَلَوْ جَهَدَ الْعِبَادُ عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَكْتُبْهُ اللَّهُ  عَلَيْكَ لَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهِ، فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَعْمَلَ لِلَّهِ بِالصِّدْقِ فِي الْيَقِينِ فَافْعَلْ، وَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَإِنَّ فِي الصَّبْرِ عَلَى مَا تَكْرَهُ خَيْرًا كَثِيرًا، وَاعْلَمْ أَنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ، وَأَنَّ الْفَرَجَ مَعَ الْكَرْبِ، وَأَنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا»

حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ رَاشِدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ حَمَّادٍ الشُّعَيْثِيُّ، قَالَ: ثنا كَهْمَسُ بْنُ الْحَسَنِ، عَنْ أَبِي السَّلِيلِ، قَالَ: قَالَ أَبُو ذَرٍّ: كَانَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتْلُو عَلَيَّ هَذِهِ الْآيَةَ: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا، وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} [الطلاق: 3] ثُمَّ يَقُولُ: «يَا أَبَا ذَرٍّ، لَوْ أَنَّ النَّاسَ كُلَّهُمْ أَخَذُوا بِهَا لَكَفَتْهُمْ»

حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمنِ بْنُ صَالِحٍ الْأَزْدِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو رَوْحٍ، رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ مَرْوَ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، قَالَ: مَرَّ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ بِمُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، فَقَالَ: مَا لِي أَرَاكَ مَغْمُومًا؟ فَقَالَ أَبُو حَازِمٍ: ذَاكَ لِدَيْنٍ قَدْ فَدَحَهُ، قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ: افْتَحْ لَهُ فِي الدُّعَاءِ، قَالَ:  نَعَمْ، فَقَالَ: لَقَدْ بُورِكَ لِعَبْدٍ فِي حَاجَةٍ أَكْثَرَ فِيهَا دُعَاءَ رَبِّهِ كَائِنَةً مَا كَانَتْ

وَقَالَ أَبُو نَصْرٍ التَّمَّارُ: ثنا سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، قَالَ: " قَالَ دَاوُدُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: سُبْحَانَ مُسْتَخْرِجِ الدُّعَاءِ بِالْبَلَاءِ، سُبْحَانَ مُسْتَخْرِجِ الشُّكْرِ بِالرَّخَاءِ "

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دَاوُدَ، ح وحَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ حَبِيبٍ أَبُو مَرْوَانَ، حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، وَهَذَا حَدِيثُهُ، عَنْ بَشِيرِ بْنِ سَلْمَانَ، عَنْ سَيَّارٍ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ طَارِقٍ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَصَابَتْهُ فَاقَةٌ، فَأَنْزَلَهَا بِالنَّاسِ، لَمْ تُسَدَّ فَاقَتُهُ، وَمَنْ أَنْزَلَهَا بِاللَّهِ، أَوْشَكَ اللَّهُ لَهُ، بِالْغِنَى، إِمَّا بِمَوْتٍ عَاجِلٍ، أَوْ غِنًى عَاجِلٍ»
__________

[حكم الألباني] : صحيح (سنن إبي داود)

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ هِشَامٍ، صَاحِبِ الدَّسْتُوَائِيِّ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ عِنْدَ الْكَرْبِ: «لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْحَلِيمُ الْكَرِيمُ، سُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، سُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ السَّمَوَاتِ السَّبْعِ، وَرَبِّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ» قَالَ وَكِيعٌ مَرَّةً: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فِيهَا كُلِّهَا
__________

[حكم الألباني] : صحيح (سنن بن ماجة)



Thursday, August 14, 2014

خطورة الديون لمن يعقل ويفهم ويعي! ( من خطب لدكتور / إبراهيم الحقيل)

الحمد لله رب العالمين؛ خلق عباده فضرب آجالهم، وقدر أرزاقهم، فلن تموت نفس حتى تستكمل رزقها وأجلها {اللهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [الرُّوم:40] نحمده حمد الشاكرين، ونستغفره استغفار المذنبين، ونسأله من فضله العظيم؛ فما من سراء إلا وهو مانحها، ولا من ضراء إلا وهو كاشفها {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ الله ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ} [النحل:53] وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله؛ فارق الدنيا حين فارقها ولم يخلف مالا ولا متاعا، ودرعه مرهونة عند يهودي في شيء من شعير، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

