مقتطفات من كتاب القرآن تدبر وعمل (23) تكملة سُورَةُ النِّسَاءِ(2) من آيه
101 و سورة المائدة (1) إلى آية 81 نهاية
الجزء السادس
«تفسير القرطبي = الجامع لأحكام القرآن» (5/ 373): سُورَةُ النِّسَاءِ
«وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ» وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى تَأْكِيدِ
التَّأَهُّبِ وَالْحَذَرِ مِنَ الْعَدُوِّ فِي كُلِّ الْأَحْوَالِ وَتَرْكِ الِاسْتِسْلَامِ،
فَإِنَّ الْجَيْشَ مَا جَاءَهُ مُصَابٌ قَطُّ إِلَّا مِنْ تَفْرِيطٍ فِي حَذَر.
«تفسير السعدي = تيسير الكريم الرحمن» (ص198):
«وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ
وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ»
وتدل الآية الكريمة على أن الأولى والأفضل أن
يصلوا بإمام واحد. ولو تضمن ذلك الإخلال بشيء لا يخل به لو صلوها بعدة أئمة، وذلك لأجل
اجتماع كلمة المسلمين واتفاقهم وعدم تفرق كلمتهم، وليكون ذلك أوقع هيبة في قلوب أعدائهم.
«تفسير السعدي = تيسير الكريم الرحمن» (ص198):
«فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ
أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ»
وهذه الآية تدل على أن صلاة الجماعة فرض عين من وجهين:
أحدهما: أن الله تعالى أمر بها في هذه الحالة الشديدة، وقت اشتداد الخوف من
الأعداء وحذر مهاجمتهم، فإذا أوجبها في هذه الحالة الشديدة فإيجابها في حالة الطمأنينة
والأمن من باب أَوْلَى وأحرى.
والثاني: أن المصلين صلاة الخوف يتركون فيها كثيرا من الشروط واللوازم، ويعفى
فيها عن كثير من الأفعال المبطلة في غيرها، وما ذاك إلا لتأكد وجوب الجماعة، لأنه لا
تعارض بين واجب ومستحب، فلولا وجوب الجماعة لم تترك هذه الأمور اللازمة لأجلها.
«تفسير ابن كثير - ط أولاد الشيخ» (4/ 257):
«{فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا
وَعَلَى جُنُوبِكُمْ}»
يأمر الله تعالى بكثرة الذكر عَقِيبَ صلاة الخوف؛ إن كان مشروعًا مرغبًا فيه
أيضًا بعد غيرها؛ ولكن هاهنا آكد لا وقع فيها من التخفيف في أركانها، ومن الرخصة في
الذهاب فيها والإياب وغير ذلك مما ليس يوجد في غيرها.
«تفسير القرطبي = الجامع لأحكام القرآن» (5/ 380):
«وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ
اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُوراً رَحِيماً (110)»
وَحَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ وَصَدَقَ أَبُو بَكْرٍ: قَالَ: مَا مِنْ عَبْدٍ يُذْنِبُ
ذَنْبًا ثُمَّ يَتَوَضَّأُ وَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ وَيَسْتَغْفِرُ اللَّهَ إِلَّا
غُفِرَ لَهُ، ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ (وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ
ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُوراً رَحِيماً).
«تفسير القرطبي = الجامع لأحكام القرآن» (5/ 382/385):
«لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ إِلَاّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ
أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ
اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً (114)»
وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه: لَا يُزَهِّدَنَّكَ فِي الْمَعْرُوفِ
كُفْرُ مَنْ كَفَرَهُ، فَقَدْ يَشْكُرُ الشَّاكِرُ بِأَضْعَافِ جُحُودِ الْكَافِرِ.
وَقَالَ الْحُطَيْئَةُ:
مَنْ يَفْعَلِ الْخَيْرَ لَا يَعْدَمْ جَوَازِيَهُ … لَا يَذْهَبُ الْعُرْفُ بَيْنَ اللَّهِ وَالنَّاسِ
وَأَنْشَدَ الرَّيَاشِيُّ:
يَدُ الْمَعْرُوفِ غُنْمٌ حَيْثُ كَانَتْ … تَحَمَّلَهَا كَفُورٌ أَوْ شَكُورُ
فَفِي شُكْرِ الشَّكُورِ لَهَا جَزَاءٌ … وَعِنْدَ اللَّهِ مَا كَفَرَ الْكَفُورُ
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: مَا خُطْوَةٌ أَحَبَّ إِلَى اللَّهِ عز وجل مِنْ خُطْوَةٍ
فِي إِصْلَاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ، وَمَنْ أَصْلَحَ بَيْنَ اثْنَيْنِ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ
بَرَاءَةً مِنَ النَّارِ.
