حكم تركيب اللولب المانع
للحمل والإفرازات التي تكون بسببه
السؤال
امرأة كانت عادتها سبعة أيام حيض، ثم قامت
بتركيب شيء اسمه (لولب) لمنع الحمل، فصار ينزل قبل عادتها المعتادة إفرازات لمدة
أربعة أيام، ثم سبعة أيام حيض، ثم بعدها أربعة أيام إفرازات، فهل هذه المدة كلها
تعتبر حيضاً، أفتونا مأجورين؟
الجواب[1]
هذا السؤال فيه مسألتان: المسألة الأولى:
اللولب؛ وهو عازل يوضع في الموضع من أجل ألا تحمل المرأة، هل يجوز وضعه، أو لا
يجوز؟ الحقيقة أن هذه المسألة نظرت فيها إلى أقوال المجوزين، والعلل الطبية
والشرعية التي يتذرع بها لوضع هذا الشيء، فلم أجد عذراً شرعياً يبيح وضع هذا
الشيء؛ ولذلك: الذي يظهر ويتبين أنه لا يجوز وضعه، وذلك لأمور:
أولاً: لما فيه من
استباحة النظر إلى الفرج دون وجود ضرورة.
ثانياً: أن فيه لمساً للفرج
دون وجود ضرورة.
ثالثاً: أن فيه إيلاجاً في
الفرج، وتكرار للإيلاج ونظر، خاصةً إذا كان من الرجل فهو أشد وأشنع وأعظم.
فهذه الثلاثة الأمور
محظورة، حتى لو كان الواضع له طبيبة، فلا يجوز لها أن يحصل منها الإيلاج، أو النظر
إلى عضو المرأة أو استباحة وضع العازل فيه.
هذه الثلاثة محاذير شرعية،
ولم أجد مبرراً شرعياً يجيز وضع اللولب حسب علمي وحسب ما نظرت من أقوال الأطباء،
وأقوال من يجيز، فلم أر وجهاً شرعياً لوضعه.
أضف إلى هذا تكرار الكشف،
والأدهى والأمر أنه يربك عادة المرأة، فلا يستقيم لها أمر، فبمجرد ما تضعه يختلط
عليها حيضها، فيتقدم ويتأخر، ويختلط عليها دمها، وقد تلتبس عليها صلاتها وعبادتها
بسبب وضعها لمثل هذا، مثل ما ذكرت السائلة، وهذا أهون ما يكون، وإلا فقد مرت عليَّ
قضايا من أعجب القضايا في حصول الإرباك للعادة بسبب هذا الأمر، وما ينشأ منه من
الأمور التي لا تحمد عقباها؛ ولذلك الذي يظهر عدم جواز وضعه.
وأما العذر الذي يتذرع به
كخوف حمل المرأة، فإما أن يكون هذا بسبب خوف الضرر مثل أن يكون عندها أمراض أو
أعراض فهذه علاجها العزل، أن يعزل الرجل عنها، أو وضع الكيس الذي يمنع القذف في
الموضع، وأما بالنسبة لقضية وضع اللولب فالقاعدة عند العلماء: (أنه لا يحكم
بالحاجة مع وجود البديل)، وهذا أصل عند أهل العلم، فإن العازل الذي يوضع أخف
محظوراً وأخف ضرراً من وضع اللولب.
النقطة الأخيرة التي أنبه
عليها في هذا الأمر، وهي: مسألة الإفرازات السابقة واللاحقة لأمد العادة، فهذه لا
تعتبر من العادة؛ لما ثبت في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال
في حديث عائشة رضي الله عنها في قصة فاطمة: (لتنظر الأيام التي كانت تحيض فيهن قبل
أن يصيبها الذي أصابها)، فترجع إلى عادتها، وتحكم بكونها حائضاً على قدر تلك
الأيام.
والله تعالى أعلم.
حكم استعمال اللولب
السؤال
ذكرتم في الدرس الماضي أن استعمال ما يسمى
باللولب غير جائز، فهل يعني أنه محرم؟ وماذا تفعل المرأة التي اضطرت إلى تركيبه؛
نظراً لعدم قدرتها على الحمل بكثرة، وهل يلزم عليها إخراجه؟
الجواب[2]
اللولب لا يجوز، وقد بحثت جميع المبررات التي
ذكرت له فلم أر مسوغاً لوضعه.
أولاً: فيه استباحة النظر
إلى الفرج، وقد يكون الطبيب رجلاً، وهذا معلوم أن الأصل حرمته.
ثانياً: فيه استباحة
الإيلاج في الموضع، ويتكرر ذلك مرات وكرات؛ أولاً: لوضعه، ثم للكشف عليه، وتهيئة
وضعه ومناسبته للمكان، وكل ذلك يحصل فيه الإيلاج الذي حرم الله عز وجل، فأصبح فيه
النظر، وأصبح فيه الإيلاج، مع ما فيه من مفاسد على الموضع، ومفاسد على العادة،
فقلّ أن تضعه امرأة -بشهادة أهل الخبرة والأطباء والحس والتجربة- إلا اختلت
عادتها، واضطرب عليها حيضها، وأصبح عندها ارتباك حتى تلتبس عليها صلاتها، ويلتبس
عليها صيامها، وفيه من المفاسد أنه يمنع النسل، ويحول بين النسل الذي هو مقصود
الزواج؛ قال صلى الله عليه وسلم: (تناكحوا تناسلوا تكاثروا، فإني مفاخر بكم الأمم
يوم القيامة) فمقصود الشرع: التناسل والتكاثر.
والحقيقة أن كثيراً من
النساء -أصلحهن الله- لا يرغبن في الحمل إلا من رحم الله، وهذا لا شك أنه مخالف
للشرع، وفيه تفويت لكثير من المصالح الشرعية، وعلى المرأة أن تتوكل على الله، وأن
تحسن اليقين بالله، وقد كان النساء إلى عهد قريب من الزمان تلد المرأة أربعة عشر
ولداً وفيهم البركة وفيهم الخير، وهي من أحسن ما يكون وما وقع لها شيء، واليوم تجد
المرأة بمجرد ما تضع الابن والبنت إذا بها لا تريد الحمل، وتختلق المبررات والأسباب
لكي تقطع الحمل، وهذا من محق البركة، نسأل الله السلامة والعافية.
يذكرون عن طبيب هندي وثني
أنه جاءه رجل مسلم وقال له: أريد أن تربط لزوجتي، فقال له: لماذا؟ قال له: لا أريد
النسل، الذي عندي يكفي، فبكى الطبيب، فسأله: ما الذي يبكيك؟ قال له: كان لي أربعة
من الولد، ثم لما أنجبت زوجتي الأربعة قالت: لا أريد الحمل، الأربعة يكفون، فعملت
العملية لها، ثم شاء الله أن الأربعة ذهبوا في حادث واحد، وبقي هو وامرأته، لا
تنجب ولا يستطيع أن ينجب منها.
فالإنسان إذا حمد نعمة الله
بارك الله له فيها، وإذا كفر نعمة الله عز وجل محق الله بركته، وأي بركة في الزواج
أعظم من أن تخلف وراءك، وما يدريك أن هؤلاء الأبكار الذين جاءوك قد يكون لا خير
فيهم، وقد تكون ذرية غير صالحة، وأن الخير يكون لك في آخر ولد، وقد أمر النبي صلى
الله عليه وسلم بلعق اليد ولعق الإناء وقال: (إنك لا تدري في أي طعامك البركة)،
فقد تكون آخر لقمة من الطعام هي التي فيها البركة، وقد يكون آخر ابن أو آخر بنت
تنجبها هي التي فيها البركة.
ونسأل الله العظيم أن يرزقنا السداد والصواب، وآخر
دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
باب الحيض [1] - باب الحيض [2]
الشيخ محمد المختار الشنقيطي - شرح زاد المستقنع