مقتطفات من كتاب القرآن تدبر وعمل (21) سورة البقرة (3) و سورة آل عمران(1)
«تفسير القرطبي = الجامع لأحكام القرآن» (3/ 268): سورة البقرة
{وَالْكافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ (254)}
«قَالَ عَطَاءُ بْنُ دِينَارٍ: وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي قَالَ:"
وَالْكافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ" وَلَمْ يَقُلْ وَالظَّالِمُونَ هم الكافرون.»
«تفسير السعدي = تيسير الكريم الرحمن» (ص110):
«{اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ
سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي
يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ
وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ
وَالأرْضَ وَلا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ}»
هذه الآية الكريمة أعظم آيات القرآن وأفضلها وأجلها، وذلك لما اشتملت عليه من
الأمور العظيمة والصفات الكريمة، فلهذا كثرت الأحاديث في الترغيب في قراءتها وجعلها
وردا للإنسان في أوقاته صباحا ومساء وعند نومه وأدبار الصلوات المكتوبات.
«تفسير ابن كثير - ط أولاد الشيخ» (2/ 440):
«مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إلا بِإِذْنِهِ» وهذا من عظمته
وجلاله وكبريائه عز وجل، أنه لا يتجاسر أحد على أن يشفع لأحد عنده إلا [أن يأذن] له
في الشفاعة.
«تفسير السعدي = تيسير الكريم الرحمن» (ص111):
«{لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ»}
يخبر تعالى أنه لا إكراه في الدين لعدم الحاجة إلى الإكراه عليه، لأن الإكراه
لا يكون إلا على أمر خفية أعلامه، غامضة أثاره، أو أمر في غاية الكراهة للنفوس، وأما
هذا الدين القويم والصراط المستقيم فقد تبينت أعلامه للعقول، وظهرت طرقه، وتبين أمره،
وعرف الرشد من الغي، فالموفق إذا نظر أدنى نظر إليه آثره واختاره، وأما من كان سيئ
القصد فاسد الإرادة، خبيث النفس يرى الحق فيختار عليه الباطل، ويبصر الحسن فيميل إلى
القبيح، فهذا ليس لله حاجة في إكراهه على الدين، لعدم النتيجة والفائدة فيه، والمكره
ليس إيمانه صحيحا.
«تفسير القرطبي = الجامع لأحكام القرآن» (3/ 282):
«لَا إِكْراهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ
فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ
الْوُثْقى لَا انْفِصامَ لَها وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (256)»
وَلَمَّا كَانَ الْكُفْرُ بِالطَّاغُوتِ وَالْإِيمَانُ بِاللَّهِ مِمَّا يَنْطِقُ
بِهِ اللِّسَانُ وَيَعْتَقِدُهُ الْقَلْبُ حَسُنَ فِي الصِّفَاتِ (سَمِيعٌ) مِنْ أَجْلِ
النطق (عَلِيمٌ) من أجل المعتقد.
«تفسير ابن كثير - ط أولاد الشيخ» (2/ 450):
«{اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ
إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ
مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}»
وحد تعالى لفظ النور، وجمَع الظلمات؛ لأن الحق واحد، والكفر أجناس كثيرة، وكلها
باطلة.
«تفسير البغوي - طيبة» (1/ 315):
«{اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى
النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ
إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}»
«قَالَ الْوَاقِدِيُّ: كُلُّ مَا فِي الْقُرْآنِ مِنَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورِ
فَالْمُرَادُ مِنْهُ الْكُفْرُ وَالْإِيمَانُ غَيْرُ الَّتِي فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ،
"وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ" فَالْمُرَادُ مِنْهُ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ،
سُمِّيَ الْكُفْرُ ظُلْمَةً لِالْتِبَاسِ طَرِيقِهِ وَسُمِّيَ الْإِسْلَامُ نُورًا
لِوُضُوحِ طَرِيقِهِ»
«تفسير السعدي = تيسير الكريم الرحمن» (ص111):
«{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ
آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ}»
أي: هو المنفرد بأنواع التصرف، وخص منه الإحياء والإماتة لكونهما أعظم أنواع
التدابير، ولأن الإحياء مبدأ الحياة الدنيا والإماتة مبدأ ما يكون في الآخرة.
