مقتطفات من كتاب القرآن تدبر وعمل {16} سورة المجادلة و سورة الحشر و سورة الممتحنة و سورة الصف و سورة
الجمعة و سورة المنافقين و سُورَةُ التَّغَابُنِ و سورة الطلاق و سورة التحريم
«تفسير السعدي = تيسير الكريم الرحمن» (ص844): سورة
المجادلة
«{إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ} لجميع الأصوات، في جميع الأوقات، على تفنن الحاجات.
{بَصِيرٌ} يبصر دبيب النملة السوداء، على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء،
وهذا إخبار عن كمال سمعه وبصره، وإحاطتهما بالأمور الدقيقة والجليلة، وفي ضمن ذلك الإشارة
بأن الله [تعالى] سيزيل شكواها، ويرفع بلواها»
«تفسير السعدي = تيسير الكريم الرحمن» (ص844):
«{لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ} وذلك بالتزام هذا الحكم وغيره
من الأحكام، والعمل به، فإن التزام أحكام الله، والعمل بها من الإيمان، [بل هي المقصودة]
ومما يزيد به الإيمان (7) ويكمل وينمو.»
«تفسير القرطبي = الجامع لأحكام القرآن» (17/288/289):
«إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ كُبِتُوا كَما كُبِتَ
الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ»
كُبِتُوا) قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ وَالْأَخْفَشُ: أُهْلِكُوا. وَقَالَ قَتَادَةُ:
اخْزُوا كَمَا أُخْزِيَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ. وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: عُذِّبُوا.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: لُعِنُوا. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: غِيظُوا يَوْمَ الْخَنْدَقِ.
وَقِيلَ: يَوْمَ بَدْرٍ. وَالْمُرَادُ الْمُشْرِكُونَ. وَقِيلَ: الْمُنَافِقُونَ.
(كَما كُبِتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ). وَقِيلَ: (كُبِتُوا) أَيْ سَيُكْبَتُونَ،
وَهُوَ بِشَارَةٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى لِلْمُؤْمِنِينَ بِالنَّصْرِ
«تفسير القرطبي = الجامع لأحكام القرآن» (17/ 299):
«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي
الْمَجالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ»
(يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ) أَيْ فِي قُبُورِكُمْ. وَقِيلَ: فِي قُلُوبِكُمْ.
وَقِيلَ: يُوَسِّعُ عَلَيْكُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.
«تفسير ابن كثير - ط أولاد الشيخ» (13/ 461):
«{يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا
الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} أي: لا تعتقدوا أنه إذا
فَسَح أحد منكم لأخيه إذا أقبل، أو إذا أمر بالخروج فخرج، أن يكون ذلك نقصًا في حقه،
بل هو رفعة ومزية عند الله، والله تعالى لا يضيع ذلك له، بل يجزيه بها في الدنيا والآخرة،
فإن من تواضع لأمر الله رَفَع الله قدره، ونشَرَ ذكره؛ ولهذا قال: {يَرْفَعِ اللَّهُ
الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ [بِمَا
تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ}]، أي: خبير بمن يستحق ذلك وبمن لا يستحقه.»
«تفسير السعدي = تيسير الكريم الرحمن» (ص846):
«فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ
وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} .»
{فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ} بأركانها وشروطها، وجميع حدودها ولوازمها، {وَآتُوا
الزَّكَاةَ} المفروضة [في أموالكم] إلى مستحقيها.
وهاتان العبادتان هما أم العبادات البدنية والمالية، فمن قام بهما على الوجه
الشرعي، فقد قام بحقوق الله وحقوق عباده، [ولهذا قال بعده:] {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ}
وهذا أشمل ما يكون من الأوامر.
«تفسير السعدي = تيسير الكريم الرحمن» (ص847):
{وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} .
«والعبرة في ذلك على الإخلاص والإحسان، ولهذا قال: {وَاللَّهُ خَبِيرٌ
بِمَا تَعْمَلُونَ} فيعلم تعالى أعمالهم، وعلى أي: وجه صدرت، فيجازيهم على حسب علمه
بما في صدورهم.»
