RAMADAN

Saturday, January 27, 2024

من كتاب الزخائر والعبقريات 3 تأليف عبد الرحمن بن عبد الرحمن بن سيد بن أحمد البرقوقي الأديب المصري


يقول مسكين الدارمي - وهو شاعر شجاعٌ من أهل العراق كان في زمن معاوية بن أبي سفيان -:

إنْ أُدْعَ مِسْكيناً فما قَصَرَتْ ... قِدْرِي بيُوتُ الحَيِّ والجُدْرُ

ما مَسَّ رَحْلي العَنْكبوتُ ولا ... جَدَياتُه مِنْ وَضْعِه غُبْرُ

لا آخُذُ الصِّبْيانَ أَلْثَمُهُمْ ... والأمرُ قد يُغْزَى به الأمْرُ

ولَرُبَّ أمْرٍ قد تَرَكتُ وما ... بيني وبين لِقائِه سِتْرُ

لا يَرْهبُ الجيرانُ غَدْرَتَنا ... حتّى يُوارِيَ ذِكْرَنا القبْرُ

لَسْنا كأقوامٍ إذا كَلَحَتْ ... إحْدى السِّنينَ فجارُهُمْ تَمْرُ

مولاهُمُ لَحْمٌ على وَضَمٍ ... تنْتابهُ العِقْبانُ والنَّسْرُ

نارِي ونارُ الجارِ واحدةٌ ... وإليه قَبْلي تُنْزَلُ القِدْرُ

ما ضَرّ جارِيَ إذْ أُجاوِرُهُ ... أنْ لا يكونَ لبَيْتِه سِتْرُ

أَعْشَى إذا ما جارَتي خَرَجتْ ... حتى يُوارِيَ جارَتي الخِدْرُ

ويَصَمُّ عمَّا كانَ بينَهما ... سَمْعي وما بي غيْرَهُ وَقْر

قال حاتم الطائي وهو سيّد الأجواد بالطعام:

أُضاحِكُ ضَيْفي قبلَ إنْزالِ رَحْلِه ... ويُخْصِبُ عندي والمَحَلُّ جَديبُ

وما الخِصْبُ لِلأضيافِ أنْ يَكْثُرَ القِرَى ... ولكنّما وَجْهُ الكريمِ خَصِيبُ

 

قال الفاروق رضي الله عنه: لا تستعن على حاجتك إلا بمن يحبُّ نجاحَها لك

قال رجل لآخر: لو أنا متُّ ما كنتَ تفعل؟ قال: كنت أكفِّنك وأدْفِنك، قال: فاكسُني الساعةَ بما تكفِّنني به، وإذا متُّ فادفِنّي عُرياناً

 

وقال ابن الرومي:

يا مَن إذا التعريضُ صَافَحَ نَفْسَهُ ... أغْنَى العُفَاةَ بهِ عَنِ التَّصريحِ

وقال المتنبّي:

أُقِلّ سلامِي حُبَّ ما خَفَّ عنكُمُ ... وأَسْكُتُ كيما لا يكونَ جوابُ

وفي النَّفسِ حاجاتٌ وفيكَ فَطانةٌ ... سُكوتي بيانٌ عندها وخِطابُ

وقال أبو بكر الخوارزمي:

وإذا طلبتَ إلى كريمٍ حاجةً ... فلِقاؤُهُ يَكْفيكَ والتّسليمُ

فإذا رآكَ مُسَلِّماً عَرَف الذي ... حَمَّلْتَهُ فكأنَّه مَلزومُ

 

طلب الكثير والرضا بالقليل

قال أعرابيٌّ لخالد بن عبد الله من أبيات:

أخالِدُ بينَ الحمدِ والأجرِ حاجَتي ... فأيُّهما تأتي فأنْتَ عمادُ

فقال له خالد: سَلْ ما بدا لك، فقال: مائةُ ألف درهم، قال: أسرفت، قال: ألفُ درهم، قال خالد: ما أدري أمِنْ إسْرافك أتعجب أمْ مِنْ حَطِّك، فقال: إنّي سألتك على قدرك، فلمّا أبيتَ سألتُ على قدري، فقال: إذن واللهِ لا تَغلِبَني على معروفي.

