RAMADAN

Friday, September 2, 2022

من كتاب الزخائر والعبقريات تأليف عبد الرحمن بن عبد الرحمن بن سيد بن أحمد البرقوقي الأديب المصري

وهل يصحُّ في الأفهام أن رجلاً يجرّ وراءه نيّفاً وستين سنة، موقرة بكل ما يضعف المُنّة ويوهن القوى، ويعصف بالحيويّة عصفاً، لا تتكاثر هفواتُه وعثراتُه، وتتوافر سقطاتُه وزلاتُه
قول الحطيئة:
مَنْ يَفْعَلِ الخيرَ لا يَعْدَمْ جوازِيَهُ … لا يَذْهَبُ العُرفُ بين اللهِ والناسِ
جوازيه: جمع جازية اسمُ مصدرٍ للجزاء، كالعافية، أي لا يعدم جزاءً عليه

 قال أبو عمرو بن العلاء: لم يقل العرب بيتاً قطُّ أصدق من بيت الحطيئة هذا،
والناسُ هَمُّهُمُ الحياةُ وما أرَى … طُولَ الحياةِ يَزيدُ غيرَ خَبالِ
الخبال: الفساد، أو هو لون من الجنون
فقيل له: فقول طرفة بن العبد:
سَتُبْدِي لك الأيامُ ما كنتَ جاهلاً … ويأتيكَ بالأخبارِ مَنْ لَمْ تُزَوِّدِ
وقال عبيد بن الأبرص:
والخيْرُ يَبْقَى وإنْ طالَ الزمانُ به … والشَّرُّ أخْبَثُ ما أوْعَيْتَ مِن زادِ
يقال: أوعيتَ الزادَ والمتاعَ: إذا جعلته في الوعاء.
وقال أبو العتاهية:
لَيَعْلَمَنَّ الناسُ أنَّ التُّقَى … والبِرَّ كانا خيرَ ما يُذخَرُ
وقبله قال الأخطل - ورواه المبرّد في الكامل للخليل بن أحمد واضع علم العروض -:
وإذا افتَقَرْتَ إلى الذّخائرِ لَم تَجِدْ … ذُخْراً يكون كصالحِ الأعمالِ
 
يا نفسُ دُنياكِ تُخْفِي كُلَّ مُبْكِيةٍ … وإنْ بَدَا لكِ منها حُسنُ مُبْتَسمِ
فُضِّي بتَقواكِ فاها كلّما ضَحِكَتْ … كما يُفَضُّ أذَى الرَّقْشاءِ بالثَّرَمِ
لا تَحْفِلِي بجنَاها أو جِنايتِها … الموتُ بالزَّهْرِ مِثلُ الموتِ بالفَحَمِ
صلاحُ أمْرِكَ للأخلاقِ مَرْجِعُهُ … فقَوِّمِ النفسَ بالأخلاقِ تَسْتَقِمِ
والنفْسُ مِن خيْرِها في خيرِ عافيةٍ … والنفسُ من شرِّها في مَرْتَعٍ وَخِمِ
المبتسم: يريد الابتسام، أو موضع الابتسام، وهو الثغر. والرقشاء من الحيّات: المنقطة بالسواد والبياض. وأذى الرقشاء: سُمُّها. والثرم: كسر السن من أصلها. والجنى: ما يُجنى من الشجرة ويقطف من ثمرها، يقول في هذا البيت: إن سعادة الدنيا وشقاءها بمنزلة سواء، وكلاهما ألم غير أن أحد الألمين ينزل بساحة النفس سافراً غير متنكر - وهو جنايتها أي آلامها - والآخر - وهو جناها أي لذاتها - يتسرب إليها من أبواب غفلتها فيتجمل ويخلب حتى ينال منها، إذ أن من ورائه السمّ ناقعاً، فمثلهما في ذلك مثل الموت بالفحم والموت بالزهر، كلاهما موت، وإن كان هذا من أثر الاختناق بأرج الزهر، وذاك من دخن الفحم. والمرتع: من رتعت الماشية: أكلت ما شاءت، والمرتع: مكان الرتوع، والوخم: الرديء الوبيء.
وقال المعري:
وَلْتَفْعِلِ النَّفسُ الجميلَ لأنَّهُ … خيْرٌ وَأَحْسَنُ لا لأجْلِ ثَوابِها
 
ومن كلمة لعلي بن أبي طالب: إن للخير والشر أهلاً، فمهما تركتموه منهما كفاكُموه أهلُه يقول رضي الله عنه: إنْ عنَّ لك باب من أبواب الخير وتركته فسوف يكفيكَه بعض الناس ممن جعله الله أهلاً للخير، وإن عنَّ لك باب من أبواب الشر فتركتَه فسوف يكفيكَه بعض الناس ممن جعلهم الله أهلاً للشر وأذى الناس، فاختر لنفسك أيما أحبّ إليك: أن تحظى بالمحمدة والثواب وتفعل ما إن تركته فعله غيرُك وحظي بحمده وثوابه، أو أن تتركه، وأيما أحب إليك؛ أن تشقى بالذم عاجلاً والعقاب آجلاً وتفعل ما إن تركته كفاكه غيرك وبلغت غرضك منه على يد غيرك، أو أن تفعله؛ وإذن فجدير بالعاقل أن يؤثر فعل الخير وترك الشر ما وجد إلى ذلك سبيلا.
 
وقد وردت هذه الكلمة في نهج البلاغة منسوبة لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه -: كان لي أخٌ في الله، كان أعظم الناس في عيني، وكان رأس ما عظمه في عيني صغر الدنيا في عينه، كان خارجاً من سلطان بطنه؛ فلا يتشهى ما لا يجد، ولا يكثر إذا وجد. وكان خارجاً من سلطان فرجه؛ فلا يدعو إليه مؤنة، ولا يستخف إليه رأياً ولا بدناً، وكان لا يتأثر عند نعمة، ولا يستكين عند مصيبة، وكان خارجاً من سلطان لسانه؛ فلا يتكلم بما لا يعلم ولا يماري فيما علم. وكان خارجاً من سلطان الجهالة؛ فلا يقدم أبداً إلا على ثقة بنفسه، وكان أكثر دهره صامتاً، فإذا قال بزَّ القائلين، وكان ضعيفاً مستضعفاً، فإذا جد الجدُّ فهو الليث عادياًً، وكان لا يدخل في دعوى، ولا يشارك في مراءٍ، ولا يدلي بحجة، حتى يرى قاضياً فهماً وشهوداً عدولاً، وكان لا يلوم أحداً فيما يكون العذر في مثله حتى يعلم ما عذره، وكان لا يشكو وجعه إلا عند من يرجو عنده البرء، ولا يستشير صاحباً إلا أن يرجو منه النصيحة وكان لا يتبرم ولا يتسخط، ولا يتشكى ولا يتشهى، ولا ينتقم من العدو ولا يغفل عن الولي، ولا يخص نفسه بشيء دون إخوانه، من اهتمامه وحيلته وقوته. . . فعليك بهذه الأخلاق إن أطقتها، ولن تطيق، ولكن أخذ القليل خير من ترك الجميع