...........
وبسبب محبة المال، والخوف عليه من الضياع؛ قد يحجم الدائنون عن الدين، والمقرضون عن القرض؛ لما يجدونه من استهانة المدينين والمقترضين بحقوقهم، ومماطلتهم في تسديد ما عليهم، فتغلق أبواب من المنافع والمصالح بين الأغنياء والفقراء، وتزول ثقة بعضهم ببعض، لأجل ذلك جاء في الشريعة وعيد شديد في حق من يضيع حقوق الناس، ويأكل أموالهم بالباطل، وتواردت النصوص على ذلك، وحذرت من التوسع في الدين والقرض لمن لا يجد سدادا فيحمل نفسه ما يعجز عن سداده، ولا يعذر بذلك، بل يبقى في ذمته حتى بعد موته، وقد يحبس عن الجنة بسبب ما عليه من الحقوق.
وبلغ من تشديد النبي صلى الله عليه وسلم في حقوق الناس أنه كان في أول الإسلام يترك الصلاة على من عليه دين ليس له وفاء؛ كما روى سلمة بن الأكوع رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أُتي بجنازة ليصلي عليها فقال: هل عليه من دين؟ قالوا: لا، فصلى عليه، ثم أُتي بجنازة أخرى فقال: هل عليه من دين؟ قالوا: نعم، قال: صلوا على صاحبكم، قال أبو قتادة: علي دينه يا رسول الله، فصلى عليه) رواه البخاري.


وروى جابر رضي الله عنه فقال: (توفى رجل فغسلناه وحنطناه وكفناه ثم أتينا به رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي عليه فقلنا: تصلي عليه؟ فخطا خطى، ثم قال: أعليه دين؟ قلنا: ديناران، فانصرف، فتحملهما أبو قتادة، فأتيناه فقال أبو قتادة: الديناران عليَّ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: حقَّ الغريمِ وبَرئَ منهما الميت؟ قال: نعم، فصلى عليه، ثم قال بعد ذلك بيوم: ما فعل الديناران؟ فقال: إنما مات أمس، قال: فعاد إليه من الغد، فقال: قد قضيتهما، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الآن بردت عليه جلده) رواه أحمد.
ولما فتح الله تعالى على المسلمين الفتوح، واغتنوا بعد الحاجة كان النبي صلى الله عليه وسلم يقضي مما أفاء الله تعالى عليه ديون الدائنين ويصلي عليهم، وكان هذا الفعل منه عليه الصلاة والسلام سنة لمن بعده من الخلفاء والأمراء أن تقضى ديون المدينين من بيوت المال، روى أبو هريرة رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يؤتى بالرجل المتوفى عليه الدين، فيسألُ: هل ترك لدينه فضلا؟ فإن حُدِّث أنه ترك لدينه وفاء صلى، وإلا قال للمسلمين: صلوا على صاحبكم، فلما فتح الله عليه الفتوح قال عليه الصلاة والسلام: أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم فمن توفي من المؤمنين فترك دينا فعلي قضاؤه ومن ترك مالا فلورثته) رواه الشيخان.