 

 

قال شُرَيْح:

خُذِي العفْوَ مِنِّي تستديمي مودّتي ... ولا تَنطِقي في سَوْرَتي حين أغْضَبُ

فإني رأيتُ الحُبَّ في الصَّدْرِ والأذى ... إذا اجْتَمَعا لم يَلْبَثِ الحبُّ يَذْهَبُ

وقال الحطيئة:

ولَسْتُ أرَى السَّعادةَ جَمْعَ مالٍ … ولكن التَّقِيَّ هو السعيدُ

وتقوى اللهِ خَيْرُ الزَّادِ ذُخْراً … وعندَ اللهِ للأتقَى مَزيدُ

وما لا بُدَّ أن يأتي: قريبٌ … ولكنَّ الذي يَمضي بَعيدُ

وقال أبو نواس:

أخِي ما بالُ قلبِكَ ليسَ يَنْقَى … كأنّكَ لا تَظُنُّ المَوتَ حَقَّا

ألا يا ابْنَ الذين فَنوا وبادُوا … أمَا واللهِ ما ذَهبوا لتَبْقى

وما أحدٌ بزادِك منك أحْظى … وما أحدٌ بزادِك منك أشْقى

ولا لك غيرَ تَقْوى اللهِ زادٌ … إذا جعلَتْ إلى اللهَواتِ تَرْقى

رأى عمر بن الخطاب رضي الله عنه رجلاً مطأطئاً رأسَه، فقال له: ارْفَعْ رأسَك، فإن الإسلام ليس بمريض. . . ونظر يوماً إلى رجل مُظهرِ النسكِ متماوتٍ فخَفقَه بالدرَّة وقال: لا تُمِتْ علينا دينَنا أماتك الله. . ونظرت السيدة عائشة رضي الله عنها إلى رجلٍ كاد يموتُ تَخافُتاً فقالت: ما لهذا؟ فقالوا: أحدُ القرّاء، فقالت: قد كان عمرُ بن الخطاب سيِّدَ القرّاء، فكان إذا قال أسمعَ، وإذا مشى أسرعَ، وإذا ضربَ أوْجعَ

وقال ابن الرومي من همزيّته البارعة التي يعاتب فيها أبا القاسم الشَّطرنجي

مَرْحباً بالكَفافِ يأتي هَنيئاً … وعلى المُتْعِباتِ ذَيلُ العَفاءِ

ضَلّةً لامْرِئٍ يُشَمِّرُ في الجَمْ … عِ لِعيشٍ مُشمِّرٍ للفَناءِ

دائِباً يَكْنُزُ القَناطيرَ لِلوا … رِثِ والعُمْرُ دائبٌ في انقِضاءِ

حَبّذا كَثْرَةُ القناطيرِ لو كا … نَتْ لِرَبِّ الكُنوزِ كَنْزَ بَقاءِ

إلى أن قال:

حَسْبُ ذِي إرْبةٍ ورأيٍ جَليٍّ … نَظرَتْ عيْنُهُ بلا غُلَواءِ

صِحَّةُ الدّينِ والجَوارِحِ والعِرْ … ضِ وإحْرازُ مُسْكةِ الحَوباءِ

تِلْكَ خيرٌ لعارفِ الخيرِ مِمَّا … يجْمَعُ الناسُ مِنْ فُضولِ الثَّراءِ

ولَها من ذَوي الأصالةِ عُشّا … قٌ وليْسُوا بِتابِعي الأهْواءِ

ليسَ للمُكْثِرِ المُنَغَّصِ عَيْشٌ … إنّما عَيْشُ عائِشٍ بالهَناءِ

إلى أن قال:

ظُلِمَتْ حاجَتي فلاذَتْ بِحَقْوَيْ … كَ فأسْلَمْتَها لكَفِّ القَضاءِ

وقضاءُ الإلهِ أحْوَطُ للنّا … سِ من الأمَّهاتِ والآباءِ

غيرَ أنَّ اليقينَ أضْحَى مَريضاً … مَرَضاً باطِناً شديدَ الخَفاءِ

ما وَجَدْتُ امْرَءاً يُرَى أنَّه يُو … قِنُ إلا وفيهِ شَوْبُ امْتراءِ

لو يَصحُّ اليقينُ ما رَغِبَ الرَّا … غِبُ إلا إلى مَليكِ السَّماءِ

وعسيرٌ بُلوغُ هاتِيكَ جدّاً … تلكَ عُلْيا مراتِبِ الأنبِياءِ

وكان محمد بن علي بن عبد الله بن عباس يقول:

اللهمّ أعنّي على الدُّنيا بالغِنى، وعلى الآخرةِ بالتّقوى

وقال أبو العتاهية:

فوا عجباً كيف يُعْصى المَليكُ أَمْ كيفَ يَجْحَدُه الجاحِدُ

وللهِ في كلِّ تحْرِيكةٍ … وتَسكينةٍ في الوَرَى شاهِدُ

وفي كلِّ شيءٍ له آيةٌ … تدُلُّ على أنّه واحِدُ

ودعا بعضُ الصالحين فقال: أعوذ بالله من وقوعِ المنيّةِ ولمّا أبلغِ الأمنية

يا مَنْ يَرَى مَدَّ البَعُوضِ جَناحَها … في ظُلْمةِ الليلِ البهيمِ الألْيلِ

ويَرى عُروقَ نِياطِها في نَحْرِها … والمُخَّ في تِلْكَ العِظامِ النُّحَّلِ

اغْفِرْ لِعبْدٍ تابَ من فَرَطاتِه … ما كان مِنهُ في الزَّمانِ الأوَّلِ

وقال أبو العتاهية:

يا عَجباً للناسِ لو فكَّروا … وحاسَبُوا أَنفُسَهم أبْصَروا

وعَبَرُوا الدُّنيا إلى غيرِها … فإنّما الدُّنيا لهم مَعْبَرُ

الخيْرُ ممّا ليسَ يَخْفَى هو ال … مَعروفُ والشَّرُّ هو المُنْكَرُ

والمَوْعِدُ المَوتُ وما بعدَه ال … حَشْرُ فذاكَ المَوْعِدُ الأكْبَرُ

لا فَخْرَ إلا فخرُ أهْلِ التُّقَى … غَداً إذا ضَمَّهُمُ المَحْشَرُ

لَيَعْلَمَنَّ الناسُ أنَّ التُّقى … والبِرَّ كانا خيْرَ ما يُذْخَرُ

عجِبْتُ للإنسانِ في فَخْره … وهْو غدا في قَبْرِه يُقْبَرُ

ما بالُ من أوَّلُهُ نُطْفةٌ … وجيفةٌ آخِرُه يَفْخَرُ

أصْبَحَ لا يَمْلِك تقديمَ ما … يَرْجو ولا تأخيرَ ما يَحْذَرُ

وأصْبحَ الأمْرُ إلى غيرِه … في كلِّ ما يُقْضَى وما يُقْدَرُ

إذا كان شُكري نعمةَ اللهِ نِعمةً … عليَّ له في مِثْلِها يَجِبُ الشُكرُ

فكيف بُلوغُ الشّكرِ إلا بفَضْلِه … وإن طالَتِ الأيّامُ واتّصَلَ العُمْرُ

وقال شاعر:

لأشكرَنَّكَ مَعْروفاً هَمَمْتَ به … إنَّ اهْتِمامَكَ بالمَعْروفِ مَعروفُ

ولا أَذُمُّكَ إنْ لَمْ يُمْضِهِ قَدَرٌ … فالشَّيءُ بالقَدَرِ المَحْتومِ مَصْروفُ

‌‌حثهم على الشكر ولو لِمَنْ ليس على دينهم

قال رجلٌ لسعيد بن جبير: المجوسيُّ يُوليني خيراً فأشكرُه، ويسلِّمُ عليَّ فأردُّ عليه؟ فقال سعيد: سألت ابنَ عبّاسٍ عن نحو هذا، فقال لي: لو قال لي فرعونُ خيراً لردَدْتُ عليه. . . وسلّم نصرانيٌّ على الشَّعبيِّ، فقال الشَّعبيُّ: وعليك السلامُ ورحمةُ الله، فقال له رجلٌ: سبحانَ الله، تقول لهذا النصرانيِّ ورحمةُ الله! فقال الشَّعبيُّ: أليس في رحمةِ اللهِ يعيش؟ قال: بلى، قال: فما وجهُ الإنكارِ عليّ عافاك اللهُ ورَحِمَنا وإيّاك برحمته؟ 

No comments: