RAMADAN

Monday, October 14, 2024

من شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية 2

 

شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية

المؤلف: أبو عبد الله محمد بن عبد الباقي بن يوسف بن أحمد بن شهاب الدين بن محمد الزرقاني المالكي (ت ١١٢٢هـ)


يوم مؤتة وأمور أخرى

وخرج" صلى الله عليه وسلم "مشيعا لهم حتى بلغ ثنية الوداع" بفتح الواو. سميت بذلك لتوديع المصطفى هذه السرية عندها، أو لأن المسافر كان يودع عندها قديما، وصححه عياض "فوقف وودعهم" وهذا أصل في الخروج مع المسافر إلى خارج البلد.

وروى الواقدي عن زيد بن أرقم رفعه: "أوصيكم بتقوى الله وبمن معكم من المسلمين خيرا اغزوا بسم الله في سبيل الله من كفر بالله، لا تغدروا ولا تغلوا ولا تقتلوا وليدا ولا امرأة ولا كبيرا فانيا ولا منعزلا بصومعة ولا تقربوا نخلا ولا تقطعوا شجرا ولا تهدموا بناء"

 

وعند ابن إسحاق من مرسل عروة، ودع الناس الأمراء فلما ودع ابن رواحة بكى، فقالوا: ما يبكيك؟ فقال: أما والله ما بي حب الدنيا ولا صبابة بكم ولكني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ آية

{وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا} ، فلست أدري كيف لي بالصدر بعد الورود، قال: "فلما ساروا نادى المسلمون دفع الله عنكم وردكم صالحين غانمين، فقال عبد الله بن رواحة":

"لكنني أسأل الرحمن مغفرة … وضربة ذات فرغ تقذف الزبدا"

أو طعنة بيدي حران مجهزة … بحربة تنقذ الحشاء والكبدا

حتى يقال إذا مروا على جدثي … يا أرشد الله من غاز وقد رشدا

وذات فرغ بفتح الفاء وسكون الراء وغين معجمة، أي واسعة يسيل دمها كما في العيون، والزبد فتح الزاي والموحدة وبمهملة رغوة الدم.

قال ابن إسحاق وأتى ابن رواحة رسول الله فودعه، ثم قال:

فثبت الله ما آتاك من حسن … تثبيت موسى ونصر كالذي نصروا

إني تفرست فيك الخير نافلة … فراسة خالفت فيك الذي نظروا

أنت الرسول فمن يحرم نوافله … والوجه منه فقد أزرى به القدر

وروى غيره أنه صلى الله عليه وسلم قال له: قل شعرا تقتضبه اقتضابا وأنا أنظر إليك من غير روية، فقال: إني تفرست الأبيات حتى انتهى إلى قوله: فثبت الله. قال صلى الله عليه وسلم: "وأنت فثبتك الله يابن رواحة"

يا حبذا الجنة واقترابها … طيبة وباردا شرابها

والروم روم قد دنا عذابها … كافرة بعيدة أنسابها

علي إذ لاقيتها ضرابها

"قالوا: ثم أخذ اللواء عبد الله بن رواحة، فقاتل حتى قتل" قال ابن إسحاق: حدثني يحيى بن عباد عن أبيه قال: حدثني أبي الذي أرضعني أحد بني مرة بن عوف، فلما قتل جعفر أخذ عبد الله بن رواحة الراية، ثم تقدم بها وهو على فرسه، فجعل يستنزل نفسه ويتردد بعض التردد. ثم قال:

أقسمت يا نفس لتنزلنه … لتنزلن أو لتكرهنه

أن أجلب الناس وشدوا الرنه … ما لي أراك تكرهين الجنه

قد طالما قد كنت مطمئنه … هل أنت إلا نطفة في شنه

وقال:

يا نفس ألا تقتلي تموتي … هذا حمام الموت قد صليت

وما تمنيت قد أعطيتي … أن تفعلي فعلهما هديت

يريد صاحبيه زيدا وجعفرا

 