«نظم الدرر في تناسب الآيات والسور» (19/ 387):
{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ
مَا هُمْ مِنْكُمْ وَلا مِنْهُمْ وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ}
«قال القشيري - على أن - من وافق مغضوباً عليه أشرك نفسه في استحقاق غضب من
هو غضبان عليه، فمن تولى مغضوباً عليه من قبل الله استوجب غضب الله وكفى بذلك هواناً
وحزناً وحرماناً،»
«تفسير السعدي = تيسير الكريم الرحمن» (ص848):
«وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ»
فكما أن المنافقين في الدنيا يموهون على المؤمنين، ويحلفون لهم أنهم مؤمنون،
فإذا كان يوم القيامة وبعثهم الله جميعا، حلفوا لله كما حلفوا للمؤمنين، ويحسبون في
حلفهم هذا أنهم على شيء، لأن كفرهم ونفاقهم وعقائدهم الباطلة، لم تزل ترسخ في أذهانهم
شيئا فشيئا، حتى غرتهم وظنوا أنهم على شيء يعتد به، ويعلق عليه الثواب، وهم كاذبون
في ذلك، ومن المعلوم أن الكذب لا يروج على عالم الغيب والشهادة.
«نظم الدرر في تناسب الآيات والسور» (19/ 394/395):
{إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ فِي الأذَلِّينَ}
«ولما كانوا لا يفعلون ذلك إلا لكثرة أعوانهم وأتباعهم، فيظن من رآهم
أنهم الأعزاء الذين لا أحد أعز منهم، قال تعالى نفياً لهذا الغرور الظاهر: {أولئك}
أي الأباعد الاسافل {في الأذلين } أي الذين يعرفون أنهم أذل الخلق بحيث يوصف كل منهم
بأنه الأذل مطلقاً من غير مفضل عليه ليعم كل من يمكن منه ذل، وذلك في الدنيا والآخرة
سواء كانوا فارس والروم أو أعظم منهم سواء كانوا ملوكاً كفرة كانوا أو فسقة، كما قال
الحسن: إن للمعصية في قلوبهم لذلاً، وإن طقطقت بهم اللجم»{
معنى "طقطقت
بهم اللجم" في سياق الآية الكريمة هو أن "البغال" (جمع بغل) أو "الخيل" (المطهم) قد "جرت
مسرعة" أو "انطلق بها أصحابها" بسرعة} وقال الحسن: "وإن هَمْلَجَتْ بهم
البراذين، وطقطقت بهم البغال" ومعنى الهملجة: أي حسن سير الدابة في سرعة
وبخترة. والبراذين من الخيل: ما كان من غير نتاج العرب.
«تفسير السعدي = تيسير
الكريم الرحمن» (ص848):
«{لا
تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ
اللَّهَ وَرَسُولَهُ»}
أي: لا يجتمع هذا وهذا،
فلا يكون العبد مؤمنا بالله واليوم الآخر حقيقة، إلا كان عاملا على مقتضى الإيمان ولوازمه،
من محبة من قام بالإيمان وموالاته، وبغض من لم يقم به ومعاداته، ولو كان أقرب الناس
إليه.
وهذا هو الإيمان على
الحقيقة، الذي وجدت ثمرته والمقصود منه
«تفسير ابن كثير -
ط أولاد الشيخ» (13/ 469):
«{رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ}: سر بديع، وهو أنه لما سخطوا على القرائب والعشائر
في الله عَوَّضهم الله بالرضا عنهم، وأرضاهم عنه بما أعطاهم من النعيم المقيم، والفوز
العظيم، والفضل العميم.»
«نظم الدرر في تناسب الآيات والسور» (19/ 411): سورة الحشر
هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ
لِأَوَّلِ الْحَشْرِ
« ولا تعتمدوا على
غير الله كما اعتمد هؤلاء على المنافقين، فإن من اعتمد على مخلوق أسلمه ذلك إلى صغاره
ومذلته»
«تفسير السعدي = تيسير الكريم الرحمن» (ص848):
«وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ»
فأعجبوا بها وغرتهم، وحسبوا أنهم لا ينالون بها، ولا يقدر عليها أحد، واطمأنت
نفوسهم إليها، وقدر الله تعالى وراء ذلك كله، لا تغني عنه الحصون والقلاع، ولا تجدي
فيهم القوة والدفاع. ومن وثق بغير الله فهو مخذول، ومن ركن إلى غير الله فهو عليه وبال.
