RAMADAN

Wednesday, March 15, 2023

من كتاب روضة العقلاء لأبو حاتم محمد بن حبان البستي


أخبرنا القطان بالرقة حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن رومي البزاز عَن أبيه قَالَ قلما دخلت على إِسْحَاق بْن أَبِي ربعي الرافقي إلا وهو يتمثل بهذا البيت

 خير من المال والأيام مقبلة ... جيب نقي من الآثام والدنس

 وأنشدني أَبُو بدر أَحْمَد بْن خالد بْن عُبَيْد اللَّه بْن عَبْد الملك بحران  

يا نفس مَا هو إلا صبر أيام ... كأن لذاتها أضغاث أحلام

يا نفس جوزي عَن الدنيا مبادرة ... وخل عنها فإن العيش قدامي 

 وأنشدني الأبرش 

تعلم فليس المرء يولد عالما ... وليس أخو علم كمن هو جاهل

وإن كبير القوم لا علم عنده ... صغير إذا التفت عَلَيْهِ المحافل

 ولقد أَنْبَأَنَا ابن قحطبة حَدَّثَنَا حسين بْن مُحَمَّد الكوفي قال سمعت محمد ابن بشير الخزاعي يقول

أما لو أعي كل مَا أسمع ... وأحفظ من ذاك مَا أجمع

ولم أستفد غير مَا قد جمعت ... لقيل هو العالم المقنع

ولكن نفس إلى كل شيء ... من العلم تسمعه تنزع

وأحضر بالجهل في مجلسي ... وعلمي في الكتب مستودع

فلا أنا أحفظ مَا قد جمعت ... ولا أنا من جمعه أشبع

ومن يك في علمه هكذا ... يكن دهره القهقري يرجع

إذا لم تكن حافظا واعيا ... فجمعك للكتب لا ينفع

 وأنشدني الكريزي

 أقلل كلامك واستعذ من شره ... إن البلاء ببعضه مقرون

واحفظ لسانك واحتفظ من غيه ... حتى يكون كأنه مسجون

وكل فؤادك باللسان وقل له ... إن الكلام عليكما موزون

فزناه وليك محكما ذا قلة ... إن البلاغة في القليل تكون

 قال أَبُو حاتم الواجب على العاقل أن يلزم الصمت إلى أن يلزمه التكلم فما أكثر من ندم إذا نطق وأقل من يندم إذا سكت وأطول الناس شقاء وأعظمهم بلاء من ابتلى بلسان مطلق وفؤاء مطبق

 ولقد أحسن الذي يقول

إن كان يعجبك السكوت فإنه ... قد كان يعجب قلبك الأخيارا

ولئن ندمت على سكوت مرة ... فلقد ندمت على الكلام مرارا

إن السكوت سلامة ولربما زرع الكلام عداوة وضرارا

وإذا تقرب خاسر من خاسر ... زادا بذاك خسارة وتبارا

 وأنشدني مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه البغدادي

إذا مَا المرء أخطأه ثلاث ... فبعه ولو بكف من رماد

سلامة صدره والصدق منه ... وكتمان السرائر في الفؤاد

 وأنشدني مُحَمَّد بْن المنذر بْن سَعِيد عَن مُحَمَّد بْن خلف التيمي قَالَ أنشدني رجل من خزاعة

إذا لم تخش عاقبة الليالي ... ولم تستحي فاصنع مَا تشاء

فلا والله مَا في العيش خير ... ولا الدنيا إذا ذهب الحياء

يعيش المرء مَا استحيا بخير ... ويبقى العود مَا بقي اللحاء

 أنبأنا الحسن بْن سُفْيَان حَدَّثَنَا نصر بْن علي حَدَّثَنَا نوح بْن قيس عَن أخيه عَن قَتَادَة قَالَ مَا نسيت شيئا قط ثم قَالَ لغلامه ناولني نعلي قَالَ نعلك في رجلك

