مقتطفات من كتاب القرآن تدبر وعمل {13} سورة الشورى و
سُورَةُ الزُّخْرُفِ و سورة الدخان و سُورَةُ الْجَاثِيَةِ
«تفسير السعدي = تيسير الكريم الرحمن»
(ص753): سورة الشورى
«{وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ
فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ
أُنِيبُ} .»
مفهوم الآية الكريمة، أن اتفاق الأمة
حجة قاطعة، لأن الله تعالى لم يأمرنا أن نرد إليه إلا ما اختلفنا فيه، فما اتفقنا عليه،
يكفي اتفاق الأمة عليه، لأنها معصومة عن الخطأ، ولا بد أن يكون اتفاقها موافقا لما
في كتاب الله وسنة رسوله.
«تفسير السعدي = تيسير الكريم الرحمن»
(ص753):
«وقوله: {عَلَيْهِ
تَوَكَّلْتُ} أي: اعتمدت بقلبي عليه في جلب المنافع ودفع المضار، واثقا به تعالى في
الإسعاف بذلك. {وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} أي: أتوجه بقلبي وبدني إليه، وإلى طاعته وعبادته.
وهذان الأصلان، كثيرا ما يذكرهما الله
في كتابه، لأنهما يحصل بمجموعهما كمال العبد، ويفوته الكمال بفوتهما أو فوت أحدهما،
كقوله تعالى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} وقوله: {فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ
عَلَيْهِ} .»
«تفسير السعدي = تيسير الكريم الرحمن»
(ص754):
«{شَرَعَ لَكُمْ
مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا
بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ
كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ
مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ} .
هذه أكبر منة أنعم الله بها على عباده،
أن شرع لهم من الدين خير الأديان وأفضلها، وأزكاها وأطهرها، دين الإسلام، الذي شرعه
الله للمصطفين المختارين من عباده، بل شرعه الله لخيار الخيار، وصفوة الصفوة، وهم أولو
العزم من المرسلين المذكورون في هذه الآية، أعلى الخلق درجة، وأكملهم من كل وجه، فالدين
الذي شرعه الله لهم، لا بد أن يكون مناسبا لأحوالهم، موافقا لكمالهم، بل إنما كملهم
الله واصطفاهم، بسبب قيامهم به، فلولا الدين الإسلامي، ما ارتفع أحد من الخلق، فهو
روح السعادة، وقطب رحى الكمال، وهو ما تضمنه هذا الكتاب الكريم، ودعا إليه من التوحيد
والأعمال والأخلاق والآداب.»
«تفسير البغوي - طيبة» (7/ 187):
«{أَنْ أَقِيمُوا
الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ} بَعَثَ اللَّهُ الْأَنْبِيَاءَ كُلَّهُمْ بِإِقَامَةِ
الدِّينِ وَالْأُلْفَةِ وَالْجَمَاعَةِ وَتَرْكِ الْفُرْقَةِ وَالْمُخَالَفَةِ.»
«تفسير القرطبي = الجامع لأحكام القرآن»
(16/ 11):
«كَبُرَ عَلَى
الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي
إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ (13)»
قَوْلُهُ تَعَالَى:" كَبُرَ عَلَى
الْمُشْرِكِينَ" أَيْ عَظُمَ عَلَيْهِمْ." مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ"
مِنَ التَّوْحِيدِ وَرَفْضِ الْأَوْثَانِ. قَالَ قَتَادَةُ: كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ
فَاشْتَدَّ عَلَيْهِمْ شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَضَاقَ بِهَا إِبْلِيسُ
وَجُنُودُهُ، فَأَبَى اللَّهُ عز وجل إِلَّا أَنْ يَنْصُرَهَا ويعليها ويظهرها على
من نَاوَأَهَا.
«تفسير السعدي = تيسير الكريم الرحمن»
(ص755):
«{وَلا تَتَّبِعْ
أَهْوَاءَهُمْ} أي: أهواء المنحرفين عن الدين، من الكفرة والمنافقين إما باتباعهم على
بعض دينهم، أو بترك الدعوة إلى الله، أو بترك الاستقامة، فإنك إن اتبعت أهواءهم من
بعد ما جاءك من العلم إنك إذا لمن الظالمين، ولم يقل: "ولا تتبع دينهم" لأن
حقيقة دينهم الذي شرعه الله لهم، هو دين الرسل كلهم، ولكنهم لم يتبعوه، بل اتبعوا أهواءهم،
واتخذوا دينهم لهوا ولعبا.»
«تفسير السعدي = تيسير الكريم الرحمن»
(ص756):
«{اللَّهُ لَطِيفٌ
بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ» فمن لطفه بعبده المؤمن،
أن هداه إلى الخير هداية لا تخطر بباله، بما يسر له من الأسباب الداعية إلى ذلك، من
فطرته على محبة الحق والانقياد له وإيزاعه تعالى لملائكته الكرام، أن يثبتوا عباده
المؤمنين، ويحثوهم على الخير، ويلقوا في قلوبهم من تزيين الحق ما يكون داعيا لاتباعه.
ومن لطفه أن أمر المؤمنين، بالعبادات
الاجتماعية، التي بها تقوى عزائمهم وتنبعث هممهم، ويحصل منهم التنافس على الخير والرغبة
فيه، واقتداء بعضهم ببعض.
ومن لطفه، أن قيض لعبده كل سبب يعوقه
ويحول بينه وبين المعاصي، حتى إنه تعالى إذا علم أن الدنيا والمال والرياسة ونحوها
مما يتنافس فيه أهل الدنيا، تقطع عبده عن طاعته، أو تحمله على الغفلة عنه، أو على معصية
صرفها عنه، وقدر عليه رزقه، ولهذا قال هنا: {يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ} بحسب اقتضاء حكمته
ولطفه.
«تفسير القرطبي = الجامع لأحكام القرآن»
(16/ 16/17):
«اللَّهُ لَطِيفٌ
بِعِبادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ (19)»
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: حَفِيٌّ بِهِمْ.
وَقَالَ عِكْرِمَةُ: بَارٌّ بِهِمْ. وَقَالَ السُّدِّيُّ: رَفِيقٌ بِهِمْ. وَقَالَ
مُقَاتِلٌ: لَطِيفٌ بِالْبَرِّ وَالْفَاجِرِ، حَيْثُ لَمْ يَقْتُلْهُمْ جُوعًا بِمَعَاصِيهِمْ.
وَقَالَ الْقُرَظِيُّ: لَطِيفٌ بِهِمْ فِي الْعَرْضِ وَالْمُحَاسَبَةِ. قَالَ:
غَدًا عِنْدَ مَوْلَى الْخَلْقِ لِلْخَلْقِ
مَوْقِفٌ … يُسَائِلُهُمْ فِيهِ الْجَلِيلُ وَيَلْطُفُ
وَقَالَ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ: يَلْطُفُ
بِهِمْ فِي الرِّزْقِ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا- أَنَّهُ جَعَلَ رِزْقَكَ مِنَ
الطَّيِّبَاتِ. وَالثَّانِي- أَنَّهُ لم يدفعه إليك مرة واحدة فتبذوه. وَقَالَ مُحَمَّدُ
بْنُ عَلِيٍّ الْكَتَّانِيُّ: اللَّطِيفُ بِمَنْ لَجَأَ إِلَيْهِ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا
يَئِسَ من الخلق توكل عليه وَرَجَعَ إِلَيْهِ، فَحِينَئِذٍ يَقْبَلُهُ وَيُقْبِلُ عَلَيْهِ.
وَقِيلَ: اللَّطِيفُ الَّذِي يَنْشُرُ
مِنْ عِبَادِهِ الْمَنَاقِبَ وَيَسْتُرُ عَلَيْهِمُ الْمَثَالِبَ
وَقِيلَ: هُوَ الَّذِي يَقْبَلُ الْقَلِيلَ
وَيَبْذُلُ الْجَزِيلَ. وَقِيلَ: هُوَ الَّذِي يَجْبُرُ الْكَسِيرَ وَيُيَسِّرُ الْعَسِيرَ.
وَقِيلَ: هُوَ الَّذِي لَا يُعَاجِلُ
مَنْ عَصَاهُ وَلَا يُخَيِّبُ مَنْ رَجَاهُ. وَقِيلَ: هُوَ الَّذِي لَا يَرُدُّ سَائِلَهُ
وَلَا يُوئِسُ آمِلَهُ. وَقِيلَ: هُوَ الَّذِي يَعْفُو عَمَّنْ يَهْفُو. وَقِيلَ: هُوَ
الَّذِي يَرْحَمُ مَنْ لَا يَرْحَمُ نَفْسَهُ.
«تفسير السعدي = تيسير الكريم الرحمن»
(ص758):
«{وَهُوَ الَّذِي
يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا
تَفْعَلُونَ}»
ولما كانت التوبة من الأعمال العظيمة،
التي قد تكون كاملة بسبب تمام الإخلاص والصدق فيها، وقد تكون ناقصة عند نقصهما، وقد
تكون فاسدة إذا كان القصد منها بلوغ غرض من الأغراض الدنيوية، وكان محل ذلك القلب الذي
لا يعلمه إلا الله، ختم هذه الآية بقوله: {وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ}
«تفسير القرطبي = الجامع لأحكام القرآن»
(16/ 28):
«وَلَوْ بَسَطَ
اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ
مَا يَشاءُ إِنَّهُ بِعِبادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ (27)»
فَقَدْ يَعْلَمُ مِنْ حَالِ عَبْدٍ
أَنَّهُ لَوْ بَسَطَ عَلَيْهِ قَادَهُ ذَلِكَ إِلَى الْفَسَادِ فَيَزْوِي عَنْهُ الدُّنْيَا،
مَصْلَحَةً لَهُ. فَلَيْسَ ضيق الرزق هوانا ولا سعة فَضِيلَةً، وَرَوَى وَإِنَّ مِنْ
عِبَادِي الْمُؤْمِنِينَ مَنْ يَسْأَلُنِي الْبَابَ مِنَ الْعِبَادَةِ وَإِنِّي عَلِيمٌ
أَنْ لَوْ أَعْطَيْتُهُ إِيَّاهُ لَدَخَلَهُ الْعُجْبُ فَأَفْسَدَهُ. وَإِنَّ مِنْ
عِبَادِي الْمُؤْمِنِينَ مَنْ لَا يُصْلِحُهُ إِلَّا الْغِنَى وَلَوْ أَفْقَرْتُهُ
لَأَفْسَدَهُ الْفَقْرُ. وَإِنَّ مِنْ عِبَادِي الْمُؤْمِنِينَ مَنْ لَا يُصْلِحُهُ
إِلَّا الْفَقْرُ وَلَوْ أَغْنَيْتُهُ لَأَفْسَدَهُ الْغِنَى. وَإِنِّي لِأُدَبِّرُ
عِبَادِي لِعِلْمِي بِقُلُوبِهِمْ فَإِنِّي عَلِيمٌ خَبِيرٌ
«تفسير السعدي = تيسير الكريم الرحمن»
(ص759):
«وَأَمْرُهُمْ
شُورَى بَيْنَهُمْ» {وَأَمْرُهُمْ} الديني والدنيوي {شُورَى بَيْنَهُمْ} أي: لا يستبد
أحد منهم برأيه في أمر من الأمور المشتركة بينهم، وهذا لا يكون إلا فرعا عن اجتماعهم
وتوالفهم وتواددهم وتحاببهم وكمال عقولهم، أنهم إذا أرادوا أمرا من الأمور التي تحتاج
إلى إعمال الفكر والرأي فيها، اجتمعوا لها وتشاوروا وبحثوا فيها، حتى إذا تبينت لهم
المصلحة، انتهزوها وبادروها، وذلك كالرأي في الغزو والجهاد، وتولية الموظفين لإمارة
أو قضاء، أو غيره، وكالبحث في المسائل الدينية عموما، فإنها من الأمور المشتركة، والبحث
فيها لبيان الصواب مما يحبه الله، وهو داخل في هذه الآية.
«تفسير السعدي = تيسير الكريم الرحمن»
(ص761):
«{اسْتَجِيبُوا
لِرَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ مَا لَكُمْ
مِنْ مَلْجَإٍ يَوْمَئِذٍ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَكِير}ٍ»
وهذه الآية ونحوها، فيها ذم الأمل،
والأمر بانتهاز الفرصة في كل عمل يعرض للعبد، فإن للتأخير آفات.
«تفسير ابن كثير - ط أولاد الشيخ»
(12/ 293):
«{وَإِنْ تُصِبْهُمْ}
يعني الناس {سَيِّئَةٌ} أي: جدب ونقمة وبلاء وشدة، {فَإِنَّ الْإِنْسَانَ كَفُورٌ}
أي: يجحد ما تقدم من النعمة ولا يعرف إلا الساعة الراهنةْ}»
«تفسير القرطبي = الجامع لأحكام القرآن»
(16/ 54):
«وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا
إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلا الْإِيمانُ وَلكِنْ
جَعَلْناهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ مِنْ عِبادِنا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى
صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (52)»
هو القرآن. وهو قول مَالِكِ بْنِ دِينَارٍ.
وَسَمَّاهُ رُوحًا لِأَنَّ فِيهِ حَيَاةً مِنْ مَوْتِ الْجَهْلِ. وَكَانَ مَالِكُ بْنُ دِينَارٍ يَقُولُ: يَا أَهْلَ
الْقُرْآنِ، مَاذَا زَرَعَ الْقُرْآنُ فِي قُلُوبِكُمْ؟ فَإِنَّ الْقُرْآنَ رَبِيعُ
الْقُلُوبِ كَمَا أَنَّ الْغَيْثَ رَبِيعُ الْأَرْضِ.
«تفسير ابن كثير - ط أولاد الشيخ»
(12/ 297): سُورَةُ الزُّخْرُفِ
«وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَينَا
لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ (4)» بيَّن شرفه في الملإ الأعلى، ليشرفه ويعظمه ويطيعه أهل الأرض
«تفسير القرطبي = الجامع لأحكام القرآن»
(16/ 62):
«أَفَنَضْرِبُ
عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحاً أَنْ كُنْتُمْ قَوْماً مُسْرِفِينَ (5)» قَالَ قَتَادَةُ:
وَاللَّهِ لَوْ كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ رُفِعَ حِينَ رَدَّدَتْهُ أَوَائِلُ هَذِهِ
الْأُمَّةِ لَهَلَكُوا، وَلَكِنَّ اللَّهَ رَدَّدَهُ وَكَرَّرَهُ عَلَيْهِمْ بِرَحْمَتِهِ.
«تفسير القرطبي = الجامع لأحكام القرآن»
(16/ 64/65):
«وَالَّذِي نَزَّلَ
مِنَ السَّماءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَنْشَرْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً كَذلِكَ تُخْرَجُونَ
(11)
قَوْلُهُ تَعَالَى:" وَالَّذِي
نَزَّلَ مِنَ السَّماءِ مَاءً بِقَدَرٍ" قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَيْ لَا كَمَا
أُنْزِلَ عَلَى قَوْمِ نُوحٍ بِغَيْرِ قَدَرٍ حَتَّى أَغْرَقَهُمْ، بَلْ هُوَ بِقَدَرٍ
لَا طُوفَانَ مُغْرِقٌ وَلَا قَاصِرَ عن الحاجة، حتى يَكُونَ مَعَاشًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ."»
«تفسير ابن كثير - ط أولاد الشيخ»
(12/ 302):
وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ كُلَّها
وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعامِ مَا تَرْكَبُونَ (12) لِتَسْتَوُوا عَلى
ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا
سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هَذَا وَما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ (13) وَإِنَّا إِلى
رَبِّنا لَمُنْقَلِبُونَ (14) «لَمُنْقَلِبُونَ} أي: لصائرون إليه بعد مماتنا، وإليه
سيرنا الأكبر. وهذا من باب التنبيه بسير الدنيا على سير الآخرة، كما نبه بالزاد الدنيوي
على الأخروي في قوله: [{وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيرَ الزَّادِ التَّقْوَى} وباللباس
الدنيوي على الأخروي في قوله تعالى]: {وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيرٌ}.»
«نظم الدرر في تناسب الآيات والسور»
(17/ 398):
لِتَسْتَوُوا عَلى ظُهُورِهِ ثُمَّ
تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحانَ
الَّذِي سَخَّرَ لَنا هَذَا وَما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ (13) وَإِنَّا إِلى رَبِّنا
لَمُنْقَلِبُونَ (14)
«وروى أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي
والترمذي عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا ركب راحلته
ثلاثاً ثم قال: «سبحان الذي سخر لنا هذا الآية، ثم يقول: اللهم إني أسألك في سفري هذا
البر والتقوى ومن العمل ما ترضى اللهم هون علينا السفر واطو لنا البعيد، اللهم أنت
الصاحب في السفر والخليفة في الأهل، اللهم اصبحنا في سفرنا واخلفنا في أهلنا، وكان
إذا رجع إلى أهله قال: آئبون تائبون إن شاء الله عابدون لربينا حامدون»
«تفسير السعدي = تيسير الكريم الرحمن»
(ص763):
«أَمِ اتَّخَذَ
مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ وَأَصْفَاكُمْ بِالْبَنِينَ» «وَجَعَلُوا
الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا»
ومنها: أنهم جَعَلُوا الْمَلائِكَةَ
الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الله إِنَاثًا، فتجرأوا على الملائكة، العباد المقربين، ورقوهم
عن مرتبة العبادة والذل، إلى مرتبة المشاركة لله، في شيء من خواصه، ثم نزلوا بهم عن
مرتبة الذكورية إلى مرتبة الأنوثية، فسبحان من أظهر تناقض من كذب عليه وعاند رسله.
«تفسير السعدي = تيسير الكريم الرحمن»
(ص764):
«وَجَعَلَهَا
كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ» {وَجَعَلَهَا} أي: هذه الخصلة
الحميدة، التي هي أم الخصال وأساسها، وهي إخلاص العبادة لله وحده، والتبرِّي من عبادة
ما سواه.
{كَلِمَةً بَاقِيَةً
فِي عَقِبِهِ} أي: ذريته {لَعَلَّهُمْ} إليها {يَرْجِعُونَ} لشهرتها عنه، وتوصيته لذريته،
فلم تزل هذه الكلمة موجودة في ذريته عليه السلام حتى دخلهم الترف والطغيان.
«تفسير السعدي = تيسير الكريم الرحمن»
(ص764):
«{وَقَالُوا لَوْلا
نزلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ}»
فإذا كانت معايش العباد وأرزاقهم الدنيوية
بيد الله تعالى، وهو الذي يقسمها بين عباده، فيبسط الرزق على من يشاء، ويضيقه على من
يشاء، بحسب حكمته، فرحمته الدينية، التي أعلاها النبوة والرسالة، أولى وأحرى أن تكون
بيد الله تعالى، فالله أعلم حيث يجعل رسالته.
فعلم أن اقتراحهم ساقط لاغ، وأن التدبير
للأمور كلها، دينيها ودنيويها، بيد الله وحده. هذا إقناع لهم، من جهة غلطهم في الاقتراح،
الذي ليس في أيديهم منه شيء، إن هو إلا ظلم منهم ورد للحق.
«تفسير القرطبي = الجامع لأحكام القرآن»
(16/ 84):
«وَلَوْلا أَنْ
يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً لَجَعَلْنا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ لِبُيُوتِهِمْ
سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ وَمَعارِجَ عَلَيْها يَظْهَرُونَ (33)»
قَالَ الْعُلَمَاءُ: ذَكَرَ حَقَارَةَ
الدُّنْيَا وَقِلَّةَ خَطَرِهَا، وَأَنَّهَا عِنْدَهُ مِنَ الْهَوَانِ بِحَيْثُ كَانَ
يَجْعَلُ بُيُوتَ الْكَفَرَةِ وَدَرَجَهَا ذَهَبًا وَفِضَّةً لَوْلَا غَلَبَةُ حُبِّ
الدُّنْيَا عَلَى الْقُلُوبِ، فَيَحْمِلُ ذَلِكَ عَلَى الْكُفْرِ. قَالَ الْحَسَنُ:
الْمَعْنَى لَوْلَا أَنْ يَكْفُرَ النَّاسُ جَمِيعًا بِسَبَبِ مَيْلِهِمْ إِلَى الدُّنْيَا
وَتَرْكِهِمُ الْآخِرَةَ لَأَعْطَيْنَاهُمْ فِي الدُّنْيَا مَا وَصَفْنَاهُ، لِهَوَانِ
الدُّنْيَا عِنْدَ اللَّهِ عز وجل. وَعَلَى هَذَا أَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ ابْنُ عَبَّاسٍ
وَالسُّدِّيُّ وَغَيْرُهُمْ.
«نظم الدرر في تناسب الآيات والسور»
(17/ 427):
وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ
نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ (36)
«لأن من وسع عليه في دنياه اشتغل في
الأغلب عن ذكر الله فنفرت منه الملائكة ولزمته الشياطين، فساقه ذلك إلى كل سوء، ومن
يتق الله فيديم ذكره يؤيده»
«تفسير السعدي = تيسير الكريم الرحمن»
(ص767):
{وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ
قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ}
«{وَنَادَى فِرْعَوْنُ
فِي قَوْمِهِ قَالَ} مستعليا بباطله، قد غره ملكه، وأطغاه ماله وجنوده: {يَا قَوْمِ
أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ} أي: ألست المالك لذلك، المتصرف فيه، {وَهَذِهِ الأنْهَارُ
تَجْرِي مِنْ تَحْتِي} أي: الأنهار المنسحبة من النيل، في وسط القصور والبساتين. {أَفَلا
تُبْصِرُونَ} هذا الملك الطويل العريض، وهذا من جهله البليغ، حيث افتخر بأمر خارج عن
ذاته، ولم يفخر بأوصاف حميدة، ولا أفعال سديدة.»
«تفسير البغوي - طيبة» (7/ 217):
«{فَاسْتَخَفَّ
قَوْمَهُ} أَيِ اسْتَخَفَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ الْقِبْطَ، أَيْ وَجَدَهُمْ جُهَّالًا.
وَقِيلَ: حَمَلَهُمْ عَلَى الْخِفَّةِ وَالْجَهْلِ. يُقَالُ: اسْتَخَفَّهُ عَنْ رَأْيِهِ،
إِذَا حَمَلَهُ عَلَى الْجَهْلِ وَأَزَالَهُ عَنِ الصَّوَابِ»
«تفسير القرطبي = الجامع لأحكام القرآن»
(16/ 102):
«فَلَمَّا آسَفُونا
انْتَقَمْنا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْناهُمْ أَجْمَعِينَ (55)»
وقال عمر بن ذر: يأهل مَعَاصِي اللَّهِ،
لَا تَغْتَرُّوا بِطُولِ حِلْمِ اللَّهِ عَنْكُمْ، وَاحْذَرُوا أَسَفَهُ، فَإِنَّهُ
قَالَ" فَلَمَّا آسَفُونا انْتَقَمْنا مِنْهُمْ"
«نظم الدرر في تناسب الآيات والسور»
(17/ 452/453):
فَجَعَلْناهُمْ سَلَفاً وَمَثَلاً لِلْآخِرِينَ
(56)
«{فجعلناهم} أي
بأخذنا لهم على هذه الصورة من الإغراق وغيره مما تقدمه {سلفاً} متقدماً لكل من يهلك
بعدهم إهلاك غضب في الهلاك في الدنيا والعذاب في الآخرة وقدوة لمن يريد العلو في الأرض
فتكون عاقبته في الهلاك في الدارين أو إحداهما عاقبتهم كما قال سبحانه عز من قائل وتبارك
وتعالى {وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار} [القصص: 41] : {ومثلاً} أي حديثاً عجيباً سائراً
مسير المثل {للآخرين} الذين خلفوا بعدهم من زمنهم إلى آخر الدهر فيكون حالهم عظة لناس
وإضلالاً لآخرين، فمن قضى أن يكون على مثل حالهم عمل مثل أعمالهم، ومن أراد النجاة
مما نالهم تجنب أفعالهم، فمن أريد به الخير وفق لمثل خير يرده عن غيه، ومن أريد به
الشر، وجعل له منهم مثلاً يجترئ به على شره، ويقوى على خبثه ومكره، فيجعل الشرير ما
أوتوه من الدنيا من النعمة والحبرة الرفاهية والنصرة مثلاً له في التوصل إليه مما كانوا
عليه من الظلم، ويجعل الخير إهلاكهم مثلاً له فيبعد عن أفعالهم لينجو من مثل نكالهم»
«تفسير ابن كثير - ط أولاد الشيخ»
(12/ 324):
«الْأَخِلَّاءُ
يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إلا الْمُتَّقِينَ (67)»
وقوله تعالى: {الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ
بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إلا الْمُتَّقِينَ} أي: كل صداقة وصحابة لغير اللَّه فإنها
تنقلب يوم القيامة عداوة، إلا ما كان للَّه عز وجل فإنه دائم بدوامه.
«تفسير ابن كثير - ط أولاد الشيخ»
(12/ 328):
«قَال إِنَّكُمْ
مَاكِثُونَ (77) لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ
(78)»
فلما سألوا أن يموتوا أجابهم مالك:
{قَال إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ}، قال ابن عباس: مكث ألف سنة، ثم قال: إنكم ماكثون. رواه
ابن أبي حاتم. أي: لا خروج لكم منها ولا محيد لكم عنها.
ثم ذكر سبب شقوتهم وهو مخالفتهم الحق
ومعاندتهم له، فقال: {لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ} أي: بيناه لكم ووضحناه وفسرناه،
{وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ} أي: ولكن كانت سجاياكم لا تَقبله ولا
تُقبل عليه، وإنما تنقاد للباطل وتعظمه، وتَصُدّ عن الحق وتأباه، وتُبغضُ أهله. فعودوا
على أنفسكم بالملامة، واندموا حيث لا تنفعكم الندامة.
«تفسير السعدي = تيسير الكريم الرحمن»
(ص771): سورة الدخان
«إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ
مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ»
أنه أنزله {فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ}
أي: كثيرة الخير والبركة وهي ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر، فأنزل أفضل الكلام
بأفضل الليالي والأيام على أفضل الأنام، بلغة العرب الكرام.
«نظم الدرر في تناسب الآيات والسور»
(18/ 14):
فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ
بِدُخَانٍ مُبِينٍ (10)
روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي
الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «بادروا بالأعمال ستاً: الدجال والدخان
ودابة الأرض وطلوع الشمس من مغربها وأمر العامة وخويصة أحدكم» .
«تفسير ابن كثير - ط أولاد الشيخ»
(12/ 341):
«وَإِنْ لَمْ
تُؤْمِنُوا لِي فَاعْتَزِلُونِ (21)»
أي: فلا تتعرضوا لي ودعوا الأمر بيني
وبينكم مسالمة إلى أن يقضي الله بيننا، فلما طال مقامه دين أظهرهم، وأقام حجج الله
عليهم، كل ذلك وما زادهم ذلك إلا كفرًا وعِنادًا، دعا ربه عليهم دعوة نفذت فيهم.
«تفسير ابن كثير - ط أولاد الشيخ»
(12/ 343):
«{فَمَا بَكَتْ
عَلَيهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ}. أي: لم تكن لهم أعمال صالحة تصعد في أبواب السماء
فتبكي على فقدهم، ولا لهم في الأرض بقاع عبدوا الله فيها فقدتهم، فلهذا استحقوا أن
لا ينظروا ولا يؤخروا لكفرهم وإجرامهم، وعتوهم وعنادهم.»
«نظم الدرر في تناسب الآيات والسور»
(18/ 32):
{وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْمٍ
عَلَى الْعَالمِينَ وَآتَينَاهُمْ مِنَ الْآيَاتِ
مَا فِيهِ بَلَاءٌ مُبِينٌ}
«ولما كانت قريش تفتخر بظواهر الأمور
من الزينة والغرور ويعدونه تعظيماً من الله ويعدون ضعف الحال في الدنيا شقاء وبعداً
من الله، رد عليهم قولهم بما أتى بني إسرائيل على ما كانوا فيه من الضعف وسوء الحال
بعد إهلاك آل فرعون بعذاب الاستئصال»
«تفسير ابن كثير - ط أولاد الشيخ»
(12/ 353):
«{مُتَقَابِلِينَ}،
أي: على السرر، لا يجلس أحد منهم وظهره إلى غيره»
«تفسير ابن كثير - ط أولاد الشيخ»
(12/ 357): سُورَةُ الْجَاثِيَةِ
«{لآيَاتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ * آيَاتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ * آيَاتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ
}»
وقال أولًا: {لآيَاتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ}،
ثم {يُوقِنُونَ} ثم {يَعْقِلُونَ}، وهو تَرَق من حال شريف إلى ما هو أشرف منه وأعلى.
«نظم الدرر في تناسب الآيات والسور»
(18/ 70):
وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ *
يَسْمَعُ آيَاتِ اللَّهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ
يَسْمَعْهَا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ
«وقد علم بهذا الوصف أن كل من لم ترده
آيات الله تعالى كان مبالغاً في الإثم والإفك، فكان له الويل.»
«تفسير القرطبي = الجامع لأحكام القرآن»
(16/ 165):
«أَمْ حَسِبَ
الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا
الصَّالِحاتِ سَواءً مَحْياهُمْ وَمَماتُهُمْ ساءَ مَا يَحْكُمُونَ (21)»
وَذَكَرَ ابْنُ الْمُبَارَكِ أَخْبَرَنَا
شُعْبَةُ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ أَبِي الضحا عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ قَالَ رَجُلٌ
مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ: هَذَا مَقَامُ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ، لَقَدْ رَأَيْتُهُ ذَاتَ
لَيْلَةٍ حَتَّى أَصْبَحَ أَوْ قَرُبَ أَنْ يُصْبِحَ يَقْرَأُ آيَةً مِنْ كِتَابِ اللَّهِ
وَيَرْكَعُ وَيَسْجُدُ وَيَبْكِي" أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ
أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ"
الْآيَةَ كُلَّهَا. وَقَالَ بَشِيرٌ:
بِتُّ عِنْدَ الرَّبِيعِ بْنِ خَيْثَمٍ ذَاتَ لَيْلَةٍ فَقَامَ يُصَلِّي فَمَرَّ بِهَذِهِ
الْآيَةِ فَمَكَثَ لَيْلَهُ حَتَّى أَصْبَحَ لَمْ يَعْدُهَا بِبُكَاءٍ شَدِيدٍ. وَقَالَ
إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْأَشْعَثِ: كَثِيرًا مَا رَأَيْتُ الْفُضَيْلَ بْنَ عِيَاضٍ يُرَدِّدُ
مِنْ أَوَّلِ اللَّيْلِ إِلَى آخِرِهِ هَذِهِ الْآيَةَ وَنَظِيرَهَا، ثُمَّ يَقُولُ:
لَيْتَ شِعْرِي! مِنْ أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَنْتَ؟ وَكَانَتْ هَذِهِ الْآيَةُ تُسَمَّى
مَبْكَاةُ الْعَابِدِينَ لأنها محكمة.
«نظم الدرر في تناسب الآيات والسور»
(18/ 101):
وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ
مَا كانَ حُجَّتَهُمْ إِلَاّ أَنْ قالُوا ائْتُوا بِآبائِنا إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ
(25)
«ولما كان سبحانه وتعالى إنما يقبل
الإيمان عند إمكان تصوره، وذلك إذا كان بالغيب لم يجبهم إلى إحياء آبائهم إكراماً لهذه
الأمة لشرف نبيها عليه أفضل الصلاة والسلام لأن سنته الإلهية جرت بأن من لم يؤمن بعد
كشف الأمر بإيجاد الآيات المقترحات أهلكه كما فعل بالأمم الماضية،»
«تفسير القرطبي = الجامع لأحكام القرآن»
(16/ 173):
«وَإِذا تُتْلى
عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ مَا كانَ حُجَّتَهُمْ إِلَاّ أَنْ قالُوا ائْتُوا بِآبائِنا
إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (25)»
الزَّمَخْشَرِيُّ:" فَإِنْ قُلْتَ
لِمَ سَمَّى قَوْلَهُمْ حُجَّةً وَلَيْسَ بِحُجَّةٍ؟ قُلْتُ: لِأَنَّهُمْ أَدْلَوْا
بِهِ كَمَا يُدْلِي الْمُحْتَجُّ بِحُجَّتِهِ، وَسَاقُوهُ مَسَاقَهَا فَسُمِّيَتْ حُجَّةٌ
عَلَى سَبِيلِ التَّهَكُّمِ. أَوْ لِأَنَّهُ فِي حُسْبَانِهِمْ وَتَقْدِيرِهِمْ حُجَّةٌ.
أَوْ لِأَنَّهُ فِي أُسْلُوبِ قَوْلِهِ:
كَأَنَّهُ قِيلَ: مَا كَانَ حُجَّتَهُمْ
إِلَّا مَا لَيْسَ بِحُجَّةٍ. وَالْمُرَادُ نَفْيَ أَنْ تَكُونَ لَهُمْ حُجَّةٌ الْبَتَّةَ.
«تفسير السعدي = تيسير الكريم الرحمن»
(ص778):
«وَتَرَى كُلَّ
أُمَّةٍ جَاثِيَةً» على ركبها خوفا وذعرا وانتظارا لحكم الملك الرحمن.
«تفسير القرطبي = الجامع لأحكام القرآن»
(16/ 177):
«ذلِكُمْ بِأَنَّكُمُ
اتَّخَذْتُمْ آياتِ اللَّهِ هُزُواً وَغَرَّتْكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا فَالْيَوْمَ
لَا يُخْرَجُونَ مِنْها وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ (35)»
أَيْ خَدَعَتْكُمْ بِأَبَاطِيلِهَا
وَزَخَارِفِهَا، فَظَنَنْتُمْ أَنْ لَيْسَ ثَمَّ غَيْرُهَا، وَأَنْ لَا بَعْثَ.
«تفسير السعدي = تيسير الكريم الرحمن»
(ص778):
«{فَلِلَّهِ الْحَمْدُ}
كما ينبغي لجلاله وعظيم سلطانه {رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَرَبِّ الأرْضِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}
أي: له الحمد على ربوبيته لسائر الخلائق حيث خلقهم ورباهم وأنعم عليهم بالنعم الظاهرة
والباطنة.
{وَلَهُ الْكِبْرِيَاءُ
فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ} أي: له الجلال والعظمة والمجد.
فالحمد فيه الثناء على الله بصفات الكمال
ومحبته تعالى وإكرامه، والكبرياء فيها عظمته وجلاله والعبادة مبنية على ركنين، محبة
الله والذل له، وهما ناشئان عن العلم بمحامد الله وجلاله وكبريائه.»
«نظم الدرر في تناسب الآيات والسور»
(18/ 116):
«{فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّمَاوَاتِ
وَرَبِّ الأرْضِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}
«وأعاد ذكر الرب
تنبيهاً على أن حفظه للخلق وتربيته لهم ذو ألوان بحسب شؤون الخلق، فحفظه لهذا الجزء
على وجه يغاير حفظه لجزء آخر، وحفظه للكل من حيث هو كل على وجه يغاير حفظه لكل جزء
على حدته، مع أن الكل بالنسبة إلى تمام القدرة على حد سواء.»