RAMADAN

Sunday, July 14, 2024

من كتاب المحاسن والمساوئ لإبراهيم بن محمد البيهقي



الإمام الشافعي وقيل للمقداد بن أسود الكندي ::

يمشي الفقير وكل شيء ضده .... والناس تغلق دونه أبوابها
وتراه ممقوتا وليس بمذنب ... ويرى العداوة لا يرى أسبابها
حتى الكلاب إذا رأته مقبلاً ... نبحت عليه وكشرت أنيابهـــا
وإذا رأت يوماً غنياً ماشياً ... حنت إليه وحركت أذنابهـــــا
إن الغني وان تكلم بالخطأ ... قالوا أصبت وصدقوا مــا قالا
وإذا الفقير أصاب قالوا كلهم ... أخطأت يا هذا وقلت ضلالا
إن الدراهم في المجالس كلها ... تكسو الرجال مهابة وجلالاً
فهي اللسان لمن أراد فصاحةً ... وهي السلاح لمن أراد قتالاً

 

وكان في الجاهلية رجل حسن الحال وكان بنو عمه وأخواله يختلفون إليه فيعطيهم ويمونهم ويقوم بأمورهم، ثم اختلّ أمره فأتاهم فحرموه، فأتى أهله كئيباً، فقالت له امرأته: ما حالك؟ فقال: دعيني عنك، وأنشأ يقول:

دعي عنك عذلي ما من العذل أعجب ... ولا بد حالٌ بعد حال تقلب

وكان بنو عمي يقولون مرحباً ... فلما رأوني مقتراً مات مرحب

كأن مُقلاً حين يغدو لحاجةٍ ... إلى كل من يلقى من الناس مذنب

قيل: ومرّ رجل من الأغنياء برجل من أهل العلم فتحرك له وأكرمه، فقيل له: هل كانت لك إليه حاجة؟ قال: لا ولكن ذو المال مهيبٌ، وقال: فيه الشاعر:

أرى كل ذي مال يُجلّ لماله ... ومن ليس ذا مال يهان ويحقر

ويخذله الإخوان إن قل ماله ... وليس بمحبوب بلى هو يهجر

وأقنع بالمال القليل تكرماً ... لأغنى به عما لديك وأصبر

 

وسئل عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، عن جهد البلاء فقال: قلة المال وكثرة العيال.

 

وفي كتاب كليلة ودمنة: الرجل إذا افتقر اتهمه من كان له مؤتمناً وأساء به الظن من كان يظن به حسناً، وإن أذنب غيره ظنوه به، وإن كان لسوء الظن والتهمة موضعاً حملوا على ذلك الذي يفعله غيره، وأنشد في ذلك:

إذا قلّ مال المرء قلّ صديقه ... وأومت إليه بالعيوب الأصابع

ولآخر:

إذا قلّ مال المرء قلّ حياؤه ... وضاقت عليه أرضه وسماؤه

وحار ولا يدري وإن كان حازماً ... أقدّامه خيرٌ له أم وراؤه

إذا قلّ مال المرء قلّ حياؤه ... ولا خير في وجهٍ يقلّ حياؤه

 

ومما قيل فيه من الشعر:

أعظم من فاقةٍ وجوع ... مقام حرٍّ على خضوع

فلا ترده ولا ترد ما ... أٌنيل بالذل والخشوع

واطلب معاشاً بقدر قوتٍ ... وأنت في منزلٍ رفيع

لعل دهراً غداً بنحسٍ ... يعود بالسعد في الرجوع

ولآخر:

الموت خيرٌ للفتى ... من أن يعيش بغير مال

والموت خيرٌ للكري ... م من الضراعة للرجال

ولآخر:

بخلت وليس البخل مني سجيةً ... ولكن رأيت الفقر شرّ سبيل

لموت الفتى خيرٌ من البخل للفتى ... وللبخل خيرٌ للفتى من سؤال بخيل

لعمرك ما شيء لوجهك قيمةٌ ... فلا تلق مخلوقاً بوجه ذليل

ولا تسألن من كان يسأل مرةً ... فللموت خيرٌ من سؤال سؤول

ولآخر:

لاتحسبن الموت موت البلى ... فإنما الموت سؤال الرجال

كلاهما موتٌ ولكن ذا ... أشد من هذا لذلّ السؤال

ولآخر في معناه:

من كان في الدنيا أخا ثروةٍ ... فنحن من نظارة الدنيا

نرمقها من كثبٍ هكذا ... كأننا لفظٌ بلا معنى

ولآخر:

قد أراح الله من غ ... مٍ شديدٍ وعذاب

واسترحنا من عيالٍ ... وعبيدٍ ودواب

وضياعٍ ونخيلٍ ... وحصادٍ وكراب

واسترحنا من وقوفٍ ... لبني الدنيا بباب

وقنعنا وأقمنا ... وحططنا عن ركاب

حبّذا الوحدة إن كا ... ن بصيراً بالحساب

ولآخر:

الحمد لله ليس لي مال ... ولالخلقٍ عليّ إفضال

الخان بيتي ومشجبي بدني ... وخادمي والوكيل بقّال

ولآخر:

بقيت ومركبتي البرذون حتى ... أخفّ الكيس إغلاء الشعير

وصرت إلى البغال فأعجزتني ... وصرت من البغال إلى الحمير

فعزّتني الحمير فصرت أمشي ... أزجّي الرِّجل تزجية الكسير

ولآخر:

