مقتطفات من كتاب القرآن تدبر وعمل {9} تكملة سورة العنكبوت
و سورة الروم وسورة لقمان و سورة السجدة
«تفسير السعدي = تيسير الكريم الرحمن» (ص632):
«{وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنزلَ إِلَيْنَا وَأُنزلَ إِلَيْكُمْ
وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ} أي: ولتكن مجادلتكم لأهل الكتاب مبنية على الإيمان
بما أنزل إليكم وأنزل إليهم، وعلى الإيمان برسولكم ورسولهم، وعلى أن الإله واحد، ولا
تكن مناظرتكم إياهم [على وجه] يحصل به (1) القدح في شيء من الكتب الإلهية، أو بأحد
من الرسل، كما يفعله الجاهل عند مناظرة الخصوم، يقدح بجميع ما معهم، من حق وباطل، فهذا
ظلم، وخروج عن الواجب وآداب النظر، فإن الواجب، أن يرد ما مع الخصم من الباطل، ويقبل
ما معه من الحق، ولا يرد الحق لأجل قوله، ولو كان كافرا.»
«تفسير القرطبي = الجامع لأحكام القرآن» (13/ 354):
«بَلْ هُوَ آياتٌ بَيِّناتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ
وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلَاّ الظَّالِمُونَ (49)»
قَالَ الْحَسَنُ: أُعْطِيَتْ هَذِهِ الْأُمَّةُ الْحِفْظَ، وَكَانَ مَنْ قَبْلَهَا
لَا يَقْرَءُونَ كِتَابَهُمْ إِلَّا نَظَرًا، فَإِذَا أَطْبَقُوهُ لَمْ يَحْفَظُوا
مَا فِيهِ إِلَّا النَّبِيُّونَ. فَقَالَ كَعْبٌ فِي صِفَةِ هَذِهِ الْأُمَّةِ: إِنَّهُمْ
حُكَمَاءُ عُلَمَاءَ وَهُمْ فِي الْفِقْهِ أَنْبِيَاءُ.
«تفسير ابن كثير - ط أولاد الشيخ» (10/ 523):
«{قُلْ كَفَى بِاللَّهِ بَينِي وَبَينَكُمْ شَهِيدًا} أي: هو أعلم بما
تفيضون فيه من التكذيب، ويعلم ما أقول لكم من إخباري عنه، بأنه أرسلني، فلو كنت كاذبًا
عليه لانتقم مني، كما قال تعالى: {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَينَا بَعْضَ الْأَقَاويلِ
(44) لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (45) ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ
(46) فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ}، وإنما أنا صادق عليه فيما أخبرتكم
به؛ ولهذا أيدني بالمعجزات الواضحات، والدلائل القاطعات.»
«تفسير ابن كثير - ط أولاد الشيخ» (10/ 524):
«{يَوْمَ يَغْشَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ}»
فالنار تغشاهم من سائر جهاتهم، وهذا أبلغ في العذاب الحسي. {وَيَقُولُ ذُوقُوا مَا
كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}، تهديد وتقريع وتوبيخ، وهذا عذاب معنوي على النفوس
«تفسير القرطبي = الجامع لأحكام القرآن» (13/ 357/358): «(يَا عِبادِيَ الَّذِينَ
آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي واسِعَةٌ)
هَذِهِ الْآيَةُ نَزَلَتْ فِي تَحْرِيضِ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ كَانُوا بِمَكَّةَ
عَلَى الْهِجْرَةِ- فِي قَوْلِ مُقَاتِلٍ وَالْكَلْبِيِّ- فَأَخْبَرَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى
بِسَعَةِ أَرْضِهِ، وَأَنَّ الْبَقَاءَ فِي بُقْعَةٍ عَلَى أَذَى الْكُفَّارِ لَيْسَ
بِصَوَابٍ. بَلِ الصَّوَابُ أَنْ يَتَلَمَّسَ عِبَادَةَ اللَّهِ فِي أَرْضِهِ مَعَ
صَالِحِي عِبَادِهِ، أَيْ إِنْ كُنْتُمْ فِي ضِيقٍ مِنْ إِظْهَارِ الْإِيمَانِ بِهَا
فَهَاجِرُوا إِلَى الْمَدِينَةِ فَإِنَّهَا وَاسِعَةٌ، لِإِظْهَارِ التَّوْحِيدِ بِهَا.
