RAMADAN

Friday, September 15, 2017

مقدمة مقامات الحريري


اللهُمّ إنّا نحْمَدُك على ما علّمْتَ من البَيانِ. وألْهَمْتَ من التِّبْيان. كما نحْمَدُك على ما أسْبغْتَ منَ العَطاء. وأسبَلْت من الغِطاء. ونَعوذُ بكَ منْ شِرّةِ اللّسَنِ. وفضولِ الهذَرِ. كما نَعوذُ بكَ منْ معرّةِ اللّكَنِ. وفُضوحِ الحصَرِ. ونَستَكْفي بكَ الافتِتانَ بإطْراء المادِحِ. وإغضاءِ المُسامِحِ. كما نَستَكْفي بكَ الانتِصابَ لإزْراء القادِحِ. وهتْكِ الفاضِحِ. ونسْتغْفِرُك منْ سَوْقِ الشَّهَواتِ. الى سوقِ الشُّبُهاتِ. كما نستغْفِرُكَ منْ نقْلِ الخطَواتِ الى خِطَطِ الخَطيئَاتِ. ونسْتَوْهِبُ منْكَ توفيقاً قائِداً الى الرُشْدِ. وقَلْباً متقلِّباً معَ الحقّ. ولِساناً متحلّياً بالصّدْقِ. ونُطْقاً مؤيَّداً بالحُجّةِ. وإصابةً ذائِدَةً عنِ الزَّيْغِ. وعَزيمةً قاهِرةً هَوى النّفْسِ. وبصيرةً نُدْرِكُ بها عِرْفانَ القَدْرِ. وأنْ تُسعِدَنا بالهِدايَةِ. الى الدِّرايةِ. وتَعْضُدَنا بالإعانَةِ. على الإبانَةِ. وتعْصِمَنا منَ الغَوايَةِ. في الرّوايَةِ. وتصرِفَنا عنِ السّفاهَةِ. في الفُكاهَةِ. حتى تأمَنَ حصائِدَ الألْسِنَةِ. ونُكْفَى غَوائِلَ الزّخْرفَةِ. فلا نَرِدَ موْرِدَ مأثَمةٍ. ولا نقِفَ موْقِفَ مَنْدمَةٍ. ولا نُرْهَقَ بتَبِعةٍ ولا مَعتَبَةٍ. ولا نُلْجَأَ الى معْذِرَةٍ عنْ بادِرَةٍ. اللهُمّ فحقِّقْ لَنا هذِهِ المُنْيَةَ. وأنِلْنا هذِه البُغْيَةَ. ولا تُضْحِنا عنْ ظِلّكَ السّابِغِ. ولا تجْعَلْنا مُضغَةً للماضِغِ. فقدْ مدَدْنا إليْكَ يدَ المسْألَةِ. وبخَعْنا بالاسْتِكانَةِ لكَ والمَسْكَنةِ. واستَنْزَلْنا كرَمَك الجَمّ. وفضْلَكَ الذي عمّ. بضَراعَةِ الطّلَبِ. وبِضاعَةِ الأمَلِ. )بالتّوسّلِ بمحَمّدٍ سيّدِ البشَرِ 1(والشّفيعِ المُشفَّعِ في المحْشَرِ. الذي ختَمْتَ بهِ النّبيّينَ. وأعليتَ درجتَهُ في عِلّيّينَ. ووَصَفْتَه في كِتابِك المُبينِ. فقُلتَ وأنتَ أصدَقُ القائلين: وما أرْسَلْناكَ إلاّ رحمةً للعالَمينَ. اللهُمّ فصَلِّ علَيه وعلى آلِه الهادينَ. وأصحابِه الذين شادوا الدّين. واجْعَلْنا لهَدْيِه وهَديهمْ متّبِعينَ. وانْفَعْنا بمحبّتِه ومحبّتِهِمْ أجْمَعينَ. إنّك على كُلّ شيء قديرٌ. وبالإجابةِ جَديرٌ

1-      مقدمة مقامات الحريري ( لكننا نتوسل إلى الله بما أمرنا به سبحانه بأسمائه وصفاته سبحانه وتعالى و بما أمرنا به نبينا صل الله عليه وسلم )