«تفسير السعدي = تيسير الكريم الرحمن» (ص205):
«{وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ
تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا
وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلا}»
فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، من أنواع المآكل والمشارب
اللذيذة، والمناظر العجيبة، والأزواج الحسنة، والقصور، والغرف المزخرفة، والأشجار المتدلية،
والفواكه المستغربة، والأصوات الشجية، والنعم السابغة، وتزاور الإخوان، وتذكرهم ما
كان منهم في رياض الجنان، وأعلى من ذلك كله وأجلّ رضوان الله عليهم وتمتع الأرواح بقربه،
والعيون برؤيته، والأسماع بخطابه الذي ينسيهم كل نعيم وسرور.
«نظم الدرر في تناسب الآيات والسور» (5/ 413):
{وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ
وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلا}
«ولما عبر تعالى عن كمال الاعتقاد بالماضي، شرط فيه الدوام والأعمال الظاهرة
بقوله: {وهو} أي والحال أنه {محسن} أي مؤمن مراقب، لا غفلة عنده أصلاً، بل الإحسان
صفة له راسخة، لأنه يعبد الله كأنه يراه، فقد اشتملت هذه الكلمات العشر على الدين كله
أصلاً وفرعاً مع الترغيب بالمدح الكامل لمتبعه وإفهام الذم الكامل لغيره.»
«تفسير ابن كثير - ط أولاد الشيخ» (4/ 291):
«وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ
مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا»
وهذان الشرطان لا يصح عمل عامل بدونهما: أن يكون خالصًا صوابًا، والخالص: أن
يكون لله، والصواب أن يكون متابعًا للشريعة فيصح ظاهره بالمتابعة، وباطنه بالإخلاص،
فمتى فقد العمل أحد هذين الشرطين فسد؛ فمن فقد الإِخلاص كان منافقًا، وهمَ الذين يراءون
الناس. ومن فقد المتابعة كان ضالًا جاهلًا، ومتى جمعهما فهو، عمل المؤمنين.
«تفسير السعدي = تيسير الكريم الرحمن» (ص207):
«{وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ
فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا
فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا} .»
{وَإِنْ تُصْلِحُوا} ما بينكم وبين زوجاتكم، بإجبار أنفسكم على فعل ما لا تهواه
النفس، احتسابا وقياما بحق الزوجة، وتصلحوا أيضا فيما بينكم وبين الناس، وتصلحوا أيضا
بين الناس فيما تنازعوا فيه، وهذا يستلزم الحث على كل طريق يوصل إلى الصلح مطلقا كما
تقدم.
{وَتَتَّقُوا} الله بفعل المأمور وترك المحظور، والصبر على المقدور.
{فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا} يغفر ما صدر منكم من الذنوب والتقصير في
الحق الواجب، ويرحمكم كما عطفتم على أزواجكم ورحمتموهن.
«نظم الدرر في تناسب الآيات والسور» (5/ 438):
{وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ
يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي
حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ
وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا} .
«ولما كانت آية الأنعام مكية اقتصر فيها على مجرد الإعراض وقطع المجالسة لعدم
التمكن من الإنكار بغير القلب، وأما هذه الآية فمدنية فالتغيير عند إنزالها باللسان
واليد ممكن لكل مسلم، فالمجالس من غير نكير راض.»
«تفسير السعدي = تيسير الكريم الرحمن» (ص210):
«{الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ
اللَّهِ قَالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ وَإِنْ كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوا
أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}»
{وَإِن كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ} ولم يقل فتح؛ لأنه لا يحصل لهم فتح، يكون
مبدأ لنصرتهم المستمرة، بل غاية ما يكون أن يكون لهم نصيب غير مستقر، حكمة من الله.
«نظم الدرر في تناسب الآيات والسور» (5/ 444):
{إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ
لَهُمْ نَصِيرًا}
«{إن المنافقين في الدرك} أي البطن والمنزل {الأسفل من النار} لأن ذلك أخفى
ما في النار وأستره وأدناه وأوضعه كما أن كفرهم أخفى الكفر وأدناه، وهو أيضاً أخبث
طبقات النار كما أن كفرهم أخبث أنواع الكفر»
«تفسير السعدي = تيسير الكريم الرحمن» (ص212):
{ تُبْدُوا خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ
كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا} .
«{أَوْ تَعْفُوا عَن سُوءٍ} أي: عمن ساءكم في أبدانكم وأموالكم وأعراضكم،
فتسمحوا عنه، فإن الجزاء من جنس العمل. فمن عفا لله عفا الله عنه، ومن أحسن أحسن الله
إليه، فلهذا قال: {فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا} أي: يعفو عن زلات عباده
وذنوبهم العظيمة فيسدل عليهم ستره، ثم يعاملهم بعفوه التام الصادر عن قدرته.
وفي هذه الآية إرشاد إلى التفقه في معاني أسماء الله وصفاته، وأن الخلق والأمر
صادر عنها، وهي مقتضية له، ولهذا يعلل الأحكام بالأسماء الحسنى، كما في هذه الآية.»
«تفسير السعدي = تيسير الكريم الرحمن» (ص213):
«فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ
أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا»
ثم أخبر تعالى أنه حرم على أهل الكتاب كثيرا من الطيبات التي كانت حلالا عليهم،
وهذا تحريم عقوبة بسبب ظلمهم واعتدائهم، وصدهم الناس عن سبيل الله، ومنعهم إياهم من
الهدى، وبأخذهم الربا وقد نهوا عنه، فمنعوا المحتاجين ممن يبايعونه عن العدل، فعاقبهم
الله من جنس فعلهم فمنعهم من كثير من الطيبات التي كانوا بصدد حلها، لكونها طيبة، وأما
التحريم الذي على هذه الأمة فإنه تحريم تنزيه لهم عن الخبائث التي تضرهم في دينهم ودنياهم.
«تفسير السعدي = تيسير الكريم الرحمن» (ص214):
«{لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ
بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ وَالْمُؤْتُونَ
الزَّكَاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أُولَئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ
أَجْرًا عَظِيمًا} .
لما ذكر معايب أهل الكتاب، ذكر الممدوحين منهم فقال: {لَكِنِ الرَّاسِخُونَ
فِي الْعِلْمِ} أي: الذين ثبت العلم في قلوبهم ورسخ الإيقان في أفئدتهم فأثمر لهم الإيمان
التام العام {بِمَا أُنزلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزلَ مِن قَبْلِكَ} .
وأثمر لهم الأعمال الصالحة من إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة اللذين هما أفضل الأعمال،
وقد اشتملتا على الإخلاص للمعبود والإحسان إلى العبيد.
«تفسير ابن كثير - ط أولاد الشيخ» (3/ 34):
«{لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنْزَلَ إِلَيكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ
وَالْمَلَائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا}»
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا على بن الحسين، حدثنا الحسن بن سهل الجعفري وخزز ابن
المبارك قالا: حدثنا عمران بن عيينة، حدثنا عطاء بن السائب قال: أقرأني أبو عبد الرحمن
السلمي القرآن، وكان إذا قرأ عليه أحدنا القرآن قال: قد أخذت علم اللَّه فليس أحد
اليوم أفضل منك إلا بعمل ثم يقرأ قوله: {أنزله بعلمه والملائكة يشهدون وكفى باللَّه
شهيدًا}
«تفسير السعدي = تيسير الكريم الرحمن» (ص215):
«{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ} أي: جمعوا
بين الكفر بأنفسهم وصدِّهم الناس عن سبيل الله. وهؤلاء هم أئمة الكفر ودعاة الضلال
{قَدْ ضَلُّوا ضَلالا بَعِيدًا} وأي ضلال أعظم من ضلال من ضل بنفسه وأضل غيره، فباء
بالإثمين ورجع بالخسارتين وفاتته الهدايتان {لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ
وَلا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا * إِلا طَرِيقَ جَهَنَّمَ} . وإنما تعذرت المغفرة لهم
والهداية لأنهم استمروا في طغيانهم وازدادوا في كفرانهم فطبع على قلوبهم وانسدت عليهم
طرق الهداية بما كسبوا {وَمَا رَبُّكَ بِظَلامٍ لِلْعَبِيدِ} .»
«تفسير السعدي = تيسير الكريم الرحمن» (ص216):
«{وَلا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلا الْحَقَّ} وهذا الكلام يتضمن ثلاثة
أشياء:
أمرين منهي عنهما، وهما قول الكذب على الله، والقول بلا علم في أسمائه وصفاته
وأفعاله وشرعه ورسله، والثالث: مأمور به وهو قول الحق في هذه الأمور.»
«تفسير البغوي - طيبة» (2/ 315):
«{فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ
أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ} مِنَ التَّضْعِيفِ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ
وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَر}»
«تفسير السعدي = تيسير الكريم الرحمن» (ص217):
فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ
فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِراطاً مُسْتَقِيماً (175)
«أي: ومن لم يؤمن بالله ويعتصم به ويتمسك بكتابه، منعهم من رحمته، وحرمهم من
فضله، وخلى بينهم وبين أنفسهم، فلم يهتدوا، بل ضلوا ضلالا مبينا، عقوبة لهم على تركهم
الإيمان فحصلت لهم الخيبة والحرمان، نسأله تعالى العفو والعافية والمعافاة.»
«تفسير البغوي - طيبة» (2/ 5): سورة
المائدة
«رُوِيَ عَنْ أَبِي
مَيْسَرَةَ قَالَ: أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ السُّورَةِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ
حُكْمًا لَمْ يُنْزِلْهَا فِي غَيْرِهَا، قَوْلُهُ: {وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ
وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ
وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ} {وَمَا عَلَّمْتُمْ
مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ} {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ
حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ
مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ} وَتَمَامُ الطُّهُورِ فِي قَوْلِهِ:
{إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ} {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ} {لَا تَقْتُلُوا
الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} الْآيَةَ، {مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا
سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلا حَامٍ} وقوله: {شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ
أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ}»
مَجْمُوعُ فتاوى ابْنِ تيمية > التفسير > تَفْسِيرُ
سُورَةِ الْمَائِدَةِ
سُورَةُ الْمَائِدَةِ أَجْمَعُ سُورَةٍ فِي الْقُرْآنِ لِفُرُوعِ
الشَّرَائِعِ مِنْ التَّحْلِيلِ وَالتَّحْرِيمِ وَالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ.
«نظم الدرر في تناسب
الآيات والسور» (6/ 2):
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ}
«لما
أخبر تعالى في آخر سورة النساء أن اليهود لما نقضوا المواثيق التي أخذها عليهم حرم
عليهم طيبات أحلت لهم ناسب افتتاح هذه بأمر المؤمنين الذي اشتد تحذيره لهم منهم بالوفاء
الذي جلُّ مبناه القلب»
«نظم الدرر في تناسب
الآيات والسور» (6/ 7):
«{إن
الله يحكم ما يريد} أي من تحليل وتحريم وغيرهما على سبيل الإطلاق كالأنعام، وفي حال
دون حال كما شابهها من الصيد، فلا يسأل عن تخصيص ولا عن تفضيل ولا غيره، فما فهمتم
حكمته فذاك، وما لا فكلوه إليه، وارغبوا في أن يلهمكم حكمته.»
«تفسير القرطبي = الجامع
لأحكام القرآن» (6/47):
«وَتَعاوَنُوا
عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى»
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ:
نَدَبَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ إِلَى التَّعَاوُنِ بِالْبِرِّ وَقَرَنَهُ بِالتَّقْوَى
لَهُ، لِأَنَّ فِي التَّقْوَى رِضَا اللَّهِ تَعَالَى، وَفِي الْبِرِّ رِضَا النَّاسِ،
وَمَنْ جَمَعَ بَيْنَ رِضَا اللَّهِ تَعَالَى وَرِضَا النَّاسِ فَقَدْ تَمَّتْ سَعَادَتُهُ
وَعَمَّتْ نِعْمَتُهُ.
«تفسير السعدي = تيسير
الكريم الرحمن» (ص219):
«{حُرِّمَتْ
عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ
بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا
أَكَلَ السَّبُعُ إِلا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا
بِالأزْلامِ}»
واعلم أن الله تبارك
وتعالى لا يحرّم ما يحرّم إلا صيانة لعباده، وحماية لهم من الضرر الموجود في المحرمات،
وقد يبين للعباد ذلك وقد لا يبين.
«تفسير البغوي - طيبة»
(3/ 10):
«الْيَوْمَ
أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ»
رَوَى هَارُونُ بْنُ
عَنْتَرَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: لَمَا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ بَكَى عُمَرُ رضي الله
عنه، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "مَا يُبْكِيكَ يَا عُمَرُ"؟
فَقَالَ: أَبْكَانِي أَنَّا كُنَّا فِي زِيَادَةٍ مِنْ دِينِنَا، فَأَمَّا إِذَا كَمُلَ
فَإِنَّهُ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ قَطُّ إِلَّا نَقُصَ، قَالَ: صَدَقْتَ.
«تفسير السعدي = تيسير
الكريم الرحمن» (ص220):
«{الْيَوْمَ
أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} بتمام النصر، وتكميل الشرائع الظاهرة والباطنة، الأصول
والفروع، ولهذا كان الكتاب والسنة كافيين كل الكفاية، في أحكام الدين أصوله وفروعه.
فكل متكلف يزعم أنه
لا بد للناس في معرفة عقائدهم وأحكامهم إلى علوم غير علم الكتاب والسنة، من علم الكلام
وغيره، فهو جاهل، مبطل في دعواه، قد زعم أن الدين لا يكمل إلا بما قاله ودعا إليه،
وهذا من أعظم الظلم والتجهيل لله ولرسوله.»
تفسير الزمخشري صفحة 1/606
{ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ
تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ} وانتصاب مُكَلِّبِينَ على الحال من
علمتم. فإن قلت. ما فائدة هذه الحال وقد استغنى عنها بعلمتم؟ قلت: فائدتها أن يكون
من يعلم الجوارح نحريراً في علمه مدرّبا فيه، موصوفا بالتكليب. وتُعَلِّمُونَهُنَّ
حال ثانية أو استئناف.
فيه فائدة
جليلة وهي أن على كلّ آخذ علماً أن لا يأخذه إلا من أقتل أهله علماً وأنحرهم
دراية وأغوصهم على لطائفه وحقائقه، وإن احتاج إلى أن يضرب إليه أكباد الإبل.
فكم من آخذ عن غيره متقن، قد ضيع أيامه وعضّ عند لقاء النحارير.
«تفسير القرطبي = الجامع
لأحكام القرآن» (6/ 74):
«وَما عَلَّمْتُمْ
مِنَ الْجَوارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا
مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ»
«وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ
دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْعَالِمَ لَهُ مِنَ الْفَضِيلَةِ مَا لَيْسَ لِلْجَاهِلِ،
لِأَنَّ الْكَلْبَ إِذَا عُلِمَ يَكُونُ لَهُ فَضِيلَةٌ عَلَى سَائِرِ الْكِلَابِ،
فَالْإِنْسَانُ إِذَا كَانَ لَهُ عِلْمٌ أَوْلَى أَنْ يَكُونَ لَهُ فَضْلٌ عَلَى سَائِرِ
النَّاسِ، لَا سِيَّمَا إِذَا عَمِلَ بِمَا عَلِمَ، وَهَذَا كَمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيِّ
بْنِ أَبِي طَالِبٍ كَرَّمَ اللَّهُ وجهه أنه قال: لكل شي قِيمَةٌ وَقِيمَةُ الْمَرْءِ
مَا يُحْسِنُهُ.»
«تفسير السعدي = تيسير
الكريم الرحمن» (ص222):
«{إِذَا
آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} أي: أبحنا لكم نكاحهن، إذا أعطيتموهن مهورهن، فمن عزم
على أن لا يؤتيها مهرها فإنها لا تحل له. وأمر بإيتائها إذا كانت رشيدة تصلح للإيتاء،
وإلا أعطاه الزوج لوليها.
وإضافة الأجور إليهن
دليل على أن المرأة تملك جميع مهرها، وليس لأحد منه شيء، إلا ما سمحت به لزوجها أو
وليها أو غيرهما.»
«تفسير البغوي - طيبة»
(3/ 25):
«{وَلَكِنْ
يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ} مِنَ الْأَحْدَاثِ وَالْجَنَابَاتِ وَالذُّنُوبِ، قَالَ مُحَمَّدُ
بْنُ كَعْبٍ الْقُرَظِيُّ: إِتْمَامُ النِّعْمَةِ تَكْفِيرُ الْخَطَايَا بِالْوُضُوءِ»
«تفسير السعدي = تيسير
الكريم الرحمن» (ص224):
«{وَاذْكُرُوا
نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُمْ بِهِ } .
يأمر تعالى عباده بذكر
نعمه الدينية والدنيوية، بقلوبهم وألسنتهم. فإن في استدامة ذكرها داعيا لشكر الله تعالى
ومحبته، وامتلاء القلب من إحسانه. وفيه زوال للعجب من النفس بالنعم الدينية، وزيادة
لفضل الله وإحسانه.»
«تفسير السعدي = تيسير
الكريم الرحمن» (ص224):
«{وَاتَّقُوا
اللَّهَ} في جميع أحوالكم {إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} أي: بما تنطوي
عليه من الأفكار والأسرار والخواطر. فاحذروا أن يطلع من قلوبكم على أمر لا يرضاه، أو
يصدر منكم ما يكرهه، واعمروا قلوبكم بمعرفته ومحبته والنصح لعباده. فإنكم -إن كنتم
كذلك- غفر لكم السيئات، وضاعف لكم الحسنات، لعلمه بصلاح قلوبكم.»
«نظم الدرر في تناسب
الآيات والسور» (6/ 46):
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا
إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَعَلَى
اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} .
«ولما أمرهم بذكر النعمة،
عطف على ذلك الأمر الأمر بالخوف من المنعم أن يبدل نعمته بنقمة فقال: {واتقوا الله}
أي الملك الذي لا يطاق انتقامه لأنه لا كفوء له، حذراً من أن يسلط عليكم أعداءكم ومن
غير ذلك من سطواته.»
«تفسير السعدي = تيسير
الكريم الرحمن» (ص225):
«{وَعَلَى
اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ}
أي: يعتمدوا عليه في جلب مصالحهم الدينية والدنيوية،
وتبرؤوا من حولهم وقوتهم، ويثقوا بالله تعالى في حصول ما يحبون. وعلى حسب إيمان العبد
يكون توكله، وهو من واجبات القلب المتفق عليها.»
«نظم الدرر في تناسب
الآيات والسور» (6/ 57/58):
{وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا
ذُكِّرُوا بِهِ}
«{ونسوا
حظاً} أي نصيباً نافعاً معلياً لهم {مما ذكروا به} أي من التوراة على ألسنة أنبيائهم
عيسى ومن قبله عليهم السلام، تركوه ترك الناسي للشيء لقلة مبالاته به بحيث لم يكن لهم
رجوع إليه، وعن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: قد ينسى المرء بعض العلم بالمعصية
وتلا هذه الآية.»
«تفسير السعدي = تيسير
الكريم الرحمن» (ص227):
«ولا
وجه لاستغرابهم لخلق المسيح عيسى ابن مريم من غير أب، فإن الله {يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ}
إن شاء من أب وأم، كسائر بني آدم، وإن شاء من أب بلا أم، كحواء. وإن شاء من أم بلا
أب، كعيسى. وإن شاء من غير أب ولا أم [كآدم]»
«تفسير البغوي - طيبة»
(3/ 34):
«{وَقَالَتِ
الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ}»
{قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ
بِذُنُوبِكُمْ} يُرِيدُ إِنْ كَانَ الْأَمْرُ كَمَا زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَبْنَاؤُهُ
وَأَحِبَّاؤُهُ فَإِنَّ الْأَبَ لَا يُعَذِّبُ وَلَدَهُ، وَالْحَبِيبَ لَا يُعَذِّبُ
حَبِيبَهُ، وَأَنْتُمْ مُقِرُّونَ أَنَّهُ مُعَذِّبُكُمْ؟ وَقِيلَ: فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ
أَيْ: لِمَ عَذَّبَ مَنْ قَبْلَكُمْ بِذُنُوبِهِمْ فَمَسَخَهُمْ قِرَدَةً وَخَنَازِيرَ؟
{بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ} كَسَائِرِ بَنِي آدَمَ مَجْزِيُّونَ بِالْإِسَاءَةِ
وَالْإِحْسَانِ.
«تفسير القرطبي = الجامع
لأحكام القرآن» (6/ 124):
«وَإِذْ
قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ
فِيكُمْ أَنْبِياءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكاً وَآتاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِنَ
الْعالَمِينَ (20)»
وَعَنِ الْحَسَنِ أَيْضًا
وَزَيْدِ بن أسلم أن مَنْ كَانَتْ لَهُ دَارٌ وَزَوْجَةٌ وَخَادِمٌ فَهُوَ ملك
ويقال: مَنِ اسْتَغْنَى عَنْ غَيْرِهِ فَهُوَ مَلِكٌ .
«تفسير القرطبي = الجامع
لأحكام القرآن» (6/ 127):
«(ادْخُلُوا
عَلَيْهِمُ الْبابَ فَإِذا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غالِبُونَ) قَالَا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ
لَا يَهُولَنَّكُمْ عِظَمُ أَجْسَامِهِمْ فَقُلُوبُهُمْ مُلِئَتْ رُعْبًا مِنْكُمْ،
فَأَجْسَامُهُمْ عَظِيمَةٌ وَقُلُوبُهُمْ ضَعِيفَةٌ،»
«تفسير السعدي = تيسير
الكريم الرحمن» (ص228):
{فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ
عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الأرْضِ}
«ولعل
الحكمة في هذه المدة أن يموت أكثر هؤلاء الذين قالوا هذه المقالة، الصادرة عن قلوب
لا صبر فيها ولا ثبات، بل قد ألفت الاستعباد لعدوها، ولم تكن لها همم ترقيها إلى ما
فيه ارتقاؤها وعلوها، ولتظهر ناشئة جديدة تتربى عقولهم على طلب قهر الأعداء، وعدم الاستعباد،
والذل المانع من السعادة.»
«تفسير السعدي = تيسير
الكريم الرحمن» (ص229):
«وَمَنْ
أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا»
من أحيا نفسا أي: استبقى
أحدا، فلم يقتله مع دعاء نفسه له إلى قتله، فمنعه خوف الله تعالى من قتله، فهذا كأنه
أحيا الناس جميعا، لأن ما معه من الخوف يمنعه من قتل من لا يستحق القتل.
«تفسير القرطبي = الجامع
لأحكام القرآن» (6/ 157):
«إِنَّما
جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً
أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ
خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيا وَلَهُمْ
فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ (33)»
فَإِذَا أُخِيفَ الطَّرِيقُ
انْقَطَعَ النَّاسُ عَنِ السَّفَرِ، وَاحْتَاجُوا إِلَى لُزُومِ الْبُيُوتِ، فَانْسَدَّ
بَابُ التِّجَارَةِ عَلَيْهِمْ، وَانْقَطَعَتْ أَكْسَابُهُمْ، فَشَرَعَ اللَّهُ عَلَى
قُطَّاعِ الطَّرِيقِ الْحُدُودَ الْمُغَلَّظَةَ، وَذَلِكَ الْخِزْيُ فِي الدُّنْيَا
رَدْعًا لَهُمْ عَنْ سُوءِ فِعْلِهِمْ، وَفَتْحًا لِبَابِ التِّجَارَةِ الَّتِي أَبَاحَهَا
لِعِبَادِهِ لِمَنْ أَرَادَهَا مِنْهُمْ.
«تفسير السعدي = تيسير
الكريم الرحمن» (ص230):
«إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ
يُحارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً أَنْ يُقَتَّلُوا
أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا
مِنَ الْأَرْضِ ذلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ
عَظِيمٌ (33)»
«وإذا كان هذا شأن
عظم هذه الجريمة، علم أن تطهير الأرض من المفسدين، وتأمين السبل والطرق، عن القتل،
وأخذ الأموال، وإخافة الناس، من أعظم الحسنات وأجل الطاعات، وأنه إصلاح في الأرض، كما
أن ضده إفساد في الأرض.»
«تفسير القرطبي = الجامع
لأحكام القرآن» (6/ 175):
«وَالسَّارِقُ
وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما جَزاءً بِما كَسَبا نَكالاً مِنَ اللَّهِ
وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (38)»
وَبَدَأَ سُبْحَانَهُ
بِالسَّارِقِ قَبْلَ السَّارِقَةِ عَكْسَ الزِّنَى بَدَأَ اللَّهُ بِالسَّارِقِ فِي
هَذِهِ الْآيَةِ قَبْلَ السَّارِقَةِ، وَفِي الزِّنَى بِالزَّانِيَةِ قَبْلَ الزَّانِي
مَا الْحِكْمَةُ فِي ذَلِكَ؟ فَالْجَوَابُ أَنْ يُقَالَ: لَمَّا كَانَ حُبُّ الْمَالِ
عَلَى الرِّجَالِ أَغْلَبَ، وَشَهْوَةُ الِاسْتِمْتَاعِ عَلَى النِّسَاءِ أَغْلَبَ
بَدَأَ بِهِمَا في الموضعين.
«تفسير القرطبي = الجامع لأحكام القرآن» (6/ 183):
«سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ
لِلسُّحْتِ»
وَسُمِّيَ الْمَالُ الْحَرَامُ سُحْتًا لِأَنَّهُ يَسْحَتُ
الطَّاعَاتِ أَيْ يُذْهِبُهَا وَيَسْتَأْصِلُهَا. وَقِيلَ: سُمِّيَ الْحَرَامُ سُحْتًا
لِأَنَّهُ يَسْحَتُ مُرُوءَةَ الْإِنْسَانِ.
«تفسير السعدي = تيسير الكريم الرحمن» (ص234):
«{وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ
بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ}»
{وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ} أي: مشتملا على ما اشتملت عليه
الكتب السابقة، وزيادة في المطالب الإلهية والأخلاق النفسية. فهو الكتاب الذي تتبع
كل حق جاءت به الكتب فأمر به، وحث عليه، وأكثر من الطرق الموصلة إليه. وهو الكتاب الذي
فيه نبأ السابقين واللاحقين، وهو الكتاب الذي فيه الحكم والحكمة، والأحكام الذي عرضت
عليه الكتب السابقة، فما شهد له بالصدق فهو المقبول، وما شهد له بالرد فهو مردود، قد
دخله التحريف والتبديل، وإلا فلو كان من عند الله، لم يخالفه.
«تفسير القرطبي = الجامع لأحكام القرآن» (6/ 211):
«فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ) أَيْ
سَارِعُوا إِلَى الطَّاعَاتِ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ تَقْدِيمَ الْوَاجِبَاتِ
أَفْضَلُ مِنْ تَأْخِيرِهَا، وَذَلِكَ لَا اخْتِلَافَ فِيهِ فِي الْعِبَادَاتِ كُلِّهَا
إِلَّا فِي الصلاة في أول الْوَقْتِ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ يَرَى أَنَّ الْأَوْلَى
تَأْخِيرُهَا، وَعُمُومُ الْآيَةِ دَلِيلٌ عَلَيْهِ»
«تفسير السعدي = تيسير الكريم الرحمن» (ص234):
«{فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ} أي:
بادروا إليها وأكملوها، فإن الخيرات الشاملة لكل فرض ومستحب، من حقوق الله وحقوق عباده،
لا يصير فاعلها سابقا لغيره مستوليا على الأمر، إلا بأمرين:
المبادرة إليها، وانتهاز الفرصة حين يجيء وقتها ويعرض
عارضها، والاجتهاد في أدائها كاملة على الوجه المأمور به. ويستدل بهذه الآية، على المبادرة
لأداء الصلاة وغيرها في أول وقتها، وعلى أنه ينبغي أن لا يقتصر العبد على مجرد ما يجزئ
في الصلاة وغيرها من العبادات من الأمور الواجبة، بل ينبغي أن يأتي بالمستحبات، التي
يقدر عليها لتتم وتكمل، ويحصل بها السبق.»
«نظم الدرر في تناسب الآيات والسور» (6/ 191):
{فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ
أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ}
«{أذلة} وهو جمع ذليل؛ ولما كان ذلهم هذا إنما هو الرفق
ولين الجانب لا الهوان، كان في الحقيقة عزاً»
«تفسير السعدي = تيسير الكريم الرحمن» (ص236):
{ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ}
«فالغلظة والشدة على أعداء الله مما يقرب العبد إلى الله،
ويوافق العبد ربه في سخطه عليهم، ولا تمنع الغلظة عليهم والشدة دعوتهم إلى الدين الإسلامي
بالتي هي أحسن. فتجتمع الغلظة عليهم، واللين في دعوتهم، وكلا الأمرين من مصلحتهم ونفعه
عائد إليهم»
«تفسير القرطبي = الجامع لأحكام القرآن» (6/ 237):
«لَوْلا يَنْهاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ
وَالْأَحْبارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ ما كانُوا
يَصْنَعُونَ (63)»
وَدَلَّتِ الْآيَةُ عَلَى أَنَّ تَارِكَ النَّهْيِ عَنِ
الْمُنْكَرِ كَمُرْتَكِبِ الْمُنْكَرِ، فَالْآيَةُ تَوْبِيخٌ لِلْعُلَمَاءِ فِي تَرْكِ
الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ.
«تفسير السعدي = تيسير الكريم الرحمن» (ص238):
«{وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ
آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ
النَّعِيمِ} وهذا من كرمه وجوده، حيث ذكر قبائح أهل الكتاب ومعايبهم وأقوالهم الباطلة،
دعاهم إلى التوبة، وأنهم لو آمنوا بالله وملائكته، وجميع كتبه، وجميع رسله، واتقوا
المعاصي، لكفر عنهم سيئاتهم ولو كانت ما كانت، ولأدخلهم جنات النعيم التي فيها ما تشتهيه
الأنفس وتلذ الأعين.»
«تفسير السعدي = تيسير الكريم الرحمن» (ص240):
«أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ
وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ»
أي: يغفر ذنوب التائبين، ولو بلغت عنان السماء، ويرحمهم
بقبول توبتهم، وتبديل سيئاتهم حسنات.
وصدر دعوتهم إلى التوبة بالعرض الذي هو غاية اللطف واللين
في قوله: {أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ} .
«تفسير السعدي = تيسير الكريم الرحمن» (ص240):
«{كَانَا يَأْكُلانِ الطَّعَامَ}
دليل ظاهر على أنهما عبدان فقيران، محتاجان كما يحتاج بنو آدم إلى الطعام والشراب،
فلو كانا إلهين لاستغنيا عن الطعام والشراب، ولم يحتاجا إلى شيء، فإن الإله هو الغني
الحميد.»
«نظم الدرر في تناسب الآيات والسور» (6/ 260):
{لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى
لِسانِ داوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ
(78)}
«لم ينفعهم مع نسبتهم إلى واحدة من الشريعتين نسبتهم إلى
إسرائيل عليه السلام، فإنه لا نسب لأحد عند الله دون التقوى لا سيما في يوم الفصل إذ
الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين.»
«تفسير القرطبي = الجامع لأحكام القرآن» (6/ 253):
«كانُوا لَا يَتَناهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ
فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كانُوا يَفْعَلُونَ (79)»
وَقَالَ حُذَّاقُ أَهْلِ الْعِلْمِ: وَلَيْسَ مِنْ شَرْطِ
النَّاهِي أَنْ يَكُونَ سَلِيمًا عَنْ مَعْصِيَةٍ بَلْ يَنْهَى الْعُصَاةُ بَعْضُهُمْ
بَعْضًا.
«تفسير البغوي - طيبة» (3/ 85):
«{وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً
لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى} لَمْ يُرِدْ بِهِ جَمِيعَ النَّصَارَى
لِأَنَّهُمْ فِي عَدَاوَتِهِمُ الْمُسْلِمِينَ كَالْيَهُودِ فِي قَتْلِهِمُ الْمُسْلِمِينَ
وَأَسْرِهِمْ وَتَخْرِيبِ بِلَادِهِمْ وَهَدْمِ مَسَاجِدِهِمْ وَإِحْرَاقِ مَصَاحِفِهِمْ،
لَا وَلَاءَ، وَلَا كَرَامَةَ لَهُمْ، بَلِ الْآيَةُ فِيمَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ مِثْلُ
النَّجَاشِيِّ وَأَصْحَابِهِ»
«تفسير القرطبي = الجامع لأحكام القرآن» (6/ 258):
«وَإِذا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى
الرَّسُولِ تَرى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ»
وَهَذِهِ أَحْوَالُ الْعُلَمَاءِ يَبْكُونَ وَلَا يُصْعَقُونَ، وَيَسْأَلُونَ وَلَا يَصِيحُونَ، وَيَتَحَازَنُونَ وَلَا يَتَمَوَّتُونَ، كما قال تعالى: " اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ اللَّهِ (الزمر: 23)
No comments:
Post a Comment