«تفسير ابن كثير - ط أولاد الشيخ» (13/ 490):
«{وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ}»
وهذا المقام أعلى من حال الذين وَصَفَ الله بقوله: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ
عَلَى حُبِّهِ}. وقوله: {وَآتَى الْمَال عَلَى حُبِّهِ} فإن هؤلاء يتصدقون وهم يحبون
ما تصدقوا به، وقد لا يكون لهم حاجة إليه ولا ضرورة به، وهؤلاء آثروا على أنفسهم مع
خصاصتهم وحاجتهم إلى ما أنفقوه.
«تفسير السعدي = تيسير الكريم الرحمن» (ص851):
«{وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} ووقاية
شح النفس، يشمل وقايتها الشح، في جميع ما أمر به، فإنه إذا وقي العبد شح نفسه، سمحت
نفسه بأوامر الله ورسوله، ففعلها طائعا منقادا، منشرحا بها صدره، وسمحت نفسه بترك ما
نهى الله عنه، وإن كان محبوبا للنفس، تدعو إليه، وتطلع إليه، وسمحت نفسه ببذل الأموال
في سبيل الله وابتغاء مرضاته، وبذلك يحصل الفلاح والفوز»
«تفسير السعدي = تيسير الكريم الرحمن» (ص851):
«{وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ
لَنَا وَلإخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإيمَانِ}
وهذا دعاء شامل لجميع المؤمنين، السابقين من الصحابة، ومن قبلهم ومن بعدهم،
وهذا من فضائل الإيمان أن المؤمنين ينتفع بعضهم ببعض، ويدعو بعضهم لبعض، بسبب المشاركة
في الإيمان المقتضي لعقد الأخوة بين المؤمنين التي من فروعها أن يدعو بعضهم لبعض، وأن يحب بعضهم
بعضا.»
«تفسير السعدي = تيسير الكريم الرحمن» (ص852):
{لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللَّهِ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ
قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ} (13)
« فخافوا منكم أعظم مما يخافون الله وإنما الفقه كل الفقه، أن يكون
خوف الخالق ورجاؤه ومحبته مقدمة على غيرها، وغيرها تبعا لها.
«نظم الدرر في تناسب الآيات والسور» (19/ 452/453):
بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى
ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ (14)
«قال القشيري: اجتماع النفوس مع تنافر القلوب واختلافها أصل كل فساد وموجب كل
تخاذل، ومقتض لتجاسر العدو، واتفاق القلوب والاشتراك في الهمة والتساوي في القصد يوجب
كل ظفر وكل سعادة.»
فلا دين لهم يجمعهم لعلمهم أنهم على الباطل فهم أسرى الأهوية، والأهوية في غاية
الاختلاف، فالعقل مدار الاجتماع كما كان الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين في زمن النبي
صلى الله عليه وسلم كما أن الهوى مدار الاختلاف.
«تفسير السعدي = تيسير الكريم الرحمن» (ص853):
«{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ
مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}»
وهذه الآية الكريمة أصل في محاسبة العبد نفسه، وأنه ينبغي له أن يتفقدها، فإن
رأى زللا تداركه بالإقلاع عنه، والتوبة النصوح، والإعراض عن الأسباب الموصلة إليه،
وإن رأى نفسه مقصرا في أمر من أوامر الله، بذل جهده واستعان بربه في تكميله وتتميمه،
وإتقانه، ويقايس بين منن الله عليه وإحسانه وبين تقصيره، فإن ذلك يوجب له الحياء بلا
محالة.