كعب بن زهير خرج حتى قدم المدينة، فنزل على رجل كانت بينه وبينه معرفة من جهينة، فغدا به إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال: هذا رسول الله فقم إليه واستأمنه، فقام حتى جلس رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فوضع يده فى يده- وكان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لا يعرفه- فقال: يا رسول الله، إن كعب بن زهير قد جاء ليستأمنك تائبا مسلما فهل أنت قابل منه إن أنا جئتك به؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم-: (نعم) قال: أنا يا رسول الله كعب بن زهير. قال ابن إسحاق: فحدثنى عاصم بن عمر بن قتادة: أنه وثب عليه رجل من الأنصار وقال: يا رسول الله دعنى وعدو الله أضرب عنقه. فقال صلى الله عليه وسلم-: «دعه عنك فقد جاء تائبا نازعا» «1» . قال: فغضب كعب على هذا الحى من الأنصار لما صنع صاحبهم، وذلك أنه لم يتكلم فيه رجل من المهاجرين إلا بخير. ثم قال قصيدته اللامية التى أولها:

 بانت سعاد فقلبى اليوم متبول … متيم إثرها لم يفد مكبول

ومر الناظم في غرضه من الغزل في سعاد، ثم في وصف الإبل الموصلة إليها، وقطعها للأراضي الصعبة في ثلاثة وثلاثين بيتا، ثم ذكر الأرجاف به وبعد أصدقائه عنه في قوله

 

تمشي الوشاة بجنبيها وقولهم … إنك يا ابن أبي سلمى لمقتول

وقال: كل صديق كنت آمله … لا ألهينك أنى عنك مشغول

فقلت: خلوا سبيلي لا أبا لكم … فكل ما قدر الرحمن مفعول

كل ابن أنثى وإن طالت سلامته … يوما على آلة حدباء محمول

 ومنها:

 أنبئت أن رسول الله أوعدنى … والعفو عند رسول الله مأمول

 مهلا هداك الذى أعطاك نافلة ال … قرآن ولو كثرت فى الأقاويل

وبعده هذا البيت تسعة أبيات في خوفه منه عليه السلام، وأنه أخوف عنده من ضيغم يفترس وتنفر منه الوحوش، وحاصلها الاعتذار، فأسقطها المصنف؛ لأن غرضه إنما تعلق بمدحه صلى الله عليه وسلم صريحا

إن الرسول لنور يستضاء به … مهند من سيوف الله مسلول

 فى عصبة من قريش قال قائلهم … ببطن مكة لما أسلموا زولوا

 يمشون مشى الجمال الزهر يعصمهم … ضرب إذا عرد السود التنابيل

وفى رواية أبى بكر بن الأنبارى أنه لما وصل إلى قوله: إن الرسول لنور يستضاء به … مهند من سيوف الله مسلول رمى- عليه الصلاة والسلام- إليه بردة كانت عليه. وأن معاوية بذل فيها عشرة آلاف فقال: ما كنت لأوثر بثوب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أحدا، فلما مات كعب بعث معاوية إلى ورثته بعشرين ألفا فأخذها منهم

قال ابن إسحاق: قال عاصم بن عمر بن قتادة: فلما قال كعب: «إذا عرد السود التنابيل» وإنما عنى معشر الأنصار، لما كان صاحبهم صنع به، وخص المهاجرين بمدحته فغضب عليه الأنصار، فقال بعد أن أسلم- يمدح الأنصار- قصيدته التى يقول فيها:

من سره كرم الحياة فلا يزل … فى مقنب من صالحى الأنصار

ورثوا المكارم كابرا عن كابر … إن الخيارهم بنو الأخيار

المكرهين السمهرى بأدرع … كسوالف الهندى غير قصار

والناظرين بأعين محمرة … كالجمر غير كليلة الأبصار

والبائعين نفوسهم لنبيهم … للموت يوم تعانق وكرار

قوم إذا خوت النجوم فإنهم … للطارقين النازلين مقارى

وقد كان كعب بن زهير من فحول الشعراء، وأبوه وابنه عقبة وابن ابنه العوام بن عقبة

 

قال ابن عبد البر من جيد شعر كعب:

لو كنت أعجب من شيء لأعجبني … سعي الفتى وهو مخبوء له القدر

يسعى الفتى لأمور ليس يدركها … فالنفس واجدة والهم منتشر

والمرء ما عاش ممدود له أمل … لا تنتهي العين حتى ينتهي الأثر

 