قال العلماء: في هذه الأحاديث إشعار بصعوبة أمر الدين، وأنه لا ينبغي تحمله إلا من ضرورة، وإنما ترك الصلاة على المدينين ليحرض الناس على قضاء ديونهم في حياتهم، ويبرئوا ذممهم من حقوق الناس؛ لئلا تفوتهم صلاة النبي صلى الله عليه وسلم عليهم.
وقد يَحبس الدينُ صاحبه عن دخول الجنة مع استحقاقه لها برحمة الله تعالى؛ كما جاء في حديث سمرة رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الفجر فقال: هاهنا من بني فلان أحد؟ ثلاثا، فقال رجل: أنا، فقال: إن صاحبكم محبوس عن الجنة بدينه) رواه أحمد، وفي رواية لأبي داود قال عليه الصلاة والسلام: (إن صاحبكم مأسور بدينه).
وروى الترمذي من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه).
وعن ثوبان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من فارق الروح الجسد وهو بريء من ثلاث دخل الجنة: الكبر والدين والغلول) رواه أحمد.
وبلغ من خطورة الدين أن الشهيد الذي بذل نفسه وربما ماله في سبيل الله تعالى لا تسقط عنه أموال الناس، بل تبقى في ذمته بعد استشهاده، فقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه الجهاد، ورغبهم فيه، وحثهم عليه، فقال رجل: (أرأيت إن قتلت في سبيل الله أتكفر عني خطاياي؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم وأنت صابر محتسب مقبل غير مدبر إلا الدين فإن جبريل عليه السلام قال لي ذلك) رواه مسلم من حديث أبي قتادة رضي الله عنه.
وجاء في حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يغفر للشهيد كل ذنب إلا الدين) وفي رواية: (القتل في سبيل الله يكفر كل شيء إلا الدين) رواه مسلم.
وعن محمد بن جحش رضي الله عنه قال: (كنا جلوسا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فرفع رأسه إلى السماء ثم وضع راحته على جبهته ثم قال: سبحان الله! ماذا نُزِّل من التشديد؟ فسكتنا وفزعنا، فلما كان من الغد سألته:يا رسول الله، ما هذا التشديد الذي نُزِّل؟ فقال: والذي نفسي بيده لو أن رجلا قتل في سبيل الله، ثم أُحييَ ثم قتل، ثم أُحييَ ثم قتل وعليه دين ما دخل الجنة حتى يُقضى عنه دينه) رواه النسائي.
ومن كان للناس عليه حقوق كان وفاؤه يوم القيامة من حسناته وسيئاته، وفي حديث المفلس: أن من أسباب إفلاسه يوم القيامة: وأخذ مال هذا، وجاء في حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من مات وعليه دين فليس بالدينار ولا بالدرهم ولكنها الحسنات والسيئات) رواه أحمد.


وإذا عزم المسلم على وفاء ما عليه من ديون، وأداء ما عليه من حقوق؛ فإن الله عز وجل يكون معه في ذلك، ويعينه عليه وييسره له مهما كثر ما عليه، ولا سيما إذا كانت ديونه عن ضرورة أو حاجة من نفقات واجبة أو مستحبة. بخلاف من يستدين من غير حاجة، أو لأجل المفاخرة بكماليات زائدة عن حاجته، وأقبح منه من يستدين لفعل محرم فإنه لا يعان على سداد ما عليه، عن عبد الله بن جعفر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كان الله مع الدائن حتى يقضي دينه ما لم يكن فيما يكره الله تعالى) رواه ابن ماجه. وعن ميمونة رضي الله عنها قالت: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما من أحد يَدَّان دينا فعلم الله أنه يريد قضاءه إلا أداه الله عنه) رواه النسائي.


ومن قبيح الفعل، وعظيم الإثم: أن ينوي المستدين حال استدانته الغدر بأخيه، وعدم الوفاء له، وكم في هذا الفعل من دناءة وخيانة؟! ومقابلة إحسان أخيه إليه بإساءته هو له؟! وكم فيه من إغلاق لأبواب البر والخير بين الناس؟! ولا يفعل ذلك إلا من ضعف دينه، وذهبت مروءته، وانحطت أخلاقه.
وتبلغ الدناءة ببعض الناس مبلغا يفاخرون فيه بهذا العمل الحقير، ويعدونه فطنة وكياسة، وبابا من أبواب الكسب، وما هو والله إلا غدر وخيانة، وأكل لأموال الناس بالباطل. ومن فعل ذلك بالناس فلن ير خيرا لا في نفسه ولا أهله وولده، ولا فيما أخذ من أموال بالكذب والمخادعة، بل تكون أمواله وبالا عليه في الدنيا والآخرة.