«تفسير القرطبي = الجامع لأحكام القرآن» (18/ 44):
«لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً
مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ
يَتَفَكَّرُونَ (21)»
حَثَّ عَلَى تَأَمُّلِ مَوَاعِظِ الْقُرْآنِ وَبَيَّنَ أَنَّهُ لَا عُذْرَ فِي
تَرْكِ التَّدَبُّرِ، فَإِنَّهُ لَوْ خُوطِبَ بِهَذَا الْقُرْآنِ الْجِبَالُ مَعَ تَرْكِيبِ
الْعَقْلِ فِيهَا لَانْقَادَتْ لِمَوَاعِظِهِ، وَلَرَأَيْتَهَا عَلَى صَلَابَتِهَا
وَرَزَانَتِهَا خَاشِعَةً مُتَصَدِّعَةً، أَيْ مُتَشَقِّقَةً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ.
وَالْخَاشِعُ: الذَّلِيلُ. وَالْمُتَصَدِّعُ: الْمُتَشَقِّقُ. وَقِيلَ: خاشِعاً لِلَّهِ
بِمَا كَلَّفَهُ مِنْ طَاعَتِهِ. مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ أَنْ يَعْصِيَهُ
فَيُعَاقِبَهُ.
«تفسير السعدي = تيسير الكريم الرحمن» (ص854): سورة
الممتحنة
«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ
تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ»
فإن المودة إذا حصلت، تبعتها النصرة والموالاة، فخرج العبد من الإيمان، وصار
من جملة أهل الكفران، وانفصل عن أهل الإيمان.
«نظم الدرر في تناسب الآيات والسور» (19/ 488):
{وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ}
«{وما أعلنتم} فأيّ فائدة لإسراركم إن كنتم تعلمون أني عالم به، وإن كنتم تتوهمون
أني لا أعلمه فهي القاصمة.}»
«تفسير القرطبي = الجامع لأحكام القرآن» (18/ 55):
«لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحامُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ
يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (3)
قَوْلُهُ تَعَالَى: (لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحامُكُمْ) لَمَّا اعْتَذَرَ حَاطِبٌ
بِأَنَّ لَهُ أَوْلَادًا وَأَرْحَامًا فِيمَا بَيْنَهُمْ، بَيَّنَ الرَّبُّ عز وجل
أَنَّ الْأَهْلَ وَالْأَوْلَادَ لَا يَنْفَعُونَ شَيْئًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنْ
عُصِيَ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ. (يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ) فَيُدْخِلُ الْمُؤْمِنِينَ الْجَنَّةَ
وَيُدْخِلُ الْكَافِرِينَ النَّارَ»
«تفسير السعدي = تيسير الكريم الرحمن» (ص854):
«رَبَّنَا لا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا
رَبَّنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}»
أي: لا تسلطهم علينا بذنوبنا، فيفتنونا، ويمنعونا مما يقدرون عليه من أمور الإيمان،
ويفتنون أيضا بأنفسهم، فإنهم إذا رأوا لهم الغلبة، ظنوا أنهم على الحق وأنا على الباطل،
فازدادوا كفرا وطغيانا.
«نظم الدرر في تناسب الآيات والسور» (19/ 514):
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ
فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ}
«قال القشيري: وفي الجملة الامتحان طريق إلى المعرفة، وجواهر النفس تتبين بالتجربة،
ومن أقدم على شيء من غير تجربة يجني كأس الندم»
«تفسير القرطبي = الجامع لأحكام القرآن» (18/ 64):
«فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ
لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُمْ مَا أَنْفَقُوا»
أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى إِذَا أُمْسِكَتِ الْمَرْأَةُ الْمُسْلِمَةُ أَنْ يُرَدَّ
عَلَى زَوْجِهَا مَا أَنْفَقَ وَذَلِكَ مِنَ الْوَفَاءِ بِالْعَهْدِ، لِأَنَّهُ لَمَّا
مُنِعَ مِنْ أَهْلِهِ بِحُرْمَةِ الْإِسْلَامِ، أَمَرَ بِرَدِّ الْمَالِ إِلَيْهِ حَتَّى
لَا يَقَعُ عَلَيْهِمْ خُسْرَانٌ مِنَ الْوَجْهَيْنِ: الزَّوْجَةِ وَالْمَالِ.
