قصة هدبة بن الخشرم

صفحــة خاصة بمحمود رجائي علي
تَصابى
وَأَمسى عَلاهُ الكِبَر وَأَمسى لِجمرَةَ حَبلٍ غَرَر
وَشابَ
وَلا مَرحَباً بِالبَياضِ وَالشَيبِ مِن غائِبٍ يَنتَظِر
فَلَو
أَنَّ جَمرَةَ تَدنو لَهُ وَلَكِنَّ جَمرَةَ مِنهُ سَفَر
سَلامُ
الإِلَهِ وَرَيحانُهُ وَرَحمَتُهُ وَسَماءٌ دَرَر
غَمامُ
يُنَزِّلُ رِزقَ العِبادِ فَأَحيا البِلادَ وَطابَ الشَجَر
أَرى
الناسَ قَد أَحدَثوا شيمَةً وَفي كُلِّ حادِثَةٍ يُؤتَمَر
يُهينونَ
مَن حَقَّروا سَيبَهُ
وَإِن
كانَ فيهِم يَفي أَو يَبَر
وَيُعجِبُهُم
مَن رَأَوا عِندَهُ
سَواماً
وَإِن كانَ فيهِ الغَمَر
أَلا
يا لِذا الناسِ لَو يَعلَمونَ لِلخَيرِ خَيرٍ وَلِلشَرِّ شَر
فَيَومٌ
عَلَينا وَيَومٌ لَنا
وَيَومٌ
نُساءُ وَيَومٌ نُسَر
قطري
بن الفجاءة أقول لها وقد طارت شعاعا
أَقولُ لَها وَقَد طارَت شَعاعاً مِنَ الأَبطالِ وَيحَكَ لَن تُراعي
فَإِنَّكِ لَو سَأَلتِ بَقاءَ يَومٍ عَلى الأَجَلِ الَّذي لَكِ لَم تُطاعي
فَصَبراً
في مَجالِ المَوتِ صَبراً فَما نَيلُ الخُلودِ بِمُستَطاعِ
وَلا ثَوبُ البَقاءِ بِثَوبِ عِزٍّ فَيُطوى عَن أَخي الخَنعِ اليُراعُ
سَبيلُ
المَوتِ غايَةُ كُلِّ حَيٍّ فَداعِيَهُ لِأَهلِ الأَرضِ داعي
وَمَن
لا يُعتَبَط يَسأَم وَيَهرَم وَتُسلِمهُ المَنونُ إِلى اِنقِطاعِ
وَما لِلمَرءِ خَيرٌ في حَياةٍ إِذا ما عُدَّ مِن سَقَطِ المَتاعِ
===========================
قل للطبيب تخطفته يد ردى يا شافيا الامراض من ارداك ***قل للمريض نجى وعوفي بعدما عجزت فنون الطب من عافاك
قل للصحيح يموت لا من علة من بالمنايا يا صحيح دهاك*** قل للبصير وكان يحذر حفرة فهوى بها من ذا الذي أهواك
بل سائل الأعمى خطى بين الزحام بلا اصطدام من يقود خطاك*** قل للجنين يعيش معزولا بلا راع ومرعا مالذي يرعاك
قل للوليد بكى وأجهش بالبكاء لدى الولادة مالذي أبكاك ***وإذا ترى الثعبان ينفث سمه فاسأله من ذا بالسموم حشاك
واسأله كيف تعيش ياثعبان أو تحيا وهذا السم يملأ فاك ***واسأل بطون النحل كيف تقاطرت شهداوقل للشهد من حلاك
بل سائل اللبن المصفى كان بين دم وفرث ماالذي صفاك ***وإذا رأيت الحي يخرج من حنايا ميت فسأله من أحياك
قل للمرير من الثمار من اللذي بالمر من دون الثمار غذاك*** وإذا رأيت النخل مشقوق النوى فاسأله من يانخل شق نواك
وإذا رأيت النار شب لهيبها فاسأل لهيب النار من أوراك*** وإذا ترى الجبل الأشم مناطحا قمم السحاب فسله من أرساك
وإذا ترى صخرا تفجر بالمياه فأسأله من بالماء شق صفاك*** وإذا رأيت النهر بالعذب الزلال جرا فسله من الذي أجراك
وإذا رأيت البحر بالملح الأجاج طغى فسلة من الذي أطغاك*** وإذا رأيت الليل يغشى داجيا فاسأله من ياليل حاك دجاك
وإذا رأيت الصبح يسفر ضاحيا فاسأله من ياصبح فاض ضحاك*** ستجيب مافي الكون من أياته عجب عجاب لو ترى عيناك
ربي لك الحمد العظيم لذاتك حمدا وليس لواحد إلاك ***ربي لك الحمد العظيم لذاتك حمدا وليس لواحد إلاك
يامدرك الأبصار والأبصار لا تدري له ولكنهه إدراكا ***إن لم تكن عيني تراك فإنني في كل شيء أستبين علاك
يامنبت الأزهار عاطرة الشذى ما خاب يوما من دعا ورجاك ***يا مجري الأنهار عاذبة الندى ما خاب يوما من دعا ورجاك
يا أيها الإنسان مهلا ما الذي بالله جل جلاله أغراك
يا أيها الإنسان مهلا ما الذي بالله جل جلاله أغراك
يا أيها الإنسان مهلا ما الذي بالله جل جلاله أغراك
قال سعيد بن المسيب: لا خير
فيمن لا يكسب المال ليكفَّ به وجهه، ويؤدِّي به أمانته، ويصل به رحمه.
قال محمود الوراق:
هاك الدّليل لمن أرا ... د غنىً يدوم بغير مال
وأراد عزَّاً لم توطِّ ... ده العشائر بالقتال
ومهابةً من غير سل ... لطانٍ وجاهاً في الرِّجال
فليعتصم دخوله ... في عزِّ طاعة ذي الجلال
وخروجه
من ذلَّة ال ...
معاصي له في كلِّ حال
قال محمود الوراق:
لبست صروف الدَّهر كهلاً وناشئاً ... وجرَّبت حالي على العسر
واليسر
فلم
أر بعد الدِّين خيراً من الغنى ... ولم أر بعد الكفر شراً من الفقر
وقال الخليل بن أحمد:
ما أسمج النُّسك بسأل ... وأقبح البخل بذي المال
من كان محتاجاً إلى أهله ... هان على ابن العمِّ والخال
ما وقع
الإنسان في ورطةٍ ... أزرى به من رقَّة الحال
وقال آخر:
تغرَّبت عن أهلي أؤمِّل ثروةً ... فلم أعط آمالي وطال
التَّغرُّب
فما
للفتى المحتال في الرِّزق حيلةٌ ... ولا لجدودٍ جدَّها الله مذهب
سل الله الإياب من المغيب ... فكم قد ردَّ مثلك من غريب
سلِّ
الهمَّ عنك بحسن ظنٍ ... ولا تيأس من الفرج القريب
أراد أعرابي السفر فقال لامرأته - وقيل
إنه الحطيئة -:
عدِّي الِّسنين لغيبتي وتصبَّري ... وذري الشُّهور فإنَّهنَّ
قصار
فأجابته:
اذكر صبابتنا إليك وشوقنا ... وارحم بناتك إنَّهنَّ صغار
فأقام
وترك سفره.
وقال آخر:
وقالت وعيناها تفيضان عبرةً ... أيا أملي خبِّر متى أنت
راجع
فقلت لها تالله يدري مسافرٌ ... إذا أضمرته الأرض ما الله
صانع
وقال آخر:
حتَّى متى أنا في حلٍّ وترحال ... وطول سعىٍ وإدبارٍ وإقبال
ونازح الدَّار لا أنفكُّ مغترباً ... عن الأحبَّة لا يدرون ما
حالي
بمشرق الأرض طوراً ثمَّ مغربها ... لا يخطر الموت من حرصي على
بالي
ولو قنعت أتاني الرِّزق في دعةٍ ... إنَّ القنوع الغنى لا كثرة
المال
أنشد الأصمعي لحاجب الفيل اليشكري:
لمَّا رأت بنتي بأنِّي مزمعٌ ... بترحُّلٍ من أرضها فمودِّع
ورأت ركابي قرِّبت لرحالها ... قالت وغرب العين منها يدمع
أبتا أتتركنا وتذهب تائهاً ... في الأرض تخفضك البلاد
وترفع
فيضيع صبيتك الّذين تركتهم ... بمضيمةٍ في المصر لم
يترعرعوا
فيهم صغيرٌ ليس ينفع نفسه ... وصغيرةٌ تبكي وطفلٌ يرضع
إنَّا سنرضى ما أقمت بعيشنا ... ما كان من شيءٍ نجوع ونشبع
والله يرزقنا فنرضى رزقه ... وكفى بحسن معيشة من يقنع
إنَّا إذا ما غبت عنَّا لم نجد ... ممَّا تخلَّف عندنا ما ينفع
تجفو موالينا ويعرض جارنا ... وقريبنا الأدنى يعزُّ ويقطع
ونخاف أن تلقاك وشك منيّةٍ ... فيصيبنا الأمر الجليل
المفظع
فنصير بعدك ليس يرفع بيتنا ... ويذلُّنا أعداؤنا ونضيَّع
هذا الرَّحيل وأمرنا ما قد ترى ... فمتى تؤوب إلى الصِّغار
وترجع
فخنقت من قول الصِّغار بعبرةٍ ... كاد الفؤاد لقولهم يتصدَّع
وأجبتها
صبراً بنيَّة واعلمي ... أن ليس يعدو يومه من يجزع
قال عياض: البر مشترك بين
الصلة والصدق واللطف والمبرة وحسن الصحبة والعشرة، وهذه يجمعها حسن الخلق، أي
يستلزمها، ولذا قال صلى الله عليه وسلم في حديث النواس: "البر حسن
الخلق". "والشك ما لم يستقر" يثبت ويرسخ "في الصدر" بل
تحرك وخطر، ولم يمازج نور القلب ولم يطمئن إليه، "فدع" أترك "ما
يريبك إلى ما لا يريبك". "بفتح الياء وضمها فيهما، والفتح أكثر"
رواية: وأفصح، أي أترك ما اعترض لك الشك فيه منقلبا إلى ما شك فيه، فإذا شككت في
كون الشيء حسنا أو قبيحا أو حلالا أو حراما فاركه، واعدل إلى ما تيقنت حسنه وحله
والأمر للندب، لأن اتقاء الشبهات مستحب لا واجب على الأصح، لحديث: "فمن اتقى
الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه". "وإن أفتاك المفتون"، أي جعلوا
لك رخصة، وذلك لأن على قلب المؤمن نورا يتقد، فإذا ورد عليه الحق التقى هو ونور
القلب فامتزجا وائتلفا، فاطمأن القلب وهش، وإذا ورد عليه الباطل نفر نور القلب،
ولم يمازجه، فاضطرب القلب.
قال القرطبي: وإنما أحاله في
الجواب على هذا الإدراك القلبي، لعلمه بجودة فهمه وتنوير قلبه، كما في الحديث
الآخر: "العلم حزار القلوب"، أي القلوب المنشرحة للإيمان، المستضيئة
بنور العلم، التي قال فيها مالك: العلم نور يضعه الله حيث شاء، وهذا الجواب لا
يحسن لغليظ الطبع يعيد الفهم، وإنما يحسن أن يجاب، بأن يفسر له الأوامر والنواهي
وأحكام الشرع.
وقال غيره: الكلام في نفوس
ماتت منها الشهوات وزالت عنها حجب الظلمات، لا في النفوس المرتكبة في الكدورات
المحفوظة بحجب اللذات، فإنها تطمئن إلى الشك والجهل، أو تسكن إليه وتستقر فيها،
فليس لأهل التخليط من هذه العلامات شيء لأن الحق لا يثبت إلا في قلوب طاهرة، وكذا
الحكمة واليقين.
والله الموفق للصواب"
سبحانك لا أحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك ما شاء الله لا قوة إلا بالله،
اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك، وصلى الله وسلم على سيد
المرسلين
وقالت عائشة: قام- صلى الله
عليه وسلم حتى تورمت قدماه، وفى رواية: حتى تفطرت قدماه، فقلت: لم تصنع هذا يا
رسول الله، وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال: «أفلا أكون عبدا
شكورا» قالت: فلما بدن وكثر شحمه- صلى الله عليه وسلم صلى جالسا، فإذا أراد أن يركع
قام فقرأ ثم ركع «1» . رواه البخارى ومسلم.
والفاء فى قوله: «أفلا أكون»
للسببية، وهى عن محذوف تقديره: أأترك تهجدى؟ فلا أكون عبدا شكورا، والمعنى: إن
المغفرة سبب لكون التهجد شكرا، فكيف أتركه؟
قال ابن بطال: فى هذا الحديث
أخذ الإنسان على نفسه بالشدة فى العبادة، وإن أضر ذلك ببدنه، لأنه إذا فعل ذلك مع
علمه بما سبق له، فكيف بمن لا يعلم، فضلا عمن لم يأمن أنه استحق النار. انتهى.
ومحل ذلك- كما قال الحافظ ابن
حجر فى فتح البارى- ما لم يفض ذلك إلى الملال، لأن حال النبى- صلى الله عليه وسلم
كانت أكمل الأحوال، فكان لا يمل من عبادة ربه، وإن أضر ذلك ببدنه، بل صح أنه- صلى
الله عليه وسلم قال: «وجعلت قرة عينى فى الصلاة»
كما أخرجه النسائى من حديث أنس، فأما غيره- صلى الله عليه وسلم فإذا خشى
الملل ينبغى له أن لا يكد نفسه، وعليه يحمل قوله- صلى الله عليه وسلم:
«خذوا من
الأعمال ما تطيقون، فإن الله لا يمل حتى تملوا»
انتهى.
لكن ربما دست النفس أو
الشيطان على المجتهد فى العبادة بمثل ما ذكر، خصوصا إذا كبر، فيقول: قد ضعفت وكبرت
فأبق على نفسك لئلا ينقطع عملك بالكلية، وهذا وإن كان ظاهره جميلا لكن فيه دسائس،
فإنه إن أطاعه فقد يكون استدراجا يئول به إلى ترك العمل شيئا فشيئا، إلى أن ينقطع
بالكلية، وما ترك سيد المرسلين، المغفور له، شيئا من عمله بعد كبره.
نعم كان يصلى بعض ورده جالسا
بعد أن كان يقوم حتى تفطرت قدماه، فكيف بمن أثقلت ظهره الذنوب والأوزار، ولا يأمن
عذاب النار، أن يغافل حال شيبته، ويتوانى عند ظهور شيبه فينبغى للإنسان أن يستعد
قبل حلول مشيبه. «اغتنم خمسا قبل خمس: شبابك قبل هرمك» فإن من شاب فقد لاح صبح سواد ليل شعره، وقد قال
تعالى منذرا لمن يدخل فى الصباح: إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ
بِقَرِيبٍ «2» فكيف بقرب من دخل فى الصباح، وظهر كوكب نهاره فى أفق رأسه ولاح؟!
قال القرطبى: ظن من سأله- صلى
الله عليه وسلم عن سبب تحمله المشقة فى العبادة أنه إنما يعبد الله خوفا من
الذنوب، وطلبا للمغفرة والرحمة، فمن تحقق أنه غفر له لا يحتاج إلى ذلك، فأفادهم أن
هناك طريقا آخر للعبادة، وهو الشكر على المغفرة، وإيصال النعمة لمن لا يستحق عليه
فيها شيئا، فيتعين كثرة الشكر على ذلك، والشكر: الاعتراف بالنعمة والقيام بالخدمة،
فمن كثر ذلك سمى شكورا، ومن ثم قال الله تعالى: وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ
الشَّكُورُ
أعياد
المسلمين فى الدنيا، كلها عند إكمال طاعات مولاهم الملك الوهاب،
وحيازتهم لما وعدهم من جزيل الأجر والثواب، فليس العيد لمن لبس الجديد، إنما العيد
لمن طاعاته تزيد، وليس العيد لمن تجمل باللباس والمركوب، وإنما العيد لمن غفرت له
الذنوب، فى ليلة العيد تفرق خلع العتق والمغفرة على العبيد، فمن ناله منها شئ فهو
له عيد، وإلا فهو مطرود بعيد.
وأما أعياد المؤمنين فى
الجنة، فهى أيام زيارتهم ربهم عز وجل، فيزورونه ويكرمهم غاية الإكرام، ويتجلى لهم
فينظرون إليه، فما أعطاهم شيئا هو أحب إليهم من ذلك وهو الزيارة، فليس للمحب عيد
سوى قرب محبوبه.
إن يوما جامعا شملى بهم … ذاك
عيدى ليس لى عيد سواه
وقوله: «من باب كان نحو دار
القضاء» هى دار عمر بن الخطاب وسميت بذلك لأنها بيعت فى قضاء دينه وكان يقال لها: دار قضاء دين عمر، ثم طال ذلك، فقيل: دار القضاء.
ورحم الله الشقراطيسى فلقد
أحسن حيث قال:
دعوت للخلق عام المحل مبتهلا
… أفديك بالخلق من داع ومبتهل
صعّدت كفيك إذ كفّ الغمام فما
… صوبت إلا بصوب الواكف الهطل
أراق بالأرض ثجا صوب ريقه …
فحل بالروض نسجا رائق الحلل
زهر من النور حلت روض أرضهم …
زهرا من النّور صافى النبت مكتمل
من كل غصن نضير مورق خضر …
وكل نور نضيد مونق خضل
تحية أحيت الأحياء من مضر …
بعد المضرة تروى السبل بالسبل
دامت على الأرض سبعا غير
مقلعة … لولا دعاؤك بالإقلاع لم تزل
وعن أنس بن مالك قال: جاء
أعرابى إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أتيناك وما لنا صبى
يغط، ولا بعير يئط- أى ما لنا بعير أصلا لأن البعير لا بد أن يئط- وأنشد:
أتيناك والعذراء يدمى لبانها
… وقد شغلت أم الصبى عن الطفل
وألقى بكفيه الفتى لاستكانة …
من الجوع ضعفا ما يمر ولا يحلى
ولا شئ مما يأكل الناس عندنا
… سوى الحنظل العامى والعلهز الغسل
وليس لنا إلا إليك فرارنا …
وأين فرار الناس إلا إلى الرسل
فقام- صلى الله عليه وسلم يجر
رداءه، حتى صعد المنبر، فرفع يديه إلى السماء ثم قال: «اللهم اسقنا غيثا مغيثا
مربعا غدقا طبقا نافعا غير ضار، عاجلا غير رائث، تملأ به الضرع وتنبت به الزرع،
وتحيى به الأرض بعد موتها» قال: فما رد- صلى الله عليه وسلم يديه إلى نحره حتى
ألقت السماء بأبراقها، وجاء أهل البطانة يضجون: الغرق الغرق، فقال- صلى الله عليه
وسلم: «حوالينا ولا علينا» فانجاب السحاب عن المدينة حتى أحدق بها كالإكليل. وضحك-
صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه، ثم قال: «لله در أبى طالب، لو كان حيّا لقرت
عيناه. من ينشدنا قوله؟» فقال على: يا رسول الله كأنك تريد قوله:
وأبيض يستسقى الغمام بوجهه …
ثمال اليتامى عصمة للأرامل
تطيف به الهلاك من آل هاشم …
فهم عنده فى نعمة وفواضل
كذبتم وبيت الله نبزى محمدا …
ولما نطاعن حوله ونناضل
ونسلمه حتى نصرع حوله … ونذهل
عن أبنائنا والحلائل
فقال: «أجل» رواه البيهقى
وقوله: «يدمى لبانها» أى يدمى
صدرها لامتهانها نفسها فى الخدمة حيث لا تجد ما تعطيه من يخدمها من الجدب وشدة
الزمان، وأصل اللبان من الفرس موضع اللبب ثم استعير للناس. وقوله: «ما يمر وما
يحلى» أى ما ينطق بخير ولا بشر من الجوع والضعف. وقوله: «سوى الحنظل العامى» نسبة
إلى العام، لأنه يتخذ فى عام الجدب، كما قالوا للجدب: السنة. «والعلهز» بالكسر،
طعام كانوا يتخذونه من الدم ووبر البعير فى سنى المجاعة. قاله الجوهرى. و «الغسل»
الرذل، قال السهيلى: فإن قلت: كيف قال أبو طالب «وأبيض يستسقى الغمام بوجهه» ولم
يره قط يستسقى، وإنما كان ذلك منه بعد الهجرة؟
وأجاب بما حاصله: أن أبو طالب
أشار إلى ما وقع فى زمن عبد المطلب، حيث استسقى لقريش والنبى- صلى الله عليه وسلم
معه وهو غلام. انتهى.
وقال الحافظ ابن حجر: ويحتمل
أن يكون أبو طالب مدحه بذلك لما رأى من مخايل ذلك فيه، وإن لم يشاهد ذلك فيه.
انتهى.
قلت: وقد أخرج ابن عساكر عن
جلهمة بن عرفطة قال: قدمت مكة، وهم فى قحط، فقالت قريش: يا أبا طالب، أقحط الوادى
وأجدب العيال وأنت فيهم أما تستسقى؟ فخرج أبو طالب ومعه غلام كأنه شمس دجن تجلت
عنه سحابة قتماء، وحوله أغيلمة، فأخذه أبو طالب فألصق ظهره بالكعبة، ولاذ الغلام
بأصبعه وما فى السماء قزعة، فأقبل السحاب من ها هنا وها هنا، وأغدق واغدودق وانفجر
له الوادى وأخصب النادى والبادى، وفى ذلك يقول أبو طالب «وأبيض يستسقى الغمام
بوجهه» انتهى.