Monday, September 11, 2017

رأي الشيخ/ محمد المختار الشنقيطي (حفظه الله ونفع بعلمه) في حكم تركيب اللولب المانع للحمل من دروس شرح الزاد

حكم تركيب اللولب المانع للحمل والإفرازات التي تكون بسببه

السؤال
  امرأة كانت عادتها سبعة أيام حيض، ثم قامت بتركيب شيء اسمه (لولب) لمنع الحمل، فصار ينزل قبل عادتها المعتادة إفرازات لمدة أربعة أيام، ثم سبعة أيام حيض، ثم بعدها أربعة أيام إفرازات، فهل هذه المدة كلها تعتبر حيضاً، أفتونا مأجورين؟

الجواب[1]
  هذا السؤال فيه مسألتان: المسألة الأولى: اللولب؛ وهو عازل يوضع في الموضع من أجل ألا تحمل المرأة، هل يجوز وضعه، أو لا يجوز؟ الحقيقة أن هذه المسألة نظرت فيها إلى أقوال المجوزين، والعلل الطبية والشرعية التي يتذرع بها لوضع هذا الشيء، فلم أجد عذراً شرعياً يبيح وضع هذا الشيء؛ ولذلك: الذي يظهر ويتبين أنه لا يجوز وضعه، وذلك لأمور: 
أولاً: لما فيه من استباحة النظر إلى الفرج دون وجود ضرورة.
ثانياً: أن فيه لمساً للفرج دون وجود ضرورة.
ثالثاً: أن فيه إيلاجاً في الفرج، وتكرار للإيلاج ونظر، خاصةً إذا كان من الرجل فهو أشد وأشنع وأعظم.
فهذه الثلاثة الأمور محظورة، حتى لو كان الواضع له طبيبة، فلا يجوز لها أن يحصل منها الإيلاج، أو النظر إلى عضو المرأة أو استباحة وضع العازل فيه.
هذه الثلاثة محاذير شرعية، ولم أجد مبرراً شرعياً يجيز وضع اللولب حسب علمي وحسب ما نظرت من أقوال الأطباء، وأقوال من يجيز، فلم أر وجهاً شرعياً لوضعه.
أضف إلى هذا تكرار الكشف، والأدهى والأمر أنه يربك عادة المرأة، فلا يستقيم لها أمر، فبمجرد ما تضعه يختلط عليها حيضها، فيتقدم ويتأخر، ويختلط عليها دمها، وقد تلتبس عليها صلاتها وعبادتها بسبب وضعها لمثل هذا، مثل ما ذكرت السائلة، وهذا أهون ما يكون، وإلا فقد مرت عليَّ قضايا من أعجب القضايا في حصول الإرباك للعادة بسبب هذا الأمر، وما ينشأ منه من الأمور التي لا تحمد عقباها؛ ولذلك الذي يظهر عدم جواز وضعه.
وأما العذر الذي يتذرع به كخوف حمل المرأة، فإما أن يكون هذا بسبب خوف الضرر مثل أن يكون عندها أمراض أو أعراض فهذه علاجها العزل، أن يعزل الرجل عنها، أو وضع الكيس الذي يمنع القذف في الموضع، وأما بالنسبة لقضية وضع اللولب فالقاعدة عند العلماء: (أنه لا يحكم بالحاجة مع وجود البديل)، وهذا أصل عند أهل العلم، فإن العازل الذي يوضع أخف محظوراً وأخف ضرراً من وضع اللولب.
النقطة الأخيرة التي أنبه عليها في هذا الأمر، وهي: مسألة الإفرازات السابقة واللاحقة لأمد العادة، فهذه لا تعتبر من العادة؛ لما ثبت في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في حديث عائشة رضي الله عنها في قصة فاطمة: (لتنظر الأيام التي كانت تحيض فيهن قبل أن يصيبها الذي أصابها)، فترجع إلى عادتها، وتحكم بكونها حائضاً على قدر تلك الأيام.
والله تعالى أعلم.