«تفسير القرطبي = الجامع لأحكام القرآن» (18/ 80): سورة الصف
«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (2)»
قال النخعي: ثَلَاثُ آيَاتٍ مَنَعَتْنِي أَنْ أَقُصَّ عَلَى النَّاسِ أَتَأْمُرُونَ
النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ [البقرة: 44]، وَما أُرِيدُ أَنْ أُخالِفَكُمْ إِلى
مَا أَنْهاكُمْ عَنْهُ [هود: 88]، يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ.
«تفسير ابن كثير - ط أولاد الشيخ» (13/ 544):
«{إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ
يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا} {كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ}»
«وقال قتادة: {كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ}: ألم تر إلى صاحب البنيان،
كيف لا يحب أن يختلف بنيانه؟ فكذلك الله عز وجل لا يختلف أمره، وإن الله صف المؤمنين
في قتالهم وصفهم في صلاتهم، فعليكم بأمر الله، فإنه عصمة لمن أخذ به.»«{إِنَّ اللَّهَ
يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا}»
«تفسير السعدي = تيسير الكريم الرحمن» (ص859):
«فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لا يَهْدِي
الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ}»
وهذه الآية الكريمة تفيد أن إضلال الله لعباده، ليس ظلما منه، ولا حجة لهم عليه،
وإنما ذلك بسبب منهم، فإنهم الذين أغلقوا على أنفسهم باب الهدى بعد ما عرفوه، فيجازيهم
بعد ذلك بالإضلال (3) والزيغ الذي لا حيلة لهم في دفعه وتقليب القلوب [عقوبة لهم وعدلا
منه بهم
«تفسير ابن كثير - ط أولاد الشيخ» (13/ 548):
«{يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ}، أي: يحاولون
أن يَرُدوا الحق بالباطل، ومثلهم في ذلك كمثل من [يريد أن] يطفئ شعاع الشمس بفيه، وكما
أن هذا مستحيل كذلك ذاك مستحيل»
«تفسير السعدي = تيسير الكريم الرحمن» (ص860):
«تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ
بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ»
ومن المعلوم أن الإيمان التام هو التصديق الجازم بما أمر الله بالتصديق به،
المستلزم لأعمال الجوارح، ومن أجل أعمال الجوارح الجهاد في سبيل الله
«تفسير ابن كثير - ط أولاد الشيخ» (13/ 550):
«{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ}»
يقول تعالى آمرًا عبادَه المؤمنين أن يكونوا أنصار الله في جميع أحوالهم، بأقوالهم
وأفعالهم وأنفسهم وأموالهم
«نظم الدرر في تناسب الآيات والسور» (20/ 47): سورة
الجمعة
{هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ
آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كانُوا مِنْ
قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ }(2)
{والحكمة} وهي غاية الكتاب في قوة فهمه والعمل به، فهي العلم المزين بالعمل
والعمل المتقن بالعلم معقوله ومنقوله ليضعوا كل شيء منه في أحكم مواضعه فلا يزيغوا
عن الكتاب كما زاغ بنو إسرائيل، فيكون مثلهم كمثل الحمار يحمل أسفاراً ولو لم يكن له
صلى الله عليه وسلم معجزة إلا هذه لكانت غاية.
«تفسير ابن كثير - ط أولاد الشيخ» (13/ 556):
«{مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا
كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا
بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (5)}»
يقول تعالى ذامًّا لليهود الذين أعطوا التوراة وحمِّلوها للعمل بها، فلم يعملوا
بها، مثلهم في ذلك {كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا}، أي: كمثل الحمار إذا
حمل كتبًا لا يدري ما فيها، فهو يحملها حَملًا حسيًّا ولا يدري ما عليه، وكذلك هؤلاء
في حملهم الكتاب الذي أوتوه، حفظوه لفظًا ولم يفهموه، ولا عملوا بمقتضاه، بل أوّلوه
وحرّفوه وبذلوه، فهم أسوأ حالًا من الحمير؛ لأن الحمار لا فهمَ له، وهؤلاء لهم فهوم
لم يستعملوها.
«تفسير ابن كثير - ط أولاد الشيخ» (13/ 563):
«فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا
مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (10)}»
كان عرَاك بن مالك رضي الله عنه إذا صلى الجمعة انصرف فوقف على باب المسجد،
فقال: اللهم؛ أجبتُ دعوتَك، وصليتُ فريضتك، وانتشرت كما أمرتني، فارزقني من فضلك، وأنت
خير الرازقين. رواه ابن أبي حاتم.
«تفسير السعدي = تيسير الكريم الرحمن» (ص863):
«فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الأرْضِ وَابْتَغُوا
مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ»
{فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الأرْضِ} لطلب المكاسب والتجارات
ولما كان الاشتغال في التجارة، مظنة الغفلة عن ذكر الله، أمر الله بالإكثار من ذكره،
فقال: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا} أي في حال قيامكم وقعودكم وعلى جنوبكم، {لَعَلَّكُمْ
تُفْلِحُونَ} فإن الإكثار من ذكر الله أكبر أسباب الفلاح.
«تفسير السعدي = تيسير الكريم الرحمن» (ص863):
«{وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا}»
ليس الصبر على طاعة الله مفوتًا للرزق، فإن الله خير الرازقين، فمن اتقى الله
رزقه من حيث لا يحتسب.
«تفسير القرطبي = الجامع لأحكام القرآن» (18/ 124): سورة المنافقين
«وَإِذا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ
كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ
فَاحْذَرْهُمْ قاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (4)»
كانوا رجالا أجمل شي كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ، شَبَّهَهُمْ بِخُشُبٍ
مُسَنَّدَةٍ إِلَى الْحَائِطِ لَا يَسْمَعُونَ وَلَا يَعْقِلُونَ، أَشْبَاحٌ بِلَا
أَرْوَاحٍ وَأَجْسَامٌ بِلَا أَحْلَامٍ. وَقِيلَ: شَبَّهَهُمْ بِالْخُشُبِ الَّتِي
قَدْ تَآكَلَتْ فَهِيَ مُسْنَدَةٌ بِغَيْرِهَا لَا يُعْلَمُ مَا فِي بَطْنِهَا.
«تفسير السعدي = تيسير الكريم الرحمن» (ص864):
«{هُمُ الْعَدُوُّ} على الحقيقة، لأن العدو البارز المتميز، أهون من
العدو الذي لا يشعر به، وهو مخادع ماكر، يزعم أنه ولي، وهو العدو المبين»
«تفسير السعدي = تيسير الكريم الرحمن» (ص865):
«{مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ} ليدل ذلك على أنه تعالى، لم يكلف العباد من
النفقة، ما يعنتهم ويشق عليهم، بل أمرهم بإخراج جزء مما رزقهم الله الذي يسره لهم ويسر لهم أسبابه.»
«تفسير ابن كثير - ط أولاد الشيخ» (14/ 15):
«{وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ
الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ
وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ} فكل مُفَرّط يندم عند الاحتضار، ويسأل طول المدة ولو
شيئًا يسيرًا، ليستعتب ويستدرك ما فاته، وهيهات! كان ما كان، وأتى ما هو آت، وكل بحسب
تفريطه»
«تفسير القرطبي = الجامع لأحكام القرآن» (18/ 134): سُورَةُ التَّغَابُنِ
«خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ
وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (3)»
جَعَلَهُمْ أَحْسَنَ الْحَيَوَانِ كُلِّهِ وَأَبْهَاهُ صُورَةً بِدَلِيلِ أَنَّ
الْإِنْسَانَ لَا يَتَمَنَّى أَنْ تَكُونَ صُورَتُهُ عَلَى خِلَافِ مَا يَرَى مِنْ
سَائِرِ الصُّوَرِ. وَمِنْ حُسْنِ صُورَتِهِ أَنَّهُ خُلِقَ مُنْتَصِبًا غَيْرَ مُنْكَبٍّ.
«تفسير السعدي = تيسير الكريم الرحمن» (ص866):
«{وَيَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ
الصُّدُورِ} أي: بما فيها من الأسرار الطيبة، والخبايا الخبيثة، والنيات الصالحة، والمقاصد
الفاسدة، فإذا كان عليمًا بذات الصدور، تعين على العاقل البصير، أن يحرص ويجتهد في
حفظ باطنه، من الأخلاق الرذيلة، واتصافه بالأخلاق الجميلة.»
