RAMADAN

Monday, December 26, 2016

تكملة هامة لمبحث المسح على الخفين من شرح الزاد للشنقيطي


(في حَدَثٍ أصغر) بعد أن بيَّن -رحمه الله- ما الذي يُمسح عليه، ووقت المسح، شرع في بيان محل المسح.
فيختص المسح على الخفين وعلى العمامة وعلى الخمار بالحَدَث الأصغر دون الأكبر، فلا يجوز للإنسان أن يمسح على خفيه إذا اغتسل من الجنابة، بل يجب عليه نزع الخفين وغسل القدمين، والأصل في هذا ما ثبت في الحديث الصحيح وهو حديث صفوان بن عسال المرادي قال رضي الله عنه وأرضاه: (أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا ننزع خفافنا من بولٍِ أو نومٍ أو غائطٍ لكن من جنابة) فقوله: (من بولٍ) أي: بسبب بولٍ (أو نومٍ) أي: بسبب نومٍ (أو غائطٍ) أي: بسبب غائط، فكل هذه لا ننزع منها، ثم قال: (لكن من جنابة) أي: ننزع من الجنابة، فدل على أن الجنب باحتلامٍ أو إنزالٍ أو جماعٍ عليه أن ينزع خفيه وكذلك النفساء والحائض من جماع ونحوه، فإنه يلزمها أن تغتسل ولا تمسح على الخفين
أحكام اختلاف ابتداء المسح وانتهائه
قال رحمه الله: [ومن مسح في سفر ثم أقام أو عَكَسَ، أو شَكَّ في ابتدائه، فمَسْح مقيم] هذه المسألة مفرعةٌ على الأصل، فقد عرفنا أن المقيم يمسح يوماً وليلةً على الخف، ويمسح المسافر ثلاثة أيام بلياليهن على الخف، فلو فرضنا أنك كنت مسافراً فمسحت اليوم الأول، ثم رجعت إلى البلد في اليوم الثاني، فأصبحت مقيماً في اليوم الثاني، فهل نقول: العبرة بالابتداء فتتم مسحك مسح مسافر، أو العبرة بالانتهاء فتقطع مسحك لأنك أتممت مسح المقيم؟ والعكس، فلو كان مقيماً فلبس الخف -مثلاً- الساعة الثانية ظهراً وهو على طهارة، ثم انتقض وضوءه في الساعة الثالثة ظهراً، ومسح في الساعة الرابعة، ثم سافر في المغرب، فإنه في الأصل مقيم، وطرأ عليه السفر، فهل نقول: العبرة بالابتداء أو العبرة بالانتهاء -أي: ما انتهى إليه حاله-؟ فللعلماء في هذه المسألة أوجه: منهم من قال: في كل هذه الصور يُرَد إلى اليقين، والقاعدة: أن (الشك في الرخص يوجب الرجوع إلى الأصل)، فالمسح رخصة، فنشُك إذا كان مسافراً وأقام: هل يتم مسح مسافر؟ فنرده إلى اليقين وهو اليوم والليلة، ولما كان مقيماً ثم سافر نشك: هل يطرأ عليه التوسع أو لا يطرأ؟ أو نبقيه على اليقين، فنرده إلى اليقين وهو اليوم والليلة، وهذا اختيار الشافعية والحنابلة.
وقال بعض العلماء: إنه يعتبر المآل، فيمسح مسح المسافر، ولو طرأت عليه الإقامة، وهذا مذهب الإمام أبي حنيفة رحمة الله عليه.
والأقوى والأحوط: أنه يتم مسح مقيم في جميع الصور، للقاعدة: أن (الشك في الرخص يوجب الرجوع إلى الأصل) خاصةً وأنه في عبادة الوضوء التي ينبني عليها الحكم بصحة صلاته، وهذا هو أعدل الأقوال إن شاء الله تعالى.
كيفية المسح على الجرموق
قال رحمه الله: [فإن لَبِسَ خفاً على خفٍٍ قبل الحدث فالحكم للفوقاني] اختلف العلماء رحمهم الله في مسألة المسح على خف فوق خف: فقال بعض العلماء: الرخصة تختص بالخف إذا باشر القدم.
وقال بعضهم: يجوز المسح على خف فوق خف، أي: لا يشترط أن يكون الخف قد وَلِي البشرة أو وَلِي القدم.
فدرج المصنف -رحمه الله- على القول الثاني، والقول الأول أقوى، وذلك أن الرخَص يُقتصر فيها على صورة ما أذن به الشرع، والذي ورد في السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم: مسحه على خف يلي محل الفرض، وعلى هذا: لا يقوى القول بالمسح على خف فوق خف؛ لأنه يلي ما حكمه المسح، ولا يلي عضواً يختص الحكم بغسله.
وبناءً على القول الذي اختاره المصنف رحمه الله: إن لبس خفاً فوق خف فإن الحكم يكون (للفوقاني) أي: الأعلى منهما.