وهذا واقع مشاهد في كثير ممن أكلوا أموال الناس بالباطل. وقد جاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه، ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله) رواه البخاري.
وعموم الحديث يفيد أن الإتلاف يلحقه في الدنيا والآخرة، نسأل الله تعالى العافية والسلامة، ونعوذ به من موجبات غضبه.
إن كثير ممن يتخوضون في المال الحرام، ويغصبون الناس حقوقهم، ولا يؤدون لهم ما عليهم؛ لا يدركون خطورة التساهل في حقوق الناس. والواحد قد يعفو عن أخيه، ويُسقط حقه إذا علم عجزه عن السداد. أما إذا رآه يماطل ويخادع فإن نفسه لا تسمح عنه، وإن ترك المطالبة به في الدنيا فإنه سيطالبه به في الآخرة.

ويكفي عذابا في الدنيا لهذا الصنف من الخونة الغدارين: ما يعيشونه من حالة الخوف والترقب والتخفي والاستتار، بسبب ملاحقة الدائنين لهم، وجرهم إلى الشرط والمحاكم، وإهانتهم بقبيح الألفاظ والألقاب، وفضيحتهم في أهلهم وجيرانهم (وليُّ الواجد ظلم يبيح عرضه وعقوبته) فلا بارك الله في مال تكون هذه عاقبته. والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (لا تخيفوا أنفسكم بعد أمنها، قالوا: وما ذاك يا رسول الله؟ قال: الدين) رواه أحمد من حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه.

ولفداحة الدين، وما ينتج عنه من مشكلات في الدنيا والآخرة كان النبي صلى الله عليه وسلم يتعوذ بالله تعالى منه، ففي حديث عائشة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: (اللهم إني أعوذ بك من المأثم والمغرم، فقال له قائل: ما أكثر ما تستعيذ من المغرم! فقال عليه الصلاة والسلام: إن الرجل إذا غرم حدث فكذب ووعد فأخلف) رواه البخاري. وفي حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو بهؤلاء الكلمات: (اللهم إني أعوذ بك من غلبة الدين وغلبة العدو وشماتة الأعداء) رواه النسائي.
وجاء عن معاوية رضي الله عنه أنه قال: (رق الحر الدين) واشتهر عند الناس أن الدين همٌّ بالليل وذل بالنهار، والسلامة من حقوق الناس سلامة من كل هذه المآثم والإهانات.
فحري بالعاقل أن لا يتوسع في الدين، ولا يلجأَ إليه إلا عند الحاجة، ولا يحملَ نفسه ما لا يقدر على سداده.
فإذا استدان وثَّق ذلك في كتاب، وضمنه وصيته؛ لئلا يفجأه الموت وحقوق الناس في ذمته لا يعلم بها إلا هو.
ثم يجتهد في السداد ولو ضيق على نفسه وولده، فمنعهم ما زاد عن ضروراتهم وحاجاتهم من النفقات، وترك التوسعة عليهم حتى يقضي ما للعباد في ذمته، ويسأل الله تعالى المعونة على ذلك؛ ومن صدق في ذلك أعانه الله تعالى، ومن استعان بالله تعالى أعانه على ما يثقله؛ فإن الله تعالى لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء.

وصلوا وسلموا على نبيكم..




Monday, May 19, 2014

يا نفس خافي الله


قصيدة لأبي نواس

يا نفس خافي الله واتئدي * واسعي لنفسك سعي مجتهدِ
منْ كان جمعُ المال همّتَه * لم يخل من غمٍ ومن كَمَدِ
يا طالبَ الدنيا ليجمعها * جمحتْ بك الآمالُ فاقتصدِ
و أراكَ تركبُ ظَهر مَطْمَعةٍ * تطوي بها بلداً إلى بلدِ
لو لم تكنْ لله متهما * لم تُمسِ محتاجا إلى أحدِ
فاقْصدْ فلستَ بمدركٍ أملاً * إلا بعون الله الواحدِ الصمدِ
والقصدُ أحسنُ ما عملتَ بهِ * فاسلكْ سبيلَ الخيرِ واجتهدِ
والحرصُ يُفقرُ أهلَه حسدا * والرزقُ أقصى غاية الحسد
ولعلَّ منْ يشجى بغصته * إلا ذوو الآمال والعددِ
و لَرُبَّ ساعٍ فاتَ مطلبه * لم يؤتَ من حزم ولا جلد
و مشمرٍ في الرزق خطوتَه * ظفرت يداه بمرتعٍ رغدِ
أَوَ ما ترى الآجالَ راصدةً * لتحول بين الروح و الجسدِ
و إذا المنيةُ أمَّمَت أحداً * لم تنصرفْ عنه ولم تحدِ
يا من أقام على خطيئته * سُدَّتْ عليكَ مذاهب الرَّشَدِ
منَّتكَ نفسُكَ أن تتوب غدا * أَوَ ما تخافُ الموتَ دون غدِ
الموتُ ضيفٌ فاستعدَّ لهُ * قبل النزولِ, بأفضل العُددِ
و اعمل لدارٍ أنت جاعلها * دارَ المقامة آخر الامدِ
يا نفسُ مَوْرِدُك الصراط غدا * فتأهبي من قبل أن تَرِدِي
ما حجتي يوم الحساب إذا * شَهِدَتْ عليَّ بما جنيْتُ, يدي؟