حكم استعمال اللولب

السؤال
  ذكرتم في الدرس الماضي أن استعمال ما يسمى باللولب غير جائز، فهل يعني أنه محرم؟ وماذا تفعل المرأة التي اضطرت إلى تركيبه؛ نظراً لعدم قدرتها على الحمل بكثرة، وهل يلزم عليها إخراجه؟

الجواب[2]
  اللولب لا يجوز، وقد بحثت جميع المبررات التي ذكرت له فلم أر مسوغاً لوضعه.
أولاً: فيه استباحة النظر إلى الفرج، وقد يكون الطبيب رجلاً، وهذا معلوم أن الأصل حرمته.
ثانياً: فيه استباحة الإيلاج في الموضع، ويتكرر ذلك مرات وكرات؛ أولاً: لوضعه، ثم للكشف عليه، وتهيئة وضعه ومناسبته للمكان، وكل ذلك يحصل فيه الإيلاج الذي حرم الله عز وجل، فأصبح فيه النظر، وأصبح فيه الإيلاج، مع ما فيه من مفاسد على الموضع، ومفاسد على العادة، فقلّ أن تضعه امرأة -بشهادة أهل الخبرة والأطباء والحس والتجربة- إلا اختلت عادتها، واضطرب عليها حيضها، وأصبح عندها ارتباك حتى تلتبس عليها صلاتها، ويلتبس عليها صيامها، وفيه من المفاسد أنه يمنع النسل، ويحول بين النسل الذي هو مقصود الزواج؛ قال صلى الله عليه وسلم: (تناكحوا تناسلوا تكاثروا، فإني مفاخر بكم الأمم يوم القيامة) فمقصود الشرع: التناسل والتكاثر.
والحقيقة أن كثيراً من النساء -أصلحهن الله- لا يرغبن في الحمل إلا من رحم الله، وهذا لا شك أنه مخالف للشرع، وفيه تفويت لكثير من المصالح الشرعية، وعلى المرأة أن تتوكل على الله، وأن تحسن اليقين بالله، وقد كان النساء إلى عهد قريب من الزمان تلد المرأة أربعة عشر ولداً وفيهم البركة وفيهم الخير، وهي من أحسن ما يكون وما وقع لها شيء، واليوم تجد المرأة بمجرد ما تضع الابن والبنت إذا بها لا تريد الحمل، وتختلق المبررات والأسباب لكي تقطع الحمل، وهذا من محق البركة، نسأل الله السلامة والعافية.
يذكرون عن طبيب هندي وثني أنه جاءه رجل مسلم وقال له: أريد أن تربط لزوجتي، فقال له: لماذا؟ قال له: لا أريد النسل، الذي عندي يكفي، فبكى الطبيب، فسأله: ما الذي يبكيك؟ قال له: كان لي أربعة من الولد، ثم لما أنجبت زوجتي الأربعة قالت: لا أريد الحمل، الأربعة يكفون، فعملت العملية لها، ثم شاء الله أن الأربعة ذهبوا في حادث واحد، وبقي هو وامرأته، لا تنجب ولا يستطيع أن ينجب منها.
فالإنسان إذا حمد نعمة الله بارك الله له فيها، وإذا كفر نعمة الله عز وجل محق الله بركته، وأي بركة في الزواج أعظم من أن تخلف وراءك، وما يدريك أن هؤلاء الأبكار الذين جاءوك قد يكون لا خير فيهم، وقد تكون ذرية غير صالحة، وأن الخير يكون لك في آخر ولد، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بلعق اليد ولعق الإناء وقال: (إنك لا تدري في أي طعامك البركة)، فقد تكون آخر لقمة من الطعام هي التي فيها البركة، وقد يكون آخر ابن أو آخر بنت تنجبها هي التي فيها البركة.
ونسأل الله العظيم أن يرزقنا السداد والصواب، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