مقدار المسح على الخف
قال رحمه الله: [وظاهر قدمِ الخُفِّ]: للعلماء في المسح على الخُفين أقوال: فقالت طائفة من أهل العلم: يُمسح أعلى الخف وأدناه، وفيه رواية في حديث المغيرة: (ومسح على أعلى خفه وأسفله).
ومنهم من قال: يَمسح الأعلى ولا يمسح الأدنى، وذلك لقوله: (ثم مسح على خفيه) وهذا يقتضي أنه للأعلى، وأيد ذلك ما جاء عن علي رضي الله عنه أنه قال: (لو كان الدين بالرأي لكان باطن الخف أولى بالمسح من ظاهره؛ ولكني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على ظاهر خفيه) فدل هذا على أنه لا يُمسَح الباطن، وهو الذي يلي الأرض، وقوله: (لو كان الدين بالرأي -أي: بالاجتهاد- لكان باطن الخف أولى بالمسح من ظاهره) لأن الإنسان إنما يطأ الأرض بباطن قدمه، فباطن الخف الذي يلي الأرض أحوج لِأَنْ يُنَظَّف ويُمسح عليه من ظاهر الخف، فلما قال ذلك رضي الله عنه وأرضاه، دل على أن باطن الخف لا يُمسح.
وقال بعضهم -وهي الرواية الثالثة عن مالك -: أنه يُمسح باطن الخف ولا يُمسح ظاهره.
وهو قول ضعيف.
فهذه ثلاثة أوجه لأهل العلم رحمة الله عليهم، أصحها وأقواها: ما اختاره المصنف -رحمة الله عليه- من أنه يُمسح الظاهر ولا يجب مسح الباطن، بل لو قال قائل بعدم استحبابه لصح قوله على ظاهر الحديث الذي ذكرنا، وقد جاء عنه عليه الصلاة والسلام في السنن أنه: (مسح على خفه، فخط الخطوط)
[مِن أصابعه إلى ساقه، دون أسفله وعَقِبِه] (مِن) للابتداء.
(أصابعه) أي: أصابع القدمين، (إلى ساقه) يُمِرُّ كفَّه مفرقة الأصابع، كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وقال العلماء: يجعل طرف الزند على رأس الأصابع، ثم يُمِرُّها، فإذا فعل ذلك فلا يلزمه مسح العقب، ولا يلزمه كذلك مسح ما هو أسفل القدمين.

ما ينقض المسح
قال رحمه الله: [ومتى ظهر بعض محل الفرض بعد الحدث أو تمت مدته، استأنف الطهارة] (ومتى ظهر بعض محل الفرض): هذا يوجب انتقاض المسح، وذلك لعلة ذكرها أهل العلم -رحمة الله عليهم- يستوي فيها أن يكون في الجبائر أو يكون في الخفين: وهي أنه إن ظهر جزءٌ من المستور الذي مُسح عليه بدل غسله فقد توجه الخطاب في الشرع بغسله، ولا يستطيع أن يغسله؛ لأن شرط الموالاة قد فُقِد، فإن مُضِي المدة بين وضوئه الذي مَسَح فيه، وبين انكشاف العضو، يقتضي بطلان شرط الموالاة، وإذا بطل شرط الموالاة تعذر أن يغسل، فيُرجع إلى الأصل من وجوب الوضوء عليه.
توضيح ذلك: لو فرضنا أن إنساناً توضأ ثم نزع من خفه ما بان به محل الفرض، فحينئذٍ نقول: إنه في الأصل مطالَب بغسل رجليه، الذي هو محل الفرض، ورُخِّص له في المسح على خفيه، بشرط أن يبقى على الصورة التي أذن الشرع بها من استتمام المدة والخف ساتر لمحل الفرض، ويمسح المقيم يوماً وليلة، فإذا نزع أو انكشف جزء من محل الفرض فقد توجه خطاب الشرع بغسل الموضع؛ لأنه فَقَدَ شرط المسح، فلما توجه الخطاب بالأصل وهو: غسل الموضع، وقد مضت فترة لا يمكنه فيها أن يحقق شرط الموالاة، حُكِم بانتقاض طهارته وبطلانها، وكل ذلك مبني على شرط الموالاة، ولذلك فالمذهب الذي نص عليه المحققون: أنه لو انكشف جزءٌ من محل الفرض في الخفين، وكان قريب العهد بمسح الرأس، كأن يكون مسح برأسه ثم مسح على خفيه، وبعد دقيقة أو دقيقتين كشف عن جزء من محل الفرض أو خَلَعَ خُفَّه، فإنه يمكنه أن يغسل رجليه وتصح طهارته؛ لأن شرط الموالاة لم يُفْقَد؛ لكن صورة المسألة التي يحكم فيها بالبطلان: إذا فُقِد شرط الموالاة، كما نبه على ذلك الإمام الموفق -رحمة الله عليه- في المغني

هام موضوع المسح على الخفين والشّراب من شرح الشيخ محمد المختار الشنقيطي للزاد

هام موضوع المسح على الخفين والشّراب
بعض أحكام المسح على الخفين:

أولاً: مشروعيته؛ أنه مشروع أو غير مشروع.
ثانياً: هل مشروعيته على سبيل اللزوم أو غير اللزوم؟
ثالثاً: متى يمسح الإنسان على خفيه؟
 رابعاً: ما هي شروط المسح على الخفين؟
خامساً: ما هما الخفان المعتبران للمسح؟
سادساً: ما هي صفة المسح؟ هل لِأَعلى الخف ولِأَسفله، أو لِلْأَعلى دون الأسفل، أو لِلْأَسفل دون الأعلى؟
سابعاً: ما هي مواقيت المسح على الخفين؟ وما حكم الصور التي يختلف فيها حال الإنسان في تلك المواقيت؟
هذا بالنسبة لما يتعلق بمبحث المسح على الخفين.