Saturday, May 10, 2014

كلمات من كتاب



وأوصى بعض الحكماء ولده فقال: يا بني، كن كريم القدرة إذا قدرت، شريف الهمّة إذا ظفرت، صبورا إذا امتحنت؛ لا تردنّ حوض لئيم
لظمئك ، ولا تأتينّ دنيّة لضيق حالك، واستجلب النّعم بالشّكر، واستدفع البلاء بالصبر.
وقال بعض الصالحين: إنّي لأصاب بالمصيبة فأشكر الله تعالى عليها أربع مرار: شكرا إذ لم تكن أعظم مما هي، وشكرا إذ رزقني الصّبر عليها، وشكرا لما أرجوه من زوالها، وشكرا إذ لم تكن في ديني.
وقال بعض الحكماء: إنّ عندنا من نعم الله ما لا نحصيه مع كثرة ما نعصيه، فما ندري ما نشكر له: جميل ما نشر، أم قبيح ما ستر، أم عظيم ما أبلى، أم كثير ما أعفى؟
يا ابن أخي، إذا نزل بك أمر فلا تشكه  إلى مخلوق مثلك؛ فإنّه ما يقدر أن يدفع عن نفسه مثل الّذي نزل بك، بل اشكه  إلى الذي ابتلاك به، فهو يقدر على دفعه عنك، واعلم أنك تشكو إلى أحد رجلين: إمّا عدوّ فتسرّه، أو صديق فتسوءه، يا ابن أخي، أما ترى عيني هذه قد ذهبت مذ أربعين سنة ما أعلمت بها زوجتي  ولا أهلي ولا ولدي، وشكري لله بعد ذهابها يزيد على أيام سلامتها، لأنّه أدّبني تأديبا انتفعت به من حيث لم يكشفه لغيري، ولا أوقف  شيئا من أمري.
ولأبي إسحاق هلال الصابئ  ابتداء رسالة: أمّا بعد، فإنّ لله قضايا نافذة وأقدارا ماضية فيهنّ النّعم السّوابغ والنّقم الدّوامغ، فأمّا النّعم فإنه يؤتيها عباده أجمعين بادئة، ثمّ يجزي بها الشّاكرين عائدة؛ وأمّا النّقم فلا تقع سلفا وابتداء لكن قصاصا وجزاء بعد إمهال وإنظار، وتحذير وإنذار؛ وإذا حلّت بالقوم الظّالمين فقد طوي في إثباتها صنع لآخرين معتبرين.
وقال عليّ بن الجهم:
سهّل على نفسك الأمورا وكن على مرّها صبورا
وإن ألمّت صروف دهر فاستعن الواحد القديرا
فكم رأينا أخا هموم أعقب من بعدها سرورا
وربّ عسر أتى بيسر فصار معسوره يسيرا
عثمان بن عفان رضي الله عنه:
خليليّ لا والله ما من ملمّة تدوم على حيّ وإن هي جلّت
فإن نزلت يوما فلا تخضعن لها ولا تكثر الشّكوى إذا النّعل زلّت
الشافعي
ولمّا قسا قلبي وضاقت مذاهبي جعلت الرّجا منّي لعفوك سلّما
تعاظمني ذنبي فلمّا قرنته بعفوك ربّي كان عفوك أعظما
==============================
سأصبر للزّمان وإن رماني بأحداث تضيق لها الصّدور
وأعلم أنّ بعد العسر يسرا يدور به القضاء ويستدير

Wednesday, April 16, 2014

كلمات من بعض الكتب



تنبيه النائم الغمر على مواسم العمر (جمال الدين بن الفرج بن محمد الجوزي)
إِنَّ الغُصونَ إِذا قَوَّمتَها اِعتَدَلَت ... وَلا يَلينُ قَوَّمتَهُ الخَشَبُ
قَد يَنفَعُ الأَدَبُ الصَغير في مَهلٍ ... وَلَيسَ يَنفَعُ في ذِى الشَيبَةِ الأَدَب
عِشتَ وَظِلُّ الشَبابِ مَمدُودُ ... وَالغُصنُ يَهتَزُّ وَالصَبا رُودُ
فَأَقبَلَ الشَيبُ في عَساكِرِهِ ... أُسودُ غابٍ فَغابَت السودُ
كُنتَ في ظُلمَةٍ فَأشرَقَ فَجرُ المَشي ... بِ فَاللَيلُ عَنهُ مَطرودُ
قَد مَيَّسَ الغُصُنُ في نَضارَتِهِ ... لَكِنَّهُ بَعدَ أَن ذَوَت عَودُ
وَجاءَكَ المَوتُ فَانتَظِرهُ وَذا العُم ... رُ يَسيرُ وَالسَيرُ مَعدودُ
لا بُدَّ مِن مُزعِجٍ عَلى غَرَرٍ ... هَيهاتَ بابُ البَقاءِ مَسدودُ
تَرَحَّل عَن كُلِّ مَا تَخلُفُهُ ... وَيَأكُلُ الجِسمُ في البِلى الدُودُ
نَعَم وَيَمحو الثَرى مَحاسِنَهُ ... لا تُعرَفُ البيضُ فيهِ وَالسودُ
وَالسَمعُ قَد صُمَّ عَن مَواعِظِهِ ... وَالجَهلُ فاسٍ وَالقَلبُ جُلمودُ

اهَل يَعودُ ما مَضى لِيَ رَجِعاً ... أَم هَل أَرى نُجومَهُ لَوامِعا
إِذا تَذَكَّرتُ زَماناً ماضياً ... جَدَّدَ حُزناً اِنقَضَّ الأَضالِعا
ما لِلشُموسِ قَد بَدَت أَوافِلا ... وَطَالَما رَأَيتُها طَوالِعا
كانَ الصَبا لَهواً عَجيباً حالُهُ ... يا سُرعانَ ما فُطِمتُ راضِعاً
بادِر بِذا الباقي وَأَدرِك ما مَضى ... لَعَلَّ ما يَبقى يَكونُ نافِعا
يا حَسرَتي عَلى ما قَد مَضى ... وَذَهَبَت أَيّامُه ضَوائِعا

غَرَرنا بِالشَبابِ المُستَعارِ ... اَفَقنا بِالمَشيبِ مِنَ الخَمارِ
أَنارَ لَنا المَشيبُ سَبيلَ رُشدٍ ... وَنَدِمنا على خَلعَ العِذارِ
فَوا أَسَفى عَلى عُمُرٍ تَوَلَّت ... لَذَاذَتُهُ وَاَبقَت قُبحَ عارِ
فَنَحنُ اليَومَ تَبكي ما فَعَلنا ... فَكَيفَ وَكَم وَقَعنا في خَسارِ
فَلَيسَ لَنا سِوى حَزَنٍ وَخَوفٍ ... وَنَدبٍ في خُضوعٍ وَاِنكِسارِ
تَعالَوا نَبكِ ما قَد كانَ مِنّا ... وَقوموا في الدَياجي بِاِعتِذارِ