قال السهيلي: ومن جيده قوله يمدحه صلى الله عليه وسلم:

تخدي به الناقة الأدماء معتجرا … بالبرد كالبدر جلي ليلة الظلم

ففي عطافيه أو أثناء بردته … ما يعلم الله من دين ومن كرم

 

اتفق أهل الأدب على أن أصدق بيت قالته العرب قول أبي إياس الدؤلي:

فما حملت من ناقة فوق رحلها … أبر وأوفى ذمة من محمد

 

فأصبح صلى الله عليه وسلم عروسا" بوزن فعول نعت يستوي فيه الرجل والمرأة ما دام في تعريسهما أياما، وجمعه عرس بضمتين، وجمعها عرائس، كما قاله الخليل وغيره.

قال العيني: وقول العوام للذكر عريس، والأنثى عروسة لا أصل له لغة، "فقال

"جملة من عقد عليهن ثلاثا وعشرين امرأة، دخل ببعضهن دون بعض، ومات منهن عنده بعد الدخول: خديجة وزينب بنت خزيمة" أم المساكين، "ومات منهن قبل الدخول اثنتان: أخت دحية و" خولة "بنت الهذيل باتفاق، واختلف في ملكية وسنى هل ماتتا أو طلقهما، مع الاتفاق على أنه صلى الله عليه وسلم لم يدخل بهما، وفارق بعد الدخول باتفاق" ممن قال أنه تزوج فاطمة "بنت الضحاك" فلا يشكل بقول الذهبي، يقال إنه تزوجها، وليس بشيء إن سلم له ذلك، وإلا فالمنازعة إنما هي في كونها اختارت الدنيا، لا في أنه تزوجها وطلقها، "وبنت ظبيان" أي باتفاق من قال إنه بنى بها، وإلا فقد قيل لم يدخل بها كما مر، "وقبله باتفاق عمره" الجونية، "وأسماء" بنت النعمان الجونية، "والغفارية" ومن هنا علم أن المراد بعدم الدخول عدم الوطء، لا مجرد الخلوة وإرخاء الستر؛ لأن من هؤلاء من اختلى بها، ثم فارقها بلا وطء.

"واختلف في أم شريك هل دخل بها؟ مع الاتفاق على الفرقة والمستقيلة التي جهل حالها، فالمفارقات باتفاق سبع، واثنتان على خلف، والمتات في حياته باتفاق أربع، ومات صلى الله عليه وسلم عن عشر" التسع المشهورة و"واحدة لم يدخل بها" هي أخت الأشعث قتيلة بنت  قيس، وهذا كله ذكره المصنف زيادة إيضاح، "

 

 

وكتب- صلى الله عليه وسلم- إلى المقوقس ملك مصر والإسكندرية واسمه جريح بن مينا  .

(بسم الله الرحمن الرحيم. من محمد عبد الله ورسوله، إلى المقوقس عظيم القبط، سلام على من اتبع الهدى، أما بعد: فإنى أدعوك بدعاية الإسلام، أسلم تسلم، يؤتك الله أجرك مرتين، فإن توليت فعليك إثم القبط، يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ «3» .

وبعث به مع حاطب بن أبى بلتعة، فتوجه إليه إلى مصر، فوجده بالإسكندرية، فذهب إليها، فرآه فى مجلس مشرف على البحر، فركب سفينة إليه وحاذى مجلسه وأشار بالكتاب إليه، فلما رآه أمر بإحضاره بين يديه، فلما جىء به إليه، ووقف بين يديه، ونظر إلى الكتاب فضه وقرأه، وقال لحاطب: ما منعه إن كان نبيّا أن يدعو على فيسلط على؟ فقال له حاطب:

وما منع عيسى أن يدعو على من خالفه أن يسلط عليه؟ فاستعاد منه الكلام مرتين ثم سكت، فقال له حاطب: إنه كان قبلك رجل يزعم أنه الرب الأعلى، فأخذه الله نكال الآخرة والأولى. فانتقم به ثم انتقم منه، فاعتبر بغيرك، ولا يعتبر غيرك بك

 