باب الحيض [1] - باب الحيض [2]
الشيخ محمد المختار الشنقيطي - شرح زاد المستقنع 
                                 

النبي - صلى الله عليه وسلم - يثني علي ربه

 قَالَ النبي - صلى الله عليه وسلم -: "اسْتَوُوا حَتَّى أُثْنِيَ عَلَى رَبِّي -عَزَّ وَجَلَّ-" فَصَارُوا خَلْفَهُ صُفُوفًا، فَقَالَ: "اللهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ كُلُّهُ اللهمَّ لَا قَابِضَ لِمَا بَسَطْتَ، وَلَا بَاسِطَ لِمَا قَبَضْتَ، وَلَا هَادِيَ لِمَا أَضْلَلْتَ، وَلَا مُضِلَّ لِمَنْ هَدَيْتَ، وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ، وَلَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ، وَلَا مُقَرِّبَ لِمَا بَاعَدْتَ، وَلَا مُبَاعِدَ لِمَا قَرَّبْتَ، اللهمَّ ابْسُطْ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِكَ، وَرَحْمَتِكَ، وَفَضْلِكَ، وَرِزْقِكَ، اللهمَّ إِنِّي أَسْاَلُكَ النَّعِيمَ الْمُقِيمَ الَّذِي لَا يَحُولُ وَلَا يَزُولُ، اللهمَّ إِنِّي أَسْاَلُكَ الْأَمْنَ يَوْمَ الْخَوْفِ، اللهمَّ إنِّي عَائِذٌ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا أَعْطَيْتَنَا، وَشَرِّ مَا مَنَعْتَنا، اللهمَّ حَبِّبْ إِلَيْنَا الْاِيمَانَ وَزِيّنْهُ في قُلُوبِنَا، وَكَرِّهْ إِلَيْنَا الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ وَاجْعَلْنَا مِنْ الرَّاشِدِينَ، اللهمَّ تَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ وَأَحْيِنَا مُسْلِمِينَ، وَأَلْحِقْنَا بِالصَّالِحِينَ غَيْرَ خَزَايَا وَلَا مَفْتُونِينَ، اللهمَّ قَاتِلْ الْكَفَرَةَ الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ رُسُلَكَ، وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِكَ، وَاجْعَلْ عَلَيْهِمْ رِجْزَكَ وَعَذَابَكَ إِلَهَ الْحَقِّ آمين"(1).
__________
(1) صحيح: أخرجه أحمد 3/ 414، الحاكم 1/ 507، 3/ 23، 24، وقال: صحيح على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي، وصححه الألباني في تخريج "فقه السيرة" (269).

Tuesday, August 29, 2017

من كتاب منار الهدى في الوقف والابتدا {سورة الفاتحة}

سورة الفاتحة (1)
مكية مدنية، لأنها نزلت مرتين، مرة بمكة حين فرضت الصلاة، ومرة بالمدينة حين حوّلت القبلة، وهي سبع آيات إجماعا، لكن عدّ بعضهم البسملة منها. والسابعة صِراطَ الَّذِينَ إلى آخرها وإن لم تكن منها. فالسابعة غَيْرِ الْمَغْضُوبِ إلى آخرها، وكلمها مع البسملة تسع وعشرون كلمة، وبغيرها خمس وعشرون كلمة، وحروفها بالبسملة وبقراءة (ملك) بغير ألف مائة وأحد وأربعون حرفا. قاله الإسنوي. على أن ما حذف رسم لا يحسب، لأن الكلمة تزيد حروفها في اللفظ دون الخط. وبيان ذلك أن الحروف الملفوظ بها ولو في حالة كألفات الوصل، وهي بها مائة وسبعة وأربعون حرفا، وقد اتفق علماء الرسم على حذف ست ألفات: ألف اسم من بسم، وألف بعد لام الجلالة مرتين، وبعد ميم الرحمن مرتين، وبعد عين العالمين. والحق الذي لا محيص عنه اعتبار اللفظ عليه، فهل تعتبر ألفات الوصل نظرا إلى أنها قد يتلفظ بها في حالة الابتداء أولا لأنها محذوفة من اللفظ غالبا؟ كل محتمل. والأوّل أوجه، فتحسب مائة وسبعة وأربعين حرفا غير شدّاتها الأربعة عشر، وفيها أربعة وقوف تامّة على أن البسملة آية تامّة منها لا تعلق لها بما بعدها، لأنها جملة من مبتدإ وخبر: أي ابتدائي بسم الله أو في محل نصب، وعلى كل تقدير هو تامّ. قال المازري في شرح التلقين: وإذا كانت قرآنا فهلا كفر الشافعي مالكا وأبا حنيفة في مخالفتهما له في ذلك، كما يكفر هو وغيره من خالف في كون الحمد لله ربّ العالمين قرآنا. قيل لم يثبتها الشافعي قرآنا مثل ما أثبت غيرها، بل أثبتها حكما وعملا لأدلة اقتضت ذلك عنده، ومعنى حكما: أن الصلاة لا تصح إلا بها فهي آية حكما لا قطعا. واختلف هل ثبوت البسملة قرآنا بالقطع، أو بالظن؟ الأصح أن ثبوتها بالظن حتى يكفي فيها أخبار الآحاد، وتعلق الأحكام مظنون، ولا يحكم بكونها قرآنا إلا بالنقل المتواتر قطعا ويقينا، بل ولا نكفر بيقينيّ لم يصحبه تواتر، ولما لم ينقلوا إلينا كون البسملة قرآنا، كما نقلوا غيرها، ولا ظهر ذلك منهم، كما ظهر في غيرها من الآي وجب القطع بأنها ليست من الفاتحة ولم يقل أحد من السلف إن البسملة آية من كل سورة إلا الشافعي، وقد أثبتها نصف القراء السبعة ونصفهم لم يثبتها، والمصحح للقسمة أن لنافع راويين أثبتها أحدهما والآخر لم يثبتها، وقوّة الشبهة بين الفريقين منعت التكفير من الجانبين اه، وفيها ثلاثة وعشرون وقفا، أربعة تامة وستة جائزة يحسن الوقف عليها ولا يحسن الابتداء بما بعدها، لأن التعلق فيها من جهة اللفظ والوقف حسن، إذ الابتداء لا يكون إلا مستقلا بالمعنى المقصود، وثلاثة عشر يقبح الوقف عليها والابتداء بما بعدها .