وَقَالَ ابْنُ جُبَيْرٍ وعطاء: إن الأرض التي فيها الظلم وَالْمُنْكَرُ تَتَرَتَّبُ
فِيهَا هَذِهِ الْآيَةُ، وَتَلْزَمُ الْهِجْرَةُ عَنْهَا إِلَى بَلَدٍ حَقٍّ»
«تفسير القرطبي = الجامع لأحكام القرآن» (13/ 358):
قَوْلُهُ تَعَالَى: (كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنا تُرْجَعُونَ)
تَقَدَّمَ فِي" آلِ عمران". وإنما ذكره ها هنا تَحْقِيرًا لِأَمْرِ الدُّنْيَا
وَمَخَاوِفِهَا. كَأَنَّ بَعْضَ الْمُؤْمِنِينَ نَظَرَ فِي عَاقِبَةٍ تَلْحَقُهُ فِي
خُرُوجِهِ مِنْ وَطَنِهِ مِنْ مَكَّةَ أَنَّهُ يَمُوتُ أَوْ يَجُوعُ أَوْ نَحْوِ هَذَا،
فَحَقَّرَ اللَّهُ شَأْنَ الدُّنْيَا. أَيْ أَنْتُمْ لَا مَحَالَةَ مَيِّتُونَ وَمَحْشُورُونَ
إِلَيْنَا، فَالْبِدَارُ إِلَى طَاعَةِ اللَّهِ وَالْهِجْرَةِ إِلَيْهِ وَإِلَى مَا
يُمْتَثَلُ. ثُمَّ وَعَدَ الْمُؤْمِنِينَ الْعَامِلِينَ بِسُكْنَى الْجَنَّةِ تَحْرِيضًا
مِنْهُ تَعَالَى، وَذَكَرَ الْجَزَاءَ الَّذِي يَنَالُونَهُ، ثُمَّ نَعَتَهُمْ بِقَوْلِهِ:
(الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ)
«تفسير القرطبي = الجامع لأحكام القرآن»:«وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ
رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُها وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (60)»
«تفسير القرطبي = الجامع لأحكام القرآن» (13/ 360):
«اللَّهُ يَرْزُقُها وَإِيَّاكُمْ" يُسَوِّي بَيْنَ الْحَرِيصِ
وَالْمُتَوَكِّلِ فِي رِزْقِهِ، وَبَيْنَ الرَّاغِبِ وَالْقَانِعِ، وَبَيْنَ الْحَيُولِ
وَالْعَاجِزِ حَتَّى لَا يَغْتَرَّ الْجَلِدُ أَنَّهُ مَرْزُوقٌ بِجَلَدِهِ، وَلَا
يَتَصَوَّرُ الْعَاجِزُ أَنَّهُ مَمْنُوعٌ بِعَجْزِهِ. وَفِي الصَّحِيحِ عَنِ النَّبِيِّ
صلى الله عليه وسلم:" لَوْ أَنَّكُمْ تَوَكَّلُونَ عَلَى اللَّهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ
لَرَزَقَكُمْ كَمَا يَرْزُقُ الطَّيْرَ تَغْدُو خِمَاصًا وَتَرُوحُ بطانا".»