أنبأنا عَبْد اللَّه بْن محمد بن عمر أنبأنا عل بْن خشرم قَالَ سمعت الفضل بْن موسى يقول كان مالك ينسى فقال لقهرمانه اشتر لي غلاما وسمه باسم خفيف حتى لا أنساه قَالَ فاشتري له غلاما وأدخله عَلَيْهِ فقال اشتريت لك هذا الغلام وسميته باسم خفيف قَالَ مَا سميته قَالَ فرقد قَالَ فنظر إلى الغلام وقال اجلس يا واقد

 قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه الواجب على العاقل أن يلزم المداراة مع من دفع إليه في العشرة من غير مقارفة المداهنة إذ المداراة من المداري صدقة له والمداهنة من المداهن تكون خطيئة عَلَيْهِ والفصل بين المداراة والمداهنة هو أن يجعل المرء وقته في الرياضة لإصلاح الوقت الذي هو له مقيم بلزوم المداراة من غير ثلم في الدين من جهة من الجهات فمتى مَا تخلق المرء بخلق شابه بعض مَا كره اللَّه منه في تخلقه فهذا هو المداهنة لأن عاقبتها تصير إلى قل ويلازم المداراة لأنها تدعو إلى صلاح أحواله ومن لم يدار الناس ملوه (حديث جابر مدارة الناس صدقة ضعفة الألباني وغيره) كما أنشدني علي بْن مُحَمَّد البسامي

دار من الناس ملالاتهم ... من لم يدار الناس ملوه

ومكرم الناس حبيب لهم ... من أكرم الناس أحبوه

 قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه الواجب على العاقل أن يداري الناس مداراة الرجل السابح في الماء الجاري ومن ذهب إلى عشرة الناس من حيث هو كدر على نفسه عيشه ولم تصف له مودته لأن وداد الناس لا يستجلب إلا بمساعدتهم على مَا هم عَلَيْهِ إلا أن يكون مأثما فإذا كانت حالة معصية فلا سمع ولا طاعة والبشر قد ركب فيهم أهواء مختلفة وطبائع متباينة فكما يشق عليك ترك مَا جبلت عَلَيْهِ فكذلك يشق على غيرك مجانبة مثله فليس إلى صفو ودادهم سبيل إلا بمعاشرتهم من حيث هم والإغضاء عَن مخالفتهم في الأوقات

 وَلَقَدْ أَخْبَرَنِي الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَان حَدَّثَنَا حبان بْن موسى أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ عَنْ حَبِيبِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ عَنْ عمر بن الخطاب قَالَ خُذُوا بِحَظِّكُمْ مِنَ الْعُزْلَةِ

 وأما السبب الذي يوجب الاعتزال عَن العالم كافة فهو مَا عرفتهم به من وجود دفن الخير ونشر الشر يدفنون الحسنة ويظهرون السيئة فإن كان المرء عالما يدعوه وإن كان جاهلا عيروه وإن كان فوقهم حسدوه وإن كان دونهم حقروه وإن نطق قالوا مهذار وإن سكت قالوا عيي وإن قدر قالوا مقتر وإن سمح قالوا مبذر فالنادم في العواقب المحطوط عَن المراتب من اغتر بقوم هذا نعتهم وغره ناس هذه صفتهم

ولقد أنبأنا مُحَمَّد بْن المهاجر المعدل أَخْبَرَنِي أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ بكر الأبناوي عَن داود بْن رشيد قال حدثني إِبْرَاهِيم بْن شماس قَالَ قَالَ لي الأكاف حفص بْن حميد صاحب ابن المبارك بمرو يا إِبْرَاهِيم صحبت الناس خمسين سنة فلم أجد أحدا ستر لي عورة ولا وصلني إذا قطعته ولا أمنته إذا غضب فالاشتغال بهؤلاء حمق كثير

 وأنشدني مُحَمَّد بْن المهاجر المعدل لعلي بْن حجر السعدي 

زمانك ذا زمان دخول بيت ... وحفظ للسان وخفض صوت

فقد مرجت عهود الناس إلا ... أقلهم فبادر قبل فوت

فما يبقى على الأيام شيء ... وما خلق امرؤ إلا لموت