«تفسير السعدي = تيسير الكريم الرحمن» (ص867):
«{مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ
بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}»
هذا عام لجميع المصائب، في النفس، والمال، والولد، والأحباب، ونحوهم، فجميع
ما أصاب العباد، فبقضاء الله وقدره، قد سبق بذلك علم الله [تعالى] ، وجرى به قلمه،
ونفذت به مشيئته، واقتضته حكمته، والشأن كل الشأن، هل يقوم العبد بالوظيفة التي عليه
في هذا المقام، أم لا يقوم بها؟ فإن قام بها، فله الثواب الجزيل، والأجر الجميل، في
الدنيا والآخرة، فإذا آمن أنها من عند الله، فرضي بذلك، وسلم لأمره، هدى الله قلبه،
فاطمأن ولم ينزعج عند المصائب، كما يجري لمن لم يهد الله قلبه، بل يرزقه الثبات عند
ورودها والقيام بموجب الصبر، فيحصل له بذلك
ثواب عاجل، مع ما يدخر الله له يوم الجزاء من الثواب.
«تفسير القرطبي = الجامع لأحكام القرآن» (18/ 141):
«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْواجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ
عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ»
قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ: هَذَا يُبَيِّنُ وَجْهَ الْعَدَاوَةِ،
فَإِنَّ الْعَدُوَّ لَمْ يَكُنْ عَدُوًّا لِذَاتِهِ وَإِنَّمَا كَانَ عَدُوًّا بِفِعْلِهِ.
فَإِذَا فَعَلَ الزَّوْجُ وَالْوَلَدُ فِعْلَ الْعَدُوِّ كَانَ عَدُوًّا، وَلَا فِعْلَ
أَقْبَحُ مِنَ الْحَيْلُولَةِ بَيْنَ الْعَبْدِ وَبَيْنَ الطَّاعَةِ.
«تفسير السعدي = تيسير الكريم الرحمن» (ص868):
«{فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنْفِقُوا
خَيْرًا لأنْفُسِكُمْ}»
يأمر تعالى بتقواه، التي هي امتثال أوامره واجتناب نواهيه، ويقيد (1) ذلك بالاستطاعة
والقدرة.
فهذه الآية، تدل على أن كل واجب عجز عنه العبد، أنه يسقط عنه، وأنه إذا قدر
على بعض المأمور، وعجز عن بعضه، فإنه يأتي بما يقدر عليه، ويسقط عنه ما يعجز عنه، كما
قال النبي صلى الله عليه وسلم: " إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم
".
ويدخل تحت هذه القاعدة الشرعية من الفروع، ما لا يدخل تحت الحصر.
«تفسير السعدي = تيسير الكريم الرحمن» (ص870): سورة
الطلاق
وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً (2)
«فمن لم يتق الله، وقع في الشدائد والآصار والأغلال، التي لا يقدر على التخلص
منها والخروج من تبعتها، واعتبر ذلك بالطلاق، فإن العبد إذا لم يتق الله فيه، بل أوقعه
على الوجه المحرم، كالثلاث ونحوها، فإنه لا بد أن يندم ندامة لا يتمكن من استدراكها
والخروج منها.»
«تفسير القرطبي = الجامع لأحكام القرآن» (18/ 157):
«وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً (2)»
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً يُنْجِيهِ مِنْ كُلِّ
كَرْبٍ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ. وَقِيلَ: الْمَخْرَجُ هُوَ أَنْ يُقَنِّعَهُ اللَّهُ
بِمَا رَزَقَهُ، وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: وَمَنْ
يَتَّقِ اللَّهَ بِالصَّبْرِ عِنْدَ الْمُصِيبَةِ. يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً مِنَ النَّارِ
إِلَى الْجَنَّةِ. وقال الربيع ابن خيثم: يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً من كل شي ضَاقَ عَلَى
النَّاسِ.