مَسْأَلَةٌ الْعِيد إذَا وَافَقَ الْجُمُعَةَ (فَإِنَّا مُجَمِّعُونَ)

[مَسْأَلَةٌ الْعِيد إذَا وَافَقَ الْجُمُعَةَ]
مَسْأَلَةٌ: فِي رَجُلَيْنِ تَنَازَعَا فِي الْعِيدِ إذَا وَافَقَ الْجُمُعَةَ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا: يَجِبُ أَنْ يُصَلِّيَ الْعِيدَ، وَلَا يُصَلِّي الْجُمُعَةَ؛ وَقَالَ الْآخَرُ: يُصَلِّيهَا. فَمَا الصَّوَابُ فِي ذَلِكَ؟
الْجَوَابُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ إذَا اجْتَمَعَ الْجُمُعَةُ وَالْعِيدُ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ فَلِلْعُلَمَاءِ فِي ذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا: أَنَّهُ تَجِبُ الْجُمُعَةُ عَلَى مَنْ شَهِدَ الْعِيدَ. كَمَا تَجِبُ سَائِرُ الْجُمَعِ لِلْعُمُومَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى وُجُوبِ الْجُمُعَةِ.
وَالثَّانِي: تَسْقُطُ عَنْ أَهْلِ الْبَرِّ، مِثْلَ أَهْلِ الْعَوَالِي وَالشَّوَاذِّ؛ لِأَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ أَرْخَصَ لَهُمْ فِي تَرْكِ الْجُمُعَةِ لَمَّا صَلَّى بِهِمْ الْعِيدَ.
وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ: وَهُوَ الصَّحِيحُ أَنَّ مَنْ شَهِدَ الْعِيدَ سَقَطَتْ عَنْهُ الْجُمُعَةُ، لَكِنْ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يُقِيمَ الْجُمُعَةَ لِيَشْهَدَهَا مَنْ شَاءَ شُهُودَهَا، وَمَنْ لَمْ يَشْهَدْ الْعِيدَ. وَهَذَا هُوَ الْمَأْثُورُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابِهِ: كَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ الزُّبَيْرِ وَغَيْرِهِمْ. وَلَا يُعْرَفُ عَنْ الصَّحَابَةِ فِي ذَلِكَ خِلَافٌ.
وَأَصْحَابُ الْقَوْلَيْنِ الْمُتَقَدِّمِينَ لَمْ يَبْلُغْهُمْ مَا فِي ذَلِكَ مِنْ السُّنَّةِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا اجْتَمَعَ فِي يَوْمِهِ عِيدَانِ صَلَّى الْعِيدَ ثُمَّ رَخَّصَ فِي الْجُمُعَةِ، وَفِي لَفْظٍ أَنَّهُ قَالَ: «أَيُّهَا النَّاسُ إنَّكُمْ قَدْ أَصَبْتُمْ خَيْرًا، فَمَنْ شَاءَ أَنْ يَشْهَدَ الْجُمُعَةَ فَلْيَشْهَدْ، فَإِنَّا مُجَمِّعُونَ» .
وَأَيْضًا فَإِنَّهُ إذَا شَهِدَ الْعِيدَ حَصَلَ مَقْصُودُ الِاجْتِمَاعِ، ثُمَّ إنَّهُ يُصَلِّي الظُّهْرَ إذَا لَمْ يَشْهَدْ الْجُمُعَةَ، فَتَكُونُ الظُّهْرُ فِي وَقْتِهَا، وَالْعِيدُ يُحَصِّلُ مَقْصُودَ الْجُمُعَةِ. وَفِي إيجَابِهَا عَلَى النَّاسِ تَضْيِيقٌ عَلَيْهِمْ، وَتَكْدِيرٌ لِمَقْصُودِ عِيدِهِمْ، وَمَا سُنَّ لَهُمْ مِنْ السُّرُورِ فِيهِ، وَالِانْبِسَاطِ. فَإِذَا حُبِسُوا عَنْ ذَلِكَ عَادَ الْعِيدُ عَلَى مَقْصُودِهِ بِالْإِبْطَالِ، وَلِأَنَّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ عِيدٌ، وَيَوْمَ الْفِطْرِ وَالنَّحْرِ عِيدٌ، وَمِنْ شَأْنِ الشَّارِعِ إذَا اجْتَمَعَ عِبَادَتَانِ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ أَدْخَلَ إحْدَاهُمَا فِي الْأُخْرَى.