مدة المسح على الخفين
قال رحمه الله: [يجوز يوماً وليلةً لمقيمٍ] (يجوز) أي: المسح على الخفين جائز، ولما قال: جائز، فهمنا منه أنه مشروع، وأن مشروعيته ليست بإلزام للمكلف، أي: أنه لا يجب على الإنسان أن يمسح على الخفين، وإنما ذلك مباح له وجائز، فإن ترتبت مصالح من قصد إحياء السُّنة ودلالة الناس عليها فإنه يُثاب ويعتبر مندوباً في حقه، وقد يصل إلى الوجوب على التفصيل الذي ذكرناه.
ومن عادة العلماء أنهم إذا بوَّبوا باباً أو ذكروا أمراً ما متعلقاً بالعبادة أو بالمعاملة، فإنهم يتكلمون أولاً على موقف الشرع من هذا الشيء، ثم يفصلون بعد ذلك في جوازه؛ هل هو على سبيل الإطلاق أو على سبيل التقييد؟ فقال رحمه الله: (يجوز) أي: المسح على الخفين.
(يجوز يوماً وليلةً لمقيم) الإقامة ضد السفر، وتتحقق الإقامة حقيقةً إذا كان الإنسان في موضعه الذي هو نازلٌ فيه، سواءً كان في باديةٍ أو حاضِرة، وتتحقق الإقامة أيضاً حكماً، وهي الإقامة الحكمية، كأن يكون الإنسان ناوياً أن يمكث في بلد أربعة أيام غير يومي الدخول والخروج؛ لما ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه رخص للمهاجرين أن يبقوا بمكة ثلاثة أيام.
ووجه الدلالة من هذا الحديث: أنه أجاز لهم أن يبقوا بمكة مع أنهم هاجروا منها.
والإجماع منعقد على أن من ترك أرضاً مهاجراً منها فإنه لا يجوز له أن يرجع إليها وأن يسكن فيها؛ لأن رجوعه إليها نقض لهجرته، كما قال عليه الصلاة والسلام: (لكن البائس سعد بن خولة يرثي له رسول الله صلى الله عليه وسلم أنْ مات بمكة)، ثم قال كما في صحيح مسلم: (اللهم أمضِ لأصحابي هجرتهم) فدل هذا على أن المهاجر لا يبقى بموضعه، فلما أجاز لهم البقاء ثلاثة أيام فهِمْنا أن من مكث في موضع ثلاثة أيام فإنه لا يأخذ حكم أهله، ودل على أنهم في اليوم الرابع يُعتَبَرون في حكم المقيم.
وعلى هذا يُعْتَبَر الناس على ثلاثة أصناف: مسافر.
مقيم.
في حكم المقيم.
وأخذ العلماء من هذا الحديث أصلاً في تحديد مدة السفر بأربعة أيام غير يومي الدخول والخروج، ولا يُشْكِل على هذا الحكم قصة تبوك، حيث قصر عليه الصلاة والسلام للصلاة سبعة عشر يوماً أو واحداً وعشرين يوماً، فإن ذلك لعدم علمه بالمدة التي سيبقاها في ذلك الموضع.
وقال بعض العلماء: بل هو عالِم، وهذا محل نظر، فإن المقرر عند العلماء في شرحهم لهذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم غير عالِم، وهذا صحيح؛ لأنه نزل على تخوم الشام لأجل أن الروم أعدت له، فلا يدري أهم قادمون أو غير قادمين؟ وقد بَعَثَ العيون لتأتيه بأخبارهم، فلا يدري أهم قريبون أم بعيدون؟ فقول العلماء رحمة الله عليهم عند بيانهم للحديث: إنه غير عالِم بمدة إقامته بتبوك صحيح، من جهة سياق الحديث ودلالته.
وكذلك أيضاً ما ورد عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من أنهم مكثوا يقصُرون الصلاة مدة طويلة، كـ أنس في فتح أذربيجان، فقد مكث ستة أشهر، وكانوا على الرباط الذي لا يُدرَى متى ينتهي وينقضي.
فالمقصود أنه إذا أقام الإنسان إقامةً حُكْمية أو إقامةً حقيقية فإنه يمسح على خفيه، ويمسح إذا كان مسافراً، وأراد المصنف أن يثبت بهذا القول مشروعية المسح حَضَراً وسفراً.
وللعلماء أقوال في هذه المسألة: فمنهم من يقول: المسح مختص بالسفر، وهو إحدى الروايات عن الإمام مالك رحمة الله عليه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم مسح في السفر، والسفر يناسبه التخفيف، وذلك أن حديث المغيرة في إثبات المسح كان في سفره عليه الصلاة والسلام بغزوة تبوك، فقال أصحاب هذا القول: إن المسح يختص بالسفر.
وقال الجمهور: إن المسح لا يختص بالسفر، بل يشمل السفر والحَضَر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال كما في صحيح مسلم من حديث علي: (يمسح المسافر ثلاثة أيام، والمقيم يوماً وليلة) فدل على أنه مشروع للمسافر ومشروع للمقيم، وهذه دلالة السُّنة القولية، وقد دلت السُّنة الفعلية أيضاً على مشروعية المسح في حال الحَضَر، كما في حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: (إن النبي صلى الله عليه وسلم أتى سباطة قوم فبال قائماً، قال: ثم قال لي: ادنُ، فدنوتُ، ثم قال لي: ادنُ، حتى كنتُ عند عقبيه، قال: فلما فرغ صببتُ عليه وضوءه -حتى قال- ثم مَسَحَ على خُفَّيه) وهذا في الحَضَر، فدل على مشروعية المسح في الحَضَر كما هو مشروع في السفر، وفي حديث صفوان بن عسال المرادي رضي الله عنه في السنن قال: (أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ألاَّ ننزع خفافنا ثلاثة أيام بلياليهن للمسافر، ويوماً وليلة للمقيم) فأثبت مشروعية المسح حضراً وسفراً.
وبناءً على ذلك: يترجح قول الجمهور بأن المسح يُشرع حضراً وسفراً، وعلى هذا: فلا تتقيد رخصته بالسفر كما هو قول من يقول: إنه متقيد بالسفر؛ لأن ورود المسح عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث المغيرة من كونه مسح في السفر لا يقتضي تخصيص الحكم بالسفر؛ لثبوت الحكم الشرعي بالسنة القولية والفعلية.
قال رحمه الله: [ولمسافرٍ ثلاثةً بلياليها] يجوز المسح للمقيم يوماً وليلة، وللمسافر ثلاثة أيام بلياليهن.
وقد اختلف العلماء رحمهم الله في هذه المسألة: هل المسح على الخفين يتأقت أو لا يتأقت؟ ولذلك يُعَنْوِنون لهذه المسألة بقولهم: توقيت المسح على الخفين، ومرادهم إذا مَسَحْت على الخفين وأنت مقيم فهل أنت ملزمٌ بزمان معين أو غير ملزم؟ - فذهب الجمهور إلى أن المسح على الخفين مؤقت، كما ورد في الأحاديث التي سبقت الإشارة إليها: ثلاثةُ أيام للمسافر، ويوم وليلة للمقيم، وحجتهم ما سبق من حديث علي في صحيح مسلم، وحديث صفوان بن عسال المرادي في السنن، قالوا: إنها نصت على أن المسح مؤقت.