أتراني أرى من الدهر يوماً ... لي يوماً مطيةٌ غير رجلي

وإذا كنت في جميعٍ فقالوا ... قرّبوا للرحيل قرّبت نعلي

حيثما كنت لا أخلِّف رحلاً ... من رآني فقد رآني ورحلي

أبو هفان:

يا مولج الليل في النهار ... صبراً على الذّلّ والصّغار

كم من حمارٍ له حمارٌ ... ومن جوادٍ بلا حمار

الحمدوني:

تسامى الرجال على خيلهم ... ورجلي من بينهم حافيه

فإن كنت حاملنا ربنا ... وإلا فأرجل بني الزانية

 

قال: وكان أعرابي بالبصرة في بيت فكان إذا خرج استوثق على غلق بابه فيظن جيرانه أن له مالاً فقال:

ليس إغلاقي لبابي أن لي ... فيه ما أخشى عليه السرقا

إنما أغلقه كي لا يرى ... سوء حالي من يمرّ الطرقا

ليس لي فيه سوى باريةٍ ... وبلى أغلَقْتُ لِبداً خَلَقا

منزلٌ داخله الفقر فلو ... دخل السارق فيه شرِقا

ولآخر:

يبيت يراعي النجم من جوع بطنه ... ويصبح يُلقى ضاحكاً متبسما

ولآخر:

وعاقبة الصبر الجميل جميلةٌ ... وأحسن أخلاق الرجال التفضّل

ولا عار أن زالت على المرء نعمةٌ ... ولكن عاراً أن يزول التجمّل

ولآخر:

كم من فقيرٍ بعد جهدٍ وحاجةٍ ... هو اليوم محسودٌ وقد كان يُرحم

ولآخر:

قد يكثر المال يوماً بعد قلته ... ويكتسي الغصن بعد اليبس بالورق

ولآخر:

كم من غنيٍّ رأيت الفقر أدركه ... ومن فقيرٍ غنياً بعد إقلال

ولآخر:

كم من غني كان بالمال مثرياً ... هو اليوم مرحومٌ وقد كان يُحسد

ولآخر:

كم من فتىً كان ذا ثروةٍ ... رمته الحوادث حتى افتقر

ولآخر:

إذا كان جدُّ المرء في الشيء مقبلاً ... تأتت له الأشياء من كل جانب

وإن أدبرت دنياه عنه توعرت ... عليه وأعيته وجوه المطالب

وإن قلّ مال المرء أقصاه أهله ... وأعرض عنه كلّ إلفٍ وصاحب

وكذّبه الأقوام في كلّ منطقٍ ... وإن كان فيه صادقاً غير كاذب

ولآخر:

متى ما يرى الناس الفقير وجاره ... يقولون هذا عاجزٌ وجليد

وليس الغنى والفقر من حيلة الفتى ... ولكن أحاظٍ قسّمت وجدود

وقال عبد الأعلى القاضي: الفقير مرقته سلقة ورداؤه علقة وسمكته شلقة.

ولآخر:

من كان ذا مالٍ كثيرٍ فلم ... يقنع فذاك الموسر المقتر

الفقر في النفس وفيها الغنى ... وفي غنى النفس الغنى الأكبر

وكتب بعضهم يستميح بعض الأغنياء:

هذا كتاب فتىً أزرى الزمان به ... قد كاد تنفطر الأضلاع من هممه

شطّت منازله عنه وضعضعه ... ريب الزمان فأبدى الضعف في كلمه

يذري الدموع بعينٍ غير جامدةٍ ... طوراً بدمعٍ ويبكي تارةً بدمه

أضحى ببابك محزوناً له أملٌ ... يرجو بجودك أن يفتكّ من عدمه

يا ذا المقدّم في الأفعال من كرمٍ ... أنت المداوي صريع الدهر من سقمه

ولآخر:

خُلقٌ واسعٌ ومالٌ قليل ... واعتداءٌ من الزمان طويل

ما احتيال الفتى بدولة دهرٍ ... وعليه النائبات تدول

كلما رام نهضةً أقعدته ... عائلات من الزمان تعول

 

 

فيمن أثرى بعد الفقر أٌنشد لرجل من المحدثين:

لئن كنتَ قد أُعطيتَ خزّاً تجرّه ... تبدّلته من فروةٍ وإهاب

فلا تُعجبن أن تملك الناس إنني ... أرى أمّةً قد أدبرت لذهاب

ولآخر:

تاه على إخوانه بالغنى ... فصار لا يطرف من كبره

أعاده الله إلى حاله ... فإنه يحسن في فقره

ولآخر دعبل:

عطاياه تغدو على سابحٍ ... وطوراً على بغلةٍ ندبه

فلو خُصّ بالرزق بخل الكرا ... م ما نال خيطاً ولا هدبه

ولكنه الرزق ممن يعي ... ش في رزقه الكلب والكلبه

ولآخر:

كنت إذ كنتَ عديماً ... لي خلاً ونديما

ثم أثريت فأعرض ... ت ولم ترع قديما

صار ما نلت من الما ... ل لنا ذنباً عظيما

هكذا يفعل بالإخ ... وان من كان كريما

ولآخر:

صحبتك إذ أنت لا تُصحب ... وإذ أنت لا غيرك الموكِب

وإذ أنت تفرح بالزائرين ... ونفسُك نفسَك تستحجب

وإذ أنت تكثر ذمّ الزمان ... ومشيك أضعاف ما تركب

فقلت كريمٌ له همةٌ ... ينال فأُدرك ما أطلب

فنلتَ وأقصيتني جانباً ... كأني ذو عرّةٍ أجرب

 

 

  

No comments: