RAMADAN
Thursday, August 31, 2023
من كتاب الزخائر والعبقريات 2 تأليف عبد الرحمن بن عبد الرحمن بن سيد بن أحمد البرقوقي الأديب المصري
Sunday, July 30, 2023
لعمرك ما شجاني رسم دار أحمد بن علي الخطيب البغدادي
لعمرك ما شجاني رسم دار
وقفت
بها ولا ذكر المغاني
ولا أثر الخيام أراق دمعي
لأجل
تذكري عهد الغواني
ولا ملك الهوى يوماً فؤادي
ولا عاصيته فثنى عناني
رأيت فعاله بذوي التصابي
وما
يلقون من ذل الهوان
فلم أطمعه في وكم قتيل
له في الناس لا يحصى وعان؟
طلبت أخاً صحيح الود محضاً
سليم الغيب مأمون اللسان
فلم أعرف من الإخوان إلا
نفاقاً في التباعد والتداني
وعالم دهرنا لا خير فيه
ترى صوراً تروق بلا معاني
ووصف جميعهم هذا فما إن
أقول سوى فلان أو فلان
ولما لم أجد حراً يواتي
على ما ناب من صرف الزمان
صبرت تكرماً لقراع دهري
ولم أجزع لما منه دهاني
ولم أك في الشدائد مستكيناً
أقول لها ألا كفي كفاني
ولكني صليب العود عود
ربيط الجأش مجتمع الجنان
أبي النفس لا أختار رزقاً
يجيء
بغير سيفي أو سناني
لعز في لظى باغيه يشوى
ألذ
من المذلة في الجنان
ومن طلب المعالي وابتغاها
أدار لها رحا الحرب العوان
Wednesday, March 15, 2023
من كتاب روضة العقلاء لأبو حاتم محمد بن حبان البستي
أخبرنا القطان بالرقة حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن رومي البزاز عَن أبيه قَالَ قلما دخلت على إِسْحَاق بْن أَبِي ربعي الرافقي إلا وهو يتمثل بهذا البيت
خير
من المال والأيام مقبلة ...
جيب نقي من الآثام والدنس
وأنشدني أَبُو بدر أَحْمَد بْن خالد بْن عُبَيْد اللَّه بْن عَبْد الملك بحران
يا نفس مَا هو إلا صبر أيام ... كأن لذاتها أضغاث أحلام
يا نفس جوزي عَن الدنيا مبادرة ... وخل عنها فإن العيش قدامي
وأنشدني الأبرش
تعلم فليس المرء يولد عالما ... وليس أخو علم كمن هو جاهل
وإن كبير القوم لا علم عنده ... صغير إذا التفت عَلَيْهِ المحافل
ولقد أَنْبَأَنَا ابن قحطبة حَدَّثَنَا حسين بْن مُحَمَّد الكوفي قال سمعت محمد ابن بشير الخزاعي يقول
أما لو أعي كل مَا أسمع ... وأحفظ من ذاك مَا أجمع
ولم أستفد غير مَا قد جمعت ... لقيل هو العالم المقنع
ولكن نفس إلى كل شيء ... من العلم تسمعه تنزع
وأحضر بالجهل في مجلسي ... وعلمي في الكتب مستودع
فلا أنا أحفظ مَا قد جمعت ... ولا أنا من جمعه أشبع
ومن يك في علمه هكذا ... يكن دهره القهقري يرجع
إذا لم تكن حافظا واعيا ... فجمعك للكتب لا ينفع
وأنشدني الكريزي
أقلل كلامك واستعذ من شره ... إن البلاء ببعضه مقرون
واحفظ لسانك واحتفظ من غيه ... حتى يكون كأنه مسجون
وكل فؤادك باللسان وقل له ... إن الكلام عليكما موزون
فزناه وليك محكما ذا قلة ... إن البلاغة في القليل تكون
قال أَبُو حاتم الواجب على العاقل أن يلزم الصمت إلى أن يلزمه التكلم فما أكثر من ندم إذا نطق وأقل من يندم إذا سكت وأطول الناس شقاء وأعظمهم بلاء من ابتلى بلسان مطلق وفؤاء مطبق
ولقد أحسن الذي يقول
إن كان يعجبك السكوت فإنه ... قد كان يعجب قلبك الأخيارا
ولئن ندمت على سكوت مرة ... فلقد ندمت على الكلام مرارا
إن السكوت سلامة ولربما زرع الكلام عداوة
وضرارا
وإذا تقرب خاسر من خاسر ... زادا بذاك خسارة وتبارا
وأنشدني مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه البغدادي
إذا مَا المرء أخطأه ثلاث ... فبعه ولو بكف من رماد
سلامة صدره والصدق منه ... وكتمان السرائر في الفؤاد
وأنشدني مُحَمَّد بْن المنذر بْن سَعِيد عَن مُحَمَّد بْن خلف التيمي قَالَ أنشدني رجل من خزاعة
إذا لم تخش عاقبة الليالي ... ولم تستحي فاصنع مَا تشاء
فلا والله مَا في العيش خير ... ولا الدنيا إذا ذهب الحياء
يعيش المرء مَا استحيا بخير ... ويبقى العود مَا بقي اللحاء
أنبأنا الحسن بْن سُفْيَان حَدَّثَنَا نصر بْن علي حَدَّثَنَا نوح بْن قيس عَن أخيه عَن قَتَادَة قَالَ مَا نسيت شيئا قط ثم قَالَ لغلامه ناولني نعلي قَالَ نعلك في رجلك
أنبأنا عَبْد اللَّه بْن محمد بن عمر أنبأنا
عل بْن خشرم قَالَ سمعت الفضل بْن موسى يقول كان مالك ينسى فقال لقهرمانه اشتر لي
غلاما وسمه باسم خفيف حتى لا أنساه قَالَ فاشتري له غلاما وأدخله عَلَيْهِ فقال
اشتريت لك هذا الغلام وسميته باسم خفيف قَالَ مَا سميته قَالَ فرقد قَالَ فنظر إلى
الغلام وقال اجلس يا واقد
قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه الواجب على العاقل أن يلزم المداراة مع من دفع إليه في العشرة من غير مقارفة المداهنة إذ المداراة من المداري صدقة له والمداهنة من المداهن تكون خطيئة عَلَيْهِ والفصل بين المداراة والمداهنة هو أن يجعل المرء وقته في الرياضة لإصلاح الوقت الذي هو له مقيم بلزوم المداراة من غير ثلم في الدين من جهة من الجهات فمتى مَا تخلق المرء بخلق شابه بعض مَا كره اللَّه منه في تخلقه فهذا هو المداهنة لأن عاقبتها تصير إلى قل ويلازم المداراة لأنها تدعو إلى صلاح أحواله ومن لم يدار الناس ملوه (حديث جابر مدارة الناس صدقة ضعفة الألباني وغيره) كما أنشدني علي بْن مُحَمَّد البسامي
دار من الناس ملالاتهم ... من لم يدار الناس ملوه
ومكرم الناس حبيب لهم ... من أكرم الناس أحبوه
قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه الواجب على العاقل أن يداري الناس مداراة الرجل السابح في الماء الجاري ومن ذهب إلى عشرة الناس من حيث هو كدر على نفسه عيشه ولم تصف له مودته لأن وداد الناس لا يستجلب إلا بمساعدتهم على مَا هم عَلَيْهِ إلا أن يكون مأثما فإذا كانت حالة معصية فلا سمع ولا طاعة والبشر قد ركب فيهم أهواء مختلفة وطبائع متباينة فكما يشق عليك ترك مَا جبلت عَلَيْهِ فكذلك يشق على غيرك مجانبة مثله فليس إلى صفو ودادهم سبيل إلا بمعاشرتهم من حيث هم والإغضاء عَن مخالفتهم في الأوقات
وَلَقَدْ أَخْبَرَنِي الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَان حَدَّثَنَا حبان بْن موسى أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ عَنْ حَبِيبِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ عَنْ عمر بن الخطاب قَالَ خُذُوا بِحَظِّكُمْ مِنَ الْعُزْلَةِ
وأما السبب الذي يوجب الاعتزال عَن العالم كافة فهو مَا عرفتهم به من وجود دفن الخير ونشر الشر يدفنون الحسنة ويظهرون السيئة فإن كان المرء عالما يدعوه وإن كان جاهلا عيروه وإن كان فوقهم حسدوه وإن كان دونهم حقروه وإن نطق قالوا مهذار وإن سكت قالوا عيي وإن قدر قالوا مقتر وإن سمح قالوا مبذر فالنادم في العواقب المحطوط عَن المراتب من اغتر بقوم هذا نعتهم وغره ناس هذه صفتهم
ولقد أنبأنا مُحَمَّد بْن المهاجر المعدل
أَخْبَرَنِي أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ بكر الأبناوي عَن داود بْن رشيد قال
حدثني إِبْرَاهِيم بْن شماس قَالَ قَالَ لي الأكاف حفص بْن حميد صاحب ابن المبارك
بمرو يا إِبْرَاهِيم صحبت الناس خمسين سنة فلم أجد أحدا ستر لي عورة ولا وصلني إذا
قطعته ولا أمنته إذا غضب فالاشتغال بهؤلاء حمق كثير
وأنشدني مُحَمَّد بْن المهاجر المعدل لعلي بْن حجر السعدي
زمانك ذا زمان دخول بيت ... وحفظ للسان وخفض صوت
فقد مرجت عهود الناس إلا ... أقلهم فبادر قبل فوت
فما يبقى على الأيام شيء ... وما خلق امرؤ إلا لموت
Wednesday, November 2, 2022
من كتاب إرشاد الساري شرح صحيح البخاري للقسطلاني رحمه الله 3
من (باب الخشوع في الصلاة).
الصلاة صلة العبد
بربه، فمن تحقّق بالصلة في الصلاة لمعت له طوالع التجلي، فيخشع. وقد شهد القرآن
بفلاح مُصلِّ خاشع قال الله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ
هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ} [المؤمنون: 1، 2]. أي: خائفون من الله، متذللون
له، يلزمون أبصارهم مساجدهم.
وعلامة ذلك أن لا
يلتفت المصلي يمينًا ولا شمالاً. ولا يجاوز بصره موضع سجوده.
صلّى بعضهم في جامع
البصرة فسقطت ناحية من المسجد، فاجتمع الناس عليها ولم يشعر هو بها.
والفلاح أجمع اسم
لسعادة الآخرة، وفقد الخشوع ينفيه، وقد قال تعالى: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ
لِذِكْرِي} [طه: 14]. وظاهر الأمر الوجوب، فالغفلة ضد، فمن غفل في جميع صلاته كيف
يكون مقيمًا للصلاة لذكره تعالى، فافهم واعمل، فليقبل العبد على ربه، ويستحضر بين
يدي من هو واقف.
كان مكتوبًا في محراب
داود عليه الصلاة والسلام، أيها المصلي، من أنت ولمن أنت؟ وبين يدي من أنت، ومن
تناجي؟ ومن يسمع كلامك، ومن ينظر إليك؟
وقال
الخراز: ليكن إقبالك على الصلاة كإقبالك على الله يوم القيامة، ووقوفك بين يديه
وهو مقبل عليك وأنت تناجيه.
وروى
الشافعي: ما هبت الريح إلا جثا النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، على
ركبتيه، قال: "اللهم اجعلها رحمة ولا تجعلها عذابًا، اللهم اجعلها رياحًا ولا
تجعلها ريحًا".
وقد روى سنيد، عن
يوسف بن محمد بن المنكدر، عن أبيه، عن جابر مرفوعًا: قالت أم سليمان لسليمان: يا
بني لا تكثر النوم بالليل، فإن كثرة النوم بالليل تدع الرجل فقيرًا يوم القيامة.
وكان بعض الكبراء يقف
على المائدة كل ليلة ويقول: معاشر المريدين لا تأكلوا كثيرًا فتشربوا كثيرًا
فترقدوا كثيرًا فتتحسروا عند الموت كثيرًا. وهذا هو الأصل الكبير، وهو تخفيف
المعدة عن ثقل الطعام.
وفي دعاء بعض العارفين: اللهم لا تتعب
بدني في طلب ما لم تقدره لي
يحمل قول أبي بكر
النقاش المفسر في تفسيره: حسبت الصلاة في المسجد الحرام، فبلغت صلاة واحدة بالمسجد
الحرام خمس وخمسين سنة وستة أشهر وعشرين ليلة. وهذا مع قطع النظر عن التضعيف
بالجماعة، فإنها تزيد سبعًا وعشرين درجة، كما مر.
قال البدر بن الصاحب
الأثاري: إن كل صلاة بالمسجد الحرام فرادى بمائة صلاة، وكل صلاة فيه جماعة بألفي
ألف صلاة وسبعمائة ألف صلاة، والصلوات الخمس فيه بثلاثة عشر ألف ألف وخمسمائة ألف
صلاة، وصلاة الرجل منفردًا في وطنه غير المسجدين العظمين كل مائة سنة شمسية بمائة
ألف وثمانين ألف صلاة، وكل ألف سنة بالف ألف صلاة وثمانمائة ألف صلاة، فتلخص من
هذا أن صلاة واحدة في المسجد الحرام جماعة، يفضل ثوابها على ثواب من صلّى في بلده
فرادى، حتى بلغ عمر نوح بنحو الضعف. اهـ.
لكن هل يجتمع
التضعيفان أو لا؟ محل بحث. وهل يدخل في التضعيف ما زيد في المسجد النبوي في زمن
الخلفاء الراشدين ومن بعدهم؟ أم لا:؟ إن غلبنا اسم الإشارة في قوله: مسجدي هذا
انحصر التضعيف فيه ولم يعم ما زيد فيه، لأن التضعيف إنما ورد في مسجده وقد أكده
يقوله: هذا. وقد صرح بذلك النووي، بخلاف المسجد الحرام، فإنه يعم الحرم كله كما
مر.
واستنبط
منه تفضيل مكة على المدينة، لأن الأمكنة تشرف بفضل العبادة فيها على غيرها مما
تكون العبادة فيه مرجوحة، وهو قول الجمهور.
وحكي
عن مالك، وابن وهب، ومطرف، وابن حبيب، من أصحابه: لكن المشهور عن مالك وأكثر
أصحابه تفضيل المدينة. وقد رجع عن هذا القول أكثر المنصفين من المالكية. واستثنى
القاضي عياض البقعة التي دفن فيها النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-،
فحكى الاتفاق على أنها أفضل بقاع الأرض. بل قال ابن عقيل الحنبلي: إنها أفضل من
العرش
واختلف في: شد الرحال
إلى غيرها، كالذهاب إلى زيارة الصالحين أحياء وأمواتًا، وإلى المواضع الفاضلة
للصلاة فيها، والتبرك بها.
فقال أبو محمد
الجويني: يحرم عملاً بظاهر هذا الحديث؛ واختاره القاضي حسين، وقال به القاضي عياض
وطائفة. (وأقول عن نفسي صاحب هذه المدونةالأحوط هذا القول)
والصحيح عند إمام
الحرمين، وغيره من الشافعية، الجواز، وخصوا النهي بمن نذر الصلاة في غير الثلاثة،
وأما قصد غيرها لغير ذلك، كالزيارة فلا يدخل في النهي.
وخص
بعضهم النهي فيما حكاه الخطابي بالاعتكاف في غير الثلاثة، لكن قال في الفتح: ولم
أر عليه دليلاً.
وقد قالت فاطمة بنت
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فيه:
ماذا على من شم تربة
أحمد ... أن لا يشم مدى الزمان
غواليا
صبت
عليّ مصائب لو أنها ... صبت على الأيام عدن لياليا
واعلم أن المصيبة كير
العبد الذي يسبك فيه حاله، فإما أن يخرج ذهبًا أحمر، وإما أن يخرج خبثًا كله، كما
قيل:
سبكناه ونحسبه لجينًا
... فأبدى الكير عن خبث الحديد
فإن
لم ينفعه هذا الكير في الدنيا، فبين يديه الكير الأعظم، فإذا علم العبد أن إدخاله
كير الدنيا ومسبكها خير له من ذلك الكير والمسبك، وأنه لا بد له من أحد الكيرين،
فليعلم قدر نعمة الله عليه في الكير العاجل، فالعبد إذا امتحنه الله بمصيبة فصبر
عند الصدمة الأولى، فليحمد الله تعالى على أن أهلّه لذلك وثبته عليه.
وقد اختلف: هل
المصائب مكفرات أو مثيبات؟ فذهب الشيخ عز الدّين بن عبد السلام في طائفة، إلى أنه:
إنما يثاب على الصبر عليها، لأن الثواب إنما يكون على فعل العبد، والمصائب لا صنع
له فيها، وقد يصيب الكافر مثل ما يصيب المسلم، وذهب آخرون إلى أنه يثاب عليها
لآية، ولا ينالون من عدوّ نيلاً إلا كتب لهم به عمل صالح.
وحديث الصحيحين:
والذي نفسي بيده ما على الأرض
مسلم يصيبه أذى من مرض فما سواه، إلا حط الله عنه به خطاياه، كما تحط الشجرة
اليابسة ورقها.
وفيهما: ما من مصيبة
تصيب المسلم من نصب ولا وصب، ولا هم ولا حزن، ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة، إلا كفر
الله عز وجل بها خطاياه. فالغم على المستقبل، والحزن على الماضي، والنصب والوصب
المرض. وفيه: حلفه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تقوية لإيمان الضعيف،
ومسمى مسلم وإن قل ولو مذنبًا، ومسمى أذى وإن قل، وذكر خطاياه ولم يقل: منها.
طفح الكرم حتى ... غفر بمجرد ألم
ولو
لم يكن للمبتلى ... في الصبر قدم
وقال
ابن سراقة في كتابه الإعداد: والحرم في الأرض موضع واحد وهو مكة وما حولها ومسافة
ذلك ستة عشر ميلاً في مثلها وذلك بريد واحد وثلث على الترتيب، والسبب في بُعد بعض
الحدود وقرب بعضها ما قيل إن الله تعالى لما أهبط على آدم بيتًا من ياقوتة أضاء له
ما بين المشرق والمغرب فنفرت الجن والشياطين ليقربوا منها فاستعاذ منهم بالله وخاف
على نفسه منهم، فبعث الله ملائكة فحفوا بمكة فوقفوا مكان الحرم، وذكر بعض أهل
الكشف والمشاهدات أنهم يشاهدون تلك الأنوار واصلة إلى حدود الحرم فحدود الحرم موضع
وقوف الملائكة، وقيل: إن الخليل لما وضع الحجر الأسود في الركن أضاء له نور وصل
إلى أماكن الحدود فجاءت الشياطين فوقفت عند الأعلام فبناها الخليل عليه السلام
حاجزًا. رواه مجاهد عن ابن عباس، وعنه أن جبريل عليه السلام أرى إبراهيم عليه
السلام موضع أنصاب الحرم فنصبها، ثم جددها إسماعيل عليه السلام، ثم جددها قصي بن
كلاب، ثم جددها النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فلما ولي عمر -رضي
الله عنه- بعث أربعة من قريش فنصبوا أنصاب الحرم، ثم جددها معاوية -رضي الله عنه-،
ثم عبد الملك بن مروان
وخراب
مكة من الحبشة على يد حبشي أفحج الساقين أزرق العينين أفطس الأنف كبير البطن معه
أصحابه ينقضونها حجرًا حجرًا ويتناولونها حتى يرموا بها يعني الكعبة إلى البحر،
وخراب المدينة من الجوع، واليمن من الجراد. وذكر الحليمي أن خراب الكعبة يكون في
زمن عيسى عليه الصلاة والسلام، وقال القرطبي: بعد رفع القرآن من الصدور والمصاحف
وذلك بعد موت عيسى وهو الصحيح
وفي
حديث ابن عباس مرفوعًا ما صححه الترمذي: نزل الحجر الأسود من الجنة وهو أشد بياضًا
من اللبن فسوّدته خطايا بني آدم لكن فيه عطاء بن السائب وهو صدوق إلا أنه اختلط
وجرير ممن سمع منه بعد اختلاطه، لكن له طريق أخرى في صحيح ابن خزيمة فيقوى بها.
وفي هذا الحديث التخويف لأنه إذا كانت الخطايا تؤثر في الحجر فما ظنك بتأثيرها في
القلوب؟ وينبغي أن يتأمل كيف أبقاه الله تعالى على صفة السواد أبدًا مع ما مسه من
أيدي الأنبياء والمرسلين المقتضي لتبييضه ليكون ذلك عبرة لذوي الأبصار وواعظًا لكل
من وافاه من ذوي الأفكار ليكون ذلك باعثًا على مباينة الزلات، ومجانبة الذنوب
الموبقات.
وفي
حديث عبد الله بن عمرو بن العاصي مرفوعًا: أن الحجر والمقام ياقوتتان من يواقيت
الجنة طمس الله نورهما ولولا ذلك لأضاء ما بين المشرق والمغرب. رواه أحمد
والترمذي، وصححه ابن حبان لكن في إسناده رجاء أبو يحيى وهو ضعيف، وإنما أذهب الله
نورهما ليكون إيمان الناس ْبكونهما حقًا إيمانًا بالغيب ولو لم يطمس لكان الإيمان
بهما إيمانًا بالمشاهدة، والإيمان الموجب للثواب هو إيمان بالغيب.
وروى
الفاكهي وغيره عن ابن عباس: صلوا في مصلّى الأخيار واشربوا من شراب الأبرار، قيل:
وما مصلّى الأخيار؟ قال: تحت الميزاب. قيل: فما شراب الأبرار؟ قال: زمزم.
لكونها تنفي خبثها
وتنصع طيبها ولله در الأشبيلي حيث قال:
لتربة المدينة نفحة
ليس كما عهد من الطيب.
بل هو عجب من
الأعاجيب.
وقال
بعضهم مما ذكره في الفتح وفي طيب ترابها وهوائها دليل شاهد على صحة هذه التسمية
لأن من أقام بها يجد من تربتها وحيطانها رائحة طيبة لا يكاد يجدها في غيرها اهـ.