- القول الثاني: أن المسح على الخفين غير مؤقت، وهذا هو مذهب المالكية رحمة الله عليهم، وقد احتج المالكية على عدم التأقيت بحديث أبي بن عمارة -وكان ممن صحب النبي صلى الله عليه وسلم- أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن المسح على الخفين: (يوماً؟ قال: يوماً، قال: ويومين؟ قال: ويومين، قال: وثلاثة؟ قال: نعم، وما شئتَ) قالوا: إن هذا الحديث أصل في عدم تأقيت المسح على الخفين، فإذا لبستَ الخفين فامسح ما بدا لك، وينتهي الوقت عند نزعك للخفين، وعند أصحاب هذا القول أن المسح لا يتأقت في السفر ولا في الحَضَر، فالإنسان يمسح مدة لُبسه للخفين.
وأصح القولين في نظري -والله أعلم-: أن المسح يتأقت: أولاً: لصحة دلالة السُّنة على ذلك.
ثانياً: أن حديث أبي بن عمارة ضعيف، قال ابن معين رحمه الله: إسناده مظلم، وضعَّفه البخاري أيضاً، ولذلك لا يعارِض السُّنة الصحيحة التي أثبتت التوقيت في المسح.
فلا بد للإنسان إذا مسح على خفيه أن يلتزم التأقيت الذي صحت به النصوص عن النبي صلى الله عليه وسلم.
العبرة في بداية توقيت المسح على الخفين
قال رحمه الله: [مِن حَدَثٍ بعد لُبسٍ على طاهر] (مِن حَدَثٍٍ) (مِن) للابتداء، فتبدأ الثلاثة الأيام إذا كان الإنسان مسافراً، واليوم والليلة إذا كان الإنسان مقيماً مِن الحَدَث بعد لبسه، صورةُ ذلك: أن الإنسان إذا أراد أن يمسح على خفيه فيجب عليه أن يتوضأ وضوءه للصلاة حتى إذا فرغ من غَسل كلتا الرجلين، فإنه يُشرع له أن يلبس الخفين، فلو غسل إحدى القدمين ولم يغسل الثانية وأدخل الرجل التي غسلها في الخف لم يصح ذلك منه.
والدليل على اشتراط الطهارة: ما ثبت في الحديث الصحيح عن المغيرة رضي الله عنه وأرضاه أنه لَمَّا صب الوضوء على النبي صلى الله عليه وسلم قال: (فأهويت لأنزع خفيه، فقال: دعهما، فإني أدخلتهما طاهرتين) ولا تتحقق الطهارة في (طاهرتين) إلا للرجلين، لأنهما كالعضو الواحد، ولذلك جاز تقديم اليمنى على اليسرى، وأجزأ، وصح ذلك في الوضوء-، ولا يُصْدَق عليهما كونهما طاهرتين إلا إذا تمت طهارتُهما معاً، فلو غسل إحداهما وأدخلها قبل الأخرى لم يَصْدُق عليه أنه طهَّر الرجلين؛ لأن طهارة إحداهما متوقفة على طهارة الأخرى.
وبناءً على ذلك: فلا بد أن يكون قد أتم الوضوء، ويستوي في هذا أن يتوضأ ويلبس الخفين بعد الوضوء مباشرة، أو يتوضأ ويلبس الخفين بعد انتهاء الوضوء ولو بساعات طويلة، مثال ذلك: لو أن إنساناً توضأ عند شروق الشمس وبقي على وضوئه إلى منتصف النهار، ثم لبس الخفين وهو على الوضوء صح له أن يمسح عليهما؛ لأنه لبس الخفين وهو على طهارة، فصَدَق عليه وصف النبي صلى الله عليه وسلم: (دعهما، فإني أدخلتهما طاهرتين) إذا ثبت هذا فعندنا في الخف: أولاً: وقت اللبس.
ثانياً: ثم بعد لُبسه وهو على وضوء يأتي الحدث، وهو أول ناقض للوضوء.
ثالثاً: إذا أحدث فإنه يتوضأ ويأتي المسح، ولذلك اختلفت أقوال العلماء رحمة الله عليهم في المسح على الخفين سواءً كان يوماً وليلة أو ثلاثة أيام: هل يبدأ من بداية الحدث؛ لأنه سبب للكل، أو يبدأ من عند مسحه بعد الحدث؟ فلو فرضنا -مثلاً- أنه أحدث الساعة الثالثة، ثم لم يتوضأ إلا الساعة الرابعة، فيقع مسحه في الساعة الرابعة، فهل العبرة بالحدث الذي هو في الساعة الثالثة، أم العبرة بالمسح بعد الحدث والذي يكون في الساعة الرابعة؟ فقال بعض العلماء: العبرة بالحدث؛ لأنه سبب لما بعده، والأسباب مُنَزَّلة منزلة مسبباتها، وهي المؤثرة في مسبباتها، فيعتبر السبب، وأكدوا هذا بأنه لما أحدث شُرِع له أن يمسح؛ لأنه لما انتقض وضوءه بعد اللبس شُرِع له أن يبتدئ المسح، فكونه يؤخر هذا لا يعنينا، وإنما الذي يعنينا هو وجود الرخصة من الشرع، فقالوا: يبتدئ مِن الحَدَث إلى مثلِه من اليوم القادم، فلو لَبِس الخف الساعة الثانية ظهراً، وأحدث الساعة الثالثة ظهراً، ومسح في أول وضوء الساعة الرابعة، فنقول: العبرة بالساعة الثالثة التي وقع فيها الحدث، ولا نعتبر وقت لُبْسه للخفين، ولا نعتبر وقت مسحه الأول على الخفين، وهذا هو أصح الأقوال؛ لما ذكروه؛ لأن الشرع لما قال: يمسح المسافر ويمسح المقيم، كما في حديث علي رضي الله عنه: (يمسح المسافر ثلاثة أيام، والمقيم يوماً وليلة) شرع أن نستبيح الرخصة بالمسح، واستباحة الرخصة إنما تقع بعد وجود موجب الرخصة وهو الحدث.
ولذلك يترجح هذا القول الذي اختاره المصنف رحمة الله عليه.
- وقال بعض السلف: العبرة باللُّبس، أي: الساعة الثانية.
- ومنهم من قال: العبرة بالمسح؛ لأنه يتم بالمسح العددُ، وهذا مرجوح؛ لأن إتمام المسح بالعدد يكون من المكلف، وجواز المسح من الشارع، واعتبار رخصة الشارع أبلغ من اعتبار ما يكون من المكلف؛ لأن الأحكام الشرعية ترتبط بإذن الشارع، فإذن الشارع: مِن الساعة الثانية -مثلاً- يأذن له أن يتوضأ وأن يمسح، وكونه يؤخر فهذا لا يعنينا، فيُسْقط اعتبارُ المسح ويبقى اعتبارُ موجِبِ المسح أو المؤثر في المسح حقيقةً.
وبناءً على ذلك: قال العلماء: وقت المسح مِن الحَدَث إلى مثلِه، أي: الحَدَث الذي وقع بعد اللبس.
وبناءً على هذا: فلو أنه أحدث الساعة الواحدة ظهراً فيمتد وقت المسح إلى مثلها من الغد، أو إلى مثلها إلى ثلاث، في الأولى: إذا كان مقيماً، وفي الثانية: إذا كان مسافراً.
(بعد لُبس): أي: من الحدث، بعد لُبسه.