«نظم الدرر في تناسب الآيات والسور» (20/ 167):
وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّها وَرُسُلِهِ فَحاسَبْناها
حِساباً شَدِيداً وَعَذَّبْناها عَذاباً نُكْراً (8) فَذاقَتْ وَبالَ أَمْرِها وَكانَ
عاقِبَةُ أَمْرِها خُسْراً (9)
«فإن من زرع الشوك كما قال القشيري لا يجني الورد، ومن أضاع حق الله
لا يطاع في حظ نفسه، ومن احترق بمخالفة أمر الله تعالى فليصبر على مقاساة عقوبة الله
تعالى»
«تفسير البغوي - طيبة» (8/ 158):
«{اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ
يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ
قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا (12) }»
قَالَ أَهْلُ الْمَعَانِي: هُوَ مَا يُدَبِّرُ فِيهِنَّ مِنْ عَجِيبِ تَدْبِيرِهِ،
فَيُنْزِلُ الْمَطَرَ وَيُخْرِجُ النَّبَاتَ، وَيَأْتِي بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالصَّيْفِ
وَالشِّتَاءِ، وَيَخْلُقُ الْحَيَوَانَ عَلَى اخْتِلَافِ هَيْئَاتِهَا وَيَنْقُلُهَا
مِنْ حَالٍ إِلَى حَالٍ.
«نظم الدرر في تناسب الآيات والسور» (20/ 187): سورة التحريم
وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلى بَعْضِ أَزْواجِهِ حَدِيثاً فَلَمَّا نَبَّأَتْ
بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا
نَبَّأَها بِهِ قالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا قالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ
(3)
«والكف عن بعض العتب أبعث على حياء المعتوب وأعون على توبته وعدم عوده إلى فعل
مثله» {وأعرض عن بعض} وهو أمر السرية والعسل تكرما منه أن يستقصي في العتاب وحياء وحسن
عشرة، قال الحسن: ما استقصى كريم قط، وقال سفيان الثوري: ما زال التغافل من فعل الكبراء.
«تفسير البغوي - طيبة» (8/ 169):
«{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ
نَارًا»
قَالَ عَطَاءٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَيْ بِالِانْتِهَاءِ عَمَّا نَهَاكُمُ
اللَّهُ تعالى عنه 169/ب وَالْعَمَلِ بِطَاعَتِهِ {وَأَهْلِيكُمْ نَارًا} يَعْنِي:
مُرُوهُمْ بِالْخَيْرِ وَانْهُوهُمْ عَنِ الشَّرِّ وَعَلِّمُوهُمْ وَأَدِّبُوهُمْ تَقُوهُمْ
بِذَلِكَ نَارًا.
«تفسير البغوي - طيبة» (8/ 169):
«{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا}»
قَالَ الْقُرَظِيُّ: يَجْمَعُهَا أَرْبَعَةُ أَشْيَاءَ: الِاسْتِغْفَارُ بِاللِّسَانِ
وَالْإِقْلَاعُ بِالْأَبْدَانِ وَإِضْمَارُ تَرْكِ الْعَوْدِ بِالْجَنَانِ وَمُهَاجَرَةُ
سَيِّئِ الْإِخْوَانِ.
«تفسير القرطبي = الجامع لأحكام القرآن» (18/ 201):
«ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ
لُوطٍ كانَتا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبادِنا صالِحَيْنِ فَخانَتاهُما فَلَمْ يُغْنِيا
عَنْهُما مِنَ اللَّهِ شَيْئاً وَقِيلَ ادْخُلا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ (10)
ضَرَبَ اللَّهُ تَعَالَى هَذَا الْمَثَلَ تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّهُ لَا يُغْنِي
أَحَدٌ فِي الْآخِرَةِ عَنْ قَرِيبٍ وَلَا نَسِيبٍ إِذَا فَرَّقَ بَيْنَهُمَا الدِّينُ.»
«تفسير ابن كثير - ط أولاد الشيخ» (14/ 66):
«{رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيتًا فِي الْجَنَّةِ} قال العلماء: اختارت الجار قبل الدار»
No comments:
Post a Comment