«تفسير السعدي = تيسير الكريم الرحمن» (ص113):
«{وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}
.»
أي: بحسب حال المنفق وإخلاصه وصدقه وبحسب حال النفقة وحلها ونفعها ووقوعها موقعها.
«تفسير السعدي = تيسير الكريم الرحمن» (ص113):
«{الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لا
يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ
وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ}»
وإنما كان المنّ بالصدقة مفسدا لها محرما، لأن المنّة لله تعالى وحده، والإحسان
كله لله، فالعبد لا يمنّ بنعمة الله وإحسانه وفضله وهو ليس منه، وأيضا فإن المانّ مستعبِدٌ
لمن يمنّ عليه، والذّل والاستعباد لا ينبغي إلا لله، .
«تفسير السعدي = تيسير الكريم الرحمن» (ص113):
«{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ
وَالأذَى}»
ففيه أن المنّ والأذى يبطل الصدقة، ويستدل بهذا على أن الأعمال السيئة تبطل
الأعمال الحسنة، كما قال تعالى: {ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم
وأنتم لا تشعرون} فكما أن الحسنات يذهبن السيئات فالسيئات تبطل ما قابلها من الحسنات.
«نظم الدرر في تناسب الآيات والسور» (4/ 823):
{وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ
وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ}
«من راض نفسه بحملها على بذل المال الذي هو شقيق الروح وذلت له خاضعة وقل
طمعها في اتباعه لشهواتها فسهل عليه حملها على سائر العبادات، ومتى تركها وهي مطبوعة
على النقائص زاد طمعاً في اتباع الشهوات ولزوم الدناءات »
«تفسير القرطبي = الجامع لأحكام القرآن» (3/ 331):
«يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ
أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَما يَذَّكَّرُ إِلَاّ أُولُوا الْأَلْبابِ (269)»
وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: مَنْ أُعْطِيَ الْعِلْمَ وَالْقُرْآنَ يَنْبَغِي
أَنْ يُعَرِّفَ نَفْسَهُ، وَلَا يَتَوَاضَعَ لِأَهْلِ الدُّنْيَا لِأَجْلِ دُنْيَاهُمْ،
فَإِنَّمَا أُعْطِيَ أَفْضَلَ مَا أُعْطِيَ أَصْحَابُ الدُّنْيَا، لِأَنَّ اللَّهَ
تَعَالَى سَمَّى الدُّنْيَا مَتَاعًا قَلِيلًا فَقَالَ:" قُلْ مَتاعُ الدُّنْيا
قَلِيلٌ" وَسَمَّى الْعِلْمَ وَالْقُرْآنَ"
خَيْراً كَثِيراً".
«تفسير ابن كثير - ط أولاد الشيخ» (2/ 473):
إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوها وَتُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ
فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئاتِكُمْ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ
خَبِيرٌ (271)
«{إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ} أي: إن أظهرتموها فنعم شيء هي.
وقوله: {وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيرٌ لَكُمْ} فيه دلالة
على أن إسرار الصدقة أفضل من إظهارها، لأنه أبعد عن الرياء، إلَّا أن يترتب على الإظهار
مصلحة راجحة، من اقتداء الناس به، فيكون أفضل من هذه الحيثية.»
«تفسير ابن كثير - ط أولاد الشيخ» (2/ 495):
«{يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا
يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ (276)}»
أي: لا يحب كفور القلب، أثيم القول والفعل. ولا بد من مناسبة في ختم هذه الآية
بهذه الصفة، وهي أن المرابي لا يرضى بما قسم اللَّه له من الحلال، ولا يكتفي بما شرع
له من التكسب المباح، فهو يسعى في أكل أموال الناس بالباطل، بأنواع المكاسب الخبيثة،
فهو جحود لما عليه من النعمة، ظلوم آثم بأكل أموال الناس بالباطل.
«تفسير البغوي - طيبة» (1/ 344):
«يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ
كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ (276)»
وَقَالَ الضَّحَّاكُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما {يَمْحَقُ اللَّهُ
الرِّبَا} يَعْنِي لَا يَقْبَلُ مِنْهُ صَدَقَةً وَلَا جِهَادًا وَلَا حَجَّةً وَلَا
صِلَةً {وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ} أَيْ يُثَمِّرُهَا وَيُبَارِكُ فِيهَا فِي الدُّنْيَا،
وَيُضَاعِفُ بِهَا الْأَجْرَ وَالثَّوَابَ فِي الْعُقْبَى {وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ
كَفَّارٍ} بِتَحْرِيمِ الرِّبَا {أَثِيمٍ} فَاجِرٍ بِأَكْلِهِ.
«نظم الدرر في تناسب الآيات والسور» (4/ 139):
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ
الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (278)}
«قال الحرالي: فبين أن الربا والإيمان لا يجتمعان وأكثر بلايا هذه الأمة حتى
أصابها ما أصاب بني إسرائيل من البأس الشنيع والانتقام بالسنين إنما هو من عمل من عمل
بالربا»
هذه آية الدين، وهي أطول آيات القرآن
«تفسير القرطبي = الجامع لأحكام القرآن» (3/ 383):
«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ
مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ»
وَقَالَ الْجُمْهُورُ: الْأَمْرُ بِالْكَتْبِ نَدْبٌ إِلَى حِفْظِ الْأَمْوَالِ
وَإِزَالَةِ الرَّيْبِ، وَإِذَا كَانَ الْغَرِيمُ تَقِيًّا فَمَا يَضُرُّهُ الْكِتَابُ،
وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ فَالْكِتَابُ ثَقَافٌ (فطنة وذكاء) فِي دِينِهِ وَحَاجَّةُ
صَاحِبِ الْحَقِّ.
«تفسير السعدي = تيسير الكريم الرحمن» (ص118):
«{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى
أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ}»
الأمر بكتابة جميع عقود المداينات إما وجوبا وإما استحبابا لشدة الحاجة إلى
كتابتها، لأنها بدون الكتابة يدخلها من الغلط والنسيان والمنازعة والمشاجرة شر عظيم.
«تفسير القرطبي = الجامع لأحكام القرآن» (3/ 406):
«وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ
عَلِيمٌ) وَعْدٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى بِأَنَّ مَنِ اتَّقَاهُ عَلَّمَهُ، أَيْ يَجْعَلُ
فِي قَلْبِهِ نُورًا يَفْهَمُ بِهِ مَا يُلْقَى إِلَيْهِ، وَقَدْ يَجْعَلُ اللَّهُ
فِي قَلْبِهِ ابْتِدَاءً فُرْقَانًا، أَيْ فَيْصَلًا يَفْصِلُ بِهِ بَيْنَ الْحَقِّ
وَالْبَاطِلِ»
«تفسير القرطبي = الجامع لأحكام القرآن» (3/ 415):
«وَلا تَكْتُمُوا الشَّهادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ
وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (283)»
خَصَّ الْقَلْبَ بِالذِّكْرِ إِذِ الْكَتْمُ مِنْ أَفْعَالِهِ، وَإِذْ هُوَ
الْمُضْغَةُ الَّتِي بِصَلَاحِهَا يَصْلُحُ الْجَسَدُ كُلُّهُ كَمَا قَالَ عليه السلام،
فَعَبَّرَ بِالْبَعْضِ عَنِ الْجُمْلَةِ.
«تفسير القرطبي = الجامع لأحكام القرآن» (3/ 430/431):
«لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَاّ وُسْعَها لَها مَا كَسَبَتْ
وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ»
وَجَاءَتِ الْعِبَارَةُ فِي الْحَسَنَاتِ بِ" لَهَا" من حيث هي مما
يَفْرَحُ الْمَرْءُ بِكَسْبِهِ وَيُسَرُّ بِهَا، فَتُضَافُ إِلَى مِلْكِهِ. وَجَاءَتْ
فِي السَّيِّئَاتِ بِ" عَلَيْهَا" مِنْ حَيْثُ هِيَ أَثْقَالٌ وَأَوْزَارٌ
وَمُتَحَمَّلَاتٌ صَعْبَةٌ، وَهَذَا كَمَا تَقُولُ: لِي مَالٌ وَعَلَيَّ دَيْنٌ.
«تفسير ابن كثير - ط أولاد الشيخ» (2/ 528):
{ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا}
«وقوله: {وَاعْفُ عَنَّا}: فيما بيننا وبينك، مما تعلمه من تقصيرنا وزللنا
{واغفر لنا} أي: فيما بيننا وبين عبادك، فلا تظهرهم على مساوينا وأعمالنا القبيحة
{وارحمنا} أي: فيما يستقبل، فلا توقعنا بتوفيقك في ذنب آخر»
«تفسير البغوي - طيبة» (2/ 6): سورة آل عمران(1)
«نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ
وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ (3) }»
{وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ مِنْ قَبْلُ} وَإِنَّمَا قَالَ: وَأَنْزَلَ
التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ لِأَنَّ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ أُنْزِلَا جُمْلَةً
وَاحِدَةً، وَقَالَ فِي الْقُرْآنِ "نَزَّلَ" لِأَنَّهُ نَزَلَ مُفَصَّلًا
وَالتَّنْزِيلُ لِلتَّكْثِيرِ.
«تفسير السعدي = تيسير الكريم الرحمن» (ص121):
«مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالإنْجِيلَ
* مِنْ قَبْلُ هُدًى لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ»
من الكتب السابقة، فهو المزكي لها، فما شهد له فهو المقبول، وما رده فهو المردود،
وهو المطابق لها في جميع المطالب التي اتفق عليها المرسلون، وهي شاهدة له بالصدق، فأهل
الكتاب لا يمكنهم التصديق بكتبهم إن لم يؤمنوا به، فإن كفرهم به ينقض إيمانهم بكتبهم.
«تفسير ابن كثير - ط أولاد الشيخ» (3/ 9): {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ
زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ}
«{فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيغٌ} أي: ضلال وخروج عن الحق
إلى الباطل {فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ} أي: إنَّما يأخذون منه بالمتشابه
الذي يمكنهم أن يحرفوه إلى مقاصدهم الفاسد، وينزلوه عليها؛ لاحتمال لفظه لما يصرفونه،
فأمَّا المحكم فلا نصيب لهم فيه؛ لأنَّه دامغ لهم وحجة عليهم، ولهذا قال الله تعالى:
{ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ} أي: الإضلال لأتباعهم، إيهامًا لهم أنهم يحتجون على بدعتهم
بالقرآن»
«تفسير السعدي = تيسير الكريم الرحمن» (ص123):
«{وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً
لأولِي الأبْصَارِ} .»
فلو نظر الناظر إلى مجرد الأسباب الظاهرة والعدد والعُدد لجزم بأن غلبة هذه
الفئة القليلة لتلك الفئة الكثيرة من أنواع المحالات، ولكن وراء هذا السبب المشاهد
بالأبصار سبب أعظم منه لا يدركه إلا أهل البصائر والإيمان بالله والتوكل على الله والثقة
بكفايته، وهو نصره وإعزازه لعباده المؤمنين على أعدائه الكافرين.
«تفسير السعدي = تيسير الكريم الرحمن» (ص125):
«{شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو
الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}»
وفي هذا دليل على أن أشرف الأمور علم التوحيد لأن الله شهد به بنفسه وأشهد عليه
خواص خلقه، والشهادة لا تكون إلا عن علم ويقين.
«تفسير السعدي = تيسير الكريم الرحمن» (ص127):
«وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ»
وهذا أعظم دليل على قدرة الله، وأن جميع الأشياء مسخرة مدبرة لا تملك من التدبير
شيئا، فخلقه تعالى الأضداد، والضد من ضده بيان أنها مقهورة.
«نظم الدرر في تناسب الآيات والسور» (4/ 330): {ويحذركم الله نفسه}
«فالله سبحانه وتعالى منتقم ممن تعدى طوره ونسي أنه عبد»
«تفسير ابن كثير - ط أولاد الشيخ» (3/ 46):
«{قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ
اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ }(31)»
هذه الآية الكريمة حاكمة على كل من ادّعى محبة الله، وليس هو على الطريقة المحمدية،
فإنه كاذب في دعواه في نفس الأمر، حتى يتبع الشرع المحمدي والدين النبوي في جميع أقواله
وأفعاله، وأحواله.
«تفسير ابن كثير - ط أولاد الشيخ» (3/ 47):
«{قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا} أي: خالفوا
عن أمره {فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ} فدل على أن مخالفته في الطريقة
كفر، والله لا يحب من اتصف بذلك، وإن ادعى وزعم في نفسه أنه [محب لله] ويتقرّب إليه
حتى يتابع الرسول النبي الأمي خاتم الرسل »
«تفسير البغوي - طيبة» (2/ 34):
{ فَنادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرابِ أَنَّ اللَّهَ
يُبَشِّرُكَ بِيَحْيى}
«وَاخْتَلَفُوا فِي أَنَّهُ لِمَ سُمِّيَ يَحْيَى؟ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ
رضي الله عنهما: لِأَنَّ اللَّهَ أَحْيَا بِهِ عُقْرَ أُمِّهِ، قَالَ قَتَادَةُ: لِأَنَّ
اللَّهَ تَعَالَى أَحْيَا قَلْبَهُ بِالْإِيمَانِ وَقِيلَ: لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى
أَحْيَاهُ بِالطَّاعَةِ حَتَّى لَمْ يَعْصِ وَلَمْ يَهُمَّ بِمَعْصِيَةٍ»
«تفسير السعدي = تيسير الكريم الرحمن» (ص129):
«{قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلا تُكَلِّمَ النَّاسَ
ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلا رَمْزًا وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ
وَالإبْكَارِ} .»
أي: ينحبس لسانك عن كلامهم من غير آفة ولا سوء، فلا تقدر إلا على الإشارة والرمز،
وهذا آية عظيمة أن لا تقدر على الكلام، وفيه مناسبة عجيبة، وهي أنه كما يمنع نفوذ الأسباب
مع وجودها، فإنه يوجدها بدون أسبابها ليدل ذلك أن الأسباب كلها مندرجة في قضائه وقدره.
«تفسير السعدي = تيسير الكريم الرحمن» (ص131):
«قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ
قَالَ كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ
لَهُ كُنْ فَيَكُونُ»
ومن حكمة الباري تعالى أن تدرج بأخبار العباد من الغريب إلى ما هو أغرب منه،
فذكر وجود يحيى بن زكريا بين أبوين أحدهما كبير والآخر عاقر، ثم ذكر أغرب من ذلك وأعجب،
وهو وجود عيسى عليه السلام من أم بلا أب ليدل عباده أنه الفعال لما يريد وأنه ما شاء
كان وما لم يشاء لم يكن.
«تفسير السعدي = تيسير الكريم الرحمن» (ص133):
«{الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ} .»
وفي هذه الآية وما بعدها دليل على قاعدة شريفة وهو أن ما قامت الأدلة على أنه
حق وجزم به العبد من مسائل العقائد وغيرها، فإنه يجب أن يجزم بأن كل ما عارضه فهو باطل،
وكل شبهة تورد عليه فهي فاسدة، سواء قدر العبد على حلها أم لا فلا يوجب له عجزه عن
حلها القدح فيما علمه، لأن ما خالف الحق فهو باطل، قال تعالى {فماذا بعد الحق إلا الضلال}
وبهذه القاعدة الشرعية تنحل عن الإنسان إشكالات كثيرة يوردها المتكلمون ويرتبها المنطقيون،
إن حلها الإنسان فهو تبرع منه، وإلا فوظيفته أن يبين الحق بأدلته ويدعو إليه.
«تفسير القرطبي = الجامع لأحكام القرآن» (4/ 106/107):
«قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا
وَبَيْنَكُمْ أَلَاّ نَعْبُدَ إِلَاّ اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ
بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا
بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (64)»
وَفِيهِ رَدٌّ عَلَى الرَّوَافِضِ الَّذِينَ يَقُولُونَ: يجب قبول [قول] الامام
دون إبانة مُسْتَنَدٍ شَرْعِيٍّ، وَإِنَّهُ يُحِلُّ مَا حَرَّمَهُ اللَّهُ مِنْ غَيْرِ
أَنْ يُبَيِّنَ مُسْتَنَدًا مِنَ الشَّرِيعَةِ.
«تفسير القرطبي = الجامع لأحكام القرآن» (4/ 115):
«وَمِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطارٍ يُؤَدِّهِ
إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينارٍ لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَاّ
مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قائِماً»
الْأَمَانَةُ عَظِيمَةُ الْقَدْرِ فِي الدِّينِ، وَمِنْ عِظَمِ قَدْرِهَا أَنَّهَا
تَقُومُ هِيَ وَالرَّحِمِ عَلَى جَنَبَتَيِ الصِّرَاطِ، كَمَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ.
فَلَا يُمَكَّنُ مِنَ الْجَوَازِ إِلَّا مَنْ حَفِظَهُمَا.
«تفسير البغوي - طيبة» (2/ 56):
{ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأمِّيِّينَ سَبِيلٌ}
«وَذَلِكَ أَنَّ الْيَهُودَ قَالُوا: أَمْوَالُ الْعَرَبِ حَلَالٌ لَنَا،
لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا عَلَى دِينِنَا ولا حرمة 61/ألَهُمْ فِي كِتَابِنَا، وَكَانُوا
يَسْتَحِلُّونَ ظُلْمَ مَنْ خَالَفَهُمْ فِي دِينِهِمْ.
وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: قَالَتِ الْيَهُودُ إِنَّ الْأَمْوَالَ كُلَّهَا كَانَتْ
لَنَا فَمَا فِي يَدِ الْعَرَبِ مِنْهَا فَهُوَ لَنَا وَإِنَّمَا ظَلَمُونَا وَغَصَبُونَا
فَلَا سَبِيلَ عَلَيْنَا فِي أَخْذِنَا إِيَّاهُ مِنْهُمْ.»
«تفسير البغوي - طيبة» (2/ 60):
وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا
كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ
«وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: الْعَالِمُ الَّذِي يَعْمَلُ بِعِلْمِهِ، وَعَنْ
سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: فُقَهَاءَ مُعَلِّمِينَ. وَقِيلَ: الرَّبَّانِيُّ
الَّذِي يُرَبِّي النَّاسَ بِصِغَارِ الْعِلْمِ قَبْلَ كِبَارِهِ»
«تفسير السعدي = تيسير الكريم الرحمن» (ص137):
«{كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا
أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ
الظَّالِمِينَ»
فهؤلاء لا يوفقون للهداية، لأن الذي يرجى أن يهتدي هو الذي لم يعرف الحق وهو
حريص على التماسه، فهذا بالحري أن ييسر الله له أسباب الهداية ويصونه من أسباب الغواية.
«تفسير البغوي - طيبة» (2/ 66):
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ
مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَباً وَلَوِ افْتَدى بِهِ أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ وَما
لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ (91)
«عَنْ أَبِي عِمْرَانَ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "يَقُولُ اللَّهُ لِأَهْوَنِ أَهْلِ النَّارِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ: لَوْ أَنَّ لَكَ مَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَيْءٍ أَكُنْتَ تَفْدِي بِهِ؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ فَيَقُولُ: أَرَدْتُ مِنْكَ أَهْوَنَ مِنْ ذَلِكَ وَأَنْتَ فِي صُلْبِ آدَمَ أَنْ لَا تُشْرِكُ بِي شَيْئًا فَأَبَيْتَ إِلَّا أَنْ تُشْرِكَ بِي»
No comments:
Post a Comment