شروط الخف
قال رحمه الله: (على طاهرٍ مباحٍ): يشترط في الخف: - أولاً: أن يكون طاهراً.
- ثانياً: أن يكون مباحاً.
أن يكون طاهراً: فلا يمُسح على نجس؛ لأن الخف النجس: أولاً: لا تصح الصلاة به، لما ثبت في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نزع نعليه لَمَّا أخبره جبريل أنهما ليستا بطاهرتين، فدل على أن حذاء المصلي لا بد أن يكون طاهراً، فلا يتأتى أن يمسح على هذا النوع وهو النجس.
ثانياً: أنه بالمسح يتنجس ولا تتحقق طهارة الموضع، فلا بد وأن يكون طاهراً.
وأن يكون مباحاً: أي: يكون ذلك الخف مباحاً، ويخرج بقوله: (مباحاً) ما كان حراماً، وهو كالمغصوب، أو يكون من جلد ميتة غير مدبوغ، أو من جلد ميتة لا يُدْبَغ مثلُه، بأن يكون مِن جلد ما لا يُذَكى، إذا قيل: بأنه لا تؤثر الدباغة فيه، كالسباع مثلاً، على القول بأنها لا تطهر جلودوها بالدباغ، فإن هذا في حكم المحرم؛ لأنه نجس وغير مأذون بالانتفاع به.
وبناء على هذا: فلا بد من تحقق الطهارة وكونه مباحاً.
واختلف العلماء: لو لبس خفاً مغصوباً، أي: أخَذَ خف إنسان ظلماً ثم لبسه وأراد أن يمسح عليه، فهذه المسألة للعلماء فيها وجهان مشهوران مفرَّعان على مسألة أصولية وهي: هل النهي يفيد فساد المنهي عنه أو لا يفيد؟ أو هل النهي يقتضي فساد المنهي عنه؟ وتوضيح ذلك: - أنك إذا قلت: إن الخف المغصوب منهي عنه، والنهي عنه يقتضي فساد الصلاة به وكذلك فعل العبادة به، فيبطل المسح عليه، وهذا قول الحنابلة.
- وقال جمهور العلماء: يصح مسحه ويأثم باللبس.
ففرع المصنف على هذا الأصل، فقال: [على طاهرٍ مباحٍٍ]؛ لأن غير المباح لا يجوز له ولا يصح أن يمسح عليه.
ومذهب الجمهور أنه يصح المسح ويأثم، وهو كالصلاة في الدار المغصوبة، وعلى الأرض المغصوبة، فإنه تصح الصلاة؛ لأنه مأمور بها شرعاً وقد تمت أركانها وشرائط صحتها، ويأثم؛ لأن الجهة منفكة، والقاعدة: أن النهي لا يقتضي الفساد إلا إذا اتحد المحل بأن ينصبَّ إلى الذات -ذات الشيء- أو إلى الوصف اللازم له.
وبناءً على هذا: لا يعتبر مسحه على الخف المغصوب موجباً لعدم صحة وضوئه.
فالصحيح: أنه يأثم بلبس الخف ويصح مسحه.
قال رحمه الله: [ساترٍ للمفروض يَثْبُتُ بنفسه].
(ساترٍٍ) هذا الشرط الثالث: - أن يكون ساتراً للمفروض.
لأن البدل يأخذ حكم المبدل، والمسح بدل عما أمر الله بغسله وهو الرجلان، فوجب أن يستر جميع الرجلين اللتين أمر الله بغسلهما، أي: محل الفرض، فلا بد أن يكون ساتراً من أطراف الأصابع إلى الكعبين، والكعبان داخلان كما قررناه في آية الوضوء.
فلو كان الخف إلى نصف القدم، فإنه لا يجوز أن يمسح عليه؛ لأنه غير ساتر لمحل الفرض، ولو انكشف الكعبان أو انكشفت رءوس الأصابع، فإنه لا يصح أن يمسح عليه؛ لأنه أيضاً غير ساتر لمحل الفرض.
(يثبت بنفسه) هذا الشرط مبني على أنه إذا وردت الرخصة في الشرع فينبغي تقييدها بالوصف الذي ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، فالخفاف التي كانت موجودة ومعروفة تثبت بنفسها، فيخرج ما لا يثبت؛ لأن الذي لا يثبت بنفسه عرضة لأن يكشف محل الفرض، وبناءً عليه: فإنه لا يمُسح عليه ولا يعتبر على صفة الخف الذي هو الأصل أو الذي ورد دليل الشرع باستباحة المسح عليه، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن خفه مشدوداً، ولو كان مما يُشَد أو كان مما ينزل عن الموضع لبَيَّن ذلك، ولكان ظاهراً من الأحاديث التي جاءت بذكر مسحه صلوات الله وسلامه عليه على خفيه.

