RAMADAN

Thursday, February 26, 2015

مقتطفات من شرح كتاب التجريد الصريح د. عبدالكريم الخضير

جابر بن عبد الله بن عمرو الأنصاري الخزرجي، المتوفى سنة ثمانٍ وسبعين، وهو آخر الصحابة موتاً بالمدينة، وله في الصحيح تسعون حديثاً.
-
لكن الذي استقر عليه الاصطلاح عند المتأخرين أن المتابع ما اتحد به الصحابي، والشاهد ما اختلف الصحابي، والاعتبار طريق التوصل والبحث عن وجود المتابعات والشواهد؛ لأنه يذكر العنوان في كتب علوم الحديث: (الاعتبار والمتابعات والشواهد) فيظن القاري أنه قسيم للمتابعات والشواهد، وهو في الحقيقة ليس بقسيم، وإنما هو هيئة التوصل إلى المتابعات والشواهد.
-
ويذكر عن ابن عباس -رضي الله عنهما- وهذا بعدما كفّ بصره قال: "لا تطلبن من أعمىً حاجة، فإن الحياء في العينين"
-
عبد الله بن عمر بن الخطاب العدوي أبو عبد الرحمن، ولد بعد المبعث بيسير، واستصغر يوم أحد، وهو ابن أربعة عشرة سنة، وهو أحد المكثرين من الصحابة والعبادلة، وكان من أشد الناس أتباعاً للأثر صحابي مؤتسي -رضي الله عنه وأرضاه-، وإن كان لا يوافق في بعض ما فعله اقتداء بالنبي -عليه الصلاة والسلام-، مات سنة ثلاث وسبعين في آخرها، أو أول التي تليها .
 هو من العبادلة؟
نعم، هو من العبادلة.
من العبادلة.
نعم، إيه.
نعم.
بلا شك، ابن مسعود الذي ليس منهم؛ لأنه تقدمت وفاته، والعبادلة الأربعة ابن عمر وابن عباس وابن عمرو بن العاص وابن الزبير، هؤلاء تأخروا واحتاج الناس إلى علمهم، فانتشر علمهم في الربع الثالث من القرن الأول يعني متقاربين هم.

قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: "إني لأمر بالآية من القرآن فأفهمها فأود أن الناس كلهم فهموا منها ما أفهم" لو طبقنا هذا، ونظرنا في واقع عموم المسلمين، بل مع الأسف الشديد بعض من ينتسب إلى العلم، هل يحب لغيره من أهل العلم أن يظفر بهذه الفائدة كما ظفر بها؟ لا شك أن هذا عزيز جداً، يقول ابن عباس -رضي الله عنهما-: "إني لأمر بالآية من القرآن فأفهمها فأود أن الناس كلهم فهموا منها ما أفهم" بعض الناس يحزن إذا رأى آخاه المسلم حفظ ما لم يحفظ من القرآن، أو تقدم عليه في التلاوة مثلاً، أين هذا من قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه)) الله المستعان.
يقول الشافعي: "وددت أن الناس كلهم تعلموا هذا العلم ولم ينسب إليّ منه شيء".

يقول العلامة ابن القيم في نونيته، يقول:

هذا وللمتمسكين بسنة الـ ... مختار عند فساد ذي الأزمانِ
أجرٌ عظيمٌ ليس يقدر قدره ... إلا الذي أعطاه للإنسانِ
فروى أبو داود في سنن له ... ورواه أيضاً أحمد الشيباني
أثراً تضمن أجر خمسين امرئٍ ... من صحب أحمد خيرة الرحمن
إسناده حسنٌ ومصداقٌ له ... في مسلم فافهمه فهم بيانِ
إن العبادة وقت هرج هجرة ... حقاً إليّ وذاك ذو برهانِ

قال سعيد بن أبي الحسن للحسن -الحسن البصري- وسعيد أخوه: إن نساء العجم يكشفن صدورهن ورءوسهن قال: اصرف بصرك عنهن، يقول الله -عز وجل-: {قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ} [(30) سورة النور]