كَمَا يَدْخُلُ الْوُضُوءُ فِي الْغُسْلِ، وَأَحَدُ الْغُسْلَيْنِ فِي الْآخَرِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
الفتاوى الكبرى لإبن تيمية (2-364-365) كذلك ما يلي :
مَسْأَلَةٌ: فِي رَجُلٍ قَالَ: إذَا جَاءَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ يَوْمَ الْعِيدِ، وَصَلَّى الْعِيدَ، إنْ اشْتَهَى أَنْ يُصَلِّيَ الْجُمُعَةَ وَإِلَّا فَلَا. فَهَلْ هُوَ فِيمَا قَالَ مُصِيبٌ أَمْ مُخْطِئٌ؟
الْجَوَابُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا. إذَا اجْتَمَعَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ وَيَوْمُ الْعِيدِ فَفِيهَا ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ لِلْفُقَهَاءِ: أَحَدُهَا: أَنَّ الْجُمُعَةَ عَلَى مَنْ صَلَّى الْعِيدَ، وَمَنْ لَمْ يُصَلِّهِ كَقَوْلِ مَالِكٍ، وَغَيْرِهِ. وَالثَّانِي: أَنَّ الْجُمُعَةَ سَقَطَتْ عَنْ السَّوَادِ الْخَارِجِ عَنْ الْمِصْرِ، كَمَا يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ صَلَّى الْعِيدَ، ثُمَّ أَذِنَ لِأَهْلِ الْقُرَى فِي تَرْكِ الْجُمُعَةِ، وَاتَّبَعَ ذَلِكَ الشَّافِعِيُّ.
وَالثَّالِثُ: أَنَّ مَنْ صَلَّى الْعِيدَ سَقَطَتْ عَنْهُ الْجُمُعَةُ، لَكِنْ يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يُقِيمَ الْجُمُعَةَ لِيَشْهَدَهَا مَنْ أَحَبَّ كَمَا فِي السُّنَنِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَنَّهُ اجْتَمَعَ فِي عَهْدِهِ عِيدَانِ فَصَلَّى الْعِيدَ ثُمَّ رَخَّصَ فِي الْجُمُعَةِ» .
وَفِي لَفْظٍ أَنَّهُ صَلَّى الْعِيدَ وَخَطَبَ النَّاسَ فَقَالَ: «أَيُّهَا النَّاسُ إنَّكُمْ قَدْ أَصَبْتُمْ خَيْرًا، فَمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَشْهَدَ الْجُمُعَةَ فَلْيَشْهَدْ، فَإِنَّا مُجَمِّعُونَ» وَهَذَا الْحَدِيثُ رُوِيَ فِي السُّنَنِ مِنْ وَجْهَيْنِ. أَنَّهُ صَلَّى الْعِيدَ ثُمَّ خَيَّرَ النَّاسَ فِي شُهُودِ الْجُمُعَةِ.
وَفِي السُّنَنِ حَدِيثٌ ثَالِثٌ فِي ذَلِكَ أَنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ كَانَ عَلَى عَهْدِهِ عِيدَانِ فَجَمَعَهُمَا أَوَّلَ النَّهَارِ، ثُمَّ لَمْ يُصَلِّ إلَّا الْعَصْرَ. وَذَكَرَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَعَلَ ذَلِكَ، وَذُكِرَ ذَلِكَ لِابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَقَالَ: قَدْ أَصَابَ السُّنَّةَ.
وَهَذَا الْمَنْقُولُ هُوَ الثَّابِتُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَخُلَفَائِهِ وَأَصْحَابِهِ. وَهُوَ قَوْلُ مَنْ بَلَغَهُ مِنْ الْأَئِمَّةِ كَأَحْمَدَ وَغَيْرِهِ. وَاَلَّذِينَ خَالَفُوهُ لَمْ يَبْلُغْهُمْ مَا فِي ذَلِكَ مِنْ السُّنَنِ وَالْآثَارِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (نفس ما سبق 365-366)






Sunday, August 13, 2017

مقدمة كتاب منار الهدى، في بيان الوقف والابتداء لأحمد بن عبدالكريم بن عبدالكريم الأشموني

من كتاب منار الهدى في الوقف والابتدا


[خطبة الكتاب]
بسم الله الرّحمن الرّحيم  الحمد لله  الذي نوّر قلوب أهل القرآن بنور معرفته تنويرا، وكسا  وجوههم من إشراق ضياء بهجته نورا، وجعلهم من خاصة أحبابه إكراما لهم وتوقيرا، فجعل صدورهم أوعية كتابه ووفقهم لتلاوته آناء الليل وأطراف النهار ليعظم لهم بذلك أجورا، فترى وجوههم كالأقمار تتلألأ من الإشراق وتبتهج سرورا، وقد أخبر عنهم الصادق المصدوق ممثلا بأنهم جراب مملوء مسكا وأعظم بذلك فخرا وتبشيرا، فيا لها من نعمة طهروا بها تطهيرا، وجاوزوا بها عزّا ومهابة وتحبيرا، فهم أعلى الناس درجات في الجنان تخدمهم فيها الملائكة الكرام عشيّا وبكورا، ويقال لهم في الجنة تهنئة لهم وتبشيرا، إِنَّ هذا كانَ لَكُمْ جَزاءً وَكانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً فسبحانه من إله عظيم تعالى في ملكه عَمَّا يقول الظالمون عُلُوًّا كَبِيراً، تُسَبِّحُ لَهُ السَّماواتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً أحمده سبحانه وتعالى حمد من قام بواجب تجويد  كلامه ومعرفة وقوفه  ونسأله من فيض فضله وإحسانه لطفا وعناية وتيسيرا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة يغدو قلب قائلها مطمئنا مستنيرا، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا صلّى الله عليه وسلّم عبده ورسوله الذي اختاره الله من القدم حبيبا ونبيّا ورسولا، وأرسله إلى الثقلين بشيرا ونذيرا، وقد أخذ له العهد والميثاق على سائر المخلوقات وكتب له بذلك منشورا.
أما بعد: فيقول العبد الفقير القائم على قدمي العجز والتقصير، الراجي عفو ربه القدير، أحمد بن الشيخ عبد الكريم ابن الشيخ محمد بن الشيخ عبد الكريم، عامل الله الجميع بفضله العميم، وأسكنهم من إحسانه جنات النعيم: هذا تأليف لم يسألني فيه أحد لعلمهم أني قليل البضاعة، غير دريّ بهذه الصناعة، فإني والله لست أهلا لقول ولا عمل، وإني والله من ذلك على وجل، لكن الكريم يقبل من تطفل، ولا يخيب من عليه عوّل، فإني بالعجز معلوم، ومثلي عن الخطأ غير معصوم، وبضاعتي مزجاة ، وتسمع بالمعيديّ خير من أن تراه ، فشرعت فيما قصدت، وما لغيري وجدت، وذلك بعد لبثي حينا من الدهر أتروّى وأتأمل، وأنا إلى جمع ما تشتت من ذلك أميل، قادني إلى ذلك أمل ثواب الآخرة، سائلا من المولى الكريم الصواب والإعانة، متبرئا من حولي وقوّتي إلى من لا حول ولا قوّة إلا به، والمأمول من ذي العزة والجلال، أن ينفع به في الحال والمآل، وأن يكون تذكرة لنفسي في حياتي. وأثرا لي بعد وفاتي، فلا تكن ممن إذا رأى صوابا غطاه، وإذا وجد سهوا نادى عليه وأبداه، فمن رأى خطأ منصوصا عليه فليضفه بطرّته إليه والنصّ عليه.
يا من غدا ناظرا فيما كتبت ومن ... أضحى يردّد فيما قلته النّظرا
سألتك الله إن عاينت لي خطأ ... فاستر عليّ فخير الناس من سترا 
فالموافق تكفيه الإشارة، ولا ينفع الحسود تطويل العبارة، وعلى الله اعتمادي في بلوغ التكميل، وهو حسبي ونعم الوكيل، وسميته: منار الهدى، في بيان الوقف والابتداء
 (حذف همزة كلمة «الابتداء» وهذا جائز على بعض لغات العرب، وقد ورد ذلك أيضا في كتاب الله الكريم في قراءة «حمزة» عند الوقف حيث إنه يحذف الهمزة عند الوقف، ووافقه في ذلك هشام.) مقدما أمام المقصود فوائد وتنبيهات تنفع القارئ وتعينه على معرفة الوقف والابتداء ليكون على بصيرة إذا خاض في هذا البحر الزخار، الذي لا يدرك له قرار، ولا يسلك إلى قنته ولا يصار، من أراد السبيل إلى استقصائه لم يبلغ إلى ذلك وصولا، ومن رام الوصول إلى إحصائه لم يجد إلى ذلك سبيلا قد أودع الله فيه علم كل شيء، وأبان فيه كل هدى وغيّ، فترى كل ذي فنّ منه يستمد، وعليه يعتمد، جعله للحكم مستودعا ولكل علم منبعا، وإلى يوم القيامة نجما طالعا، ومنارا لامعا، وعلما ظاهرا، ولا يقوم بهذا الفن  إلا من له باع في العربية، عالم بالقراءات، عالم بالتفسير، عالم باللغة التي نزل القرآن بها على خير خلقه، مزيل الغمة بعثه به بشيرا ونذيرا إلى خير أمة شهد به كتابه المبين، عن لسان رسوله الصادق الأمين، جعله كتابا فارقا بين الشك واليقين، أعجز الفصحاء معارضته، وأعيا الألباء مناقضته، وأخرس البلغاء مشاكلته، جعل أمثاله عبرا للمتدبرين، وأوامره هدى المستبصرين، ضرب فيه الأمثال، وفرّق فيه بين الحرام والحلال، وكرّر القصص والمواعظ بألفاظ لا تمل، وهي مما سواها أعظم وأجلّ، ولا تخلق على كثرة الترديد، بل بكثرة تلاوتها حسنا وحلاوة ولا تزيد، قد حثنا على فهم معانيه، وبيان أغراضه ومبانيه، فليس المراد حفظ مبناه، بل فهم قارئه معناه، قال تعالى: أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها فقد ذمّ الله اليهود حيث يقرءون التوراة من غير فهم فقال: وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتابَ إِلَّا أَمانِيَّ  فعلى العاقل الأديب، والفطن اللبيب، أن يربأ بنفسه عن هذه المنزلة الدنية، ويأخذ بالرتبة السنية، فيقف على أهم العلوم وآكدها المتوقف عليها فهم الكتاب والسنة، وهي بعد تجويد ألفاظه خمسة: علم العربية، والصرف، واللغة، والمعاني، والبيان.