حكم المسح على الجوربين
قال رحمه الله: [مِن خُفٍّ وجوربٍ صفيقٍ ونحوِهما] (مِن خُفٍّ) أي: سواءً مَسَحَ على خف أو جورب، فيستوي في ذلك أن يكون من الخفاف وهي التي تكون من الجلد، أو الجوارب، والجوارب: جمع جورب، والجورب الأصل فيه أن يكون من القماش؛ ولكن له صورتان: الصورة الأولى: أن يكون من القماش، أي: كله من القماش، كجورب صوف، وجورب قطن، فهذا يعتبر جورباً من القماش الخالص.
الصورة الثانية: أن يكون من القماش المنعَّل، وصورته: أن يكون أعلاه من الصوف، وأسفلُه جلداً، فهذا يسمونه: (الجورب المنعَّل)، فهو من القماش؛ لكن بطانته التي تلي موضع الأرض أو موطئ القدم تعتبر من الجلد، وهو موجود إلى الآن.
أما الجوارب ففيها مسألتان: المسألة الأولى: هل يجوز أن يُمسح على الجوارب كما يُمسح على الخفاف؟ المسألة الثانية: هل ذلك شامل لكل جورب؟
الخلاف في مشروعية المسح على الجورب
أما المسألة الأولى: وهي هل يُمسح على الجورب كما يُمسح على الخف؟ ففيها قولان مشهوران: القول الأول: يُمسح على الجورب كما يُمسح على الخف، وبه قال الإمام أحمد وأهل الحديث.
القول الثاني: أنه لا يُمسح على الجورب، وهو مذهب الجمهور.
فالذين قالوا بمشروعية المسح على الجورب احتجوا بحديثٍ رواه الترمذي وأحمد: (أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح على الجوربين).
والذين قالوا بعدم جواز المسح على الجوربين، وأنه لا يُمسح إلا على الخفاف التي هي من الجلد، احتجوا بأن الأصل: الغَسل أو المسح على الخفين، وأما الجوارب فقالوا: أولاً: لم تصح أحاديثها كأحاديث الخفين.
ثانياً: أنه يحتمل أن قول الصحابي: (على الجوربين) المراد به: الخفاف التي ورد ذكرها في الأحاديث الصحيحة.
هذان وجهان لهم.
والذي يظهر -والله أعلم- جواز المسح على الجوربين: أولاً: لصحة الحديث، فقد صحَّحه غير واحد من أئمة الحديث، منهم الإمام الترمذي والإمام أحمد رحمة الله عليهما.
ثانياً: أن حمل الحديث على الخفين خلاف الظاهر، والمعروف أن إطلاق الجورب له معنى، وإطلاق الخف له معنى، وليس الصحابي بجاهل بدلالة الألفاظ، فإنه عبر بلغة صحيحة، قالوا: إن رواية: (مُنَعَّلَين) تدل على الجلد، ويمكن أن يجاب عنها بأن (المُنَعَّلَين) المراد بها بعض أنواع الجوارب، وهي الجوارب التي لها بطانة من الجلد، فإذا ثبتت رواية: (مُنَعَّلَين) فتحمل على الجلد، مع أنه أجيب: بأنه مسح على الجورب ومعه نعله، فمسح صلى الله عليه وسلم على جورب بنعل، أي: كان النعل موجوداً، فمسح على ظاهر الجورب، والنعل لا يلزم مسحه؛ لأنه من باطن كالخف، فاقتصر على مسح الجورب، فقال الصحابي: (جوربٍ مُنَعَّل) أي: أن قصده أنه مسح مع وجود النعل.
وعلى هذا يصح القول بالمسح على الجوربين.