«تفسير القرطبي = الجامع لأحكام القرآن» (13/ 362):
«(وَما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ) أي شي يُلْهَى
بِهِ وَيُلْعَبُ. أَيْ لَيْسَ مَا أَعْطَاهُ اللَّهُ الْأَغْنِيَاءَ مِنَ الدُّنْيَا
إِلَّا وَهُوَ يَضْمَحِلُّ وَيَزُولُ، كَاللَّعِبِ الَّذِي لَا حَقِيقَةَ لَهُ وَلَا
ثَبَاتَ»
قَالَ بَعْضُهُمْ: الدُّنْيَا إِنْ بَقِيَتْ لَكَ لَمْ تَبْقَ لَهَا. وَأَنْشَدَ:
تَرُوحُ لَنَا الدُّنْيَا بِغَيْرِ الَّذِي غَدَتْ … وَتَحْدُثُ مِنْ بَعْدِ
الْأُمُورِ أُمُورُ
وَتَجْرِي اللَّيَالِي بِاجْتِمَاعٍ
وَفُرْقَةٍ … وَتَطْلُعُ فِيهَا أَنْجُمٌ وَتَغُورُ
فَمَنْ ظَنَّ أَنَّ الدَّهْرَ بَاقٍ سُرُورُهُ … فَذَاكَ مُحَالٌ لَا يَدُومُ
سُرُورُ
عَفَا اللَّهُ عَمَّنْ صَيَّرَ
الْهَمَّ وَاحِدًا … وَأَيْقَنَ أَنَّ الدَّائِرَاتِ تَدُورُ
«تفسير القرطبي = الجامع لأحكام القرآن» (13/ 362/363):
«فَإِذا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ
فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذا هُمْ يُشْرِكُونَ (65)»
فَإِذا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ) يَعْنِي السُّفُنَ وَخَافُوا الْغَرَقَ (دَعَوُا
اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) أَيْ صَادِقِينَ فِي نِيَّاتِهِمْ، وَتَرَكُوا
عِبَادَةَ الْأَصْنَامِ وَدُعَاءَهَا. (فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذا هُمْ
يُشْرِكُونَ) أَيْ يَدْعُونَ مَعَهُ غَيْرَهُ، وَمَا لم يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا.
«أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنا حَرَماً آمِناً» 13/364
أَيْ جَعَلْتُ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا أَمِنُوا فِيهِ مِنَ السَّبْيِ وَالْغَارَةِ
وَالْقَتْلِ، وَخَلَّصْتُهُمْ فِي الْبَرِّ كَمَا خَلَّصْتُهُمْ فِي الْبَحْرِ، فَصَارُوا
يُشْرِكُونَ فِي الْبَرِّ وَلَا يُشْرِكُونَ فِي الْبَحْرِ. فَهَذَا تَعَجُّبٌ مِنْ
تَنَاقُضِ أَحْوَالِهِمْ.
«تفسير القرطبي = الجامع لأحكام القرآن» (13/ 364/365):
«وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا وَإِنَّ اللَّهَ
لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ (69)» وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ
الدَّارَانِيُّ: لَيْسَ الْجِهَادُ فِي الْآيَةِ قِتَالَ الْكُفَّارِ فَقَطْ بَلْ هُوَ
نَصْرُ الدِّينِ، وَالرَّدُّ عَلَى الْمُبْطِلِينَ، وَقَمْعُ الظَّالِمِينَ، وَعِظَمُهُ
الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَمِنْهُ مُجَاهَدَةُ النُّفُوسِ
فِي طَاعَةِ اللَّهِ وَهُوَ الْجِهَادُ الْأَكْبَرُ.
«تفسير السعدي = تيسير الكريم الرحمن» (ص636): سورة الروم
«{لِلَّهِ الأمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ} فليس الغلبة والنصر لمجرد وجود
الأسباب، وإنما هي لا بد أن يقترن بها القضاء والقدر.»
«تفسير السعدي = تيسير الكريم الرحمن» (ص637):
«{يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} فينظرون إلى الأسباب
ويجزمون بوقوع الأمر الذي في رأيهم انعقدت أسباب وجوده ويتيقنون عدم الأمر الذي لم
يشاهدوا له من الأسباب المقتضية لوجوده شيئا، فهم واقفون مع الأسباب غير ناظرين إلى
مسببها المتصرف فيها.»