والحافظ يشير إلى ما أخرجه أبو داود مختصراً، وأخرجه ابن ماجه عن العباس بن مرداس الأسلمي أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- دعا لأمته عشية عرفة بالمغفرة، فأجيب ((إني قد غفرت لهم ما خلا المظالم، فإني آخذ  للمظلوم منه)) يعني: ما خلا الظالم فإني آخذ للمظلوم منه.
قال: أي ربي إن شئت أعطيت المظلوم من الجنة وغفرت للظالم، فلم يجب عشيته، فلم أصبح بالمزدلفة أعاد الدعاء فأجيب إلى ما سأل، قال: فضحك رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، أو قال: تبسم -عليه الصلاة والسلام-، فقال له أبو بكر وعمر: بأبي أنت وأمي إن هذه لساعة ما كنت تضحك فيها، يعني ساعة دعاء، وساعة ذكر، يعني ما هي بساعة ...
أنس وضحك.
نعم، ولا يتشبث بمثل هذا من كان الغالب عليه الهزل، حتى في أشرف البقاع، بعض الناس يضحك، وبعض الناس ينكت، ويمزح، وقد يتراءى له إن كان اطلع على مثل هذه الأحاديث أن النبي -عليه الصلاة والسلام- تبسم، نعم لكن لا يعني هذا أن الإنسان يغلب عليه الحزن، وتتكدر حياته بمثل هذا، نعم يرجو ربه ويخاف، فيكون بين الرجاء والخوف، فلا إفراط لا تفريط
فقال له أبو بكر وعمر: بأبي أنت وأمي إن هذه لساعة ما كنت تضحك فيها فما الذي أضحكك أضحك الله سنك؟ قال: ((إن عدو الله إبليس لما علم أن الله -عز وجل- قد استجاب دعائي وغفر لأمتي أخذ التراب فجعل يحثوه على رأسه، ويدعو بالويل والثبور، فأضحكني ما رأيت من جزعه)) هذا الحديث سكت عنه الحافظ في فتح، والعادة أنه في مثل هذه السورة لا يسكت إلا عن حديث صحيح، أو عن حسن، ما يسكت ابن حجر إلا عن حديث صحيح أو حسن كما بين ذلك في مقدمة شرحه، لكن في إسناده عبد الله بن كنانة، قال عنه ابن حجر في التقريب: مجهول، ثم قال ابن حجر: وله شاهد من حديث ابن عمر في تفسير الطبري، هذه المسألة وهي تكفير الذنوب بأنواعها صغائر وكبائر مسألة خلافية بين أهل العلم، لكن الجمهور على أن هذه الأعمال إنما تكفر ...
 الصغائر.
الصغائر دون الكبائر، وأما الكبائر ...
 تحتاج إلى توبة.
فلا بد لها من توبة، ولذا تكرر في أحاديث ...
 ((ما لم تغش كبيرة))
مثلاً ((الصلوات الخمس، رمضان إلى رمضان، الجمعة إلى الجمعة، العمرة إلى العمرة مفكرات لما بينهن ما اجتنبت الكبائر)) في بعض الروايات: ((ما لم تغش كبيرة)) لكن هل من هذه الحج؟ لأنه قال: ((العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما)).
 بعدها قال: ((والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة)).
((ليس له جزاء إلا الجنة)) فهذا يقوي تكفير الحج للجميع، لكن لا يعتمد الإنسان على مثل هذا الفضل ويغرق في الذنوب والمعاصي ويسترسل فيها، ويقول: أحج ويكفر عني! لكن هل من بيت هذه النية يوفق بترك الرفث والفسوق؟ هل يوفق؟ لا يوفق، فلا يوفق لما رتب عليه هذه المغفرة؛ لأن بعض الناس يقول يسترسل والله غفور رحيم، ويحج ويمحو أثر الذنوب والمعاصي، كبائرها وصغائرها، نقول: لا يا أخي، ولذا جاء في الحديث في صحيح البخاري: ((من توضأ نحو وضوئي هذا، ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، دخل من أي أبواب الجنة الثمانية))
 الحكم على الحديث إذن يا شيخ؟
أي حديث؟
 الأخير، حديث المرداس.
إذن ما دام فيه راو مجهول، ولا يعرف فيه جرح ولا تعديل كما يقول كثير في كتب الرجال.
 إذن هذا خروج الحافظ عن قاعدته.
ضُبط عليه بعض الأحاديث، لا سيما في ما يستروح إلى القول به، هو بشر، يكفيه أنه جمع هذا الديوان العظيم، وكفى به مفخرة، لكن هو بشر على كل حال، والاعتماد أيضاً على فضل الله -جل وعلا- له أصل، يجعله يندرج تحت أصل عام، وهو عموم فضل الله -جل وعلا-، ورحمته التي وسعت كل شيء، لكن مع ذلك الحديث فيه ضعف.


Wednesday, January 14, 2015

والله لأنت أحب إليَّ من نفسي يا رسول الله

أحبك يا رسول الله

والله لأنت أحب إليَّ من نفسي يا رسول الله
قال تعالى: الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ {الأعراف: 157}
"لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحبَّ إليه من والده وولده والناس أجمعين" رواه البخاري (رقم 15)، ومسلم (رقم 44).

محمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
- نسبه - صلى الله عليه وسلم -:
هو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان.
وأمه آمنة بنت وهب، ويلتقي نسب أمه بنسب أبيه في كلاب بن مرة.
عَنْ وَاثِلَةَ بْنَ الأسْقَعِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «إِنَّ اللهَ اصْطَفَى كِنَانَةَ مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ، وَاصْطَفَى قُرَيْشاً مِنْ كِنَانَةَ، وَاصْطَفَى مِنْ قُرَيْشٍ بَنِي هَاشِمٍ، وَاصْطَفَانِي مِنْ بَنِي هَاشِمٍ» أخرجه مسلم.
- مولده - صلى الله عليه وسلم -:
ولد محمد - صلى الله عليه وسلم - يوم الإثنين بمكة عام الفيل، الموافق عام 570م.
ومات والده عبد الله وهو حمل في بطن أمه آمنة.
ولما ولد - صلى الله عليه وسلم - كفله جده عبد المطلب، ولما مات جده كفله عمه أبو طالب.
وماتت أمه آمنة وهو ابن ست سنين.
- صفاته - صلى الله عليه وسلم -:
صفات النبي - صلى الله عليه وسلم - تنقسم إلى قسمين:
الأول: الصفات البدنية.

المُرادُ بالصِّفَةِ: ما كانَ صِفَةً مِنَ صِفَاتِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - الخَلْقِيَّةِ كما في حَدِيثِ البراء - رضي الله عنه - «كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أحْسَنَ النَّاسِ وَجْهاً، وأحْسَنَهُ خَلْقاً، لَيْسَ بالطَّوِيلِ الذَّاهِبِ ولاَ بالقَصِيْرِ» أخرجه مسلم برقم [2337]
كان - صلى الله عليه وسلم - متوسط القامة .. ليس بالطويل ولا بالقصير .. وليس بالجسيم ولا بالنحيف .. عريض الصدر .. ضخم اليدين والقدمين ... مبسوط الكفين لينهما، قليل لحم العقبين ... يحمل في أعلى كتفه اليسرى خاتم النبوة ... وشعر رأسه يبلغ شحمة أذنيه .. أحسن الناس وجهاً ... أبيض اللون مزهراً ... مستدير الوجه مليحه .... واسع الفم ... رَجِل الشعر ... ولم يشب من شعره الأسود إلا اليسير ... سليم الحواس والأعضاء ... نظيف البدن .. حسن الهيئة والشكل ... طيب الرائحة.
صفات النبي صلى الله عليه وسلم الخلقية (شرح أصول اعتقاد أهل السنة للالكائي)
أما خَلقاً فحدث وابتهج، وليبتهج قلبك بأن الله جل وعلا حبا رسوله صلى الله عليه وسلم بالقبول، فقد كان إذا رآه أحد أحبه، فكان النبي صلى الله عليه وسلم أجمل من القمر، وأجمل من الشمس، قال جابر بن سمرة رضي الله عنه وأرضاه كما في الترمذي: (نظرت إلى وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونظرت إلى القمر ليلة البدر، فو الله لوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم أجمل من القمر ليلة البدر).
وفي مسلم: (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا سر -يعني: ابتهج- استنار وجهه كأنه قطعة من القمر).
وكانوا يعرفون فرح النبي صلى الله عليه وسلم باستنارة وجهه، وفي رواية أخرى قال: (كان وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم كالشمس أو كالقمر مستديراً).
وفي البخاري أو في غيره: (كان النبي صلى الله عليه وسلم كثّ اللحية تعلوه الحمرة -يعني: بياض مشروب بحمرة- وكان وجهه مستديراً، وكان له جمة إلى شحمة أذنه) يعني: كان شعره ينزل إلى الأذن صلى الله عليه وسلم.
ووصفه بعض الواصفين، فقال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عريض المنكبين، ضخم الرأس والأطراف والرجل، أوتي قوة أربعين رجلاً صلى الله عليه وسلم، ما رآه أحد إلا وأحبه، ما مس يده أحد إلا ولان قلبه قبل أن تلين يده، كما في الصحيحين عن أنس رضي الله عنه وأرضاه: (والله ما مست يدي ديباجاً ولا حريراً ألين من يد رسول الله صلى الله عليه وسلم)، وكان التابعون يشتاقون إلى رؤية رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي وجهه أجمل وأحلى من القمر، بل هو أجمل من يوسف عليه السلام؛ لأننا كما سنبين في المعجزات التي كانت للنبي صلى الله عليه وسلم، فقد جمعت له كل خصال الخير.
كان الواحد من التابعين يقف أمام ابن مسعود ويقول: (كنتم تجلسون مع رسول الله، والله لو كان رسول الله بيننا ما جعلناه يمشي على الأرض، ولحملناه على أكتافنا! فقال له ابن مسعود: رويدك يا بني، لعلك لم تكن مؤمناً لو رأيته، فقد رأت قريشُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم ورأوا الأعاجيب، انشقاق القمر، ورأوه عياناً ولم يؤمنوا به صلى الله عليه وسلم.
إذاً: فكان التابعون يتمنون رؤية رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو باعوا أنفسهم وأموالهم، ولذلك علماء الجرح والتعديل فضلوا الصحابة على غيرهم .
وفي رواية عن أنس أو جابر قال: (كان النبي - صلى الله عليه وسلم - ضخم الكفين والقدمين، لم أر بعده شبيها له).
وفي رواية عن أنس: (ما مسست حريرا ولا ديباجا ألين من كف النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولا شممت ريحا قط ولا عرقا أطيب من ريح أو عرق رسول الله - صلى الله عليه وسلم -).
وفي رواية لمسلم: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أزهر اللون، كان عرقه اللؤلؤ، إذا مشى تكفأ، وما مسست ديباجة ولا حريرة ألين من كف رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولا شممت مسكة ولا عنبرة أطيب من رائحة النبي - صلى الله عليه وسلم -).
وفي رواية: (ما شممت عبيرا قط ولا مسكا ولا شيئا أطيب من ريح رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولا مسست شيئا قط ديباجا ولا حريرا ألين مسا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -)
حَدَّثَنَا عِصَامُ بْنُ خَالِدٍ حَدَّثَنَا حَرِيزُ بْنُ عُثْمَانَ أَنَّهُ سَأَلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ بُسْرٍ صَاحِبَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ أَرَأَيْتَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ شَيْخًا؟ قَالَ كَانَ فِي عَنْفَقَتِهِ شَعَرَاتٌ بِيضٌ
الثاني: الصفات الأخلاقية.
كان - صلى الله عليه وسلم - أحسن الناس خَلْقاً وخُلُقاً، وكان خُلقه القرآن.
فهو أشجع الناس ... وأكرم الناس ... وأرحم الناس .. وأعف الناس .. وأعلم الناس .. وأصدق الناس .. وأزهد الناس .. وأحلم الناس .. وأصبر الناس .. يضحك مع الناس .. ويبكي من خشية الله .. فصيح اللسان .. ثابت الجنان .. لين الجانب ... لطيف المعاملة .. حسن العشرة ... حسن الفهم ... قوي العقل ... صائب الرأي .. يعفو ويصفح عمن أساء ... رحيماً رفيقاً ... بعيداً عن الغلظة والقسوة .. جريئاً في قول الحق .. أميناً في أقواله وأعماله ومعاملاته .. إذا حدث صدق .. وإذا عاهد وفى ... قليل الكلام .. كثير الذكر والاستغفار والتوبة .. يؤثر غيره على نفسه ... ويعطي عطاء من لا يخشى الفقر.
أعظم الخلق إيماناً .. وأفضلهم خلقاً .. وأحسنهم عبادة .. وأصدقهم تقوى .. وأشجعهم نفساً .. وأرحمهم قلباً .. وأشدهم حياءً .. كان خلقه القرآن.
1 - قال الله تعالى: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4)} [القلم:4].
2- عَنْ سَعْد بنِ هِشَامٍ أَنه قَال لِعائِشةَ: يَا أُمَّ المُؤمِنين أنْبِئِينِي عَنْ خُلُقِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. قَالَتْ: ألَسْتَ تَقْرَأُ القُرْآنَ؟ قُلْتُ: بَلَى. قَالَتْ: فَإِنَّ خُلُقَ نَبِيِّ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ القُرْآنَ. أخرجه مسلم (1).
- أسماؤه - صلى الله عليه وسلم -:
1 - عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ - رضي الله عنه - قال: قال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لِي خَمْسَةُ أسْمَاءٍ: أنَا مُحَمَّدٌ، وَأحْمَدُ، وَأنَا المَاحِي الَّذِي يَمْحُو اللهُ بِي الكُفْرَ، وَأنَا الحَاشِرُ الَّذِي يُحْشَرُ النَّاسُ عَلَى قَدَمِي، وَأنَا العَاقِبُ» متفق عليه.
2 - وَعَنْ أبِي مُوسَى الأشْعَرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُسَمِّي لَنَا نَفْسَهُ أسْمَاءً، فَقَالَ: «أنَا مُحَمَّدٌ، وَأحْمَدُ، وَالمُقَفِّي، وَالحَاشِرُ، وَنَبِيُّ التَّوْبَةِ، وَنَبِيُّ الرَّحْمَةِ» أخرجه مسلم.

أم معبد تَصِفُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقالت: رأيت رجلاً ظاهر الوضاءة، أبلَجَ الوجهِ (أي مُشرِقَ الوجه) حسن الخلق، لم تَعِبه نُحلَة (أي نُحول الجسم) ولم تزريه صعلة (وهي صفر الرأس) (أنه ليس بِناحِلٍ ولا سمين) ، وسيمٌ قسيم (أي حسن وضيء) ، في عينيه دَعَج (أي سواد) ، وفي أشفاره وَطَف (طويل شعر العين) ، وفي صوته صَهَلٌ (حدة وصلابة) ، وفي عنقه سَطع (طول) ، وفي لحيته كثاثة (كثرة شعر) ، أزَجُّ أقرَن (حاجباه طويلان ومقوَّسان ومُتَّصِلان) ، إن صَمَتَ فعليه الوقار، وإن تَكلم سماه وعلاهُ البهاء، أجمل الناس وأبهاهم من بعيد، وأجلاهم وأحسنهم من قريب، حلوُ المنطق، فصل لا نزْر ولا هذَر (كلامه بَيِّن وسط ليس بالقليل ولا بالكثير) ، كأنَّ منطقه خرزات نظم يتحَدَّرن، رَبعة (ليس بالطويل البائن ولا بالقصير) ، لا تشنأه من طول، ولا تقتَحِمُه عين من قِصر، غُصن بين غصنين، فهو أنضَرُ الثلاثة منظراً، وأحسنهم قَدراً، له رُفَقاء يَحُفون به، إن قال سمعوا لقوله، وإن أمَرَ تبادروا إلى أمره، محشود محفود (أي عنده جماعة من أصحابه يطيعونه) ، لا عابس ولا مُفَنَّد (غير عابس الوجه، وكلامه خالٍ من الخُرافة) .

وعن جابر بن سمرة -رضي الله عنه- قال: "رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في ليلة إضحيان، وعليه حُلَّة حمراء، فجعلتُ أنظر إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وإلى القمر، فإذا هو عندي أحسنُ من القمر". (إضحِيان هي الليلة المقمرة من أولها إلى آخرها) والحديث رواه الترمذي (2811) وغيره.
- وما أحسن ما قيل في وصف الرسول -صلى الله عليه وسلم-:
وأبيض يُستَسقى الغمام بوجهه ثِمال اليتامى عِصمة للأرامل

ولعل من المفيد أن ننقل ما وصفه به هند بن أبي هالة التميمي للحسن بن علي رضي الله عنهما حين سأله عن وصف النبي صلى الله عليه وسلم -وكان وصافاً-، فقال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم فخما مفخما يتلألأ وجهه تلألؤ القمر ليلة البدر، أطول من المربوع، وأقصر من المشذب، عظيم الهامة، رجل الشعر إن تفرقت عقيصته فرق، وإلا فلا يتجاوز شعره شحمة أذنيه إذا هو وفره، أزهر اللون، واسع الجبين، أزج الحواجب سوابغ في غير قرن، بينهما عرق يدره الغضب، أقنى العرين، له نور يعلوه يحسبه من يتأمله أشم، كثّ اللحية، سهل الخدين ضليع الفم أشنب مفلج الأسنان، دقيق المسربة، كأن عنقه جيد دمية في صفاء الفضة، معتدل الخلق، بادن متماسك سواء البطن والصدر، عريض الصدر، بعيد ما بين المنكبين، ضخم الكراديس، أنور المتجرد، موصول ما بين اللبة والسرة بشعر يجري كالخيط، عاري الثديين والبطن مما سوى ذلك، أشعر الذراعين والمنكبين وأعالي الصدر، طويل الزندين، رحب الراحة، سبط القصب، شثن الكفين والقدمين، سائل الأطراف، خمصان الأخمصين مسيح القدمين ينبو عنهما الماء، إذا زال زال قلعا، يخطو تكفيا ويمشي هونا، ذريع المشية إذا مشى كأنما ينحط من صبب، وإذا التفت التفت جميعاً، خافض الطرف نظره إلى الأرض أطول من نظره إلى السماء، جل نظره الملاحظة، يسوق أصحابه، يبدر من لقي بالسلام ...

ثم وصف له منطقه ... ودخوله.. وخروجه ... ومجلسه.. وصفا دقيقاً، والحديث وإن كان ضعيفاً بهذا اللفظ إلا أن له أصلا في الصحيحين وغيرهما، وكانوا يتساهلون في نقل السير والأخبار.

والحاصل أن النبي صلى الله عليه وسلم حظي من أتباعه بما لم يحظ به غيره من الأنبياء والقادة والزعماء، فقد نقلوا عنه شريعته ودعوته.... كما نقلوا عنه كل جزء من جزئيات حياته وخصائصه، وذلك كله دليل على حبهم له وتأسيهم به صلى الله عليه وسلم.
إن صفات النبي صلى الله عليه وسلم الخَلْقية منها والخُلُقية مما يتأكد معرفته على كل مسلم، ولذلك فقد اعتنى السلف والعلماء -رحمهم الله- بنقلها، وتدوينها
ولمعرفة صفات النبي صلى الله عليه وسلم الجسدية تستحسن قراءة ذلك من كتاب الشمائل المحمدية للإمام البيهقي مع تحقيق واختصار الشيخ الألباني له، والمسمى بمختصر الشمائل المحمدية، حيث اقتصر الألباني هناك على ما صح من الأحاديث في صفات النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن هذه الصفات متفرقة في عدد من الأحاديث، منها حديث أنس، وحديث عليٍّ وحديث أبي هالة التميمي وغيرهم رضي الله عنهم
هذا ومن أحب التوسع فليرجع إلى كتاب الشمائل للترمذي وشروحه، والبداية والنهاية لابن كثير، باب جامع لأحاديث متفرقة في صفة رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وصحيح البخاري مع الفتح (6/563- 579) . هذا والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.

Tuesday, December 9, 2014

رحلة المدينة مكة صفر 1436

رحلة قصيرة لكن ممتعة بفضل الله للمدينة المنورة ثم لمكة ثم العودة عن طريق المدينة فلله الحمد والمنة

Wednesday, October 8, 2014

من كتاب الفرج بعد الشدة لأبن أبي الدنيا

من كتاب الفرج بعد الشدة لأبن إبي الدنيا


حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ سُلَيْمٍ، حَدَّثَنِي عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: بَيْنَا أَنَا رَدِيفٌ، لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ قَالَ لِي: «احْفَظْ يَا غُلَامُ، احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظْهُ تَجِدْهُ تِجَاهَكَ، إِذَا سَأَلْتَ فَسَلِ اللَّهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ، جَفَّتِ الْأَقْلَامُ، وَرُفِعَتِ الصُّحُفُ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَوْ جَهِدَتِ الْأُمَّةُ لِتَنْفَعَكَ بِغَيْرِ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكَ مَا اسْتَطَاعَتْ ذَلِكَ، وَلَوْ أَرَادَتْ أَنْ تَضُرَّكَ بِغَيْرِ مَا قَدَّرَ لَكَ مَا اسْتَطَاعُوا»
حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الْمَدِينِيُّ، حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ الْحِزَامِيُّ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ أَبِي وَدَاعَةَ السَّهْمِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي زُهْرَةُ بْنُ عَمْرٍو التَّيْمِيُّ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: «يَا غُلَامُ، أَلَا أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ تَنْتَفِعُ بِهِنَّ؟» قَالَ: بَلِيٍّ يَا رَسُولَ اللَّهِ،  قَالَ: «احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ أَمَامَكَ، تَعَرَّفْ إِلَى اللَّهِ فِي الرَّخَاءِ يَعْرِفْكَ فِي الشِّدَّةِ، إِذَا سَأَلْتَ فَسَلِ اللَّهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ، جَفَّ الْقَلَمُ بِمَا هُوَ كَائِنٌ، فَلَوْ جَهَدَ الْعِبَادُ أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَكْتُبْهُ اللَّهُ لَكَ لَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهِ، وَلَوْ جَهَدَ الْعِبَادُ عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَكْتُبْهُ اللَّهُ  عَلَيْكَ لَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهِ، فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَعْمَلَ لِلَّهِ بِالصِّدْقِ فِي الْيَقِينِ فَافْعَلْ، وَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَإِنَّ فِي الصَّبْرِ عَلَى مَا تَكْرَهُ خَيْرًا كَثِيرًا، وَاعْلَمْ أَنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ، وَأَنَّ الْفَرَجَ مَعَ الْكَرْبِ، وَأَنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا»

حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ رَاشِدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ حَمَّادٍ الشُّعَيْثِيُّ، قَالَ: ثنا كَهْمَسُ بْنُ الْحَسَنِ، عَنْ أَبِي السَّلِيلِ، قَالَ: قَالَ أَبُو ذَرٍّ: كَانَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتْلُو عَلَيَّ هَذِهِ الْآيَةَ: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا، وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} [الطلاق: 3] ثُمَّ يَقُولُ: «يَا أَبَا ذَرٍّ، لَوْ أَنَّ النَّاسَ كُلَّهُمْ أَخَذُوا بِهَا لَكَفَتْهُمْ»

حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمنِ بْنُ صَالِحٍ الْأَزْدِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو رَوْحٍ، رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ مَرْوَ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، قَالَ: مَرَّ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ بِمُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، فَقَالَ: مَا لِي أَرَاكَ مَغْمُومًا؟ فَقَالَ أَبُو حَازِمٍ: ذَاكَ لِدَيْنٍ قَدْ فَدَحَهُ، قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ: افْتَحْ لَهُ فِي الدُّعَاءِ، قَالَ:  نَعَمْ، فَقَالَ: لَقَدْ بُورِكَ لِعَبْدٍ فِي حَاجَةٍ أَكْثَرَ فِيهَا دُعَاءَ رَبِّهِ كَائِنَةً مَا كَانَتْ

وَقَالَ أَبُو نَصْرٍ التَّمَّارُ: ثنا سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، قَالَ: " قَالَ دَاوُدُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: سُبْحَانَ مُسْتَخْرِجِ الدُّعَاءِ بِالْبَلَاءِ، سُبْحَانَ مُسْتَخْرِجِ الشُّكْرِ بِالرَّخَاءِ "

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دَاوُدَ، ح وحَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ حَبِيبٍ أَبُو مَرْوَانَ، حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، وَهَذَا حَدِيثُهُ، عَنْ بَشِيرِ بْنِ سَلْمَانَ، عَنْ سَيَّارٍ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ طَارِقٍ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَصَابَتْهُ فَاقَةٌ، فَأَنْزَلَهَا بِالنَّاسِ، لَمْ تُسَدَّ فَاقَتُهُ، وَمَنْ أَنْزَلَهَا بِاللَّهِ، أَوْشَكَ اللَّهُ لَهُ، بِالْغِنَى، إِمَّا بِمَوْتٍ عَاجِلٍ، أَوْ غِنًى عَاجِلٍ»
__________

[حكم الألباني] : صحيح (سنن إبي داود)

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ هِشَامٍ، صَاحِبِ الدَّسْتُوَائِيِّ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ عِنْدَ الْكَرْبِ: «لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْحَلِيمُ الْكَرِيمُ، سُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، سُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ السَّمَوَاتِ السَّبْعِ، وَرَبِّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ» قَالَ وَكِيعٌ مَرَّةً: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فِيهَا كُلِّهَا
__________

[حكم الألباني] : صحيح (سنن بن ماجة)



Thursday, August 14, 2014

خطورة الديون لمن يعقل ويفهم ويعي! ( من خطب لدكتور / إبراهيم الحقيل)

الحمد لله رب العالمين؛ خلق عباده فضرب آجالهم، وقدر أرزاقهم، فلن تموت نفس حتى تستكمل رزقها وأجلها {اللهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [الرُّوم:40] نحمده حمد الشاكرين، ونستغفره استغفار المذنبين، ونسأله من فضله العظيم؛ فما من سراء إلا وهو مانحها، ولا من ضراء إلا وهو كاشفها {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ الله ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ} [النحل:53] وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله؛ فارق الدنيا حين فارقها ولم يخلف مالا ولا متاعا، ودرعه مرهونة عند يهودي في شيء من شعير، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

...........
وبسبب محبة المال، والخوف عليه من الضياع؛ قد يحجم الدائنون عن الدين، والمقرضون عن القرض؛ لما يجدونه من استهانة المدينين والمقترضين بحقوقهم، ومماطلتهم في تسديد ما عليهم، فتغلق أبواب من المنافع والمصالح بين الأغنياء والفقراء، وتزول ثقة بعضهم ببعض، لأجل ذلك جاء في الشريعة وعيد شديد في حق من يضيع حقوق الناس، ويأكل أموالهم بالباطل، وتواردت النصوص على ذلك، وحذرت من التوسع في الدين والقرض لمن لا يجد سدادا فيحمل نفسه ما يعجز عن سداده، ولا يعذر بذلك، بل يبقى في ذمته حتى بعد موته، وقد يحبس عن الجنة بسبب ما عليه من الحقوق.
وبلغ من تشديد النبي صلى الله عليه وسلم في حقوق الناس أنه كان في أول الإسلام يترك الصلاة على من عليه دين ليس له وفاء؛ كما روى سلمة بن الأكوع رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أُتي بجنازة ليصلي عليها فقال: هل عليه من دين؟ قالوا: لا، فصلى عليه، ثم أُتي بجنازة أخرى فقال: هل عليه من دين؟ قالوا: نعم، قال: صلوا على صاحبكم، قال أبو قتادة: علي دينه يا رسول الله، فصلى عليه) رواه البخاري.


وروى جابر رضي الله عنه فقال: (توفى رجل فغسلناه وحنطناه وكفناه ثم أتينا به رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي عليه فقلنا: تصلي عليه؟ فخطا خطى، ثم قال: أعليه دين؟ قلنا: ديناران، فانصرف، فتحملهما أبو قتادة، فأتيناه فقال أبو قتادة: الديناران عليَّ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: حقَّ الغريمِ وبَرئَ منهما الميت؟ قال: نعم، فصلى عليه، ثم قال بعد ذلك بيوم: ما فعل الديناران؟ فقال: إنما مات أمس، قال: فعاد إليه من الغد، فقال: قد قضيتهما، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الآن بردت عليه جلده) رواه أحمد.
ولما فتح الله تعالى على المسلمين الفتوح، واغتنوا بعد الحاجة كان النبي صلى الله عليه وسلم يقضي مما أفاء الله تعالى عليه ديون الدائنين ويصلي عليهم، وكان هذا الفعل منه عليه الصلاة والسلام سنة لمن بعده من الخلفاء والأمراء أن تقضى ديون المدينين من بيوت المال، روى أبو هريرة رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يؤتى بالرجل المتوفى عليه الدين، فيسألُ: هل ترك لدينه فضلا؟ فإن حُدِّث أنه ترك لدينه وفاء صلى، وإلا قال للمسلمين: صلوا على صاحبكم، فلما فتح الله عليه الفتوح قال عليه الصلاة والسلام: أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم فمن توفي من المؤمنين فترك دينا فعلي قضاؤه ومن ترك مالا فلورثته) رواه الشيخان.


قال العلماء: في هذه الأحاديث إشعار بصعوبة أمر الدين، وأنه لا ينبغي تحمله إلا من ضرورة، وإنما ترك الصلاة على المدينين ليحرض الناس على قضاء ديونهم في حياتهم، ويبرئوا ذممهم من حقوق الناس؛ لئلا تفوتهم صلاة النبي صلى الله عليه وسلم عليهم.
وقد يَحبس الدينُ صاحبه عن دخول الجنة مع استحقاقه لها برحمة الله تعالى؛ كما جاء في حديث سمرة رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الفجر فقال: هاهنا من بني فلان أحد؟ ثلاثا، فقال رجل: أنا، فقال: إن صاحبكم محبوس عن الجنة بدينه) رواه أحمد، وفي رواية لأبي داود قال عليه الصلاة والسلام: (إن صاحبكم مأسور بدينه).
وروى الترمذي من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه).
وعن ثوبان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من فارق الروح الجسد وهو بريء من ثلاث دخل الجنة: الكبر والدين والغلول) رواه أحمد.
وبلغ من خطورة الدين أن الشهيد الذي بذل نفسه وربما ماله في سبيل الله تعالى لا تسقط عنه أموال الناس، بل تبقى في ذمته بعد استشهاده، فقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه الجهاد، ورغبهم فيه، وحثهم عليه، فقال رجل: (أرأيت إن قتلت في سبيل الله أتكفر عني خطاياي؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم وأنت صابر محتسب مقبل غير مدبر إلا الدين فإن جبريل عليه السلام قال لي ذلك) رواه مسلم من حديث أبي قتادة رضي الله عنه.
وجاء في حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يغفر للشهيد كل ذنب إلا الدين) وفي رواية: (القتل في سبيل الله يكفر كل شيء إلا الدين) رواه مسلم.
وعن محمد بن جحش رضي الله عنه قال: (كنا جلوسا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فرفع رأسه إلى السماء ثم وضع راحته على جبهته ثم قال: سبحان الله! ماذا نُزِّل من التشديد؟ فسكتنا وفزعنا، فلما كان من الغد سألته:يا رسول الله، ما هذا التشديد الذي نُزِّل؟ فقال: والذي نفسي بيده لو أن رجلا قتل في سبيل الله، ثم أُحييَ ثم قتل، ثم أُحييَ ثم قتل وعليه دين ما دخل الجنة حتى يُقضى عنه دينه) رواه النسائي.
ومن كان للناس عليه حقوق كان وفاؤه يوم القيامة من حسناته وسيئاته، وفي حديث المفلس: أن من أسباب إفلاسه يوم القيامة: وأخذ مال هذا، وجاء في حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من مات وعليه دين فليس بالدينار ولا بالدرهم ولكنها الحسنات والسيئات) رواه أحمد.


وإذا عزم المسلم على وفاء ما عليه من ديون، وأداء ما عليه من حقوق؛ فإن الله عز وجل يكون معه في ذلك، ويعينه عليه وييسره له مهما كثر ما عليه، ولا سيما إذا كانت ديونه عن ضرورة أو حاجة من نفقات واجبة أو مستحبة. بخلاف من يستدين من غير حاجة، أو لأجل المفاخرة بكماليات زائدة عن حاجته، وأقبح منه من يستدين لفعل محرم فإنه لا يعان على سداد ما عليه، عن عبد الله بن جعفر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كان الله مع الدائن حتى يقضي دينه ما لم يكن فيما يكره الله تعالى) رواه ابن ماجه. وعن ميمونة رضي الله عنها قالت: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما من أحد يَدَّان دينا فعلم الله أنه يريد قضاءه إلا أداه الله عنه) رواه النسائي.


ومن قبيح الفعل، وعظيم الإثم: أن ينوي المستدين حال استدانته الغدر بأخيه، وعدم الوفاء له، وكم في هذا الفعل من دناءة وخيانة؟! ومقابلة إحسان أخيه إليه بإساءته هو له؟! وكم فيه من إغلاق لأبواب البر والخير بين الناس؟! ولا يفعل ذلك إلا من ضعف دينه، وذهبت مروءته، وانحطت أخلاقه.
وتبلغ الدناءة ببعض الناس مبلغا يفاخرون فيه بهذا العمل الحقير، ويعدونه فطنة وكياسة، وبابا من أبواب الكسب، وما هو والله إلا غدر وخيانة، وأكل لأموال الناس بالباطل. ومن فعل ذلك بالناس فلن ير خيرا لا في نفسه ولا أهله وولده، ولا فيما أخذ من أموال بالكذب والمخادعة، بل تكون أمواله وبالا عليه في الدنيا والآخرة.


وهذا واقع مشاهد في كثير ممن أكلوا أموال الناس بالباطل. وقد جاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه، ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله) رواه البخاري.
وعموم الحديث يفيد أن الإتلاف يلحقه في الدنيا والآخرة، نسأل الله تعالى العافية والسلامة، ونعوذ به من موجبات غضبه.
إن كثير ممن يتخوضون في المال الحرام، ويغصبون الناس حقوقهم، ولا يؤدون لهم ما عليهم؛ لا يدركون خطورة التساهل في حقوق الناس. والواحد قد يعفو عن أخيه، ويُسقط حقه إذا علم عجزه عن السداد. أما إذا رآه يماطل ويخادع فإن نفسه لا تسمح عنه، وإن ترك المطالبة به في الدنيا فإنه سيطالبه به في الآخرة.

ويكفي عذابا في الدنيا لهذا الصنف من الخونة الغدارين: ما يعيشونه من حالة الخوف والترقب والتخفي والاستتار، بسبب ملاحقة الدائنين لهم، وجرهم إلى الشرط والمحاكم، وإهانتهم بقبيح الألفاظ والألقاب، وفضيحتهم في أهلهم وجيرانهم (وليُّ الواجد ظلم يبيح عرضه وعقوبته) فلا بارك الله في مال تكون هذه عاقبته. والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (لا تخيفوا أنفسكم بعد أمنها، قالوا: وما ذاك يا رسول الله؟ قال: الدين) رواه أحمد من حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه.

ولفداحة الدين، وما ينتج عنه من مشكلات في الدنيا والآخرة كان النبي صلى الله عليه وسلم يتعوذ بالله تعالى منه، ففي حديث عائشة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: (اللهم إني أعوذ بك من المأثم والمغرم، فقال له قائل: ما أكثر ما تستعيذ من المغرم! فقال عليه الصلاة والسلام: إن الرجل إذا غرم حدث فكذب ووعد فأخلف) رواه البخاري. وفي حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو بهؤلاء الكلمات: (اللهم إني أعوذ بك من غلبة الدين وغلبة العدو وشماتة الأعداء) رواه النسائي.
وجاء عن معاوية رضي الله عنه أنه قال: (رق الحر الدين) واشتهر عند الناس أن الدين همٌّ بالليل وذل بالنهار، والسلامة من حقوق الناس سلامة من كل هذه المآثم والإهانات.
فحري بالعاقل أن لا يتوسع في الدين، ولا يلجأَ إليه إلا عند الحاجة، ولا يحملَ نفسه ما لا يقدر على سداده.
فإذا استدان وثَّق ذلك في كتاب، وضمنه وصيته؛ لئلا يفجأه الموت وحقوق الناس في ذمته لا يعلم بها إلا هو.
ثم يجتهد في السداد ولو ضيق على نفسه وولده، فمنعهم ما زاد عن ضروراتهم وحاجاتهم من النفقات، وترك التوسعة عليهم حتى يقضي ما للعباد في ذمته، ويسأل الله تعالى المعونة على ذلك؛ ومن صدق في ذلك أعانه الله تعالى، ومن استعان بالله تعالى أعانه على ما يثقله؛ فإن الله تعالى لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء.

وصلوا وسلموا على نبيكم..