صفة الجورب الذي يمسح عليه
وإذا ثبت هذا فلا بد في الجورب من أن يكون صفيقاً، وعلى ذلك كلمةُ جماهيرِ مَن يرى المسحَ على الجوربين؛ لأن الجوارب الخفيفة الشفافة هذه لم تكن موجودة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم؛ إنما كانوا يلبسون الجوارب ويمشون بها، ولذلك كانوا يلفون الخرق على أقدامهم، وهذا يدل على ما اعتبره العلماء من اشتراط الصفاقة أي: كونه صفيقاً.
وأيضاً فالنظر يقتضيه، فإن الجورب مُنَزَّل منزلة الخف، والخف صفيق، ولا يمكن للجورب أن يُنَزَّل منزلة الخف إلاَّ بالثخانة والصفاقة.
وعلى هذا: فإنه يصح المسح عليه -كما نص العلماء- إذا كان صفيقاً ثخيناً، فالذي يشف البشرة لا يُمسح عليه؛ لأنه غير معروف على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ومن قال بجوازه بالقياس، أي: يقول: أقيس هذا الشفاف على الجورب الموجود على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فإنه يجاب عنه من وجهين: الوجه الأول: أن القياس على ما هو خارج عن الأصل لا يطَّرِد، ولذلك الأصل: غسل الرجلين، والمسح خلاف الأصل، فلا يطَّرِد القياس على الرخص.
الوجه الثاني: أن المسح على الجورب إذا كان شفافاً لا يُنَزَّل منزلة الثخين؛ لأن الفرق بين الشفاف والثخين ظاهر، ومن شرط صحة القياس: ألاَّ يوجد الفارق بين الأصل والفرع، فالفرع -وهو (الشُّرَّاب) الشفاف- خفيف، والأصل المقيس عليه -وهو الجورب- ثخين، وإنما جاز المسح على الجورب الثخين لمشابهته الخفين، فيُمنع في الخفيف لعدم وجود وصف الأصل، وهو: كونه ثخيناً، وعلى هذا فالذي نص عليه من يقول بمشروعية المسح على الجوربين اشتراط كونه صفيقاً، كما نبَّه عليه غير واحد من الأئمة، منهم الإمام ابن قدامة -رحمة الله عليه- في المغني، وكذلك المتون المشهورة في المذهب: كالإقناع للحجاوي، والمنتهى للنجار، كلهم نصوا على كونه صفيقاً، إخراجاً للشُّرَّاب الخفيف الذي يمكن أن يصف البشرة أو يكون غير صفيق.
(مِن خُفٍّ وجوربٍ صفيقٍ ونحوٍهما).
(وجوربٍ صفيقٍ) كما ذكرنا، أي: ثخين.
(ونحوِهما): أي: نحو الخف أو الجورب الثخين، حتى قالوا: لو وُجِد نعال من الخشب جاز أن يُمسح عليها، فقد يوجد إنسانٌ -مثلاً- يَصْنَع له نعالاً من خشب، فيقولون: لا حرج أن يمسح عليها، المهم أن يكون ساتراً للقدم أي: أن الحكم لا يختص بالجلد ولا بالقماش، فلو صُنِّع الآن نوعٌ من (الشَّراريب) من غير القماش ومن غير الجلد لجاز أن يُمسح عليها؛ لكن بشرط أن تكون في حكم الخفين أو الجوربين.

Thursday, December 22, 2016

من شرح الزاد للشنقيطي

القواعد الخمس المتفق عليها:
الأولى منها: (الأمور بمقاصدها).
والثانية: (اليقين لا يُزال بالشك).
والثالثة: (المشقة تجلب التيسير).
والرابعة: (الضرر يزال).
والخامسة: (العادة محكمة).

الباب: هو المنفذ بين الشيئين يتوصل به أحدهما إلى الآخر، من داخلٍ إلى خارج والعكس، قالوا: سُميت مباحث العلم أبواباً؛ لأن الإنسان يتوصل من خارج وهو: الجهل بها، إلى داخلٍ وهو: العلم بما فيها، فمن قرأ شيئاً من هذه الأبواب فقد أدرك العلم الذي فيها، كمن دخل البيت فإنه يدرك ما فيه، ويرتفق بمنافعه.

وهذه مسألة لطيفة يلغزون بها: وضوء لا ينتقض إلا بالجماع أو بجنابة جديدة؟ وهو وضوء الجنب، واحتجوا له بهذا الحديث، وأشار إليها السيوطي بقوله: قل للفقيه وللمفيد ولكل ذي باع مديد ما قلت في متوضئ قد جاء بالأمر السديد لا ينقضون وضوءه مهما تغوط أو يزيد يعني: لا ينقضه بول ولا غائط، فتقول: هو وضوء الجنب.

Monday, December 12, 2016

حكم انتقال المرأة من بيت زوجها في عدة الوفاة

حكم انتقال المرأة من بيت زوجها في عدة الوفاة

السؤال
  امرأة مات زوجها وهي في عدة الحمل، وتريد الخروج من بيت زوجها لمرضها، ولعدم وجود من يرعاها، مع العلم بأنه قد توفي لها مولودان من قبل، فهل يجوز خروجها إلى بيت أحد محارمها؟

الجواب
  أولاً أهنئ هذه المرأة؛ لما ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه: (جاءت امرأة فقالت: يا رسول الله: ذهب الرجال بحديثك، فاجعل لنا يوماً، فجعل لهن يوماً صلوات الله وسلامه عليه، فلما اجتمعن قال: ما منكن من امرأة تقدم بين يديها ثلاثة إلا كانوا لها حجاباً من النار، فقالت امرأة: واثنين يا رسول الله؟ فسكت، فقالت: واثنين يا رسول الله؟ قال: واثنين واثنين واثنين) فأسأل الله أن يجعل ما قدمته هذه المرأة حجاباً لها من النار.
أما الأمر الثاني: فأوصيها أن تحتسب الأجر في طاعة الله جل وعلا بلزوم بيت الزوج، فقد قال صلى الله عليه وسلم لـ فريعة بنت مالك بن سنان رضي الله عنها لما سألته عن حدادها: (امكثي في بيت زوجك الذي جاءك فيه نعيه حتى يبلغ الكتاب أجله).
فالمرأة تمكث في بيت الزوج في الحداد، فإن كانت مريضة يستدعى لها من يعالجها، فإن تعذر ذلك خرجت للعلاج ولا حرج عليها ثم ترجع؛ لأن ما جاز لحاجة يقدر بقدرها، فلذلك تمكث هذه المرأة في بيت زوجها حتى يبلغ الكتاب أجله، ولله الحكمة البالغة في هذا الحداد، فإن المرأة إذا مكثت في بيت زوجها تذكرته فترحمت عليه، ودعت له، واستغفرت له، وكان ذلك أدعى لسماحها عن أخطائه، وما كان منه من تقصير.
فمقصود الشرع من بقائها في هذا المكان أن يكون أدعى لترحمها، وهو حق الأزواج على أزواجهن، فكون كثير من النساء يتساهلن في هذا الحق، ويحرصن على الخروج هو خلاف السنة، وخلاف الهدي، فينبغي الحرص على هذا الأمر الذي شرعه الله تبارك وتعالى.
وأما إذا بلغ بالمرأة مقام الاضطرار، كأن تكون في مكان لا تأمن فيه أن تؤذى من الناس في عرضها، أو تقتل، أو يحصل لها ضرر في نفسها، أو أولادها فيجوز لها أن تتحول، واختلف العلماء في تحولها، فقال بعض العلماء: تتحول إلى أقرب مكان من قرابتها، وقال بعض العلماء: إذا إذن لها بالتحول ساغ لها أن تتحول لبيت بعيد مع وجود القريب، والله تعالى أعلم.
الإجابة من الشيخ محمد المختار الشنقيطي في أسئلة شرح زاد المستقنع