«تفسير السعدي = تيسير الكريم الرحمن» (ص637):
«{وَهُمْ عَنِ الآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ} قد توجهت قلوبهم وأهواؤهم
وإراداتهم إلى الدنيا وشهواتها وحطامها فعملت لها وسعت وأقبلت بها وأدبرت وغفلت عن
الآخرة، فلا الجنة تشتاق إليها ولا النار تخافها وتخشاها ولا المقام بين يدي الله ولقائه
يروعها ويزعجها وهذا علامة الشقاء وعنوان الغفلة عن الآخرة.
ومن العجب أن هذا القسم من الناس قد بلغت بكثير منهم الفطنة والذكاء في ظاهر
الدنيا إلى أمر يحير العقول ويدهش الألباب. وأظهروا من العجائب الذرية والكهربائية والمراكب البرية والبحرية والهوائية
ما فاقوا به وبرزوا وأعجبوا بعقولهم ورأوا غيرهم عاجزا عما أقدرهم الله عليه، فنظروا
إليهم بعين الاحتقار والازدراء وهم مع ذلك أبلد الناس في أمر دينهم وأشدهم غفلة عن
آخرتهم وأقلهم معرفة بالعواقب، قد رآهم أهل البصائر النافذة في جهلهم يتخبطون وفي ضلالهم
يعمهون وفي باطلهم يترددون نسوا الله فأنساهم
أنفسهم أولئك هم الفاسقون. ثم نظروا إلى ما
أعطاهم الله وأقدرهم عليه من الأفكار الدقيقة في الدنيا وظاهرها و [ما] حرموا من العقل
العالي فعرفوا أن الأمر لله والحكم له في عباده
وإن هو إلا توفيقه وخذلانه فخافوا ربهم وسألوه
أن يتم لهم ما وهبهم من نور العقول والإيمان حتى يصلوا إليه، ويحلوا بساحته [وهذه الأمور
لو قارنها الإيمان وبنيت عليه لأثمرت الرُّقِيَّ العالي والحياة الطيبة، ولكنها لما
بني كثير منها على الإلحاد لم تثمر إلا هبوط الأخلاق وأسباب الفناء والتدمير] .»
«نظم الدرر في تناسب الآيات والسور» (15/ 45): «{يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ
الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}»
«قال الحسن: إن أحدهم لينقر الدرهم بطرف ظفره فيذكر وزنه ولا يخطىء
وهو لا يحسن يصلي - انتهى. وأمثال هذا لهم كثير، وهو وإن كان عند أهل الدنيا عظيماً
فهو عند الله حقير، فلذلك حقره لأنهم ما زادوا فيه على أن ساووا البهائم في إدراكها
ما ينفعها فتستجلبه بضروب من الحيل، وما يضرها فتدفعه بأنواع من الخداع، وأما علم باطنها
وهو أنها مجاز إلى الآخرة يتزود منها بالطاعة، فهو ممدوح منبه عليه بوصفها بما يفهم
الأخرى»
«نظم الدرر في تناسب الآيات والسور» (15/ 52): فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ
وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (9)
«أي يجددون الظلم لها بإيقاع الضر موقع جلب النفع، لأنهم لا يعتبرون
بعقولهم التي ركبناها فيهم ليستضيؤا بها فيعلموا الحق من الباطل، ولا يقبلون من الهداة
إذا كشفوا لهم ما عليها من الغطاء، ولا يرجعون عن الغي إذا اضطروهم بالآيات الباهرات،
بل ينتقلون من الغفلة إلى العناد.»
«تفسير القرطبي = الجامع لأحكام القرآن» (14/ 11):
«فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ
يُحْبَرُونَ (15)»
وَقَالَ يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ" فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ" قَالَ:
السَّمَاعُ فِي الْجَنَّةِ، وَقَالَهُ الْأَوْزَاعِيُّ،
قَالَ: إِذَا أَخَذَ أَهْلُ الْجَنَّةِ فِي السَّمَاعِ لَمْ تَبْقَ شَجَرَةٌ فِي الْجَنَّةِ إِلَّا رَدَّدَتِ
الْغِنَاءَ بِالتَّسْبِيحِ وَالتَّقْدِيسِ.
«تفسير ابن كثير - ط أولاد الشيخ» (11/ 18):
«{يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ}،
هو ما نحن فيه من قدرته على فعل الأشياء المتقابلة، وهذه الآيات المتتابعة الكريمة
كلها من هذا النمط، فإنه يذكر فيها خلقه الأشياء وأضدادها، ليدل خلقه على كمال قدرته،
فمن ذلك إخراج النبات من الحب، والحب من النبات. والبيض من الدجاج، والدجاج من البيض،
والإِنسان من النطفة، والنطفة من الإِنسان، والمؤمن من الكافر، والكافر من المؤمن.»
«تفسير ابن كثير - ط أولاد الشيخ» (11/ 20/21):
«{وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ
وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ (22) }»
وقوله: {وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ} يعني: اللغات، فهؤلاء بلغة العرب، وهؤلاء
تتر لهم لغة أخرى، وهؤلاء كرَج، وهؤلاء روم، وهؤلاء إفرنج، وهؤلاء بزبر، وهؤلاء تُكْرور،
وهؤلاء حبشة، وهؤلاء هنود، وهؤلاء عجم، وهؤلاء صقالبة، وهؤلاء خزر، وهولاء أرمن، وهؤلاء
أكراد، إلى غير ذلك مما لا يعلمه إلا اللَّه من اختلاف لغات بني آدم، واختلاف ألوانهم
وهي حُلاهم، فجميع أهل الأرض -بل أهل الدنيا- منذ خلق اللَّه آدم إلى قيام الساعة:
كل له عينان وحاجبان، وأنف وجبين، وفم وخدان. وليس يشبه واحد منهم الآخر، بل لا بد
أن يفارقه بشيء من السمت أو الهيئة أو الكلام، ظاهرًا كان أو خفيًّا، يظهر عند التأمل،
كل وجه منهم أسلوب بذاته، وهيئة لا تشبه الأخرى. ولو توافق جماعة في صفة من جمال أو
قبح لا بد من فارق بين كل واحد منهم وبين الآخر.
«تفسير القرطبي = الجامع لأحكام القرآن» (14/ 16/18):
«وَمِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ
وَأَلْوانِكُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْعالِمِينَ (22)»
(وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوانِكُمْ) اللِّسَانُ فِي الْفَمِ، وَفِيهِ
اخْتِلَافُ اللُّغَاتِ: مِنَ الْعَرَبِيَّةِ وَالْعَجَمِيَّةِ وَالتُّرْكِيَّةِ وَالرُّومِيَّةِ.
وَاخْتِلَافُ الْأَلْوَانِ فِي الصُّوَرِ: مِنَ الْبَيَاضِ وَالسَّوَادِ وَالْحُمْرَةِ،
فَلَا تَكَادُ تَرَى أَحَدًا إِلَّا وَأَنْتَ تُفَرِّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْآخَرِ.
وَلَيْسَ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ مِنْ فِعْلِ النُّطْفَةِ وَلَا مِنْ فِعْلِ الْأَبَوَيْنِ،
فَلَا بُدَّ مِنْ فَاعِلٍ، فَعُلِمَ أَنَّ الْفَاعِلَ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى، فَهَذَا
مِنْ أَدَلِّ دَلِيلٍ عَلَى الْمُدَبِّرِ الْبَارِئِ.
«نظم الدرر في تناسب الآيات والسور» (15/ 90/91): {مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا
دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيهِمْ فَرِحُونَ}
«{من الذين فرقوا} لما فارقوا {دينهم} الذي هو الفطرة الأولى، فعبد
كل قوم منهم شيئاً ودانوا ديناً غير دين من سواهم، وهو معنى {وكانوا} أي بجهدهم وجدهم
في تلك المفارقة المفرقة {شيعاً}»
أي فرقاً متحالفين، كل واحدة منهم تشايع من دان بدينها على من خالفهم حتى كفر
بعضهم بعضاً واستباحوا الدماء والأموال، فعلم قطعاً أنهم كلهم ليسوا على الحق.
ولما كان هذا أمراً يتعجب من وقوعه، زاده عجباً بقوله استئنافاً: {كل حزب} أي
منهم {بما لديهم} أي خاصة من خاص ما عندهم من الضلال الذي انتحلوه {فرحون} طناً منهم
أنهم صادفوا الحق وفازوا به دون غيرهم.
«تفسير السعدي = تيسير الكريم الرحمن» (ص643):
«{ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي
النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}»
أي: استعلن الفساد في البر والبحر أي: فساد معايشهم ونقصها وحلول الآفات بها،
وفي أنفسهم من الأمراض والوباء وغير ذلك، وذلك بسبب ما قدمت أيديهم من الأعمال الفاسدة
المفسدة بطبعها.
هذه المذكورة {لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا} أي: ليعلموا أنه المجازي
على الأعمال فعجل لهم نموذجا من جزاء أعمالهم في الدنيا {لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}
عن أعمالهم التي أثرت لهم من الفساد ما أثرت، فتصلح أحوالهم ويستقيم أمرهم. فسبحان
من أنعم ببلائه وتفضل بعقوبته وإلا فلو أذاقهم جميع ما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة.
«تفسير السعدي = تيسير الكريم الرحمن» (ص643):
«{قُلْ سِيرُوا فِي الأرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ
مِنْ قَبْلُ كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُشْرِكِينَ} .
والأمر بالسير في الأرض يدخل فيه السير بالأبدان (1) والسير في القلوب للنظر
والتأمل بعواقب المتقدمين.
{كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُشْرِكِينَ} تجدون عاقبتهم شر العواقب ومآلهم
شر مآل، عذاب استأصلهم وذم ولعن من خلق الله يتبعهم وخزي متواصل، فاحذروا أن تفعلوا
فعالهم يُحْذَى بكم حذوهم فإن عدل الله وحكمته في كل زمان ومكان.»
«تفسير السعدي = تيسير الكريم الرحمن» (ص646): سورة
لقمان
«{بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الم * تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ
* هُدًى وَرَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ * الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ
الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ * أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ
وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} .
يشير تعالى إشارة دالة على التعظيم إلى {آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ} أي:
آياته محكمة، صدرت من حكيم خبير.
من إحكامها، أنها جاءت بأجل الألفاظ وأفصحها، وأبينها، الدالة على أجل المعاني
وأحسنها.
ومن إحكامها، أنها محفوظة من التغيير والتبديل، والزيادة والنقص، والتحريف.
ومن إحكامها: أن جميع ما فيها من الأخبار السابقة واللاحقة، والأمور الغيبية
كلها، مطابقة للواقع، مطابق لها الواقع، لم يخالفها كتاب من الكتب الإلهية، ولم يخبر
بخلافها، نبي من الأنبياء، [ولم يأت ولن يأتي علم محسوس ولا معقول صحيح، يناقض ما دلت
عليه] .
ومن إحكامها: أنها ما أمرت بشيء، إلا وهو خالص المصلحة، أو راجحها، ولا نهت
عن شيء، إلا وهو خالص المفسدة أو راجحها، وكثيرا ما يجمع بين الأمر بالشيء، مع ذكر
[حكمته] فائدته، والنهي عن الشيء، مع ذكر مضرته.
ومن إحكامها: أنها جمعت بين الترغيب والترهيب، والوعظ البليغ، الذي تعتدل به
النفوس الخيرة، وتحتكم، فتعمل بالحزم.
ومن إحكامها: أنك تجد آياته المتكررة، كالقصص، والأحكام ونحوها، قد اتفقت كلها
وتواطأت، فليس فيها تناقض، ولا اختلاف. فكلما ازداد بها البصير تدبرا، وأعمل فيها العقل
تفكرا، انبهر عقله، وذهل لبه من التوافق والتواطؤ، وجزم جزما لا يمترى فيه، أنه تنزيل
من حكيم حميد.
ولكن - مع أنه حكيم - يدعو إلى كل خلق كريم، وينهى عن كل خلق لئيم، أكثر الناس
محرومون الاهتداء به، معرضون عن الإيمان والعمل به، إلا من وفقه الله تعالى وعصمه،
وهم المحسنون في عبادة ربهم والمحسنون إلى الخلق.»
الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ
ثم وصف المحسنين بالعلم التام، وهو اليقين الموجب للعمل والخوف من عقاب الله،
فيتركون معاصيه، ووصفهم بالعمل، وخص من العمل، عملين فاضلين: الصلاة المشتملة على الإخلاص،
ومناجاة الله تعالى، والتعبد العام للقلب واللسان، والجوارح المعينة، على سائر الأعمال،
والزكاة التي تزكي صاحبها من الصفات الرذيلة، وتنفع أخاه المسلم، وتسد حاجته، ويبين
بها أن العبد يؤثر محبة الله على محبته للمال، فيخرجه محبوبه من المال، لما هو أحب
إليه، وهو طلب مرضاة الله.
«نظم الدرر في تناسب الآيات والسور» (15/ 146/147):
«{لهو الحديث} أي ما يلهي من الأشياء المتجددة التي تستلذ فيقطع بها
الزمان من الغناء والمضحكات وكل شيء لا اعتبار فيه، فيوصل النفس بما أوصلها إليه من
اللذة إلى مجرد الطبع البهيمي فيدعوها إلى العبث من اللعب كالرقص ونحوه مجتهداً في
ذلك معملاً الخيل في تحصيله باشتراء سببه، معرضاً عن اقتناص العلوم وتهذيب النفس بها
عن الهموم والغموم، فينزل إلى أسفل سافلين كما علا الذي قبله بالحكمة إلى أعلى عليين
»
«تفسير ابن كثير - ط أولاد الشيخ» (11/ 52/53):
«{وَإِذْ قَال لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَابُنَيَّ لَا
تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ » وهو يوصي ولده الذي هو أشفق الناس عليه
وأحبهم إليه، فهو حقيق أن يمنحه أفضل ما يعرف، ولهذا أوصاه أولًا بأن يعبد الله وحده
ولا يشرك به شيئًا، ثم قال محذرًا له: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ}، أي: هو
أعظم الظلم.
«تفسير ابن كثير - ط أولاد الشيخ» (11/ 53): «{وَوَصَّينَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيهِ
حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ}»
وإنما يذكر تعالى تربية الوالدة وتعبها ومشقتها في سهرها ليلًا ونهارًا، ليُذَكّر
الولد بإحسانها المتقدم إليه
«تفسير القرطبي = الجامع لأحكام القرآن» (14/ 65): «أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ
إِلَيَّ الْمَصِيرُ (14)»
أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ. قِيلَ: الشُّكْرُ لِلَّهِ عَلَى نِعْمَةِ
الْإِيمَانِ، وَلِلْوَالِدَيْنِ عَلَى نِعْمَةِ التَّرْبِيَةِ. وَقَالَ سُفْيَانُ بْنُ
عُيَيْنَةَ: مَنْ صَلَّى الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ فَقَدْ شَكَرَ اللَّهَ تَعَالَى، وَمَنْ
دَعَا لِوَالِدَيْهِ فِي أَدْبَارِ الصَّلَوَاتِ فَقَدْ شَكَرَهُمَا.
«تفسير القرطبي = الجامع لأحكام القرآن» (14/ 73):
«أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّماواتِ
وَما فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وَباطِنَةً»
قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِابْنِ عَبَّاسٍ وَقَدْ سَأَلَهُ عَنْ
هَذِهِ الْآيَةِ: (الظَّاهِرَةُ الْإِسْلَامُ وَمَا حَسُنَ مِنْ خُلُقِكَ، وَالْبَاطِنَةُ
مَا سُتِرَ عَلَيْكَ مِنْ سيئ عملك). وَقِيلَ: الظَّاهِرَةُ الصِّحَّةُ وَكَمَالُ الْخَلْقِ،
وَالْبَاطِنَةُ الْمَعْرِفَةُ وَالْعَقْلُ. وَقَالَ الْمُحَاسِبِيُّ: الظَّاهِرَةُ
نِعَمُ الدُّنْيَا، وَالْبَاطِنَةُ نِعَمُ الْعُقْبَى. وَقِيلَ: الظَّاهِرَةُ مَا يُرَى
بِالْأَبْصَارِ مِنَ الْمَالِ وَالْجَاهِ وَالْجَمَالِ فِي النَّاسِ وَتَوْفِيقِ الطَّاعَاتِ،
وَالْبَاطِنَةِ مَا يَجِدُهُ الْمَرْءُ في نفسه من العلم بالله وَحُسْنِ الْيَقِينِ
وَمَا يَدْفَعُ اللَّهُ تَعَالَى عَنِ الْعَبْدِ مِنَ الْآفَاتِ.
سورة السجدة
«تفسير ابن كثير - ط أولاد الشيخ» (11/ 89):
«عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان النبي، صلى الله عليه وسلم يقرأ
في الفجر يوم الجمعة: {الم (1) تَنْزِيلُ} السجدة، و {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ}.
ورواه مسلم أيضًا من حديث سفيان الثوري، به»
وَفِي الصَّحِيحِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم
كَانَ يَقْرَأُ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ" الم. تَنْزِيلُ"
السَّجْدَةَ، وَ" هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ"
«تفسير السعدي = تيسير الكريم الرحمن» (ص653):
«تَنْزِيلُ الْكِتَابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ *
أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا
أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ} .
يخبر تعالى أن هذا الكتاب الكريم، أنه تنزيل من رب العالمين، الذي رباهم بنعمته.
ومن أعظم ما رباهم به، هذا الكتاب، الذي فيه كل ما يصلح أحوالهم، ويتمم أخلاقهم،
وأنه لا ريب فيه، ولا شك، ولا امتراء، ومع ذلك قال المكذبون للرسول الظالمون في ذلك:
افتراه محمد، واختلقه من عند نفسه، وهذا من أكبر الجراءة على إنكار كلام الله، ورمي
محمد صلى الله عليه وسلم، بأعظم الكذب، وقدرة الخلق على كلام مثل كلام الخالق»
«نظم الدرر في تناسب الآيات والسور» (15/ 254/255):
{تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا
وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ}.
«{تتجافى} أي ترتفع ارتفاع مبالغ في الجفاء - بما أشار إليه الإظهار،
وبشر بكثرتهم بالتعبير»
{وطمعاً} أي في رضاه الموجب لثوابه، وعبر به دون الرجاء إشارة إلى أنهم لشدة
معرفتهم بنقائصهم لا يعدون أعمالهم شيئاً بل يطلبون فضله بغير سبب، وإذا كانوا يرجون
رحمته بغير سبب فهم مع السبب أرجى، فهم لا ييأسون من روحه.
«تفسير ابن كثير - ط أولاد الشيخ» (11/ 98):
«{فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ
جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}»
فلا يعلم أحد عظمة ما أخفى الله لهم في الجنات من النعيم المقيم، واللذات التي
لم يطلع على مثلها أحد، لَمّا أخفوا أعمالهم أخفى الله لهم من الثواب، جزاء وفاقًا،
فإن الجزاء من جنس العمل. قال الحسن: أخفى قوم عملهم فأخفى الله لهم ما لم تر عين،
ولا يخطر على قلب بشر. رواه ابن أبي حاتم.
«تفسير ابن كثير - ط أولاد الشيخ» (11/ 109):
«قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لَا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمَانُهُمْ
وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ (29) فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَانْتَظِرْ إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ
(30)}»
ومن زعم أن المراد من هذا الفتح فتحُ مكة فقد أبعد النجعة، وأخطأ فأفحش، فإن
يوم الفتح قد قَبل رسولُ الله، صلى الله عليه وسلم، إسلام الطلقاء، وقد كانوا قريبًا
من ألفين، ولو كان المراد فتحَ مكة لما قبل إسلامهم، لقوله: {قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ
لَا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمَانُهُمْ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ}، وإنما المراد
الفتح الذي هو القضاء والفصل