وأوصى بعض الحكماء ولده فقال: يا بني، كن
كريم القدرة إذا قدرت، شريف الهمّة إذا ظفرت، صبورا إذا امتحنت؛ لا تردنّ حوض لئيم
لظمئك ، ولا تأتينّ دنيّة لضيق حالك، واستجلب النّعم
بالشّكر، واستدفع البلاء بالصبر.
وقال بعض الصالحين: إنّي لأصاب بالمصيبة
فأشكر الله تعالى عليها أربع مرار: شكرا إذ لم تكن أعظم مما هي، وشكرا إذ رزقني
الصّبر عليها، وشكرا لما أرجوه من زوالها، وشكرا إذ لم تكن في ديني.
وقال بعض الحكماء: إنّ عندنا من نعم الله ما
لا نحصيه مع كثرة ما نعصيه، فما ندري ما نشكر له: جميل ما نشر، أم قبيح ما ستر، أم
عظيم ما أبلى، أم كثير ما أعفى؟
يا ابن أخي، إذا نزل بك أمر فلا تشكه إلى مخلوق مثلك؛ فإنّه ما يقدر أن يدفع عن نفسه
مثل الّذي نزل بك، بل اشكه إلى الذي
ابتلاك به، فهو يقدر على دفعه عنك، واعلم أنك تشكو إلى أحد رجلين: إمّا عدوّ
فتسرّه، أو صديق فتسوءه، يا ابن أخي، أما ترى عيني هذه قد ذهبت مذ أربعين سنة ما
أعلمت بها زوجتي ولا أهلي ولا ولدي، وشكري
لله بعد ذهابها يزيد على أيام سلامتها، لأنّه أدّبني تأديبا انتفعت به من حيث لم
يكشفه لغيري، ولا أوقف شيئا من أمري.
ولأبي إسحاق هلال الصابئ ابتداء رسالة: أمّا بعد، فإنّ لله قضايا نافذة
وأقدارا ماضية فيهنّ النّعم السّوابغ والنّقم الدّوامغ، فأمّا النّعم فإنه يؤتيها
عباده أجمعين بادئة، ثمّ يجزي بها الشّاكرين عائدة؛ وأمّا النّقم فلا تقع سلفا
وابتداء لكن قصاصا وجزاء بعد إمهال وإنظار، وتحذير وإنذار؛ وإذا حلّت بالقوم
الظّالمين فقد طوي في إثباتها صنع لآخرين معتبرين.
وقال عليّ بن الجهم:
سهّل على نفسك الأمورا … وكن على مرّها صبورا
وإن ألمّت صروف دهر … فاستعن الواحد القديرا
فكم رأينا أخا هموم … أعقب من بعدها سرورا
وربّ عسر أتى بيسر … فصار معسوره يسيرا
عثمان بن عفان رضي الله عنه:
خليليّ لا والله ما من ملمّة … تدوم على حيّ وإن هي جلّت
فإن نزلت يوما فلا تخضعن لها … ولا تكثر الشّكوى إذا النّعل زلّت
الشافعي
ولمّا قسا قلبي وضاقت مذاهبي … جعلت الرّجا منّي لعفوك سلّما
تعاظمني ذنبي فلمّا قرنته … بعفوك ربّي كان عفوك أعظما
==============================
سأصبر للزّمان وإن رماني … بأحداث تضيق لها الصّدور
وأعلم أنّ بعد العسر يسرا … يدور به القضاء ويستدير
No comments:
Post a Comment