وَما شَيءٌ لِمَحوِ الذَنبِ أَولَى ... مِنَ الأَحزانِ وَالدَمعِ الغِزِارِ
سَتَدري يا مُفَرِطُ صِدقَ قَولي ... إِذا غُودِرتَ في بَطنِ الصَحارِ
وَخَلّاكَ الرَفيقُ اَسَيرَ قَفرٍ ... تُرافِقُكَ النَدامَةُ في القِفارِ
وَقَد فازوا بِما حازوا جَميعاً ... وَأَنتَ رَهينُ ذُلٍّ وَاِفتِقارِ
فَخُذ حَذَراً وَزاداً تَكتَفيهِ ... لِرحلَتِهِ إِلى تِلكَ الدِيارِ
تَمَتَّع مِن شَميم عَرارِ نَجدٍ ... فَما بَعدَ العَشِيَّةِ مِن عَرارِ

أَشَيبٌ وَعَيبٌ إِنَّ ذا لَبَغِيضُ ... سَوادُ صِحافٍ وَالغَدائِرُ بِيضُ
مُكاثِرةٍ لِلّهوِ وَالضَعفُ زائِدُ ... وَجِسمُ الكَبيرِ ذائِبٌ وَمَهيصُ
إِذا هَمَّ مَشيبٌ بِذَنبٍ فَإِنَّهُ بَغيضٌ وَما اللَهوُ فيهِ بَغيضُ
مَريضٌ مِنَ الضَعفِ الَّذي أَذهَبَ القُوى ... وَحُقَّ لِهَذا أَن يُقالَ مَريض
فلينظر الشاب في حراسة بضاعته. وليحتفظ الكهل بقدر استطاعته.
وليتزود الشيخ للحاق جماعته. ولينظر الهرم أن يؤخذ من ساعته.
كتاب مواعظ بن الجوزي الياقوتة

بكيت على الذنوب لعظم جرمي ... وحق لمن عصى مر البكاء
فلو أن البكاء يرد همي ... لأسعدت الدموع مع الدماء

أنوح على نفسي وأبكي خطيئةً ... تقود خطايا أثقلت مني الظهرا
فيا لذة كانت قليل بقاؤها ... ويا حسرةً دامت ولم تبق لي عذرا

وبكى ثابت البناني حتى كاد بصره أن يذهب، وقيل له: نعالجك، على أن لا تبكي، فقال: لا خير في عين لم تبك:
بكى الباكون للرحمن ليلاً ... وباتوا دمعهم ما يسأمونا
بقاع الأرض من شوقي إليهم ... تحن متى عليها يسجدونا

ونقل توبة بن المعلم أنه نظر يوماً وكان محاسباً لنفسه، فإذا هو ابن ستين إلا عاماً، فحسبها أياماً، فإذا هي إحدى وعشرون ألف يوم وخمسمائة يوم فصرخ وقال: يا ويلتي! ألقي المليك بإحدى وعشرون ألف ذنب وخمسمائه ذنب، فكيف ولي في كل يوم عشرون ألف ذنب؟ ثم خر مغشياً عليه فإذا هو ميت، فسمعوا هاتفاً يقول: يا لها من ركضة إلى الفردوس الأعلى.

كل إلى طبعه عائد ... وإن صده الصد عن قصده
كما أن الماء من بعد إسخانه ... سريعاً يعود إلى برود

نقل فؤادك حيث شئت من الهوى ... ما الحب إلا للحبيب الأول
كم منزل في الأرض يألفه الفتى ... وحنينه أبداً لأول منزل

كتاب تذكرة الآباء وتسلية الأبناء الدراري في ذكر الزراري  (عمر بن أحمد بن هبة الله بن إبي جرادة العقيلي بن العديم الحلبي)

قال المتنبي:
وما الولد المحبوب إلا تعلة ... ولا الزوجة الحسناء إلا أذى البعل
وما الدهر أهلاً أن تؤمل عنده ... حياة وأن يشتاق فيه إلى النسل

أنشد أبو تمام حبيب بن أوس الطائي:
وإنما أولادنا بيننا ... أكبادنا تمشي على الأرض
لو هبت الريح على بعضهم ... لامتنعت عيني من الغمض

قال رجل لعمر بن الخطاب رضي الله عنه: خدمك بنوك، فقال: بل أغناني الله عنهم.