من أذن لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان منهم من يرجع الأذان ويثنى الإقامة، وبلال لا يرجع ويفرد الإقامة، فأخذ الشافعى بإقامة بلال، وأهل مكة أخذوا بأذان أبى محذورة وإقامة بلال. وأخذ أبو حنيفة وأهل العراق بأذان بلال وإقامة أبى محذورة، وأخذ أحمد وأهل المدينة بأذان بلال وإقامته، وخالفهم مالك فى موضعين: إعادة التكبير وتثنية لفظ الإقامة

وكان منهم" أي: بعضهم، وهي فائدة الاستطرادية، أو نشأت عن سؤال هو معلوم اختلاف المذاهب في الأذان والإقامة، فما كان يفعله مؤذنوا المصطفى الذين ذكرتهم، فأجاب بأنه كان منهم "من يرجِّع الأذان، ويثنِّي الإقامة"، وهو أبو محذورة، "وبلال لا يرجِّع، ويفرد الإقامة"، أي: كلماتها إلا لفظ قد قامت الصلاة، بدليل قوله: "فأخذ الشافعي بإقامة بلال"؛ لأنه -صلى الله عليه وسلم- سمعه وأقرَّه، فليس استدلالًا بفعل الصحابي، والشافعي لا يقول به لا بأذانه بل بأذان أبي محذورة، "وأهل مكة أخذوا بأذان أبي محذورة" وهو ترجيع الأذان وتثنية الإقامة، "وإقامة بلال"، وهذا تطويل بلا طائل، فلو قال: وأخذ الشافعي وأهل مكة بأذان أبي محذورة، وإقامة بلال لدفع ما يوهمه لفظه، "وأخذ أبو حنيفة وأهل العراق بأذان بلال وإقامة أبي محذورة"، فقالوا: بترجيع الأذان وتثنية الإقامة، "وأخذ أحمد وأهل المدينة بأذان بلال وإقامته، وخالفهم مالك في موضعين: إعادة التكبير"، أي: تربيعه، فقال: بعدمها "وتثنية لفظ الإقامة"، فقال بإفرادها عملًا بقوله -صلى الله عليه وسلم: "الأذان والإقامة واحدة"، رواه ابن حبان.

وروى الدارقطني وحسَّنه في حديث لأبي محذورة، وأمر أن يقيم واحدة واحدة، ثم المصنف في عهدة أنه خالف أهل المدينة، كما زعمه كابن القيم، فمالك بعملهم أدرى، ونصب الجدل يطول، وقد علم مما قررته أن إعادة بدل من موضعين بيان للمفعول في خالفهم، فهو بيان للمخالف اسم مفعول لا اسم فاعل، لأن الأولى بالذكر من القولين ما نسب لمن خالفه من جعل فاعلًا

 

الشكر عند الرخاء، والصبر عند البلاء، والرضا بمر القضاء، والصدق فى مواطن اللقاء، وترك الشماتة بالأعداء

عن زهير بن صرد الجشمي يقول: لما أسرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم حنين -يوم هوازن، وذهب يفرّق السبي والشاء، أتيته فأنشأت أقول:

امنن علينا رسول الله في كرم … فإنك المرء نرجوه وندخر

امنن على بيضة قد عاقها قدر … مشت شملها في دهرها غير

أبقت لنا الدهر هتافًا على حزن … على قلوبهم الغماء والغمر

إن لم تداركهم نعماء تنشرها … يا أرجح الناس حلمًا حين تختبر

امنن على نسوة قد كنت ترضعها … إذا فوك يملؤه من مخضها الدرر

إذ أنت طفل صغير كنت ترضعها … وإذ يزينك ما تأتي وما تذر

لا تجعلنا كمن شالت نعامته … واستبق منا فإنا معشر زهر

إنا لنشكر للنعماء إذ كفرت … وعندنا بعد هذا اليوم مدخر

فألبس العفو من قد كنت ترضعه … من أمهاتك إن العفو مشتهر

يا خير من مرحت كُمْت الجياد به … عند الهياج إذا ما استوقد الشرر

إنا نؤمل عفوًا منك تلبسه … هادي البرية إذ تعفو وتنتصر

فاعفوا عفا الله عمّا أنت راهبه … يوم القيامة إذ يهدي لك الظفر

 

(بأبي و أمي أنت يا رسول الله صلى الله عليك وسلم)

No comments: