RAMADAN

Monday, October 14, 2024

شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية 3 أبو عبد الله محمد بن عبد الباقي بن يوسف بن أحمد بن شهاب الدين بن محمد الزرقاني

 

شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية

المؤلف: أبو عبد الله محمد بن عبد الباقي بن يوسف بن أحمد بن شهاب الدين بن محمد الزرقاني المالكي (ت ١١٢٢هـ)

في رواية البخاري: "أتاكم أهل اليمن هم أرق أفئدة وأضعف" هو بمعنى رواية البخاري وألين "قلوبًا".

قال الخطابي: وصف الأفئدة بالرقة والقلوب باللين؛ لأن الفؤاد غشاء القلب، فإذا رقَّ نفذ القول وخلص إلى ما وراءه، فإذا غلظ بعد وصوله إلى داخل، فإذا صادف القلب لينًا علق به وتجمع فيه

وقال البيضاوي: الرقة ضد الغلظ، واللين يقابل القسوة، فاستعيرت في أحوال القلب، فإذا نبا عن الحق، وأعرض عن قبوله، ولم يتأثر بالآيات والنذر، وصف بالغلظ، وكان شعاعه ضعيفًا لا ينفذ فيه الحق، وجرمه صلب لا يؤثر فيه الوعظ، وإذا كان يعكس ذلك يوصف بالرقة واللين، فكان حجابة رقيقًا، لا يأبى نفوذ الحق، وجوهره لين يؤثر فيه النصح

 

فصاحة لسانه- صلى الله عليه وسلم- غاية لا يدرك مداها، ومنزلة لا يدانى منتهاها، وكيف لا يكون ذلك وقد جعل الله تعالى لسانه سيفا من سيوفه، يبين عن مراده، ويدعو به إليه عباده، فهو ينطق بحكمه عن أمره، ويبين عن مراده بحقيقة ذكره.

أفصح خلق الله إذا لفظ، وأنصحهم إذا وعظ، لا يقول هجرا، ولا ينطق هذرا، كلامه كله يثمر علما، ويمتثل شرعا وحكما، لا يتفوه بشر بكلام أحكم منه فى مقالته، ولا أجزل منه فى عذوبته.

وخليق بمن عبر عن مراد الله بلسانه، وأقام به الحجة على عباده ببيانه وبين مواضع فروضه وأوامره، ونواهيه، وزواجره ووعده ووعيده وإرشاده أن يكون أحكم الخلق جنانا وأفصحهم لسانا، أوضحهم بيانا.

وقد كان- صلى الله عليه وسلم- إذا تكلم تكلم بكلام مفصل مبين، يعده العاد، ليس بهذا مسرع لا يحفظ، قالت عائشة- رضى الله عنها-: ما كان- صلى الله عليه وسلم- يسرد سردكم هذا، كان يحدث حديثا لو عده العاد لأحصاه  وكان يعيد الكلمة ثلاثا لتفهم عنه

 

وأنشد زفر بن الحارث

وقد ينبت المرعى على دمن الثرى … وتبقى حزازات النفوس كما هيا

ومعنى البيت: أن الرجلين قد يظهران الصلح والمودة، وينطويان على البغض والعداوة، كما ينبت المرعى على الدمن. وهذا أكثرى أو كلى فى زماننا، أشار إليه شيخنا

 

لا تنطقن بما كرهت فربما … نطق اللسان بحادث فيكون

 

ذكر أنه جمع متفرقات الشرائع وقواعد الإسلام فى أربعة أحاديث وهى:

حديث «إنما الأعمال بالنية» «1» رواه الشيخان.

وحديث «الحلال بين والحرام بين» «2» رواه مسلم.

وحديث «البينة على المدعى واليمين على من أنكر» «3» .

وحديث «لا يكمل إيمان المرء حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه» «4» رواه الشيخان

‌‌_________

(1) صحيح

(2) صحيح: والحديث أخرجه البخارى (52) فى الإيمان، باب: فضل من استبرأ لدينه، ومسلم (1599) فى المساقاة، باب: أخذ الحلال وترك الشبهات، من حديث النعمان بن بشير- رضى الله عنه-.

(3) صحيح: أخرجه الترمذى (1341) فى الأحكام، باب: ما جاء فى أن البينة على المدعى واليمين على المدعى عليه، من حديث ابن عمرو- رضى الله عنهما-، وهو فى الصحيحين بلفظ: «لو يعطى الناس بدعواهم لادعى ناس دماء رجال وأموالهم، ولكن اليمين على المدعى عليه» من حديث ابن عباس- رضى الله عنهما-، وانظر «صحيح الجامع» (2897)

(4) صحيح: أخرجه البخارى (13) فى الإيمان، باب: من الإيمان أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه، ومسلم (45) فى الإيمان، باب: الدليل على أن من خصال الإيمان أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه من الخير، من حديث أنس- رضى الله عنه-، وهو فيها بلفظ: «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه»

 

قال العز بن عبد السلام: ديار مصر تفتخر برجلين في طرفيها: ابن دقيق العيد بقوص، وابن المنير بالإسكندرية

أبو النواس" الحسن بن هانئ بن عبد الأوّل، شاعر ماهر من شعراء الدولة العباسية، له أخبار عجيبة، ونكت غريبة، وخمريات أبدع فيها، وسئل عن نسبه، فقال: أغناني أدبي عن نسبي، مات سنة أربع وتسعين ومائة، "عفا الله عنه"، وقد رؤي بعد موته، فقيل: ما فعل الله بك، قال: غفر لي بأبيات قلتها في مرضي، وهي تحت الوسادة، فنظرت، فإذا تحتها رقعة مكتوب فيها بخطه:

يا رب إن عظمت ذنوبي كثرة … فلقد علمت بأن عفوك أعظم

إن كان لا يرجوك إلا محسن … فمن الذي يدعو ويرجو المجرم

أدعوك رب كما أمرت تضرعًا … فإذا رددت يدي فمن ذا يرحم

ما لي إليك وسيلة إلا الرجا … وجميل عفوك ثم إني مسلم

 

 

 

يسر الفتى طول السلامة والبقا … فكيف ترى طول السلامة تفعل

ترد الفتى بعد اعتدال وصحة … ينوء إذا رام القيام ويحمل

 

أنشد ابن دريد:

عليك بإغباب الزيارة إنها … إذا كثرت كانت إلى الهجر مسلكًا

فإني رأيت الغيث يسأم دائمًا … ويسئل باليدي إذا هو أمسكا

وقال غيره:

قلل زيارتك الصديق تكـ … ـن كالثوب استجدَّه

وأملّ شيء لامريء … أن لا يزال يراك عنده

 

فالعاقل من أبصر العاقبة، والأحمق من عمي عنها، وحجبته الشهوات والغفلات، وعاجل الحاصل يشترك في درك ضره ونفعه جميع الحيوانات بالطبع، وإنما الشأن في العمل للآجل، فجدير بِمَنِ الموت مصرعه، والتراب مضجعه، ومنكر ونكير جليسه، والدود أنيسه، والقبر مقرّه، وبطن الأرض مستقره، والقيامة موعده، والجنة والنار مورده، أن لا يكون له فكر إلا في الموت وما بعده، ولا ذكر الإله، ولا استعداد إلا لأجله، ولا تدبير إلا فيه، ولا اهتمام إلّا به، ولا انتظار إلّا له، وحقيق أن يعد نفسه من الموتى، ويراها في أهل القبور، فكل ما هو آتٍ قريب، والبعيد ما ليس بآت

وأنشد ابن دريد

ما ذاق طعم الغنى من لا قنوع له … ولن ترى قانعًا ما عاش مفتقرا

والعرف من يأته يحمد مغبَّته … ما ضاع عرف وإن أوليته حجرا

قنوع -بضم القاف- المراد: الرضا، ويروى: ما ذاق روح الغني، قال المجد: القنوع -بالضم- السؤال والتذلل، والرضا بالقسم ضد، ومن الدعاء : نسأل الله القناعة، ونعوذ به من القنوع، وفي المثل: خير الغنى القنوع، وشر الفقر الخضوع،

وقول القائل:

العبد حران قنع … والحر عبدان قنع

فاقنع ولا تقنع فما … شيء يشين سوى الطمع

فقوله: إن قنع -بكسر النون- أي: رضي، وثانيًا -بفتحها- أي: سأل، وفاقنع فارض، ولا تقنع ولا تسأل، وقال أبو العتاهية:

تسربلت أخلاقي قنوعًا وعفة … فعندي بأخلاقي كنوز من الذهب

فلم أر خصبًا كالقنوع لأهله … وإن يحمل الإنسان ما عض في الطلب

 

وقال الحكماء: من كمال عقلك استظهارك عليه، وإذا أشكلت عليك الأمور، وتغيّر لك الجمهور، فارجع إلى رأي العقلاء، وافزع إلى استشارة الفضلاء، ولا تأنف من الاسترشاد، ولا الاستمداد

 

وقوله -عليه الصلاة والسلام: "الذنب"، أي: الإثم، بمعنى المؤثم، أي: ما يحصل به لوم، أو إثم على فاعله "لا ينسى"، بل هو محفوظ في صحف الملائكة، ولابُدَّ أن يجازي عليه، إن لم يحصل عفو، {لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسَى} ، ونَبَّه به على شيء دقيق، يغلط الناس فيه كثيرًا، وهو أنهم لا يرون تأثير الذنب، فينساه الواحد منهم، ويظنّ أنه لا يضره ذلك، وأنه كما قال:

إذا لم يغبر حائط في وقوعه … فليس له بعد الوقوع غبار

قال ابن القيم: وسبحان الله! ما أهلكت هذه البلية من الخلق، وكم أزالت من نعمة، وكم جلبت من نقمة، وما أكثر المغترِّين بها من العلماء، فضلًا عن الجهّال، ولم يعلم المغترّ أن الذنب ينقض ولو بعد حين، كما ينقض السم والجرح المندمل على دغل

 

قال الماوردي: فينبغي لمن أراد إسداء المعروف أن يجعله حذرًا من فوته، ويبادر به خيفة عجزه، ويعتقد أنه من فرص زمانه وغنائم إمكانه، ولا يمهله ثقة بالقدرة عليه، فكم من واثق بقدرة فاتت، فأعقبت ندمًا، ومعوّل على مكنة زالت، فأورثت خجلًا، ولو فطن لنوائب دهره، وتحفَّظ من عواقب فكره، لكانت مغارمه مدحورة، ومغانمه محبورة. وقيل: من أضاع الفرصة عن وقتها فليكن على ثقة من فوتها

 

ومما عدّ من وجوه بلاغته صلى الله عليه وسلم : ما ذكر أنه جمع متفرقات الشرائع وقواعد الإسلام في أربعة أحاديث وهي:

حديث "إنما الأعمال بالنيات … "

وحديث "الحلال بَيِّن والحرام بَيِّن … " رواه مسلم.

وحديث "البينة على المدعي واليمين على من أنكر".

وحديث "لا يكمل إيمان المرء....."

فالحديث الأول: يشتمل على ربع العبادات.

والثاني: على ربع المعاملات.

والثالث: على ربع الحكومات وفصل الخصومات.

والرابع: على ربع الآداب والمناصفات، ويدخل تحته التحذير من الجنايات

 

قال الشاعر:

وما سمى الإنسان إلا لنسيه … ولا القلب إلا أنه يتقلب

وما أحسن قول القائل:

يروح على غير الطريق التى غدا … عليها فلا ينهى علاه نهاته

تنفسه فى الوقت أنفاس عطره … فمن طيبه طابت له طرقاته

تروح له الأرواح حيث تنسمت … لها سحرا من حيه نسماته

قيل:

رأين الغواني الشيب لاح بعارضي … فأعرضن عني بالخدود النواضر

وقل:

فإن تسألوني بالنساء فإنني … خبير بأدواء النساء طبيب

إذا شاب رأس المرء أو قلّ ماله … فليس له من ودهن نصيب

وقال:

لو رأى الله أن في الشيب خيرًا … جاورته الأبرار في الخلد شيبًا

 

ولقد أحسن ابن جابر حيث قال:

يروى حديث الندى والبشر عن يده … ووجهه بين منهل ومنسجم

من وجه أحمد لى بدر ومن يده … بحر ومن فمه در لمنتظم

يمم نبيّا تبارى الريح أنمله … والمزن من كل هام الودق مرتكم

لو عامت الفلك فيما فاض من يده … لم تلق أعظم بحر منه إن تعم

تحيط كفاه بالبحر المحيط فلذ … به ودع كل طامى الموج ملتطم

لو لم تحط كفه بالبحر ما شملت … كل الأنام وروت قلب كل ظمى

 

"وأخرج أبو يعلى عن زيد بن أسلم" العدوي، مولى عمر المدني، ثقة، عالم، من رجال الجميع، كان يرسل "أن رجلًا" هو عبد الله، الملقَّب بحمار، بلفظ الحيوان المعروف، كما في الإصابة عن أبي يعلى نفسه، "كان يهدي للنبي -صلى الله عليه وسلم- العكة من السمن" تارة، "والعسل" أخرى، ويحتمل أنهما مخلوطين، كما هو شأن العرب كثيرًا، "فإذا جاء صاحبه يتقاضاه" أي: يطلبه، "جاء به إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: "أعط هذا متاعه" أي: ثمنه، كما في الرواية اللاحقة، "فما يزيد النبي -صلى الله عليه وسلم- على أن يتبسم" تعجبًا، "ويأمر به، فيعطى" لثمن.

"ووقع في حديث محمد بن عمرو بن حزم" الأنصاري، المدني له رؤية، وليس له سماع إلّا من الصحابة، قتل يوم الحرة، سنة ثلاث وستين، "وكان لا يدخل إلى المدينة طرفة إلا  اشترى منها" فليست هديته قاصرة على السمن والعسل، "ثم جاء، فقال: يا رسول الله هذا أهديته لك" أي: حملته لك، كما تحمل الهدية، فلا يرد كيف يطلب ثمنه بعد قوله ذلك، "فإذا جاء صاحبه يطلب ثمنه، جاء به، فيقول: أعط هذا الثمن، فيقول" صلى الله عليه وسلم: "ألم تهده لي؟ " استفهام تقرير، "فيقول: ليس عندي" ما أهديه، وإنما أتيت به، أريد ثمنه لمالكه، "فيضحك، ويأمر لصاحبه بثمنه" هكذا مشاه شيخنا، وهو خلاف الظاهر، ولذا قال بعض المحققين من شراح الشمايل: كان هذا الصحابي -رضي الله عنه، من كمال محبته للنبي -صلى الله عليه وسلم، كلما رأى طرف أعجبته اشتراها، وآثره بها، وأهداها إليه على نية أداء ثمنها، إذا حصل لديه، فلما عجز صار، كالمكاتب، فرجع إلى مولاه، وأبدى إليه جميع ما أولاه، فالمكاتب عبد ما بقي عليه درهم، فرجع بالمطالبة إلى سيده، ففعله هذا جد حق ممزوج بمزاح صدق، انتهى.

وقع نحو ذلك للنعيمان بالتصغير، ابن عمرو بن رفاعة الأنصاري، ذكر الزبير بن بكار في كتاب الفكاهة، والمزاج، كان لا يدخل المدينة طرفة إلا اشترى منها، ثم جاء به إلى النبي -صلى الله عليه وسلم، فيقول: هذا أهديته لك، فإذا جاء صاحبه يطلب نعيمان بثمنه، أحضره إلى النبي، فيقول: أعط هذا ثمن متاعه، فيقول: "أولم تهده لي؟ "، فيقول: أنا والله لم يكن عندي ثمنه، ولقد أحببت أن تأكله، فيضحك، ويأمر لصاحبه بثمنه

 

قول الشاعر:

وما الجود من يعطي إذا ما سألته … ولكن من يعطي بغير سؤال

 

وحكى الأصمعى: أنه رأى جارية خماسية أو سداسية وهى تقول: أستغفر الله من ذنوبى كلها، فقلت لها: مم تستغفرين ولم يجر عليك قلم؟ فقالت:

أستغفر الله لذنبى كله … قتلت إنسانا بغير حله

مثل غزال ناعم فى دله … انتصف الليل ولم أصله

فقلت لها: قاتلك الله ما أفصحك، فقالت: أو تعد هذا فصاحة بعد قوله تعالى: وَأَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ «4» فجمع فى آية واحدة بين أمرين ونهيين وخبرين وبشارتين

 

أن وجه إعجازه هو أن قارئه لا يمله

، وسامعه لا يمجه، بل الإكباب على تلاوته يزيده حلاوة، وترديده يوجب له محبة وطلاوة، لا يزال غضّا طريّا، وغيره من الكلام ولو بلغ فى الحسن والبلاغة ما بلغ يمل مع الترديد، ويعادى إذا أعيد، وكتابنا يستلذ به فى الخلوات، ويؤنس بتلاوته فى الأزمات، وسواه من الكتب لا يوجد فيها ذلك، حتى أحدث أصحابها لها لحونا وطرقا، يستجلبون بتلك اللحون تنشيطهم على قراءتها، ولهذا وصف- صلى الله عليه وسلم- القرآن بأنه لا يخلق على كثرة الرد، ولا تنقضى عبره، ولا تفنى عجائبه، هو الفصل ليس بالهزل، لا تشبع منه العلماء، ولا تزيغ به الأهواء، ولا تلتبس به الألسنة، هو الذى لم تنته الجن حين سمعته أن قالوا: إنا سمعنا قرآنا عجبا يهدى إلى الرشد فامنا به  أشار إليه القاضى عياض

ولله در القائل:

وألقى حتى فى الجمادات حبه … فكانت لإهداء السلام له تهدى

وفارق جذعا كان يخطب عنده … فأنّ أنين الأم إذ تجد الفقدا

يحن إليه الجذع يا قوم هكذا … أما نحن أولى أن نحنّ له وجدا

إذا كان جذع لم يطق بعد ساعة … فليس وفاء أن نطيق له بعدا

 

روى ابن عساكر عن وهب: كان دعاء عيسى الذي يدعو به للمرضى والزمنى والعميان، والمجاني وغيرهم: اللهمَّ أنت إله من في السماء، وإله من في الأرض، لا إله فيهما غيرك، وأنت جبار من في السماء، وجبار من في الأرض، لا جبار فيهما غيرك، وأنت ملك من في السماء، وملك من في الأرض، لا ملك فيهما غيرك، قدرتك في الأرض كقدرتك في السماء، وسلطانك في الأرض كسلطانك في السماء، أسألك باسمك الكريم، ووجهك المنير، وملكك القديم، إنك على كل شيء قدير.

قال وهب: هذا للفزع والمجنون يكتب ويسقى ماءه يبرأ إن شاء الله تعالى

الجفنة" كقصعة لفظًا ومعنى: إناء يشبع عشرة فأكثر، ودونها الصحفة تشبع خمسة، ثم الماكلة تشبع الرجلين والثلاثة، ثم الصحيفة مصغر تشبع الواحد


من شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية 2

 

شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية

المؤلف: أبو عبد الله محمد بن عبد الباقي بن يوسف بن أحمد بن شهاب الدين بن محمد الزرقاني المالكي (ت ١١٢٢هـ)


يوم مؤتة وأمور أخرى

وخرج" صلى الله عليه وسلم "مشيعا لهم حتى بلغ ثنية الوداع" بفتح الواو. سميت بذلك لتوديع المصطفى هذه السرية عندها، أو لأن المسافر كان يودع عندها قديما، وصححه عياض "فوقف وودعهم" وهذا أصل في الخروج مع المسافر إلى خارج البلد.

وروى الواقدي عن زيد بن أرقم رفعه: "أوصيكم بتقوى الله وبمن معكم من المسلمين خيرا اغزوا بسم الله في سبيل الله من كفر بالله، لا تغدروا ولا تغلوا ولا تقتلوا وليدا ولا امرأة ولا كبيرا فانيا ولا منعزلا بصومعة ولا تقربوا نخلا ولا تقطعوا شجرا ولا تهدموا بناء"

 

وعند ابن إسحاق من مرسل عروة، ودع الناس الأمراء فلما ودع ابن رواحة بكى، فقالوا: ما يبكيك؟ فقال: أما والله ما بي حب الدنيا ولا صبابة بكم ولكني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ آية

{وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا} ، فلست أدري كيف لي بالصدر بعد الورود، قال: "فلما ساروا نادى المسلمون دفع الله عنكم وردكم صالحين غانمين، فقال عبد الله بن رواحة":

"لكنني أسأل الرحمن مغفرة … وضربة ذات فرغ تقذف الزبدا"

أو طعنة بيدي حران مجهزة … بحربة تنقذ الحشاء والكبدا

حتى يقال إذا مروا على جدثي … يا أرشد الله من غاز وقد رشدا

وذات فرغ بفتح الفاء وسكون الراء وغين معجمة، أي واسعة يسيل دمها كما في العيون، والزبد فتح الزاي والموحدة وبمهملة رغوة الدم.

قال ابن إسحاق وأتى ابن رواحة رسول الله فودعه، ثم قال:

فثبت الله ما آتاك من حسن … تثبيت موسى ونصر كالذي نصروا

إني تفرست فيك الخير نافلة … فراسة خالفت فيك الذي نظروا

أنت الرسول فمن يحرم نوافله … والوجه منه فقد أزرى به القدر

وروى غيره أنه صلى الله عليه وسلم قال له: قل شعرا تقتضبه اقتضابا وأنا أنظر إليك من غير روية، فقال: إني تفرست الأبيات حتى انتهى إلى قوله: فثبت الله. قال صلى الله عليه وسلم: "وأنت فثبتك الله يابن رواحة"

يا حبذا الجنة واقترابها … طيبة وباردا شرابها

والروم روم قد دنا عذابها … كافرة بعيدة أنسابها

علي إذ لاقيتها ضرابها

"قالوا: ثم أخذ اللواء عبد الله بن رواحة، فقاتل حتى قتل" قال ابن إسحاق: حدثني يحيى بن عباد عن أبيه قال: حدثني أبي الذي أرضعني أحد بني مرة بن عوف، فلما قتل جعفر أخذ عبد الله بن رواحة الراية، ثم تقدم بها وهو على فرسه، فجعل يستنزل نفسه ويتردد بعض التردد. ثم قال:

أقسمت يا نفس لتنزلنه … لتنزلن أو لتكرهنه

أن أجلب الناس وشدوا الرنه … ما لي أراك تكرهين الجنه

قد طالما قد كنت مطمئنه … هل أنت إلا نطفة في شنه

وقال:

يا نفس ألا تقتلي تموتي … هذا حمام الموت قد صليت

وما تمنيت قد أعطيتي … أن تفعلي فعلهما هديت

يريد صاحبيه زيدا وجعفرا

 

كعب بن زهير خرج حتى قدم المدينة، فنزل على رجل كانت بينه وبينه معرفة من جهينة، فغدا به إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال: هذا رسول الله فقم إليه واستأمنه، فقام حتى جلس رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فوضع يده فى يده- وكان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لا يعرفه- فقال: يا رسول الله، إن كعب بن زهير قد جاء ليستأمنك تائبا مسلما فهل أنت قابل منه إن أنا جئتك به؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم-: (نعم) قال: أنا يا رسول الله كعب بن زهير. قال ابن إسحاق: فحدثنى عاصم بن عمر بن قتادة: أنه وثب عليه رجل من الأنصار وقال: يا رسول الله دعنى وعدو الله أضرب عنقه. فقال صلى الله عليه وسلم-: «دعه عنك فقد جاء تائبا نازعا» «1» . قال: فغضب كعب على هذا الحى من الأنصار لما صنع صاحبهم، وذلك أنه لم يتكلم فيه رجل من المهاجرين إلا بخير. ثم قال قصيدته اللامية التى أولها:

 بانت سعاد فقلبى اليوم متبول … متيم إثرها لم يفد مكبول

ومر الناظم في غرضه من الغزل في سعاد، ثم في وصف الإبل الموصلة إليها، وقطعها للأراضي الصعبة في ثلاثة وثلاثين بيتا، ثم ذكر الأرجاف به وبعد أصدقائه عنه في قوله

 

تمشي الوشاة بجنبيها وقولهم … إنك يا ابن أبي سلمى لمقتول

وقال: كل صديق كنت آمله … لا ألهينك أنى عنك مشغول

فقلت: خلوا سبيلي لا أبا لكم … فكل ما قدر الرحمن مفعول

كل ابن أنثى وإن طالت سلامته … يوما على آلة حدباء محمول

 ومنها:

 أنبئت أن رسول الله أوعدنى … والعفو عند رسول الله مأمول

 مهلا هداك الذى أعطاك نافلة ال … قرآن ولو كثرت فى الأقاويل

وبعده هذا البيت تسعة أبيات في خوفه منه عليه السلام، وأنه أخوف عنده من ضيغم يفترس وتنفر منه الوحوش، وحاصلها الاعتذار، فأسقطها المصنف؛ لأن غرضه إنما تعلق بمدحه صلى الله عليه وسلم صريحا

إن الرسول لنور يستضاء به … مهند من سيوف الله مسلول

 فى عصبة من قريش قال قائلهم … ببطن مكة لما أسلموا زولوا

 يمشون مشى الجمال الزهر يعصمهم … ضرب إذا عرد السود التنابيل

وفى رواية أبى بكر بن الأنبارى أنه لما وصل إلى قوله: إن الرسول لنور يستضاء به … مهند من سيوف الله مسلول رمى- عليه الصلاة والسلام- إليه بردة كانت عليه. وأن معاوية بذل فيها عشرة آلاف فقال: ما كنت لأوثر بثوب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أحدا، فلما مات كعب بعث معاوية إلى ورثته بعشرين ألفا فأخذها منهم

قال ابن إسحاق: قال عاصم بن عمر بن قتادة: فلما قال كعب: «إذا عرد السود التنابيل» وإنما عنى معشر الأنصار، لما كان صاحبهم صنع به، وخص المهاجرين بمدحته فغضب عليه الأنصار، فقال بعد أن أسلم- يمدح الأنصار- قصيدته التى يقول فيها:

من سره كرم الحياة فلا يزل … فى مقنب من صالحى الأنصار

ورثوا المكارم كابرا عن كابر … إن الخيارهم بنو الأخيار

المكرهين السمهرى بأدرع … كسوالف الهندى غير قصار

والناظرين بأعين محمرة … كالجمر غير كليلة الأبصار

والبائعين نفوسهم لنبيهم … للموت يوم تعانق وكرار

قوم إذا خوت النجوم فإنهم … للطارقين النازلين مقارى

وقد كان كعب بن زهير من فحول الشعراء، وأبوه وابنه عقبة وابن ابنه العوام بن عقبة

 

قال ابن عبد البر من جيد شعر كعب:

لو كنت أعجب من شيء لأعجبني … سعي الفتى وهو مخبوء له القدر

يسعى الفتى لأمور ليس يدركها … فالنفس واجدة والهم منتشر

والمرء ما عاش ممدود له أمل … لا تنتهي العين حتى ينتهي الأثر

 

قال السهيلي: ومن جيده قوله يمدحه صلى الله عليه وسلم:

تخدي به الناقة الأدماء معتجرا … بالبرد كالبدر جلي ليلة الظلم

ففي عطافيه أو أثناء بردته … ما يعلم الله من دين ومن كرم

 

اتفق أهل الأدب على أن أصدق بيت قالته العرب قول أبي إياس الدؤلي:

فما حملت من ناقة فوق رحلها … أبر وأوفى ذمة من محمد

 

فأصبح صلى الله عليه وسلم عروسا" بوزن فعول نعت يستوي فيه الرجل والمرأة ما دام في تعريسهما أياما، وجمعه عرس بضمتين، وجمعها عرائس، كما قاله الخليل وغيره.

قال العيني: وقول العوام للذكر عريس، والأنثى عروسة لا أصل له لغة، "فقال

"جملة من عقد عليهن ثلاثا وعشرين امرأة، دخل ببعضهن دون بعض، ومات منهن عنده بعد الدخول: خديجة وزينب بنت خزيمة" أم المساكين، "ومات منهن قبل الدخول اثنتان: أخت دحية و" خولة "بنت الهذيل باتفاق، واختلف في ملكية وسنى هل ماتتا أو طلقهما، مع الاتفاق على أنه صلى الله عليه وسلم لم يدخل بهما، وفارق بعد الدخول باتفاق" ممن قال أنه تزوج فاطمة "بنت الضحاك" فلا يشكل بقول الذهبي، يقال إنه تزوجها، وليس بشيء إن سلم له ذلك، وإلا فالمنازعة إنما هي في كونها اختارت الدنيا، لا في أنه تزوجها وطلقها، "وبنت ظبيان" أي باتفاق من قال إنه بنى بها، وإلا فقد قيل لم يدخل بها كما مر، "وقبله باتفاق عمره" الجونية، "وأسماء" بنت النعمان الجونية، "والغفارية" ومن هنا علم أن المراد بعدم الدخول عدم الوطء، لا مجرد الخلوة وإرخاء الستر؛ لأن من هؤلاء من اختلى بها، ثم فارقها بلا وطء.

"واختلف في أم شريك هل دخل بها؟ مع الاتفاق على الفرقة والمستقيلة التي جهل حالها، فالمفارقات باتفاق سبع، واثنتان على خلف، والمتات في حياته باتفاق أربع، ومات صلى الله عليه وسلم عن عشر" التسع المشهورة و"واحدة لم يدخل بها" هي أخت الأشعث قتيلة بنت  قيس، وهذا كله ذكره المصنف زيادة إيضاح، "

 

 

وكتب- صلى الله عليه وسلم- إلى المقوقس ملك مصر والإسكندرية واسمه جريح بن مينا  .

(بسم الله الرحمن الرحيم. من محمد عبد الله ورسوله، إلى المقوقس عظيم القبط، سلام على من اتبع الهدى، أما بعد: فإنى أدعوك بدعاية الإسلام، أسلم تسلم، يؤتك الله أجرك مرتين، فإن توليت فعليك إثم القبط، يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ «3» .

وبعث به مع حاطب بن أبى بلتعة، فتوجه إليه إلى مصر، فوجده بالإسكندرية، فذهب إليها، فرآه فى مجلس مشرف على البحر، فركب سفينة إليه وحاذى مجلسه وأشار بالكتاب إليه، فلما رآه أمر بإحضاره بين يديه، فلما جىء به إليه، ووقف بين يديه، ونظر إلى الكتاب فضه وقرأه، وقال لحاطب: ما منعه إن كان نبيّا أن يدعو على فيسلط على؟ فقال له حاطب:

وما منع عيسى أن يدعو على من خالفه أن يسلط عليه؟ فاستعاد منه الكلام مرتين ثم سكت، فقال له حاطب: إنه كان قبلك رجل يزعم أنه الرب الأعلى، فأخذه الله نكال الآخرة والأولى. فانتقم به ثم انتقم منه، فاعتبر بغيرك، ولا يعتبر غيرك بك

 

من أذن لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان منهم من يرجع الأذان ويثنى الإقامة، وبلال لا يرجع ويفرد الإقامة، فأخذ الشافعى بإقامة بلال، وأهل مكة أخذوا بأذان أبى محذورة وإقامة بلال. وأخذ أبو حنيفة وأهل العراق بأذان بلال وإقامة أبى محذورة، وأخذ أحمد وأهل المدينة بأذان بلال وإقامته، وخالفهم مالك فى موضعين: إعادة التكبير وتثنية لفظ الإقامة

وكان منهم" أي: بعضهم، وهي فائدة الاستطرادية، أو نشأت عن سؤال هو معلوم اختلاف المذاهب في الأذان والإقامة، فما كان يفعله مؤذنوا المصطفى الذين ذكرتهم، فأجاب بأنه كان منهم "من يرجِّع الأذان، ويثنِّي الإقامة"، وهو أبو محذورة، "وبلال لا يرجِّع، ويفرد الإقامة"، أي: كلماتها إلا لفظ قد قامت الصلاة، بدليل قوله: "فأخذ الشافعي بإقامة بلال"؛ لأنه -صلى الله عليه وسلم- سمعه وأقرَّه، فليس استدلالًا بفعل الصحابي، والشافعي لا يقول به لا بأذانه بل بأذان أبي محذورة، "وأهل مكة أخذوا بأذان أبي محذورة" وهو ترجيع الأذان وتثنية الإقامة، "وإقامة بلال"، وهذا تطويل بلا طائل، فلو قال: وأخذ الشافعي وأهل مكة بأذان أبي محذورة، وإقامة بلال لدفع ما يوهمه لفظه، "وأخذ أبو حنيفة وأهل العراق بأذان بلال وإقامة أبي محذورة"، فقالوا: بترجيع الأذان وتثنية الإقامة، "وأخذ أحمد وأهل المدينة بأذان بلال وإقامته، وخالفهم مالك في موضعين: إعادة التكبير"، أي: تربيعه، فقال: بعدمها "وتثنية لفظ الإقامة"، فقال بإفرادها عملًا بقوله -صلى الله عليه وسلم: "الأذان والإقامة واحدة"، رواه ابن حبان.

وروى الدارقطني وحسَّنه في حديث لأبي محذورة، وأمر أن يقيم واحدة واحدة، ثم المصنف في عهدة أنه خالف أهل المدينة، كما زعمه كابن القيم، فمالك بعملهم أدرى، ونصب الجدل يطول، وقد علم مما قررته أن إعادة بدل من موضعين بيان للمفعول في خالفهم، فهو بيان للمخالف اسم مفعول لا اسم فاعل، لأن الأولى بالذكر من القولين ما نسب لمن خالفه من جعل فاعلًا

 

الشكر عند الرخاء، والصبر عند البلاء، والرضا بمر القضاء، والصدق فى مواطن اللقاء، وترك الشماتة بالأعداء

عن زهير بن صرد الجشمي يقول: لما أسرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم حنين -يوم هوازن، وذهب يفرّق السبي والشاء، أتيته فأنشأت أقول:

امنن علينا رسول الله في كرم … فإنك المرء نرجوه وندخر

امنن على بيضة قد عاقها قدر … مشت شملها في دهرها غير

أبقت لنا الدهر هتافًا على حزن … على قلوبهم الغماء والغمر

إن لم تداركهم نعماء تنشرها … يا أرجح الناس حلمًا حين تختبر

امنن على نسوة قد كنت ترضعها … إذا فوك يملؤه من مخضها الدرر

إذ أنت طفل صغير كنت ترضعها … وإذ يزينك ما تأتي وما تذر

لا تجعلنا كمن شالت نعامته … واستبق منا فإنا معشر زهر

إنا لنشكر للنعماء إذ كفرت … وعندنا بعد هذا اليوم مدخر

فألبس العفو من قد كنت ترضعه … من أمهاتك إن العفو مشتهر

يا خير من مرحت كُمْت الجياد به … عند الهياج إذا ما استوقد الشرر

إنا نؤمل عفوًا منك تلبسه … هادي البرية إذ تعفو وتنتصر

فاعفوا عفا الله عمّا أنت راهبه … يوم القيامة إذ يهدي لك الظفر

 

(بأبي و أمي أنت يا رسول الله صلى الله عليك وسلم)