قال رجل لابنه وهو يختلف إلى المكتب: في أي سورة أنت؟ قال: في لا أقسم بهذا البلد ووالدي بلا ولد، فقال: لعمري من كنت أنت ولده فهو بلا ولد!
وجه رجل ابنه ليشتري له حبلا طوله عشرون ذراعاً، فعاد من بعض الطريق وقال: يا أبي في عرض كم؟ فقال: في عرض مصيبتي بك.
قيل لأعرابي: كيف ابنك؟ قال: عذاب رعف به علي الدهر، وبلاء لا يقوم معه الصبر، ونظر أعرابي إلى ابن له قبيح فقال: يا بني إنك لست من زينة الحياة الدنيا، وقال أحمق لابنه وكان أحمق أيضاً: أي يوم صلينا الجمعة في مسجد الرصافة؟ فقال: لقد أنسيت، ولكني أظنه يوم الثلاثاء قال: صدقت كذا كان
قال أبو زيد الحارثي لابنه: والله لا أفلحت أبداً، فقال: لست أحنثك والله يا أبة. طار لابن ليزيد بن معاوية باز فأمر بغلق أبواب دمشق لئلا يخرج منها.
حكي أن رجلاً أرسل ابنه ليشتري رأساً مشوياً، فاشتراه وجلس في الطريق فأكل عينيه وأذنيه ولسانه ودماغه وحمل باقيه إلى أبيه، فقال: ويحك ما هذا؟ فقال: هو الرأس الذي طلبته، فقال: فأين عيناه، قال: كان أعمى، قال: فأين أذناه، قال: كان أصم، قال: فلسانه، قال: كان أخرس، قال: فدماغه، قال: كان معلماً، قال: ويحك رده وخذ بدله، قال: باعه بالبراءة من كل عيب.
مرض صديق لحامد بن العباس فأراد أن ينفذ إليه ابنه يعوده فأوصاه وقال: إذا دخلت فاجلس في أرفع المواضع وقل للمريض ما تشكو، فإذا قال كذا وكذا فقل: سليم إن شاء الله، وقل له: من يجيئك من الأطباء، فإذا قال: فلان فقل: مبارك ميمون، وقل له: ما غذاؤك، فإذا قال: كذا وكذا، فقل: طعام محمود، فذهب الابن فدخل على العليل وكانت بين يديه منارة فجلس عليها لارتفاعها فسقطت على صدر العليل فأوجعته، ثم جلس فقال للعليل: ما تشكو؟ فقال: بضجرة أشكو علة الموت، فقال: سليم إن شاء الله، ثم قال: فمن يجيئك من الأطباء؟ قال: ملك الموت، قال: طعام طيب محمود.
قال أبو المخش الأعرابي: كانت لي بنت تجلس على المائدة فتبرز كفاً كأنها طلعة في ذراع كأنها جمارة، فلا تقع عينها على أكلة نفيسة إلا خصتني بها، وصرت أجلس معي على المائدة ابناً لي فيبرز كفاً كأنها كرنافة في ذراع كأنها كربة، فوالله إن تسبق عيني إلى لقمة طيبة إلا سبقت يده إليها.
كتاب بحر الدموع (جمال الدين أبو الفرج بن محمد الجوزي)
عيل صبري وحق لي أن أنوحا ... لم تدع لي الذنوب قلبا صحيحا
أخلقت مهجتي أكف المعاصي ... ونعاني المشيب نعيا صريحا
كلما قلت قد بري جرح قلبي ... عاد قلبي من الذنوب جريحا
إنما الفوز والنعيم لعبد ... جاء في الحشر آمنا مستريحا
فيا رب ذنبي تعاظم قدره ... وأنت بما أشكو يا رب عالم
وأنت رؤوف بالعباد مهيمن ... حليم كريم واسع العفو راحم
أتيتك راجيا يا ذا الجلال ... ففرّج ما ترى من سوء حالي
عصيتك سيّدي ويلي بجهلي ... وعيب الذنب لم يخطر ببالي
إلى من يشتكي المملوك إلا ... إلى مولاه يا مولى الموالي
فويلي لم أمي لم تلدني ... ولا أعصيك في ظلم الليالي
وها أنا ذا عبيدك عبد سوء ... ببابك واقف يا ذا الجلال
فان عاقبت يا ربي فاني ... محق بالعذاب وبالنكال
وان تعفو فعفوك أرتجيه ... ويحسن إن عفوت قبيح حالي